حوار مهم أجرته الشاعرة والصحفية المصرية عزة حسين مع الراحل سعدي يوسف فيها اجابات شافية على مثقفي سلطة الطوائف وعملاء الاحتلال بشتى اشكاله وسذج الثقافة ممن يدعون موت شعرية سعدي على هامش فوزه بجائزة نجيب محفوظ قبل 9 سنوات.

سعدي يوسف: أنا ضحية الأنظمة المستبدة

الساسة كلهم كذابون والشاعر هو الصادق لأنه بلا مصلحة

عزة حسين

 

"خيباتي في الحب تؤذيني كثيرًا"، أبدأ بهذه الجملة التي كانت خاتمة حوارٍ طويلٍ مع الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف، لألخص كم هو رقيقٌ وهائمٌ بالحياة، حتى ولو على مشارف الثمانين. لا تخدعكم تصريحاته الصدامية، ولا المبالغات الإعلامية بشأن ما يحبه وما ينحاز إليه، وبالطبع من يهاجمه ويعاديه. المسألة أبسط بكثيرٍ عندما يقترب الواحد من شخصٍ من أجمل الصعاليك، يرتدي قرطًا فضيًا في أذنه، وجعرانًا مصريًا في قلادةٍ انجليزية وقبعة مقلوبة، وتي شيرت كاجوال، ويشرب البيرة منذ الصباح,,

الشاعر الكبير الذي أخافني عدد مجاميعه الشعرية والنقلات فيما بينها، وصراعاته مع مجايليه من الشعراء، ومع وطنه الذي يفصله عنه "الاحتلال"، ووجهه في الصور عندما يتجهم، كان أقرب إلى زميل دراسة وأنا أحاوره بمقهى "ريش" بوسط المدينة، ليؤكد عمليًا أنه" لست متعاليًا لكنني حريص على موقفي الذي يمثل بذاته تعاليًا على الخيانات والساسة الكاذبين..."، في عباراتٍ مكثفة سريعة جاوب وعلق "الشيوعي الأخير" على عديد أسئلة حول مواقفه من الشعر والثورات والجوائز والحياة والمجايلين، بعد أيامٍ من اقتران اسمه بالراحل الكبير نجيب محفوظ الذي تسلم جائزةً باسمه من اتحاد كتاب مصر، وإلى نص الحوار:

- ما أهمية أن تذكر ضمن سيرتك الذاتية على موقعك: "شهد حروبًا، وحروبًا أهلية، وعرف واقع الخطر، والسجن، والمنفى"؟

هذه الجملة القصيرة هي ملخص سيرة لي، تتضمن تاريخًا طويلًا وأحداثًا أثرت في حياتي، وتحمل كل كلمةِ بها عديد تفاصيل ومعلوماتٍ، وأعتبرها مهمة جدًا لأنها تقدمني للقاريء بشكلٍ سريعٍ، لذا ذكرتها من أجل إلقاء الضوء على سيرتي ملخصةً.

- وكيف تكون نتيجة ذلك أن تعادي الثورات العربية؟

أنا لم أكن يومًا معاديًا للثورة. حياتي كلها كُرست من أجل الثورة، من أجل التغيير في العالم العربي، ودفعت لقاء ذلك ثمنًا فادحًا بالسجن والمنفى، ومواجهة حملات شرسة من السباب والشتائم، والإهانات، وما زلت أواجه، ومازلت أعتبر نفسي ثوريًا.

الإشكال، منذ سنتين، أنني أبديت رأيًا مبكرًا فيما حدث من إعادة استعمار للبلدان العربية وسمي ربيعًا عربيًا، فحتى التسمية نفسها لم تكن لنا، جاء بها الأمريكان واستعملناها نحن بوسائل الإعلام. و تحت هذا الغطاء مازال الاستعمار الغربي للعرب مستمرًا: ليبيا جرى احتلاله، والعراق طبعًا تعرض لغزوٍ كاملٍ، وتونس كان الانقلاب فيها مدبرًا من الخارج، وما يجري بسوريا هو نفس المقدمات التي جرت لاحتلال العراق وليبيا.

- إذا كنت تقصد التدخل الأجنبي فماذا تقول في مصر؟

ما حدث في مصر مختلفٌ تمامًا، لأن المصريين لم يستعينوا بجيوش أجنبية، ظل الناس يقدمون الشهداء والجرحى ويناضلون عامًا ونصفًا حتى تمكنوا من إزاحة حسني مبارك، وكان للجيش الوطني دورٌ كبيرٌ في الحفاظ على تماسك البلاد ووحدتها. لأن بقاء الجيش موحدًا كفل وحدة البلاد.

- وكيف تحملت ردة الفعل على موقفك، هذا الذي عده البعض انحيازًا للأنظمة الدكتاتورية لأنك مستفيدٌ منها؟

كيف؟ وأين هي الاستفادة وأنا لم أكن يومًا ذا منصبٍ في هذه الأنظمة؟، بالعكس كنت ضحيتها، سُجنت ونُفيت وشُردت من قبل تلك الأنظمة. وعمومًا الناس الآن معي، صاروا يقولون إن فلان قال رأيًا مبكرًا وأثبت الزمن صحته.

- لكن لماذا اخترت إعلان هذا الموقف شعرًا عبر قصيدة "أي ربيع عربي"؟

ومن قال إن هذه قصيدة؟، هي مقال نثريٍ قصير جدًا، لا أدري كيف تم تلقيها شعرًا، اللوم على القاريء الذي لم يستطيع التمييز بين الشعر والنثر، ماذا أفعل له أنا؟، لست مسئولًا عن تصنيفها شعرًا، ومن ثم الهجوم عليها بمنطق الشعر.

- أهنئك على جائزة نجيب محفوظ وافتتح بها سؤالك عن إشكالية "نوبل.. سعدي يوسف.. أدونيس..

أشكرك، لكن في الواقع ليس الحديث عني فيما يخص نوبل كثيرًا ومتواترًا كما يحدث مع أدونيس، لم أفكر يومًا، على الإطلاق، بهذا الأمر، صحيح أن لي صديقًا بالسويد أخبرني منذ أكثر من ثلاث سنوات بأن اسمي على قائمة المرشحين، لكني لم أتابع أي شيءِ حول الموضوع ولم أستفسر إذ لم أكن معنيًا بالأمر، لأنني لا أريد أن أضع نفسي بموضع أدونيس.

- بمعنى؟

بمعنى لا أريد أن يقول أحد إن هناك شخصًا آخر يتحدث عن هذه الجائزة، فأدونيس مثلًا منذ أواخر الثمانينيات، كان يعتقد أنه المؤهل أكثر للجائزة، ويتجدد الكلام حولها كل عامٍ، ومضى أكثر من 20 عامًا دون أن يحصل عليها.

- ما السبب العميق للصراع المعلن مع أدونيس؟ وهل هو صراع شخصي أم منافسة شعرية؟

لا يوجد بيننا أي صراعٍ. نحن صديقان نلتقي في شئون كثيرة، وليست بيننا خصوماتٍ في الواقع، ولا احتكاكات، أو سجالات، بالعكس كثيرٌ من مراحل حياتنا كانت مشتركة، فمثلًا في حصار بيروت كنا ننزل كلانا إلى ملجأٍ تحت الأرض، وفي باريس كنت أزوره باستمرار، وعندما كان يذهب إلى سوريا كنت أذهب إلى قريته ونلتقي بمنزله هناك قريبًا من بلدة جبلة.

لكن بعض الصحفيين بخاصةٍ في لبنان يثيرون ذلك من حينٍ إلى آخر، ويسألونه فيقول لهم لا شيء بيننا، ونفس الشيء معي،الأمر كله افتراء حقيقي.

- هل لازلت ناقمًا على العراق الجديد؟

والله أنا بلدي محتلٌ وأنا ناقمٌ على الاحتلال. لا أحد ينقم على بلده، وإن كنت أسعى إلى شيءٍ فإلى تحرير بلدي. وعلاقتي بالمثقفين العراقيين جيدة، يبعثون إلى بكتبهم وأبعث لهم برأيي، وأحيانًا أقدم لبعضها مقدمات قصيرة، لكن موقفي السياسي واضح وثابت لأي إنسانٍ بسيط.

- وماذا عن إعلانك أنك لا تتشرف بعراقيتك؟

ما قلته ببساطة إنني لا أتشرف بالعراق المستعمر، وأتشرف بالعراق الوطني، لكن الإذاعة الأمريكية نقلت الخبر مشوهًا وبثته إلى كل مكان في العالم على طريقة "ولا تقربوا الصلاة".

- تعرف كم أنت محظوظ لأكثر من سبب: تواصل الإنتاج والحمدلله، تسامح االناس معك دائمًا رغم تصريحاتك الصدامية، طول العمر نسبةً بشعراء آخرين كالسياب وأمل دنقل وكثيرين، إلى أي مدي يؤثر ذلك على الكتابة؟

ليس عندي شيئ أفعله سوى الكتابة، وبالذات الشعر. مؤخرًا اتفقت مع الهيئة العامة للكتاب على طباعة أعمالي الكاملة، هي سبعة مجلدات، تقع في ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة، مشروع ضخم فعلًا.

- هل تعتبر أن عبد المعطي حجازي ظلمك عندما لم يمنحك جائزة الملتقى الأول للشعر العربي ومنحها لدرويش؟

لا. تلك أيضًا كانت محاولة للوقيعة بيني وبين محمود درويش لكننا تفادينا إفساد العلاقة الحميمة بيننا. حجازي صاحبي، في مصر وفي باريس كنت أزوره ويستقبلني هو وزوجته دائمًا، وأنا ليست لي عداوة مع شاعر أبدًا.

- البعض يعتبرك من الصعاليك "العظام".. هل الصعلكة موقف؟

نعم، فمثلًا أنا لا أؤمن بالملكية، ودائم التنقل بين البلدان، ولم أرتبط بمؤسسةٍ أو سلطة أو نظام، لكنني أشعر بأنني امتلكت الحرية المطلقة، و حياتي اليومية هي حياة إنسان يبتهج بالحياة ويستمتع بها، يلبس جيدًا، يأكل جيدًا، ويشتري أغلى الأنبذة، ويعيش مستوى معيشةٍ عال بشكل ما، لكنني صعلوك بالمعنى العربي للصعلكة الذي ينطبق على الشاعر المتحرر من كل قيود وسلطة القبيلة.

- "لم أهتم بالمتصوفة لأنهم مؤمنون، ولذلك فإن التصوف محدود الأفق. ولأن التصوف مؤمن فإنه لا يقدم إشكالا".. هل يعني ذلك أن قلقك الوجودي هو محفز الشعر لديك؟

نعم، الأوربيون يفضلون شعر التصوف العربي ويهتمون بترجمته، ويهملون القصائد التي تعبر فعلًا عن مشكلات مجتمعنا، وتاريخنا والموقف من الثقافات الغربية و كأن الشعر العربي هو فقط شعر التصوف. إشارتي بأنني لا أعتد بشعر التصوف، سببها أولًا أن المتصوفة مؤمنون، ثم لأن الشعر نفسه ضعيف، فابن الفارض مثلًا مقلد، وشعر التصوف الإسلامي محدود هو مجرد تمجيد للخالق وليست لديه أسئلة، والفن دائمًا يثير أسئلة.

- حدثنا عن اللغة هل تكتب بلغة غير العربية.. وهل تضع في حسبانك جمهورًا غير الجمهور العربي؟

أحيانًا أكتب مقالاتٍ وقصص قصيرة بالإنجليزية، لكنني لا أكتب الشعر إلا باللغة العربية، وقد أترجم بعض النصوص إلى الإنجليزية أو لا أفعل. أيضًا أنا التقيت مع عديد من شعراء العالم الآخرين قالوا إنهم لا يكتبون إلا باللغة الأم، ولا يمكن أن يكتبوا بلغةٍ أخرى.

المسألة لا تتعلق فقط بالشاعر وإنما تتعلق أيضًا بالناس، فأنا أكتب إلى جمهور عربي، ولا يعنيني، خصوصًا في الفترة الأخيرة، إلقاء قصائدي إلى 20 أو 25 عجوز انجليزية في قاعة، لا أحتاج إليهم ولا أطلب رضائهم، لذا تركت الأنشطة التي من هذا النوع، وهي كثيرة في أوروبا لكن مع الوقت يضجر المرء منها لأنها سخيفة وبلا معنى.

- رغم تصالحك مع قصيدة النثر نجدك منزعجًا من كتابها هل يعني ذلك أنك لا تعترف بأيٍ من الشعراء الموجودين في الساحة العربية من كتاب هذه القصيدة؟

ولماذا التعميم؟ أنا لا أستطيع أن أعمم. رغم ما ورد عني من موقف سلبي تجاه قصيدة النثر أرحب بها باعتبارها شكلًا، لا أقول جديدًا، لأنها موجودة منذ القرن الـ19 في أوروبا وفي الولايات المتحدة. أرحب بها كشكلٍ يضاف إلى الأشكال التحديث الأخرى في القصيدة المعاصرة. اعتراضي أن قصيدة النثر عند "بودلير" في فرنسا، و "والت ويتمان" في أمريكا كانت من أجل إنزال الشعر من برجه العاجي، والاهتمام بأحوال الناس، فـ"بودلير" ارتبطت قصيدته بفتح ميدان "البوليفار" في باريس الذي أتاح للناس أن تمشي أكثر في الشوارع، وسلط الضوء في أول قصيدة نثر على ناس فقراء، وهذا كان يعني شيئًا كبيرًا. و"والت ويتمان" في الجهة الأخرى من العالم أيضًا اهتم في عمله الشهير "أوراق العشب" بناس عاديين في أمريكا، أما قصيدة النثر العربية في أكثر نصوصها ليست لها علاقة بالشارع وإنما بهواجس ذاتية وتهويمات شخصية، ليست لها علاقة بالناس، وإنما بالفرد، وهذا الشيء أبعد قصيدة النثر العربية عن الحياة، بدلًا من أن يهتم الشاعر بحياة الناس.

- محمود درويش ـ محمد الماغوط ـ أدونيس ـ وأحمد عبد المعطي حجازي كيف ترى هذه الأسماء شعريًا وشخصيًا؟

كلهم أصدقائي وكلهم شعراء جيدين، ربما هناك تفاوت وتمايز بينهم لكن جميعهم شعراء كبار أسهموا بدورهم في تطوير القصيدة في هذا البلد أو غيره ودخلوا في البانوراما الواسعة للشعر العربي.

- من أهم وأجمل دواوينك "الأخضر بن يوسف" لماذا يكون الإنسان رائعًا كل هذا الحد عندما يتحدث عن سيرته الذاتية؟

لأن المادة المتوافرة تكون أكثر ثباتًا وملموسية وبالإمكان السيطرة عليها، أحيانًا تكون المادة مائعة وزئبقية وغير ممسوكة، لكن خبرتك الشخصية تكون مسيطر عليها أساسًا.

- وإلى أي مدى تمثلك هذه الشخصية الشعرية؟

إلى حد كبير. فقد صار حولي نوع من الأسطورة، صار الناس يقولون إن فلان متشرد، متنقل، لديه مغامرات وهذا به شيء من الحقيقي وشيء من الوهم، وصرت أنا سعيد بهذا الموضوع. وكذلك مابيني وبين الأخضر بن يوسف، هذه الشخصية التي اختلقتها ثم اختلطت علي المسألة فأصبحت أصدق نفسي أنني هذا الشخص. وبالمناسبة هذا الديوان تحول إلى فيلم تستطيعين مشاهدته على موقعي الإلكتروني، وهو فيلم مهم جدًا لأنه يضعني بين الحقيقة والواقع يصور لقطات معي بمنزلي ولقطات أخرى بالغابة وغيرها.

- ارتباط الشعر بالحواس، اليومي والمعيش، المادية بمعنى اللا ميتافيزيقا يقرب شعرك من مفهوم التدوين أو السيرة الذاتية إلى أي مدى تعتبر ذلك حقيقي؟

الحواس هي وسيلة الارتطام الأولى. أنا لا أبدأ القصيدة من فكرة أبدًا وإنما من الحاسة لأنها العلاقة الأولى مع الطبيعة والكون، الأفكار لا تستثيرني على الإطلاق كمدخل أو كوسيلة لبداية أي نصٍ، أؤمن فقط بالصورة وأعتبرها تشكل العمود الفقرى للنص، وفيما يخص السيرة فلا بد أن يكتب الواحد عن تجاربه وعن خبرته المباشرة.

- ماذا عن "الأوديسا" هل توغلت فيها أما ما زالت تخطيطًا؟

الأوديسا كانت مشروعًا بدأته ثم انصرفت عنه لانشغالي بمشاريع أخرى، أهم من وجهة نظري، هي لا تزال تخطيطًا كتبت به صفحتين منذ عشر سنين، ولا أعرف حتى أين هي بالمكتبة الآن، وليست عندي رغبة في العودة إليها قريبًا، ربما أكون مشغولًا أكثر بالطبعة الجديدة من أعمالي الكاملة.

- وماذا عن الشيوعي الأخير لماذ كل هذا التمسك به لدرجة منحه ديوانًا كاملًا وما العلاقة بينه وبين الأخضر بن يوسف؟

الشيوعي الأخير هو التجلي الجديد للأخضر بن يوسف، شخصية دون كيشوتية لها علاقة بالحياة اليومية، وتشبه الأخضر بن يوسف من حيث كونها شخصية مبتدعة تمثل أحدًا هو سعدي يوسف.

- بعد كل هذه السنوات والمنجز الكبير كمًا وكيفًا مالذي يمكن أن تقوله عندما تتحدث عن الشعر؟

أقول أنا مجنون، كيف كتبت كل هذا الشعر؟!.. هناك بالتأكيد نوع من الجنون واختلال المقاييس.

- القفزات كانت واسعة بين كل مرحلة شعرية وأخرى...

نعم فأنا أتخلى بالكامل عن مرحلة جمالية معينة وانتقل لأخرى، نفس الأمر مع نجيب محفوظ فهو الذي بني كاتدرائية الرواية الكلاسيكية وهو الذي هدمها بيده، وشيد رواية جديدة مختلفة تمامًا، وكذلك أنا، لا أحب الإقامة في مرحلة، ثمة أشياء جديدة تطرأ دائمًا، وهناك دائمًا اطلاعات، ومشاهد جديدة بالكامل، وهذا يستدعي تغييرًا في الأسلوب.

- مالذي يمكن ان تقوله عن الشعر سوى كونه ضربًا من الجنون؟

الشعر منحني السعادة المطلقة، والحرية المطلقة، أنا سعيد لأنني شاعر، وحر لأنني شاعر، وحتى مواقفي في الشئون العامة التي تبدو أحيانًا متطرفة تستمد قسوتها تلك من حريتي كشاعر، فأنا أعتقد أنا الساسة كلهم كذابون والشاعر هو الصادق لأنه بلا مصلحة.

- كما تقول عن نفسك وكما يبدو عليك أنت شديد الحب للحياة، لكن أيهما أجمل الحياة أم الشعر؟

الحياة بالشعر هي الأجمل. أن تسيري في الحياة وأنت تتمثلين قيم الشعر: الجمال والموسيقى والرهافة. تعرفين: كانت علاقتي بالشاعر العراقي "سركون بولص" جيدة، وكانت بيننا لقاءاتٍ وجلسات طويلة بلندن. عندما تجلسين مع "سركون بولص" تجدينه يصغي إليك ولا يصغي، إذ يكون معنيًا باقتناص ما حوله، كل شيءٍ حوله يريد تحويله إلى قصيدة، لأنه يقرأ العالم قراءة انتفاعية من أجل الشعر.

مع كل هذا الاحتفاء بالشعر والحياة لماذا تبدو صادمًا ومتعاليًا كثيرًا في تصريحاتك؟

السياسيون كلاب ينبغي أن أصدمهم، هذه الأحزاب الخونة، والسياسيون الكلاب يستحقون ذلك، لكن ليس لهذا علاقة بالشعر، هي مسئولية تجاه الشأن العام. لكنني بشكلٍ شخصيٍ لست متعاليًا، وإنما حريص على حريتي وموقفي الشخصي الذي هو بذاته متعالٍ على الوساخات والخيانات والساسة الكاذبين.

- القرط والقلادة أيضًا من قبيل الصدمة للآخر؟

القرط والقلادة صدمة للمحافظين. وينبغي أن يكون الفنان مختلفًا لا جزء من القطيع، وإنما متفردًا ومتحديًا بشكلٍ ما، هذه القلادة يتوسطها "جعران" مصري وأنا أحبها، حتى لو استغربها الناس، أحب أن أبدو مختلفًا.

تحدثنا كثيرًا عن السعادة والحب والاحتفاء بالحياة ولكن في المقابل مأكثر شيء يقلقك أو يوجعك؟

سيطرة الرأسمالية الوحشية على العالم، شن الحروب على الدول الفقيرة والشعوب المسكينة.

- للأسف بهذه الطريقة قلقك سيدوم لأن الرأسمالية لن تنتهي قريبًا..

ولو. ينبغي للفنان دائمًا أن يبحث عن أسئلة...

وعلى المستوى الشخصي ما الموجع بالنسبة للشيوعي الأخير؟

خيباتي في الحب تؤذيني كثيرًا. لكنها عمومًا ليست مستمرة، مايجعلها لطيفة ومحفزة على الكتابة.

- الحب خاتمة جيدة لهذا الحوار، أشكرك جدًا وأتمنى لك طول العمر ودوام الإبداع..

أشكرك.

نشر بجريدة أخبار الأدب

عام 2012