يكشف المفكر اللبناني المرموق عن تعقيدات الأزمة اللبنانية منذ انفجار مرفأ بيروت المروّع، والذي تفجرت معه كثير من الأزمات اللبنانية التي يعيها الحراك الثوري اللبناني المطالب برحيل الطبقة السياسية الفاسدة والنظام الطائفي العتيق، وينبه إلى أهمية الحرص على ألا يتم التفريط في حقوق لبنان وحدوده.

أزمة الانفجار وانفجار الازمات اللبنانية

فواز طرابلسي

 

جريمة الاستهتار
قد لا نعرف الحقيقة كاملة عن كيف ولماذا دخلت شحنة ٢٧٥٠ طنا من نترات الامونيوم الى مرفأ بيروت، ولماذا ابقيت طوال ست سنوات في العنبر رقم ١٢، الى جانب مواد قابلة للاشتعال او متفجرة، على مقربة منطقة سكنية، ولا كيف انفجّرت يوم الرابع من آب/ اغسطس الرهيب. ما نعرفه ان الانفجار شبه النووي قتل نحو مئتي انسان وجرح الالاف، وشرّد نحو ثلاثمائة ألف، ودمّر عشرات الألوف من الشقق.

وما نعرفه ان المسؤولين في قمة السلطة كانوا يعرفون. مع ذلك قال رئيس جمهورية إنه لا يعرف. اعترف رئيس حكومة بأنه عرف لكنه أجّل موعدا لتفقّد العنبر الذي يحوي المواد القاتلة، عندما أبلِغه أحد مساعديه بأنها اسمدة زراعية. اما السيد حسن نصر الله فيعترف انه يعرف عن مستودعات نترات الامونيوم في مرفأ حيفا، لكنه لم يكن يعرف بوجود كميات من المادة نفسها في مرفأ بيروت طوال ست سنوات. فلو صح ذلك لوجب عليه الاعتذار من الشعب اللبناني عن اخلاله بأولى مهماته ومبرر وجود حزبه، بما هو صاحب أكبر جهاز استخبار يفترض انه مكرّس لحماية امن الوطن والمواطنين من العدو الإسرائيلي ومن الارهابيين!

في مأساة كهذه، عادة ما يستقيل المسؤول التنفيذي ولو لم يكن على علم بما ارتكبه مرؤوسوه. ما نعرفه ان الرئيس حسّان دياب استقال ولم يمثل وحكومته امام المجلس النيابي للمساءلة حول الانفجار. المسؤول عندنا غير مسؤول. ولا أحد مسؤول. وفي حالات اخرى، قد يعتذر المسؤول من شعبه على مأساة بهذا الحجم وقعت في عهده. وليست هذه ايضا من عادات الانظمة الديمقراطية. امامي الآن خبر مفاده ان كيم جونغ-اون، دكتاتور كوريا الشمالية، اعتذر من شعبه لأنه لم ينجح في التخفيف من مصاعب الشعب المعيشية. بكى الزعيم ذو الوجه الطفولي، من فرط النقد الذاتي، وأبكى معه الملايين. ليس المطلوب الوصول الى مثل هذه المواصيل. مع انه يفيد ان نبكي على حالنا مع هذه الطغمة التي تحكمنا.

يمكن للمسؤول، في حالات أخرى ان يستعجل التحقيق وان يصرّ على إنزال اقصى العقوبات بالمذنبين. ما نعرفه عن التحقيق الذي وعدتنا الحكومة بإعلان نتائجه بعد خمسة أيام من الانفجار، اننا لا نزال ننتظر مطالعة المحقق العدلي، الذي ينتظر بدوره تقرير المحققين البريطانيين والفرنسيين، على اعتبار ان الـ"اف. بي. آي" الاميركية قد سلّمت تقريرها. فيتبيّن ان السلطة التي رفضت بأعلى الصوت التحقيق الدولي قد ارتضته بالتجزئة. وما نعرفه عن الجريمة والعقاب ان رئيس الدولة يرفض توقيع مرسوم وزاري بتنحية المدراء الثلاثة الموقوفين على ذمة التحقيق للاشتباه بمسؤوليتهم في الانفجار القاتل!

داهمنا الانفجار ونحن على أهبة ارسال عدد «بدايات» للمطبعة فآثرنا، طبعاً، ان لا يصدر دون ان نكوّن هذا الملف المتنوع المقاربات عن جريمة الاستهتار التي ارتكبتها السلطة ضد شعبها.
ملاحظة لا بدّ منها قبل الانتقال الى موضع آخر. معروف ان مرفأ بيروت استحق لقب «مغارة علي بابا» لكونه أكبر بؤرة للانتفاع والفساد والإفساد وسرقة المال العام وهدره في الجمهورية، ما لسنا نعرفه بما فيه الكفاية انه نموذج للشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تدعو اليها المؤسسات الاقتصادية الدولية في العصر النيو ليبرالي. بنهاية الحرب الاهلية، انتقل المرفأ من سيطرة ميليشيا القوات اللبنانية الى سيطرة أحزاب الميليشيات، ما أسس لهذا الاختلاط المميز بين المال الخاص والمال العام. تدير المرفأ «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت»، التي لا تزال مؤقتة، على رأسها ثلاثة مدراء مقرّبون من الرؤساء الثلاثة. والشركة لا هي من القطاع العام ولا من الخاص بل هي تنغيل من الاثنين.

مرفأ الحاويات تستثمره شركة بريطانية ولها شريك لبناني، كما يجب، وتتولى اعمالَ الشحن والتفريغ وسائر الخدمات، نحو ثلاثين شركة خاصة على صلة بسياسيين وشركائهم في عالم البزنس. والمرفأ تحت وصاية وزارة النقل والاشغال العامة، دون ان يكون تحت سلطتها. واللجنة التي تديره لها ميزانيتها الخاصة المستقلة عن موازنة الدولة، وتودع اموالها، لا في المصرف المركزي، بل في مصرف خاص، وهي محمية بالسر المصرفي، ولا تخضع لأي من أجهزة الدولة الرقابية، ولا تتبع قواعد التوظيف في الخدمة المدنية. كل ما في الامر انها تدفع للدولة ربع أرباحها وتحتفظ بالباقي، وقد تمضي سنوات دون ان تدفع أي مبلغ. وقد صرّح أحد الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الاشغال والنقل بأن خسائر الدولة من عائدات المرفأ لا تقل عن مليار دولار.

انفجار الازمة الحكومية
فجّر تفجير الرابع من آب/ اغسطس ازمة سياسية لم تقتصر على استقالة حكومة التكنقراط، وانما تعدّتها لفشل محاولة ثانية وربما ثالثة لتشكيل حكومة.
استدعى التفجير وتداعياته زيارتين للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. الى الاعتبارات الجيواستراتيجية لفرنسا في المتوسط وعلاقتها المميزة بلبنان، والوجه الإنساني لمهمته. تلخصت مبادرة الرئيس الفرنسي بإبلاغ الفريق السياسي الحاكم، بأكثريته والاقلية: أنتم فاسدون. سرقتم وهدرتم الاموال التي قدمناها لكم في مؤتمرات باريس. لا مزيد من الاموال الا بتنفيذ «الإصلاحات» واللجوء الى صندوق النقد الدولي. لا نثق بكم. لا نستطيع تغييركم. نريد «الإصلاح» بواسطة حكومة اختصاصيين مستقلة عن الأحزاب السياسية، قدّم لها الطرف الفرنسي ورقة إصلاحية.

تلقّى ماكرون وعدا بتشكيل حكومة قبل عودته في الاول من أيلول/ سبتمبر بمناسبة مئوية تأسيس «لبنان الكبير». لم يحصل. سلّمت الاكثرية النيابية (حزب الله، امل، التيار الوطني الحر) لسعد الحريري ان يختار الرئيس المكلّف بنفسه. اختار الدبلوماسي مصطفى اديب وسرعان ما تولى «نادي رؤساء الوزراء السابقون» (سعد الحريري، فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام) الاتصالات والتشكيل نيابة عن الرئيس المكلّف، والأخير ممتنع عن التشاور مع الكتل النيابية، مع ان حكومته مضطرة لكسب ثقة مجلس النواب، مثلما امتنع عن التشاور مع رئيس الجمهورية في الأسماء والحقائب. يبدو ان اديب كان مطمئناً الى فاعلية ضغوط الرئيس ماكرون، وتهديداته بالعقوبات على سياسيين لبنانيين، لفرض حكومة امر واقع على الجميع. لم يتطلب الامر أكثر من ان يطالب حزب الله وحركة أمل بتعيين الوزراء الشيعة وبأن تكون وزارة المالية من نصيب الطائفة الشيعية حتى يطاح بمصطفى اديب.

بالغ الرئيس ماكرون في تقدير ما لديه، وفرنسا، من دالة على لبنان والطبقة الحاكمة. صدّق القادة السياسيين الثمانية الذين التقاهم في «قصر الصنوبر» الذين ابلغوه تأييد ورقته الإصلاحية ووعدوه بتشكيل «حكومة مهمة» من الاختصاصيين المستقلّين عن الأحزاب. لم يفطن الرئيس الفرنسي، ولا مستشاروه، الى ان الحزب في لبنان شيء والطائفة شيء آخر.

مهما يكن، سارع سعد الحريري هذه المرة الى تقديم نفسه مرشّحا باسم المبادرة الفرنسية، ودار وفد يمثله للبحث في الورقة الإصلاحية مع الكتل النيابية. يجدر التذكير بأن حكومته سقطت مطلع الانتفاضة عندما حاول استخدام زخم الاحتجاجات الشعبية لتشكيل حكومة تكنقراط برئاسته، يقصي عنها ابرز وزراء الأكثرية النيابية. وها هو يعود لتكرار المحاولة إياها: حكومة اختصاصيين برئاسته. في المرة الاولى أحبط الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) حكومة المرشح الوكيل. ويبدو ان الثنائي الماروني يبدو انه يستعدّ لإحباط مسعى الأصيل. والحجة ذاتها: إما حكومة سياسية برئاسة سياسي تتمثل فيها الكتل البرلمانية، ويكون لها رأي في أعضائها وتوزيع الحقائب، وإما حكومة اختصاصيين برئاسة اختصاصي.

على ان هذا الاستعصاء في الشكل، لا يجوز ان ينسينا مضمون الورقة الإصلاحية الفرنسية وفيها نقطتان اشكاليتان. الاولى هي العمومية في معالجة الازمة المالية المفتوحة على شتّي التأويلات. والثانية هي الدعوة الى انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي والى انشاء مجلس شيوخ «يحفظ حقوق الأقليات». تبدو الصيغة كأنها منقولة من فذلكة لتكوين مجلس الشيوخ في ادبيات فترة الانتداب. يتحدث دستور الجمهورية الثانية (١٩٩٠) عن تمثيل «العائلات الروحية» أي الطوائف. ومهما يكن، ينذر فتح البحث في هذا الامر بانفجار نزاع مديد حول تنفيذ هذه المواد غير المطبقة من الدستور، والتي جرى التغاضي عنها على امتداد ثلاثة عقود، وقد بدأت طلائع النزاع ما ان دعا الرئيس بري المجلس النيابي الى نقاش موضوع انشاء مجلس شيوخ.

الهجوم المعاكس للمصارف
ما ليس معروفا على نطاق واسع هو الهجوم الذي شنّته جمعية المصارف وحلفاؤها في السلطة، التيار الوطني الحر وحركة امل، على تحمل أي جزء من المسؤولية عن معالجة الازمة المالية. تصرّ على تحميل الدولة وحدها المسؤولية عن الازمة المالية، وترفض إعادة الرسملة، وتطالب بإنشاء صندوق لحيازة الاموال الحكومية بقيمة ٤٠ مليار دولار كضمانة للمودعين.

من جهة أخرى، عرقلت الأكثرية النيابية التحقيق الجنائي في مصرف لبنان طوال أشهر ولم يوقّع الوزير المحسوب على حركة أمل الاتفاق مع الشركة الا عشية زيارة ماكرون الثانية. والتحقيق الجنائي هو الشرط الاول لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وإذ باشرت الشركة اعمالها، تبيّن ان المصرف المركزي امتنع عن الإجابة على قسم حيوي من الأسئلة التي وجهتها، والحجة قانون سرية المصارف، وقانون النقد والتسليف. وقد تدفع الشركة الى الاعتذار عن اكمال مهمتها اذا اعتبرت ان الإجابات غير كافية للشروع في التدقيق.

رفضت المصارف أي حسم لأي نسبة من ودائع أصحاب المصارف وكبار المودعين ("هير كات") تعويضا عن الأرباح الفاحشة المكتسبة من المضاربة على مديونية الدولة. كما رفضت البحث في إعادة أي جزء من الأموال المهرّبة ولو نسبة الـ١٥٪ التي حددها حاكم المصرف المركزي. أما مشروع قانون "الكابيتال كونترول" فلا يزال عالقا منذ أشهر في «لجنة الإدارة والعدل» النيابية بانتظار جمع المزيد من المعلومات عن سيولة المصارف في الداخل والخارج!

ومن جهة ثانية، يطبع المصرف المركزي العملة اللبنانية ويكبّ في السوق حتى بلغت نسبة التضخم ٩٠ بالمئة، فقرر تقييد السحب من المصارف بالليرة اللبنانية بعد ان ألزم سحب الدولارات بالعملة المحلية.

والآتي أعظم. حتى قبل ان نصل الى طلب صندوق النقد رفع الدعم على المحروقات والمواد الغذائية والأدوية، ها هو المصرف المركزي يعلن انه سيتوقف عن الدعم بنهاية هذا العام. والحجة انه لن يبقى له في الاحتياط الا ١٧ مليار دولار التي هي الاحتياطي الالزامي الذي تودعه المصارف في خزانته. والسؤال: لماذا لا توضع هذه الاموال في خدمة الدعم؟

مفاوضات ترسيم الحدود البحرية
في الرابع عشر من تشرين الاول/ أكتوبر، افتتحت مفاوضات «غير مباشرة» حول ترسيم الحدود البحرية بين وفدين لبناني واسرائيلي برعاية الامم المتحدة، وحضور الوسيط الاميركي ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الاميركي. مهّد للتفاوض «اتفاق إطار» توصل اليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد ثلاث سنوات من الوساطة الاميركية. تسلّم الرئيس عون ملف التفاوض على اعتباره المسؤول عن توقيع المعاهدات الدولية. وانعقدت الجلسة الافتتاحية بعد التراجع عن تسمية مستشار وزير الخارجية في الوفد، وصرف النظر عن اعتراض رئيس حكومة تصريف الاعمال، حسان دياب، على عدم اشراك الحكومة في الاشراف على المفاوضات.

قدّم برّي المفاوضات على انها من اجل استعادة الحقوق اللبنانية في حقول النفط والغاز ٨ و٩ و١٠ المفترض ان يبدأ التنقيب فيها قبل نهاية العام الحالي. ومعروف ان الحقل ٩ هو الحقل الواعد بنوع خاص. ولكن ما لم يقله رئيس المجلس هو ان لبنان خسر ٨٦٠ كيلومترا مربّعا من حقوقه البحرية بسبب خطأ ارتكبه مدير عام وزارة الاشغال والنقل عبد الحفيظ القيسي خلال ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، العام ٢٠٠٧. وقد قدّم الوسيط الاميركي فريدريك هوف اقتراح تسوية تقضي باستعادة لبنان ٥٠٠ كيلومترا وترك الباقل لإسرائيل. الى ذلك يتبيّن ان الخريطة التي يحملها الوفد المفاوض ان لبنان يطالب ايضاً بمساحة مماثلة قضمتها إسرائيل عندما وضعت النقطة البرية عند جزر صغيرة تابعة لفلسطين المحتلة بدل اعتماد نقطة الحدود عند الناقورة.

في انتظار الجولات الآتية من المفاوضات، الاسئلة الاولى الواجب طرحها هي: لماذا يبدي العدو الإسرائيلي استعداده للتفاوض اصلا؟ وما الكلفة التي على لبنان ان يدفعها لتحصيل حقوقه؟
يمكن الافتراض بأن اهتمام حكومة إسرائيل بالتفاوض، عدا الكسب الإعلامي، هو ان شركات النفط ترفض التنقيب في المناطق المتنازع عليها من جانبي الحدود. وهذا ما عناه نتنياهو عندما قال إن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان يأتي بفائدة اقتصادية لإسرائيل
.

من السذاجة بمكان ان لا ننتبه للتزامن بين افتتاح مفاوضات الترسيم البحري والإعلان عما سمّي اتفاق السلام بين الامارات والبحرين وإسرائيل (راجع الافتتاحية التالية). ومن المبالغة في السذاجة عدم الاعتراف بأن هذا التنازل الإعلامي-الدعاوي يدخل في خانة اكلاف الوساطة في اقل تقدير. على انه يجدر عدم الخلط بين التنازل الإعلامي وبين التطبيع مع العدو.

هذا وقد وردت أجوبة مبكرة على التوقعات والتحليلات المتذاكية التي تقول إن التفاوض تنازل من قبل لبنان الرسمي مقابل الغاء العقوبات على حزب الله أو لاستدرار المساعدات المالية الاميركية. أكدت الخارجية الاميركية استمرار العقوبات بعض النظر عن مفاوضات الترسيم؛ وكرر وزير الخارجية بومبيو ان المساعدات المالية مرهونة بـ«الإصلاحات». والسخرية في الامر هو الافتراض أن لبنان سوف يكافأ على قبوله التفاوض، فيما هو يفاوض أساسا لأنه فرّط بجزء حيوي من حدوده البحرية وقد احتاج الى الوساطة الاميركية لاستعادتها.

ومن منوّعات المواقف الرافضة للتفاوض ذلك الذي يرفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، فكيف الاعتراف بحدوده؟ وهذا يعني عمليا تكريس احتلال العدو لأجزاء من مجال لبنان البحري والاستهتار بالسيادة وبموارد واعدة من النفط والغاز يحتاجها بلد في حالة افلاس. فهل يدعو المعترضون الى التخلي ايضا عن المطالبة بتعديل الحدود البرية عند «الخط الأزرق»، او عن تأكيد لبنانية مزارع شبعا على اعتبار ان في ذلك ما يشكل اعترافا بحدود الكيان الصهيوني؟ ومن عجب ان يُتّهم التفاوض على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل على انه يصبّ في «صفقة القرن»، لكنها عادة الممانعين المتأخرين دوماً عن استراتيجية واحدة للعدو على الأقل: انتقلوا من مشروع «الشرق الاوسط الكبير» الى «صفقة القرن» الفلسطينية، فيما رحلت الاستراتيجية الاميركية-الإسرائيلية الى اختراق إسرائيلي في الخليج! اما عن الدعوة الى تحرير الحقول البحرية المحتلة، بواسطة المقاومة – وهو ما لا يدّعيه حزب الله المؤيد بصمت للمفاوضات - فيحتاج الى من يفسّر لنا كيف يتم التحرير البحري على نحو عملاني.

ومع ذلك، لا ثقة بالسلطة القائمة ولا ثقة بعدم وجود اتفاق مسبق قبل الشروع بالمفاوضات. الموقف الوطني هو الذي يقف بالمرصاد: لا يحق للطرف اللبناني اعطاء أي إشارة تفيد ان التفاوض يشبه مفاوضات تطبيع علاقات مع دولة عدوّة، او انه مقدمة له، ولا تفريط في حقوق لبنان السيادية على مياهه وموارده.