كان زوجى تسبح روحه فى اكتئاب حاد حتى صرعها تاركاً إيّاى وفتاتينا الصغيرتيْن شادية وسُكينة، وكنتُ أحبه كثيراً جداً وتأثرتُ بموته لدرجة أننى لمْ أجد عِوضاً عنه غير ان أنتقم من هذه الأسقام التى تنال من النفس فترْديها تحت سترة التراب، أصرع الأسقام قبل ان تصرعهم.
واخذتُ افك شفرات طلاسم النفس وأكشف ستائر خلجاتها حتى صارتْ تلك النفس بدروبها وجوانحها ومفاصلها مترائية ومطواعة.
فتوقد ذهنى أيّما توقد وتبحرتُ فى هذا العلم النفيس وحصلتُ على أعلى درجة علمية من أكبر جامعات العالم وتُوّجتُ أخيراً على عرش الأدب بحصولى على جائزة نوبل فى الأدب .
درّستُ انا ا.د افكار فى اكبر الجامعات العربية والأجنبية ولا أكاد آتى مصر وطنى ومسقط رأسي إلا قليلاً.
كعادتى دائماً احتضن فتاتيّ شادية وسكينة بحنان بالغ وأسألهما عن حالهما ثم آتى الفراش لأنام.
فتحتُ حاسوبى لأرى أحدث المستجدات العلمية فلفتَ نظرى اثناء التصفح قضية فتاتيْن خلف القضبان ,أهملهما أبَواهما من كثرة الترحال حول العالم اذ كانوا سفيرين لبلدهما.
فانتبهتُ واخذتْ رأسي تشرأب إلى الأمام دافعة أيضاً جسدي معها فاغرة فاهى محملقة العين مستحضرة فى مخيّلتى هذا التوافق العجيب بين ترحالى وترحال والديْن هاتيْن الفتاتيْن,فتصارعتْ دقات قلبى ووجب واشتدّ وجيبه حتى سارعتُ فى الدلوف على أبواب صغيرتيّ فوجدتهما نائمتيْن.
فعدتُ حجرتى غريقة النفس وركضتُ حتى أذّن الصبح بلحظات الغيث.
دلفتُ باب شادية وولجتُ الباب فإذا بشادية تتأهب للخروج قاصدة جامعة القاهرة .
فحملقتُ فى زيّها مندهشة مائلة الرأس يميناً وشمالاً تجرى عيناى على بساط ذاك الزى الفاضح الذى يظهر مفاتن جسدها الصارخة الداعية لكل شهوة او نظرة .
وسكتتُ برهة ولم انبس بكلمة,وما كان سكونى إلا إمعان النظرفى لوحة بخيالى ارى فيها نفْس ابنتى خلف قضبان الأمس بسجية المستقبل .تلك القضبان التى ارتأيتها من ميوعة ألفاظ ابنتى التى أدمنتْها حتى انها عجزتْ ان تظهر أمامى بصورة أليق من هذا وسرعان ما أصابها الإبلاس فتهتهتْ ثم سكتتْ .
واحسرتاه: انا أ.د أفكار ابنتى شادية ترتدى فستاناً ضيقاً تكاد مفاتن جسدها لا تتنفس من الإنضغاط ,يبدأ ينادى مشتهوها من فتحة الثدى المتدلى على قاعدة حمالة الثدى الحمراء.
يبدأ التدلى كاشفاً بين ثدييها ذاك المفرق الناعم الجذّاب وينتهى بحلمتى الثدى المستقرتين على الحمالة الحمراء,وتَبرزُ الحلمتان كسحابتىْ ماء تنادى ظامئيها.
ويظهر تحت الفستان من الأمام ذاك التحدّب المتناسق البارز من الخِصر والفخدين وسرّتها تلك التى لا تخفى على راءٍ.
ومن خلف الفستان ارى مؤخرتها وكأنها وُضِعتْ فى قالب و استُنسختْ بعملية قوْلبة.
أهدابها تومض كألوان الطيف تعلوها حاجبان حادتان يكاد لا يري منهما إلا تلك الألوان التى خضّبتْ أهدابها,وينسدل شعرها المرسل يشعّ من على سطحه أضواء ذهبية وسيلفرية برّاقة ,وتلبس حذاءً كعبه يكاد يكون كالهرم المقلوب.
وفجأة رنّ المحمول فتناولته واذا بشاب يقول :حبيبتى "غانية" كانت ليلة امس ممتعة فى حجرتى ما رأيك ان نكررها اليوم؟.
وما ان سمعتْ تلك الكلمات إلا وسكنتْ روحى تختنق بحبال هذه الكلمات واشتد غليان قلبى وانفطر وفرغ.
وأمسكتُ نفسي وطفقتُ أبحث عن حقيبتها.
ففتحتُها فوجدت كارنيه الجامعة مكتوب فيه انها من الفرقة الاولى فسألتها
ألستِ فى الفرقة الرابعة يا شادية؟
فأجابتْ :انا اسمى "غانية "يا ماما وانا لا أذهب للجامعة ,وهذا سوء عملك يا ماما, فتاتان ليس لهما أب ولا أم.
رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع أسمى وأسم أختى فى فلوات تِرْحالك.
*********
خرجتُ مِن عند شادية فارغة القلب مغمغمة بكلمات الحسرة والخيبة .
خرجتُ قاصدة حجرة سُكينة وكلى وجل وخوف وإشفاق مِن انْ أجد الأخرى مثل أختها.
فرأيتُ ابنتى الثانية سكينة فتاة عازفة عن كل شئ، ردائها الأسود من الرأس وحتى أخمص القدم ,شعرها ينسدل بغديرتين تتدليان على ظهرها ويواريهما ذاك الحجاب الأسود .
شعر شاربها نابت ظاهر ,وشعر حاجبيها مبعثر متشرذم .
أكاد لا أري من جسدها إلا جلبابها الذى ترتديه,ووجهها المخضّب بالشعر المتناثر .
عيناها لا تكاد تترك بساط الأرض او سقف الحجرة ,تستحى من كل شئ ,وتودع كل حى ,وتخاف من كل شئ، تأنس بالسكون والفلوات.
مشيتها كالسكيرة تسير مترنحة معوجة ومحدبة الظهر كانها جاءتْ من بين الأموات لتعيش بين الأحياء.
وسألتها :هل أنتِ فى الدنيا يا سكينة أمْ لا ؟
وفتحتُ حقيبتها فوجدتُ كارنيه الجامعة مكتوب فيه إنها من الفرقة الأولى فسألتها
ألستِ فى الفرقة الثانية يا سكينة؟
فأجابتْ: انا اسمى "تيْماء"يا ماما وانا لا أذهب إلى الجامعة وهذا سوء عملك يا ماما، فتاتان ليس لهما أب ولا أم، رحلتِ عنا فرحلنا وتهنا وضاع أسمى وأسم أختى فى فلوات تِرْحالك.
*********
وانهدّ جسدى حيث أقرب كرسى وما استطاعتْ قدماى حملى واستبان لى مستقبل فتاتىّ المظلم الذى يهدّهما ويهدّ المجتمع الذى لطالما جاهدتُ فى إصلاحه لتحيا البشرية بنفوس آمنة واعدة مطمئنة.
إندثر ما كتّلته من إرادتى من عزم وإصرار وانفسختْ عزيمتى، التقتْ آلام الماضى بطعنتىْ الحاضر وشكلتْ ساتورا صدع رأسى.
تعاظم وجيب قلبى وضربة رأسى وتلجلج لسانى واعوج، وتلعثم بغمغمات لحروف عيية محصورة، وقد ثقفتنى المصيبة وأمسكتْ بلجام عزيمتى.
وما ترى عينى إلا أوار من جبال تعلوها سحابة من العجّاج والإهماج وطنين الذباب الكبير، يتسارعون جميعاً حاملين ذاك الأوار الملتهب الذى التفَّ حولى ليحرق ويأكل لحمى كما حرق وأكل لحم شادية وسكينة، وما إنْ وصل ذاك الإهماج والذباب الكبير الملتهب حتى خررتُ هامدة أحيا فى موت الغمم.
والتف الفتاتان حولى وأخذانى إلى المستشفى وقد أصبتُ بجلطة فجائية، ووضعونى فى العناية المركزة. والفتاتان تبكيان ندماً على استسلامهما لتصاريف الأقدار الخانقة،وتقولان فى حسرة:
- لولا نقاوم ونصبر على ما بدر منا.
لقد حمل جسد الأم المسجّى بين الحياة والموت رسالة ندم وموعظة وتوبة على ما كان منهما من استسلام لتصاريف القدر.
وخرج الدكتور من العناية يحمد الله على نجاتها من مرحلة الخطر.
خرجتْ الأم من العناية المركزة وما ان سمح لها الدكتور بالكلام حتى اجتمعتْ بفتاتيها وهما يقبّلان يديها وقدميها وسط دموع متبادلة .