لم يكفّ الباحث الدكتور يوسف بكار عن متابعة ما يكتب عن فدوى، وتقرّي ما فاته من حواراتها؛ فهذه الطبعة الجديدة من الكتاب، الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، تضمنت أربعة حوارات، لم ترد في الطبعة السابقة. أهمية الحوارات تتأتى هنا من أنها تكمل صورة الشاعرة، تبرز شخصيتها الإبداعية والفكرية والسياسية.
يضم الكتاب ثمانية عشر حوارا، رتبها المؤلف وفق تسلسلها الزمني، وجعل لها مقدمة مضافة إلى مقدمة الطبعة الأولى، ووثق لحياة الشاعرة الراحلة. ومن القضايا التي نوه إليها في الحوارت، وكان لها أهمية خاصة، هو ما ورد في حوارها الأول من اعتراف بالحب الذي داهمها «على كبر» -كما تقول- بيد أنّها اعتذرت عنه وخجلت من أن تبوح به خَشية ألسنة المجتمع ولاسيّما النّساء، وإن نظمت آخر دواوينها «اللّحن الأخير» بتأثيره ووحيٍّ منه. وأجابت عن طقوس نظمها الشّعر وحالاته وتاراته، كما في الاصطلاح النقديّ القديم، وعن العلاقة المتينة التي كانت تربطها بمحمود درويش وسميح القاسم، وعمّا كان بينها وبين نزار قباني من رسائل متبادلة.
كما أنها أعلنت، في حوار آخر، عن رأيها في أهميّة شعر المقاومة وضرورة ديمومته لدوره المهم في بثّ الحماسة وأيقاظ الهمم والعزائم والصّمد.
الحوارات هذه ثريّة جدًّا بما تحويه من معلومات تردف ما في سيرة صاحبتها الذاتيّة بجزئيها: «رحلة جبليّة رحلة صعبة» و«الرّحلة الأصعب» لاسيّما أنّها لا تؤمن بموت المبدع أو «المؤلف» – كما هو شائع في النقد الحديث – بل تعدّ قصائدها جزءًا من سيرتها على وفْق رأيها «شعر الشّاعر هو سيرته الذاتيّة» كما في الحوارين الأول والتاسع.
في الحوارات اعترافات وبوْح عن نشأتها ومسيرتها الأدبيّة وإبداع القصائد والأحداث والسّياقات التي ولّدتها وأنطقتها بها، من مثل «رُقيّة» و«أنشودة الصّيرورة» و«الفدائي والأرض» و«حمزة» و«آهات أمام شبّاك التصاريح» مما يسند الاتجاه النقدي الأحدث الذي يرى أن النص «بُنِيّة وحدث» ويتواءم معها.
وفيها جأر بما كانت تعانيه تحت وطأة الاحتلال، وموازنة بين شعرها قبله وبعده، ناهيك بما تشتمل عليه من إلماعات وآراء عن راهن الشّعر العربي وموقفها من «قصيدة النّثر» و«الالتزام» اللذين ترفضهما، ومن تعريج على الأجناس الأدبيّة الأخرى كالرّواية التي كانت تُعنى بها كثيرًا وترى – مع كثيرين – أن هذا الزمن هو زمن الرواية (الحوار الثامن)، ومن كلام على المدارس الشعريّة والرموز والحداثة والوضع الثّقافيّ العام ومستويات التّعليم المدرسي والجامعي والجوائز الأدبيّة.
وفيها، كذلك، إشارات إلى صداقاتها النسائيّة لاسيّما مع سميرة عزّام وسلمى الخضراء الجيّوسي ونازك الملائكة، وإلى علاقاتها الحبيّة على اختلافها وما كان فيها من مرارات وأفاويق.
يذكر أن الشاعرة الراحلة فدوى طوقان ولدت بمدينة نابُلس في فلسطين عام 1917، وتوفيّت فيها في 2003. تلّقت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها، لكنها لم تتمّ تعليمها الثانوي . تعهدّها شقيقها إبراهيم طوقان ورعاها عائليًّا وأدبيًّا ونمّى فيها القراءة والتّثقيف الذاتي فنجحت أيّما نجاح، ونظمت الشّعر في سنّ مبكرة، كما تشهد سيرتها وقصائد «الرحلة المنسيّة».
شاركت في عدد من المؤتمرات والمهرجانات الوطنيّة والسياسيّة والأدبيّة والشعريّة في العالم والوطن العربي من مثل: مؤتمر السلام العالمي باستوكهولم بالسويد، ومؤتمر الكتاب الأفريقيين الآسيويين، ومؤتمرات الأدباء العرب، ومهرجان جرش بالأردن.
لها عشرة دواوين ومجموعات شعريّة صدرت بأكثر من طبعة: «الرحلة المنسيّة » 2001. يضمّ ثلاثين نصًّا من شعر الطفولة الإبداعيّة قبل «وحدي مع الأيام» ،وحدي مع الأيام. 1952، وجدتها 1957، أعطنا حبًّا، 1960، أمام الباب المغلق ، 1967، اللّيل والفرسان، 1969، على قمة الدنيا وحيدًا، 1973، تموز والشيء الأخر ، 1989، اللّحن الأخير ، 2000.
ترجمت منتخبات من شعرها إلى لغات أخرى كالإنجليزيّة والفارسيّة، والإيطالية، والفرنسيّة والإسبانيّة والألمانيّة والسويديّة والروسيّة والتركيّة والعبريّة.
ولها عدد من الأعمال النثريّة: ثمانيّة مقالات في النّقد والتّعقيب كتبتها قبل «أخي إبراهيم» (1946)، أخي إبراهيم ، 1946م، رحلة جبليّة – رحلة صعبة (سيرة ذاتيّة)، 1985، الرحلة الأصعب (الجزء الثاني من السّيرة الذاتيّة) ، 1993.
كُتب عنها وعن شعرها ونثرها عدد وفير من الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه والبحوث والمقالات في الوطن العربيّ والغرب والعالم الإسلامي يؤلف إذا ما استقصي «ببليوغرافيا» مستقلة.
كُرّمت كثيرًا في حياتها، وأقيمت لها الأمسيات الشعريّة، واحتفي بها في ندوات علميّة، ومنحت الجوائز والأوسمة .
أما الدكتور يوسف بكار، فقد ولد سنة 1942 في جسر المجامع/ شمال شرق بيسان. حصل شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي (1972) من جامعة القاهرة.
عمل في التدريس الثانوي بمدارس وزارة التربية والتعليم، ثم في التدريس الجامعي (1972-2011) فتنقل في الأردن بين جامعات "اليرموك" و"آل البيت" و"إربد الأهليّة" و"الأردنية"، بالإضافة إلى جامعة "الفردوسي" في مدينة مشهد الإيرانية، وجامعة قطَر.
تولّى عدداً من الوظائف الإدارية والأكاديمية في جامعة اليرموك منها: مدير مركز الدراسات الإسلامية (1983-1984)، وعميد البحث والدراسات العليا (1990-1994)، ونائب الرئيس للشؤون الإدارية (1998-2000)، والقائم بأعمال نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية (1999-2000)، والقائم بأعمال عميد كلية الآداب (2001). كما رأسَ قسم اللغة العربية في جامعة "الفردوسي" بإيران (1973-1978).
نال جائزة التفوق في التدريس من جامعة "الفردوسي" سنة 1973، وجائزة التفوق في البحث العلمي من جامعة اليرموك سنة 1984، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب (الدراسات الأدبية والنقدية) من وزارة الثقافة سنة 1992.
اختير عضواً في لجان التحكيم لكلّ من: جائزة عرار الأدبية/ رابطة الكتّاب الأردنيين (1991)، وجائزة الملك فيصل العالمية (1993 و1999 و2004 و2005)، وجائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري/ نقد الشعر (1994)، وجائزة الشعر/ الهيئة العامة للشباب والرياضة في قَطَر (1996)، وجوائز الدولة التقديرية/ وزارة الثقافة الأردنية (2002 و2008)، وجوائز الدولة التشجيعية (2002 و2003)، وجوائز عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشباب سنة 2003، وجائزة عيسى الناعوري للنقد الأدبي/ رابطة الكتّاب الأردنيين (2005)، وجائزة جامعة الزرقاء الخاصة لأفضل كتاب (2010)، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي (النقد الأدبي)/ السودان (2011)، وجائزة الدولة التقديرية في الترجمة/ الأردن (2011).
وهو عضو في: رابطة الكتّاب الأردنيين، والهيئة الاستشارية للبحوث والدراسات بالمعهد الأميركي للتراجم والسير، ورابطة الأدب الحديث بالقاهرة، وجمعية النقاد الأردنيين، ومجمع اللغة العربية الأردني، والهيئة الاستشارية لمؤسسة الفكر العربي/ بيروت، والمجلس الدولي للّغة العربية/ لبنان. له عدد كبير من المؤلفات التي صدر بعضها بأكثر من طبعة، ومنها: اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري، 1971، بناء القصيدة في النقد العربي القديم (في ضوء النقد الحديث، قراءات نقدية، 1980، قضايا في النقد والشعر، 1984، في العروض والقافية، 1984، الأدب العربي (من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر العباسي (بالاشتراك) ، 1985 ، الوجه الآخر: دراسات نقدية، 1986، الترجمات العربية لرباعيّات الخيّام: دراسة نقدية، 1988، الأوهام في كتابات العرب عن الخيام، 1988، سادن التراث: إحسان عباس، 2001، في تحقيق التراث ونقده، 2012، د.يوسف بكّار: ذاكرة إنسان (بالاشتراك). 2013 .