علّي صوتك" فيلم مغربي ينافس على السعفة الذهبية في كان

نبيل عيوش يسافر بفناني هيب هوب من الدار البيضاء إلى العالمية.

تعتبر مشاركة فيلم “علّي (ارفع) صوتك” للمخرج المغربي نبيل عيوش ضمن مهرجان كان السينمائي في دورته الـ74 سابقة في تاريخ السينما المغربية، وهو الفيلم الذي نجح في بلوغ أبرز حدث سينمائي منتظر خلال السنة الجارية، بعد الأزمة الصحية العالمية. ويمثل هذا الحضور في المسابقة الرسمية لسنة 2021 تتويجا هاما لمسيرة عيوش وشاهدا على الإشعاع الدولي المتصاعد للسينما المغربية في العقود الأخيرة.

حقق المخرج المغربي نبيل عيوش حلما من “أحلام الطفولة” باختيار فيلمه “علّي صوتك” لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي، وهو عمل يغوص في عوالم شباب مهووسين بالهيب هوب. ويشبّه المخرج الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، مازحا، شعوره للمشاركة في الحدث العالمي بفرحة “الحصول أخيرا على حلوى اشتهيتها طويلا”، كما يقول متحدثا في مكتبه الأنيق بالدار البيضاء.

 

حي سيدي مومن

في سن 52 عاما، أصبح عيوش ثاني مخرج سينمائي مغربي يتم اختيار أحد أعماله للمهرجان السينمائي الكبير الذي يختتم دورته الرابعة والسبعين السبت في جنوب فرنسا. وكان المهرجان استضاف فيلم مواطنه عبدالعزيز رمضاني “إيقاعات وأرواح” العام 1962.

ويتناول “علّي صوتك” قصة مجموعة من المراهقين المهووسين بثقافة الهيب هوب، “لديهم أشياء كثيرة يودون قولها من دون أن يمتلكوا أدوات التعبير”، كما يوضح عيوش، معربا في نفس الوقت عن “سعادة” ممزوجة بنوع من “الحياء” لوجوده في كان إلى جانب قامات سينمائية كبيرة.

تدور أحداث الفيلم في حي سيدي مومن الهامشي بالدار البيضاء، الذي اشتُهر العام 2003 عندما خرج منه معظم الانتحاريين الذين نفذوا هجمات دامية في العاصمة الاقتصادية وقتها خلفت 33 قتيلا.

وسبق للمخرج أن صوّر في هذا الحي مشاهد من فيلمه “علي زاوا” سنة 1999 عن قصة أطفال مشردين. كما عاد ليصور فيه مشاهد من فيلم “يا خيل الله” (2012) المستوحى من رواية للكاتب ماحي بينبين حول تطرف الانتحاريين الـ12 الذين نفذوا هجمات 2003.

وفي العام 2014 أسس عيوش في هذا الحي المركز الثقافي “النجوم” الذي يقدم ورشات لتعلم الموسيقى والرقص للشباب، في حي عانى طويلا من غياب أي مرافق ثقافية. وقد استقطب من بين رواده جل ممثلي فيلم “علّي صوتك”.

 

لم أصور البؤس

حظي اختيار “علّي صوتك” للمسابقة الرسمية في كان بإشادة واسعة في المغرب، خلافا لردود الأفعال النارية التي أثارها عرض فيلمه ما قبل الأخير “الزين اللي فيك” في فقرة “أسبوعي المخرجين” خلال دورة 2015 لمهرجان كان.

فقد مُنع الفيلم الذي يصور أوساط الدعارة في عاصمة السياحة المغربية مراكش، من العرض في قاعات المملكة، واتهم بيان رسمي عيوش بـ”المس بالقيم الأخلاقية والمرأة المغربية”.

نبيل عيوش يعتبر ثاني مخرج مغربي يتم اختيار أحد أعماله لمهرجان كان في إنجاز هام للسينما المغربية

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ تلقى المخرج تهديدات وتعرّض لحملة انتقادات واسعة على المواقع الاجتماعية. “صفحة لم أطوها تماما بعد، لكن جراحها اندملت ولم تنقص شيئا من عزيمتي”، كما يقول عيوش اليوم.

ويتهم منتقدو المخرج، الذي يدير أيضا شركة للإنتاجات التلفزيونية، بالإساءة إلى صورة البلد واستغلال بؤس الآخرين أو السعي لتصوير ما يطلبه الجمهور الغربي.

لكن عيوش يرد على هذه الانتقادات مؤكدا “من يقول إنني أستغل بؤس الآخرين لا يشاهد أفلامي، لم أصور أبدا البؤس ولا تتضمن رؤيتي ولو ذرة بؤس واحدة”.

ويضيف “صحيح أنني أريد لأفلامي أن تسافر خارج المغرب، لكن جمهوري الأول هو المشاهد المغربي”، هذا المشاهد الذي اكتشف عيوش لأول مرة العام 1999 بفيلمه “مكتوب” والذي عرض أيضا في إطار مهرجان برلين السينمائي لذلك العام.

 

أسلوب جديد

في المقابل يبدو فيلم “علّي صوتك” أكثر حميمية بالنسبة إلى المخرج ويشبه رجع صدى لطفولته التي قضاها في منطقة سارسيل ضواحي باريس. وهي المرحلة التي احتفظ منها بذكرى “دار الشباب التي كانت بمثابة معبد بالنسبة لي، فيه تعلمت رؤية العالم”. تجربة أراد عيوش تكرارها بتأسيس مركز “النجوم الثقافي” في حي سيدي مومن بالدار البيضاء.

وتقول مديرة المركز صوفيا أخميس “التعابير التي يستعملها الشباب في المركز تدل على أن لديهم أفكارا وتساؤلات حول مستقبلهم ونظرة نقدية لما يجري في المغرب، من المهم الاستماع إليهم”.

وتضيف “الهيب هوب يحظى بإقبال كبير في المغرب”. ويقترح المركز الثقافي تدريبات على فنون الراب والبيت بوكس والغرافيتي إضافة إلى دروس في المسرح والغناء واللغات الأجنبية.

في هذا المركز تحديدا اختمرت فكرة الفيلم في ذهن عيوش بينما كان يتابع عروضا فنية لشباب من رواده. ويقول “أمر مدهش رؤية أولئك الشباب وهم يرقصون أو يتلون نصوصا فنية. أردت أن يسمع العالم بأسره ما يودون قوله”.

من أجل “إظهار هذه الشبيبة الرائعة” غيّر عيوش طريقة عمله مواصلا لمدة عامين التصوير والمونتاج مع “إعادة كتابة السيناريو باستمرار”، إذ يظل الفيلم عملا متخيلا رغم أنه متجذر في الواقع.

أثمرت هذه المغامرة أيضا فكرة أخرى بإطلاق شركة إنتاج متخصصة في موسيقي الهيب هوب “نيو ديستريكت” أواخر العام الماضي. ويلعب مديرها الفني أنس بسبوس، وهو مغني راب سابق، هو الآخر دورا في فيلم “علّي صوتك”.