الكاتبة الجزائرية زهور ونيسي بين جسور الأدب والسياسة
كاتب من الجزائر اختارت السيدة زهور ونيسي أن تحتفل ببلوغها سن السبعين بطريقتها الخاصة، لتصدر رواية بعنوان جسر للبوح وآخر للحنين، وهي التي قضت حياتها بين جسرين.. جسر الكتابة الأدبية، وجسر النضال والانخراط في السياسة. ابنة مدينة الجسور (قسنطينة بالشرق الجزائري)، لم تقطع صلتها بجسر الكتابة الذي ظلت وفية لها، ليبقى جسرها الأساسي الذي تواصلت من خلاله مع الذين أجبوها وقرؤوا لها، وفي سن متقدمة وبعد رحلة شاقة من جسر إلى آخر جلست في لحظة تأمل طويلة كانت محصلتها رواية جسر للبوح وآخر للحنين الصادرة في الثلاثي الأول من هذه السنة عن منشورات زرياب في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية، لكن تلك اللحظة أعادتها سنين طويلة إلى الوراء، إلى سن الطفولة حيث الجسور المعلقة، وقد بقيت هناك موزعة بين جسر للبوح بتفاصيل تلك الرحلة الشاقة، وآخر حنينا إلى تلك الطفولة التي لن تعود. هذه السيدة التي تعتبر من الرائدات، فهي من أوائل نوّاب البرلمان الجزائري من الناس، وأول امرأة حاولت كتابة رواية من خلال عملها يوميات مدرّسة حرة، وأول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة وربما في تاريخ الجزائر قديمه وحديثه، أثبتت وفاءها للكتابة، كهم أول مقدم على هم النضال السياسي الذي انخرطت فيه باكرا، وقد كانت الرحلة فعلا شاقة، وكانت زبدتها تلك الرواية التي تلخصها في أنها رحلة إلى أغوار تاريخ مدينة، رمز لكل الوطن، برقمها المقدس سبعة في جسورها، وقصباتها، وأوليائها، وما يحمله كل ذلك وغيره من زخم تراثي ، وموروث شعبي. لكن الرحلة لم تكن أدبية خالصة، بين كانت سياسية أيضا من خلال الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات وتأسيسها للمجلة التي كانت تصدر عن تلك المنظمة الجزائرية، التي ظلت في عهدها تصدر بانتظام وفي حلة جميلة، وكانت تطمح لأن تكون بالفعل لسان حال المرأة الجزائرية، ثم انتخابها نائبا في البرلمان سنة 1977، سنة بعد العمل بدستور1976 الذي أعاد الحياة النيابية التي غابت بعد انقلاب بومدين على بن بلة سنة 1965، ثم أول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة، وحول تلك المحطة قالت السيدة زهور: الأمر بدأ مع اقتراح الأخ الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان ذلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، عملت كثيرا وناضلت بالكتابة وداخل الاتحاد النسائي أيام الحزب الواحد، ولم أكن أتصور يوما أن أكون وزيرة أو أي منصب من هذا القبيل، وعندما استدعاني الأخ بن جديد وعرض عليّ منصب كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية، قبل أن تتحول إلى وزارة كنت متردّدة كثيرا وكدت أرفض، وعند إلحاح الرئيس وتمسكه باقتراحه، طلبت أن أمهل ساعات لأستشير الأسرة وفي الحقيقة استشرت زوجي الذي نصحني بأن لا أرفض، ففي الحقيقة أن الثورة هي التي كرّمتني بذلك المنصب وألا يجوز التأخر عن ذلك الأمر، وحول تلك التجربة الفريدة قالت: كانت تجربة رائعة جدا.. قضيت فيها أجمل سنوات عمري، ولأن المسؤولية كانت تكليفا وليس تشريفا، فأنا مقتنعة بأني عملت بكل جهدي وأعتقد بأني نجحت بامتياز بدليل أني فتحت المجال لنساء أخريات نجحن بدورهن في تسيير وزارات مهمة، ورغم انخراط السيدة زهور في السياسة إلا أنها لم تقطع يوما صلتها بالكتابة الأدبية، وظلت تكتب وتنشر إلى الآن، وقبل رواية جسر للبوح وآخر للحنين، عرفت بالكثير من الكتب، الرصيف النائم وهي مجموعة قصصية صدرت بالقاهرة سنة 1967 بالقاهرة، على الشاطئ الآخر مجموعة قصصية صدرت سنة 1974 بالجزائر، من يوميات مدرسة حرة 1978 بالجزائر وهي أول رواية كتبها امرأة جزائرية، ثم الظلال الممتدة سنة 1982 وهي مجموعة قصصية، و لونجة والغول وهي ثاني رواية لها صدرت سنة 1994، ثم عجائز القمر 1996 وهي مجموعة قصصية ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان روسيكادا صدرت سنة 1999، ثم جمعت زبدة المقالات التي كتبتها في الأدب والسياسة والمجتمع في كتاب صدر سنة 1999 بعنوان نقاط مضيئة. والآن وقد تجاوزت السيدة زهور ونيسي سن السبعين، لم تتوقف عن الكتابة والتفكير في مشاريع الكتابة، فهي بصدد كتابة سيناريو يتناول مأساة الجزائريين الذين نفاهم الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة، ذلك السيناريو الذي اتفقت بشأنه مع المخرج الجزائري سعيد عولمي من اجل تحويله إلى مسلسل سيرى النور مستقبلا، وما زال في جعبتها مشروع مجموعة قصصية سترى النور قريبا. وبعد عودة السيدة زهور إلى مدينتها الأول واستعادتها لتلك الطفولة التي كانت موزعة بين الجسور السبعة لتلك المدينة، بقيت زهور وفية للعبة الجسور تلك ومن بين الجسور يبدو أن جسر الكتابة هو الأقرب إلى وجدانها، ذلك الجسر الذي ربطها بالكثير من القراء الذين عرفوها منذ صدور كتابها الأول قبل أربعين سنة، وليس وصولا إلى روايتها الصادرة أخيرا، فجعبة السيدة مازالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة. khierchouar@gmail.com