تخرجت الشاعرة لانا ديركاك من كلية الفلسفة بجامعة زغرب ومزجت في تجربتها الإبداعية بين كتابة الشعر والنثر كما أن لها إسهامات في مجال المسرح، وسبق لها أن كانت وراء فكرة رائدة "الأيام القيصرية لدوبريسكا" الى جانب عضويتها الفاعلة في تنظيم مهرجان زغرب العالمي للشعر، ومنذ ديوانها الأول على طوار الممشى الى الصليب تستشعر ديركاك نوعا من "الكآبة" الحادة اتجاه العالم ممثلة للحساسية الشعرية النسائية ومن مرجعيات فلسفية ووجودية وهشاشة طافحة.

مناورات

لانـا ديــركأاك

 

مناورة صمت

لعله غمّ ذاك الذي تفرك بيديك
إنه سيّد ناصفة الليل من غير ما منازع
الغرسة الضئيلة المنسرحة أرضا ضاع منها معناها الأصلي
أما الغرفة، برمّتها، فلن يعوزها استذكار واحدة من تلك
القوافل الملثمة بالهباء ليس إلاّ
و هي تخترق الصمت ساعة ترتيبه لمناورته
أخفقت أنت في إرخاء سمعك جهة الأمواج
خانتك عزيمة مدّ الزّبد بخلقة مخشوشنة
الزّبد الذي منه انبجست أفروديت
و منتهى ما يصح أن يخطر على بالك
هو كيف يقتدر عقيد في جيش سباتي
على أن يصادر منك معانيك الأصلية واحدا تلو الآخر
برفق، بأوفى ما يتاح من رفق.

 

غابة

كلّ مرة إلاّ و ألفيني منسحبة
نحو الساعة الثانية بعد منتصف الليل
فأنا أخشى أن أوقظ حوريات البحر من نومهن
هناك في عرض بحار دمك الرّاغية
حيث يحرسن أمواجه المتلظّية
و حال طقوسية ترين على البرهة
ليكن قدومكم، إذن، صباحا لمّا تكون أصواتهن مصدر إلهام
المنفى لا يني يفاقم الزّبد
الغابة ما فتئت تغدق علينا الصمت بخساسة لا تليق حتى بالأرقّاء
و حالما تبرح الغابة
تعمّد ألاّ تبلّغ بشيء قطّ محطة الإذاعة
المحطة الغافية لحوريات البحر
أو تذكر أنك كنت حذّرتني
عبر الأصوات اليقظانة للضواحي
بأنه حالما تتم مبارحة الغابة
فلن تتورع حوريات البحر عن شق مسارب في دواخلنا
المصونة و اللامرئية، أليس كذلك ؟
لا تغفل أيضا أن تلمع إلى:
كون الغابة مستوطنة عن آخرها
و لا تثق بتاتا في امرئ ما
لربّما ادّعى بأن الغابة و إلى حدود الصباح
تبقى لا شيء بالمرة ما دامت محض شهادة جارية على الصمت.

 

خزنة حديدية

تماما حيث يستحبّ أن يكون قفصي الصدري في موقعه الصائب
يا ما ألقى نفسي أنوء بحمل خزنة حديدية موقوفة على العتمات
أحيانا أسقط في هوى الكون لكن على استحياء
الغابة طبعا على دراية بهذا الشأن و فيما يعنيني أنا
فإن الصمت لأمر جلل
مرات قد تكون عتمات قفصي الحديدي غير مدوّنة بعد
في السّجلات
و في مطويات الوجل الباذخة
و مرات تكون عتماتي مرتدية
أشكالا منذورة للتّنطع على رشاقة الأزمنة
أما في أخرى فتنتصب فداحات عابرة للمقاسات
حيثما كان و أينما كان
ما عدا في النشرات الجوية الكسلانة للهزيع الأخير من الليل
حيث يقبع قفصي الصدري
أنوء بحمل خزنة حديدية مرفقة بعتمات
و أحيانا رسومات زيتية تشي بعناية بالغة
أتقرّى في فضائها
الإطلالة الكدرة للأمل.

 

محاورة مع الغبار

الزمن ينفخ في الصمت
و يطيب له أن يغرسني في الغبار كما رسالة
ها أنذا أرى عبر مسامّ الغبار
كما لو أننا صرنا إلى تواشج تهواه الجوارح
كما لو كنا متشارطين
و من ثمّ، و عند طلعة الصباح، نلوح لا غباري و لا أنا
و قد رمقنا بعضهم في إحدى برهات يوم الإثنين
منشدّين بقوة إلى بعضنا البعض
مسمّرين، كلّ من جهته، في عين الموضع
بينما بيرق أبدي يوشك أن يتخلّق
ها أنت تحدّق في
ذاك الذي ذرى نثارا مغبرا في الغرف
نثار مستديما لانهائيا
سيكون عدم لياقة ترقّب تلاشيه
عند خاتمة الألفية
ذلك أنه لا يستنكف عن التوالد
و غزارته تدثر سائر الأمصار التي ترضخ لسلطانه
و مع ذلك فإن نشيده الوطني تخالطه نكهة موسيقى كريهة
في حيّز إعداد الطبيخ بالمطبخ
لا يتقاعس أحدكم عن أن يهيئ له إبريق شاي مثلا
إذ هو قادم لامحالة

و لابأس في أن تتعودوا على ملاطفة غبار

لا قاهر لسريانه.

 

محرّر الشك

آخر الصيف حدث أن استخلصت
ما قوامه سبعة عشرة قارورة ثلج من عمودك الفقري
أصابك ذهول محيّر من الطريقة التي
اختبرتها بها شأني شأن شخص دؤوب على صنيعه
و أنت مغموس في الماء

مثلما قطعة إسفنج خانك مراس تثبيتها ثانية
شبيه الآثار المرئية الوحيدة
لبرهاتك الجميلة و الرديئة في آن
شبيه اللوحات الجدارية التي أبدعتها يد ماهرة
و التي تزدان بها جدرانك الباطنية
عند حاشية الغابة
عنّ لي أن أحوّل السبعة عشرة قارورة إلى رغوة
إثرها سعيت، على نحو أرعن، إلى لمّها متوسلة بكلمات
ثم حشوتها في بدن محررّ شك يطفح بلادة
في حنايا جندي لا يمسك عن مسخ الليل
إلى جناس تصحيفي استراتيجي
تهتدي به تشكيلة عسكرية هائلة
بدل أن أقبرها في كيان عصفور ما.

 

تطريز

في المشهد الأرضي
لم يتخلف الرّب هو أيضا
عن بسط يده
هيئ لي
أنه كان يحرق من وقت لآخر
البرودة الجاثمة على الغابة
الغابة سريري الممدود
و في أوراق أغصانها يمكنني
رؤية المطرّزات الفولكلورية
أيّ ثراء هذا الذي تهبه تشكيلات الأزياء المزركشة
أيّة إناسة
هل ترى
أن للغابة أملاكا تتمتع بها
و إذن ليكن مجيئك صباحا و ما إن تتعامى عن شفوفه
ما إن تشيح عنه
حتى تأتلق قشرة الجليد المتخمة ألقا من الأصل
التي تسهر على أضلاعها و نتوءاتها المستترة.

 

مشهد

لنعتبر الأمر سيمياء مشهد ما
لذا دعونا نتخيل غرفة على علاّتها
تتربّع فيها مائدة للأكل
سنكتشف، ببساطة، أنه من غير الجائز
أن يشين غطاء خوان ما بياضا فائق النصاعة
و فاكهة لهي من نصيب العفونة
قد تجد نفسك تقضم أطراف أصابعك
و من يدري فقد تغرم
بالمشهد الذي تراه عينك
فتحسبه اتفاقا سلسا
بين الطبيعة الميتة و قطعة الثوب
في تلابيب لغة ما تندّ عن الفهم

لنقل إنه ضرب من سيمياء متنامية و معنية بالتفاصيل
لذا دعونا نتخيل غرفة على علاّتها
تتربّع فيها مائدة للأكل
سنكتشف، ببساطة، أنه من غير الجائز
أن يشين غطاء خوان ما بياضا فائق النصاعة
و فاكهة لهي من نصيب العفونة
لكنك الآن لا تتحرّج في مدّ أصابع يدك
و من يدري فقد تكون شغفت
بالمشهد الذي رأته عيناك
فحسبته اتفاقا فروسيا على بياض البكارة
بين الفاكهة و غطاء الخوان
بين الطبيعة و علّة تمدّن لا مفرّ منها
فلا وجود للغة
لا تنتهك فيها الحضارة
الاتفاقات المتواطأ عليها
لغة تنهرق قطرة، قطرة، ملطّخة الخرائط الجغرافية.

 

الحديقة السرية

عند هبوبه
شفرات عشب مهزول ترى، عند أول وهلة، مارقة الخطى
يلوح كما لو أنه ربّ تلك الأكداس من العتمة
يأخذ بيد الريح إلى سافلة المصابيح
لكن لا هو
و لا كامل خرائط العالم
يحظى بموهبة اقتيادك
إلى حيث تثوي الحديقة السرية
التي ترتادها الملائكة عند حلول المساء
تحرسها و تحدب عليها طوال الليل
تنحني أمام ما ينهض من أوتاد
و توطّن نفسها على اقتفاء أثر الريح
عسى أن تقرّ العزائم.

 

 

من إصداراتها الشعرية: "على طوار الممشى إلى الصليب" (فانكوفسكي 1995)، "ملاذ حامل الضوء" (زغرب 1996)، "حوّاء صندوق البريد" (زغرب 1997)، "صندوق الظلال" (كارلوفاك 1999)، و قد نالت عن هذه المجموعة "جائزة زدرافكو بّوكاك للشعر" و أيضا "جائزة دوهوفنو هراس الشعرية"، "الغابة تبعث إلينا بشجرة عبر البريد الإلكتروني" (زغرب 2004)، ومجموعة شعرية موسومة ب "أستشعر الكآبة" أنجزتها بالاشتراك مع الشاعرين راد جاراك و توميشلاف ريبيك، علاوة على مجموعة قصصية تحمل عنوان "أصيخوا السمع إلى الملائكة" (زغرب 2003)، و كرّاس يضم نصوصا مسرحية تحت مسمّى "إعفاء" (زغرب 2000).