الحاجة للمثقف الذي يفهمه الناس

مهند مبيضين

يبدو المثقف العربي والثقافة العربية اليوم في أسوأ حال، فثمة زحف من قبل رأس المال العربي النفطي على الثقافة، وذلك ليس إلا من باب ستر العورة، وأما المثقف فصاراليوم محل اهتمام الساسة والحكام، ليس لذاته واهميته، بقدر ما هو اهتمام من نوع استكمال تأثيث البيت. يمر المثقف العربي براهنية حرجة فهو كثير التحول في مواقفه، أما من يصمد ويلتزم خطا فكريا ملتزمان فيكفي ان نجد له نعيا من جيرانه في صحيفة شعبية او يعلق خبر وفاته على جذع شجرة، أو عليه أن يهاجر. وأمام حالة الزحف على الثقافة واستخدام المثقف في وجبات الإصلاح السياسي التي لاهدف لها إلا إطالة عمر السطان في قالب جديد، يظهر اليوم أن معضلة الثقافة والسلطة انتهت معركتها من جانب واحد.

ومع ذلك، يبقى للمثقف الملتزم جمهوره، وتزاد الحاجة له، وليس صحيحا ان الجماهير لا تريد ثقافة، بل هي احوج ما تكون إلى المثقف الملتزم بعد ان دبج مثقفوا السلطة الكثير من الادبيات والقصائد في مدح أزمنة السلطان.

نحن اليوم بحاجة لنبحث عن دور للمثقف الحقيقي الذي يصنع الفعل الثقافي ويعاين مجتمعه، وينحاز له، وهنا يبرز سؤال عماده مالذي يفضي بمشاريعنا إلى الإخفاق مع اننا نصوغها وفقا لأحكام العقل؟ ومالذي يجعلنا نضع القناع ونمارس الدور ونعظ بالفضيلة والصلاح وتناضل السنتنا من أجل الحرية والعقلانية، ثم نلقي بذلك كله عند أول قادم يلوح لنا بخيرات من نوع آخر.

اليوم وفي ظل البحث عن اسئلة الراهن التي واجهها المثقف في إطار مفردات الهوية والدور والوظائف تبدو حقيقة مرارة البحث عن مسارات وتبدلات المثقفين ـ خصوصا الأيدولوجيين ـ وتحولاتهم اكثر وضوحا إلى حد قول البعض أنه "لا جدوى من المثقفين وأن علينا أن نصنع بهم ما أردا افلاطون ان يصنع بالشعراء". ليس المطلوب اليوم مثقف صاحب عمامة على غرار رفاعة الطهطاوي وليس المطلوب اليوم مثقفا ايدلوجيا على غرار قسطنطين زريق، اليوم نحن بحاجة إلى مثقف ذو نزعة انسانية ذات وعي لأهمية نصاب الحرية والتقدم في حياة الأفراد، نحن لسنا بحاجة للاكاديمي ولا المثقف المسيس، نحن بحاجة لمثقف يعرف مجتمعة بكامل تفاصيله. يعرف فقره ويعرف لغته ويعرف مستويات التعبير لدى الناس حتى لا يكون مغتربا عنه. يجب ان نعمل على تنمية مساحات البحث في مستقبل المجاميع العربية، يجب ان نمضي بوعي إلى روح التقابل والامتحان، يجب ان نكرس دولة الحاكمية، ويجب ان نحدد دور الدين في الدولة. فإن نجحنا في ذلك سنكون على تخوم انطلاقة تجديد الذات.

هنا الخيار لن يكون ناعما، سواء في دور المثقف أو في تعريفه أو حتى في وظيفته، بل سيجابه، وسيقع البعض تحت خيارات الحياة الرغدة والنفوذ وبين الالتزام والانحياز الكامل لدور المثقف الفاعل المنغمس في هموم مجتمعه، ومع ذلك تستحق حياة أي مثقف ان تجد لها تصنيفا فإما أن يكون المثقف سلطانا او عونا للسلطان، وإما ان يكون المثقف ملتزما موضوعيا، هذا تصنيفان لم يعودا ذات جاذبية، بقدر ما تبدو الحاجة إلى مثقف يعي خطابة كل الناس، دون حاجة لإيضاح مكنون خطابه من قبل غيره. 


أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة فيلادلفيا الاردنية