تلتقي العديد من الأفلام السينمائية المغاربية، خصوصا تلك التي يخرجها الجيل المغاربي الثالث الذي يعيش في فرنسا، في معالجتهم لموضوع الذاكرة من خلال العودة لتفاصيل ذاكرة الأجيال السابقة وتضحياتهم والنبش في سرود مشروخة تعيد ربط تفاصيل الألم وعذابات مرحلة محفورة وآسنة لعلها تحررهم اليوم من ثقل الوجع.

أفلام تحرر ذاكرة المغاربيين

 

قوة الجيل المغاربي الثالث في فرنسا

كان ضروريا أن يكون الجيل المغاربي الأول في فرنسا حذرا من أجل البقاء، فيما كانت مسألة الذاكرة ثانوية للجيل الثاني الشاهد على تضحيات والديه، إلا أن الجيل الثالث ولا سيما النساء -القريب بما يكفي من هذا التاريخ المؤلم والبعيد بالوقت نفسه عنه- هو الذي تمكن من سبر أغوار قصص الجيلين الأول والثاني في فرنسا.

فذاكرة الجيل الأول من مغاربيي فرنسا تخرج من صمتها عبر الشاشة أو على صفحات الروايات، ويتولى أبناء الجزائريين والمغاربة الذين هاجروا إلى فرنسا في مرحلة ما بعد الاستعمار توثيق هذه الذاكرة التي يلفّها صمت الغربة أحياناً، وفي أعمالهم على الشاشة أو على صفحات الروايات، يضعون نقاطاً على حروف حياة أشخاص "مهمشين".

فيلم "جزائرهم" الوثائقي - استكشاف فجوة الذاكرة

وانطلقت في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر2021 في دُور السينما الفرنسية عروض الفيلم الوثائقي "جزائرهم" للمخرجة لينا سويلم (31 عاما)، كريمة الممثل زين الدين سويلم، وتستكشف فيه صمت جديها عائشة ومبروك اللذين انتقلا إلى فرنسا في خمسينيات القرن العشرين، ولم يتركاها بعد ذلك. فالمخرجة الشابة لا تعرف شيئا عن حياتهما، وهي تسعى عبر الفيلم إلى استكشاف فجوة الذاكرة هذه التي انتقلت أيضاً إلى والدها، ومما تبيّن لها مثلاً خلال تصوير الوثائقي أن أباها المولود في فرنسا لم يحصل على الجنسية الفرنسية إلا بعد 18 عاماً.

وتقول لوكالة فرانس برس "لم نتحدث قط عن هذه المواضيع لأن الصمت كان القاعدة. ذلك الصمت الذي كان ينتقل من جيل إلى جيل، كما لو أنه لغة المنفى في نهاية المطاف". ومن خلال إعطائها الكلمة لجدّيها، وهما من "أولئك الأشخاص غير الظاهرين في القصة الوطنية الفرنسية الذين اضطروا إلى التزام التحفظ لكي يتمكنوا من العيش بسلام"، تمكنت لينا سويلم من ربط قصتها الشخصية بالتاريخ الأكبر.

رواية "شمس مُرّة" - إسماع صوت الجيل المغاربي الأول في فرنسا

وإسماع هذه الأصوات هو أيضاً ما أرادته ليليا حسين من خلال روايتها "سولاي أمير" ("شمس مُرّة") الصادرة عن دار"غاليمار" والتي اختيرت ضمن اللائحة الأولية للأعمال المتنافسة على جائزة "غونكور"، أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية. وليست هذه القصة رواية ذاتية مع أنها بمثابة لوحة تصوّر هجرة أسرة جزائرية إلى فرنسا في ستينيات القرن العشرين وتحاكي تالياً قصتها الخاصة.

وتشرح المؤلفة، وهي صحافية، أنها شاءت أن تفسح المجال "أمام المنتمين إلى هذا الجيل" لكي يقولوا ما لديهم. وتلاحظ حسين التي تتولى مهمة التعليق في برنامج "كوتيديان" التلفزيوني أن "ما مِن شيء" متوافر عن هؤلاء الذين كانوا أول من أتى إلى فرنسا. فثمة أفلام وكتب عن حرب الجزائر، لكنّ التوثيق قليل جداً للمجيء إلى فرنسا". وتؤكد أنها كتبت "من دون غضب".

وشهدت السنوات الأخيرة إصدار عدد من الأعمال التي تسعى إلى تسجيل هذه الذاكرة التي بدأ الشهود عليها يتلاشون تدريجاً، من بينها "لا ديسكريسيون" عن دار "بلون" عام 2020 لفايزة غوين و"لار دو بيردر" الصادر عن دار "فلاماريون" والفائز بجائزة "غونكور" لتلامذة المدارس الثانوية عام 2017، وهو كتاب لأليس زينيتر مستوحى من حياة جديها اللذين انتقلا من الجزائر إلى فرنسا.

كذلك نشرت ليلى السليماني "لو بيي ديزوتر" عن دار "غاليمار" عن 2020 عن لقاء جدتها الفرنسية بجدها المغربي، إضافة إلى أعمال لكتّاب آخرين. وترى الباحثة سليمة طنفيش في تصريح لوكالة فرانس برس أن ثمة "حركة حقيقية لتحرير ذاكرة" هؤلاء المهاجرين الأُوَل، وهي مهمة يتولاها أحفادهم.