المثقف والسلطة والواجهة

شهادة

عبد المجيد جحفة

مشهد علق بذهني: كان التلفزيون يرينا صور أطفال، إناث وذكور، في حلل تقليدية، مزوقين، مبتسمين، فرحين بليلة القدر. صدمتني المرأة المستجوَبة، وهي تتحدث عبر التلفزيون. إنها نكافة (والنكافة كلمة مغربية تطلق على مزينة العروس خلال حفل الزفاف) يبدو أنها تحاول محاربة العطالة التي يخلقها رمضان لمهنتها. تقول إنها مثلما تزوق أيدي الطفلات بالحناء في مناسبة ليلة القدر وتلبسنهن ألبسة تقليدية وتصورهن صورا جميلة، تستقبل البالغين والبالغات ممن تزوجوا ولم يقيموا حفل عرس "حيث ما عندهمش" (كما تقول)، فتزين الزوج وزوجته وتلبسهما أجمل الألبسة وتزوقهما وتركبهما على العمارية (وهذا أيضا لفظ مغربي يطلق على مجلس ترفع عليه العروس ويدور بها الدائرون ويرقصون بها وهي تحيي المدعوين من فوق) وتصورهما صورا ثابتة وصورا بالفيديو، فيظهر وكأنه حفل عرس حقيقي، "تا يجيوا يدوزوا العرس عندي" ن تقول، وبإمكانهما أن يطلعا الناس على تلك الصور ويقولوا إننا أقمنا عرسا باذخا وهذه صوره!

لا أدري لماذا ربطت هذه الصورة بصورة بعض مثقفينا ومنتجي بعض الخطابات الثقافية في بلادنا. ولا أدري أيضا لماذا ربطت كل هذا بعلاقة المثقف بالسلطة. فعلا، بعض المثقفين وبعض الهيئات الثقافية غدوا جميعا مثل النكافات.

يقف المتأمل لعلاقة المثقف بالسلطة في السنوات الأخيرة، من خلال الاطلاع على الكتابات المعبرة عن الرأي، على حقيقة مفادها أن المثقف المغربي لا تربطه الآن بالسلطة علاقة توتر، وإنما علاقة رضى وقبول تارة، أو تبعية وجري خلف المصلحة الشخصية تارة أخرى. وبهذا يلجأ إلى التلميع، أو خطاب "ليس هناك أبدع"، في أحسن الأحوال. لقد تحول العديد من المثقفين إلى خبراء للسلطة، ومستشارين لها يبنون تحاليلها ويتبنونها، ويساعدونها على القيام بمهامها الجسيمة (هناك حالة ازدحام "للمثقفين" في دواوين الوزراء).

ولا يقتصر ظهور عدم التوتر في الكتابات المعبرة عن الرأي، بل نجده أحيانا في السلوكات والتصرفات، حتى أننا نجد من ينتظر على أحر من الجمر أن ينادى عليه لتقديم فروض الطاعة للقيام بالخدمة الواجبة. ويعد هذا الأمر في حد ذاته مؤشرا على الإيمان بأن التغيير عند هؤلاء، إن كان يرتجى، لا يمكن أن يأتي من غير هذه السلطة المخزنية نفسها، وهي السلطة القائمة على عدم تبرير السلطة وعدم التحاور بشأنها، وعلى اقتصاد الريع وتوزيع الثروات على المقربين، وعلى عدم الاعتراف بالكفاءة. ونعني بالسلطة أيضا قواعد إعادة إنتاج ذلك. وقد صار المثقف منها. لماذا انتفى وضع التوتر في علاقة المثقف بالسلطة؟ من الأجوبة الممكنة على هذا السؤال أن نقول إن أسباب التوتر انتفت. ولكن، هل انتفت هذه الأسباب فعلا، أم إن الزمن يفعل فعله في تغيير المواقف والأوضاع؟ بالطبع، لم تنتف الأسباب. وعلينا ألا نصدق النكافات. ومن المؤكد أن هذا الوضع يحتم علينا، بصورة أكثر إلحاحا، بذر ثقافة المواجهة عوض ثقافة الواجهة.  


كاتب من المغرب