قصيدة سيناريو جاهز من أواخر قصائد محمود درويش، وقد أشار في نهايتها إلى شاعر أخر يأتي ليكملها، ويستشف القارئ منها أن محمود درويش قد فقد الأمل بعد كل ما تمناه من العدو في السلام والحرب، وها هي محاولة للتواصل أو لتكملة سيناريو درويش من خلال سيناريو مكتمل.

سيناريو جاهز/ سيناريو مكتمل

محمود درويش/ كريم معتوق

لنفترضِ الآن أَنَّا سقطنا،
أَنا والعَدُوُّ،
سقطنا من الجوِّ
في حُفْرة ٍ ...
فماذا سيحدثُ ؟
سيناريو جاهزٌ :
في البداية ننتظرُ الحظَّ ...
قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا
ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا
فيقول : أَنا أَوَّلاً
وأَقول : أَنا أَوَّلاً
وَيشْتُمني ثم أَشتمُهُ
دون جدوى،
فلم يصل الحَبْلُ بعد ...
يقول السيناريو :
سأهمس في السرّ:
تلك تُسَمَّي أَنانيَّةَ المتفائل ِ
دون التساؤل عمَّا يقول عَدُوِّي
أَنا وَهُوَ،
شريكان في شَرَك ٍ واحد ٍ
وشريكان في لعبة الاحتمالات ِ
ننتظر الحبلَ ... حَبْلَ النجاة
لنمضي على حِدَة ٍ
وعلى حافة الحفرة ِ - الهاوية ْ
إلي ما تبقَّى لنا من حياة ٍ
وحرب ٍ ...
إذا ما استطعنا النجاة !
أَنا وَهُوَ،
خائفان معاً
ولا نتبادل أَيَّ حديث ٍ
عن الخوف ... أَو غيرِهِ
فنحن عَدُوَّانِ ...
ماذا سيحدث لو أَنَّ أَفعى
أطلَّتْ علينا هنا
من مشاهد هذا السيناريو
وفَحَّتْ لتبتلع الخائِفَيْن ِ معاً
أَنا وَهُوَ ؟
يقول السيناريو :
أَنا وَهُوَ
سنكون شريكين في قتل أَفعى
لننجو معاً
أَو على حِدَة ٍ ...
ولكننا لن نقول عبارة شُكـْر ٍ وتهنئة ٍ
على ما فعلنا معاً
لأنَّ الغريزةَ ، لا نحن،
كانت تدافع عن نفسها وَحْدَها
والغريزة ُ ليست لها أَيديولوجيا ...
ولم نتحاورْ،
تذكَّرْتُ فِقْهَ الحوارات
في العَبَث ِ المـُشْتَرَكْ
عندما قال لي سابقاً :
كُلُّ ما صار لي هو لي
وما هو لك ْ
هو لي
ولك ْ !
ومع الوقت ِ ، والوقتُ رَمْلٌ ورغوة ُ صابونة ٍ
كسر الصمتَ ما بيننا والمللْ
قال لي : ما العملْ؟
قلت : لا شيء ... نستنزف الاحتمالات
قال : من أَين يأتي الأملْ ؟
قلت : يأتي من الجوّ
قال : أَلم تَنْسَ أَني دَفَنْتُكَ في حفرة ٍ
مثل هذى ؟
فقلت له : كِدْتُ أَنسى لأنَّ غداً خُـلَّبـاً
شدَّني من يدي ... ومضى متعباً
قال لي : هل تُفَاوضني الآن ؟
قلت : على أَيّ شيء تفاوضني الآن
في هذه الحفرةِ القبر ِ ؟
قال : على حصَّتي وعلى حصّتك
من سُدَانا ومن قبرنا المشتركْ
قلت : ما الفائدة ْ ؟
هرب الوقتُ منّا
وشذَّ المصيرُ عن القاعدة ْ
ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة ْ
.. وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو
إلى آخره ْ !

سيناريو مكتمل

كريم معتوق



سأوهمه أنني أعرفُ السحرَ والغيبَ
والانتقامْ
سيدنو قليلاً
فمن ذا الذي لا يصدق في حفرة أي شيء يقالُ
وتعلو المعاني وتسمو الأماني بسقط الكلامْ
يراني له قشة الماءِ
وقد كان من قبل وهما يراني
وإن قال هيا
أقول شروطي
فكم ذاب قلبي وكم ذاب شعبي
وكم مات من قبل تحت شروطكَ سربُ الحمامْ
أقول لنكملَ ملحمةَ الموتِ
أنا مثلُ شعبي سلاحي الحجارة
وأنتَ كشعبكَ تطلقُ حيناً مسيلَ الدموعِ
وحيناً رصاصاً فما عاد شيء يهمُّ
وإن قال ما من رصاصٍ لديَّ
أقول لدي حجرْ
لنبدأ ، هذي شروطي
وما من مكان لأسرى ، هو الموتُ ما بيننا أو سلامْ
ويروي السيناريو:
سألزمه الصمتَ
قد يعبرُ الآن صيادُ موتى
فيسلبنا ما تبقى لنا من فتات الأملْ
سيَعجبُ ، لكنه سيخافُ ويصمتُ
لا شيء في ظرفنا يكتملْ
نظنُّ قليلاً نخافُ قليلاً نعيشُ قليلاً
وحبلُ النجاةِ سيأتي قليلاً وقد لا يصلْ
أنا وعدوي سنوقف ساعات أوقاتنا
وقد نسبق الوقت شبرين
قد نسبق الحلم يومين
يأتي الأجلْ
أعلمه الحزنَ والخوفَ والرعبَ
كل الذي كان منه إليْ
وكل السموم القديمة هذا أوان سداد الديونِ
وكل الذي كان منه عليْ

يقول السيناريو:
سيذكر أجداده الفاتحينْ
بزهو المقاتلِ
من غير أن يذكرَ النازحينْ
سيروي لي القصصَ المنتقاةَ
ويفتحُ تلموده كي أراه
وكي أتهجاه بعد سنينْ
ولم يدر أني أراه جميلاً
أراه جديراً بهذي الحياةِ
إذا ما رآني جديراً بها مثله دون نقصٍ
ودون الجنازات للراحلينْ
سأسأل قد كنت طفلا بريئاً
فكيف اهتديت لطبع العقارب
حب الأذية للآمنين
يقول السناريو :
سيخبرني أن لي خبرةً في المماتِ
سأخبره أن لي خبرةً في الحياةِ
سيضحكُ ... أضحكُ
يهزأ ... أهزأُ
ندٌ لندٍ متى سوف يفهم هذا المحاربُ
أن الحياةَ ستتسعُ اثنين من جنسنا
ومن لوننا ومن طيننا
وتحتمل الآن أدياننا
متى سوف يفهمُ هذا المهاجرُ
هذا الغريبُ معي ها هنا
بأن الرمالَ التي حاصرتنا بحفرة موتٍ
ستدفن تاريخه المعلنا
إذا ما ارتضى أن يكون سواه
الذي كان فوق التراب قبيلَ قليلٍ
يدندنُ بالرعبِ في سمعنا
ويمتهنُ الموتَ في قتلنا
قبيلَ النهايةِ يحكي السيناريو
بأن العدو يحبُّ السلامْ
ولكنه لا يريدُ السلامْ
يقول الخنادقُ مهنةُ ( غزةَ ) فاحفرْ لأنجو
أقول إلى أين ؟ أي اتجاهٍ سينجيكَ وحدك
يقول معي أنتَ
أعجبُ منه وأسألُ ، تقبلُ ضدك ؟
يقول نعم ، ليس فوق الترابِ
أقول نعم ليس فوق الترابِ ولا عند حفرتنا الغائرةْ
أدرْ وجهك المستريب بعيداً
لأسمع أنفاسي الثائرةْ
وأبكي على فرصةٍ جمعتني
بمن لا أحبُّ ومن لا يحبُّ
بمن جاء من نطفةٍ جائرةْ

nadooy60@hotmail.com