يشكل الباحث الفلسطيني صورة أحد الوجوه السياسية الجديدة الصاعدة للكيان الصهيوني، محذرا ومشككا في كل التحليلات التي تحاول تقديمه كشخص ساذج موجها تنبيهه الى الطبيعة السياسية المتجذرة في تلك الآلة الجهنمية المتدربة على التقتيل والتهجير، وكل الدعوات الاستهجانية لوسائل الاعلام ضده ليست إلا مقدمة لأسلوب مترسخ في السياسية الصهيونية التي تقوم على التقتيل والتهجير والتقسيم والاستيطان.

حذاري من العبيط بينت

مصطفى يوسف اللداوي

 

لا تتوقف وسائل الإعلام الإسرائيلية عن التهكم والاستهزاء بوزير حرب الاحتلال نفتالي بينت، وكيل الاتهامات له، وإطلاق الأحكام عليه ومختلف الأوصاف والنعوت بحقه، فتنقل تصريحات رئيس وأعضاء الحكومة الساخرة منه والناقدة له، وتساهم في إشاعة غضب وانتقادات رؤساء الأحزاب وقادة المستوطنين، وتطلق يد رسامي الكاريكاتور والمعلقين الساخرين ليظهروه بصورةٍ ضعيفة، ويسلطوا الأضواء على طبيعته الصبيانية، حيث يصفونه تارةً بأنه صبيٌ ولدٌ، وأنه أناني يحب نفسه، وعنيدٌ لا يفهم مصلحته، وأهوجٌ لا يقدر الظرف، ومتقلبٌ لا يستقر على حال ولا يثبت على موقف، وتارةً أخرى أنه طماعٌ شره لا تشبع غرائزه ولا تزهد نفسه، وأنه جاهلٌ في القضايا العسكرية والملفات الاستراتيجية، وعنيدٌ في مواقفه بغير حكمةٍ تكفكفه أو كياسةٍ تعقله.

وأخيراً أطلقوا عليه وصف بوباي لكنه لا يأكل السبانخ التي تقوي عضلاته، وبدلاً من أن يستنقذ زوجته من بيدي يدي خصمه، يخضع لغريمه ويستجيب إليه ويلبي رغباته، ويبقى على زوجته زيتونة رهينةً عنده، وذلك في إشارةٍ إلى خضوعه لشروط حركة حماس وتلبية رغباتها، وعجزه عن مواجهة بالوناتها الحارقة والجديدة المتفجرة، التي أخذت تمطر المستوطنات الإسرائيلية القريبة والبعيدة، وتفرض على المستوطنين التعايش مع هذا الكابوس المرعب، وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق وخوف لا ينتهي، وهو الذي جاء إلى وزارة الحرب وهو يظن أنه سيكون أقوى من سلفه ليبرمان، وأكثر ردعاً وأسرع حسماً.

لكن هذا الذي الأهوج الذي تزدريه الأعين، ويحط من قدره الرجال، ويستهزئ به الكبار والصغار، ويتهكم عليه الخصوم والأنداد، يهدد بتسخين المنطقة بأسرها، ويقدم دعمه للمستوطنين والمتطرفين اليهود، ويؤيد ويساند المجموعات اليمينية، وقد أصدر أوامره بالإفراج عن عددٍ من الإرهابيين اليهود، وهذا ما يسبب حسب شهادة جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" في توتر الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، إذ كثرت في أيامه حوادث اقتحام المسجد الأقصى وقبر يوسف عليه السلام، وتضاعفت أعداد المقتحمين وتزايدت شرائحهم وفئاتهم، ومضى بلا هوادة في استباحة المنطقة "C"، فهدم بيوتها وخرب منشآتها وضيق على سكانها الفلسطينيين، بينما منح المستوطنين اليهود حرية البناء والتعمير، وشق الطرق وفتح المشاريع وإعادة تنظيم المنطقة وفقاً لأهوائهم الشخصية وحساباتهم الأمنية.

وهو نفسه الذي تعهد بمواصلة ما بدأه في الأيام الأولى لاستلامه منصبه وزيراً للحرب، إذ أغارت طائراته الحربية على أهدافٍ في سوريا، وما زال يهدد بالمزيد منها وينفذها، وكان قد طلب من الإدارة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، ضرورة تنسيق العمل العسكري بينهما في سوريا والعراق، فتتولى أمريكا قصف الأهداف المشبوهة في العراق، بينما يتولى جيش الاحتلال قصف الأهداف المشابهة في سوريا، والتي تنتمي غالباً في المنطقتين إلى إيران والقوى المؤيدة لها والمتحالفة معها.

لكنه وهو المتهم بالتهاون مع قطاع غزة، والضعيف في مواجهة مقاومتها، قد بدأ في الأيام القليلة الماضية بالتعاون مع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو بتهديد حركة حماس والقوى الفلسطينية كافة، بحربٍ جديدةٍ قاسية ضروسٍ، تدمر وتخرب ولا تبقي ولا تذر، ولا يقوى على احتمال نتائجها أحد، ما لم تتوقف حركة حماس والفصائل الفلسطينية عن إطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المجاورة، وأردف تهديداته بتصريحاتٍ ساخنة وجولاتٍ عديدة مع رئيس أركان جيشه وكبار ضباطه إلى المناطق الحدودية مع قطاع غزة، حتى بات الجميع يتحدث عن جولة نارٍ جديدةٍ ساخنةٍ، قد تكون مختلفةً كلياً عن سابقاتها.

رغم أن ما سبق فيه تناقضٌ وعدم انسجام، بين ذاك المضطرب الأهوج غير المتزن، وبين هذا الجلد النشط الذي لا يهدأ، وبين الضعيف المهزوز المتردد، والمستقوي بجيشه والواثق بسلاحه والحاسم بقراره، إلا أن ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم عن وزير حربهم هو خير ما نحكم به على سلوكه وتصرفاته، إذ يقولون عنه إنه ولد، والولد لا تصدقوه إن قال شيئاً ولكن لا تكذبوه، ولهذا فلا نستبعد أن يشعل هذا الأرعن الصغير الحرب في المنطقة كلها، ويفتح فوهات النار الإسرائيلية في الشمال والجنوب، ولا يستثني من عدوانه الجبهة السورية، فهو كما يقول عن نفسه، أنه يملك كل الصلاحيات لإعلان الحرب كما يملك كل الحق في الدفاع عن مواطني كيانه، ولكنه يرفض أن يكون أداةً لغيره أو خاتماً في أصبع سواه.

احذروا هذا الرجل ألف مرةٍ ومرةٍ، فقد يكون عبيطاً وغراً وجاهلاً وأهوجاً وأنانياً وصبياً صغيراً وولداً لعوباً، ولكنه قد يقدم على فعل الكثير وتنفيذ الأخطر، فهو يؤمن بالهيكل فلا يُستبعد عليه هدم الأقصى، وهو يؤمن بــ "يهودا والسامرة" فلا نستغرب إن أقدم على طرد سكانها الفلسطينيين وأصحابها العرب، وهو يرفض الاعتراف بالفلسطينيين شعباً وينكر حقوقهم في الأرض، ويعارض منحهم حق السيادة وتقرير المصير، فلا نستهجن سياساته إن قسم الأرض وجزأها، وأعطى للفلسطينيين بعضاً منها يعيشون عليها ويخدمون أنفسهم فوقها، لكن لا حق لهم فيها ولا فيما حوى جوفها أو علا سماءها، فهذا هو نفتالي بينت الذي يذكرنا دوماً أن المجنون هو من يلق الحجر في البئر، والعبيط هو من يشعل النار في حصاد البلاد.