حضارة تايلوس موضوع ندوة دولية في اليونسكو بباريس بمشاركة خبراء دوليين

قبل أكثر من ألفي عام، وصلت سفن الإسكندر الأكبر إلى شواطئ البحرين، لتكتشف جزيرة وصفتها كتابات المؤرخين القدماء بأنها جنّة خضراء يزدهر فيها مجتمع مفعم بالحياة. أطلق عليها المستكشفون الجدد مسمى "تايلوس"، تحريفاً عن كلمة حضارة سبقت تلك الأيام بآلاف السنين هي دلمون أو تلمون، لتصبح من بعدها هذه الأرض مركزاُ للتجارة والثقافة في العالم الهلنستي آنذاك.
اليوم، تعود هذه الحقبة المذهلة من تاريخ المنطقة بكل آثارها وحكاياتها إلى دائرة الضوء من خلال الندوة الدولية "ثقافة تايلوس: الآثار الهلنستية في البحرين"، والتي نظمتها هيئة البحرين للثقافة والآثار ووزارة الثقافة اليونانية يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024م في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في العاصمة الفرنسية باريس، بالتعاون مع  البعثتين الدائمتين لمملكة البحرين واليونان لدى المنظمة وسفارتي البلدين في باريس، بحضور سعادة الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، والسيدة أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو، وسعادة السيد عصام عبدالعزيز الجاسم سفير مملكة البحرين لدى باريس والمندوب الدائم للبحرين لدى اليونسكو وسعادة السيد جيورجوس كوموتساكوس المندوب الدائم لليونان لدى اليونيسكو، إضافة إلى عدد من السفراء المعتمدين لدى منظمة اليونسكو والمهتمين والإعلاميين. 
وبهذه المناسبة، قال سعادة الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيس الهيئة: "هذه الندوة التي تتناول حضارة تايلوس تتماشى مع رؤيتنا لتعزيز مكانة مملكة البحرين التاريخية كمحور ثقافي وسياحي واقتصادي يجمع بين مختلف الحضارات"، مضيفاً: "من خلال إلقاء الضوء على الروابط التاريخية العميقة بين البحرين والعالم اليوناني، نعيد التأكيد على أهمية الثقافة في بناء جسور التعاون الدولي. إن تاريخ تايلوس الغني ليس فقط جزءاً من ماضينا، ولكنه أيضًا مصدر إلهام للحاضر والمستقبل".
وأعرب سعادته عن شكره العميق إلى كل من ساهم في إنجاح الندوة، شاكراً منظمة اليونسكو على استضافتها لهذا الحدث الدولي في مقرها الرئيسي، وهو المكان الذي يحمل رمزية عالمية كمنبر للحوار الثقافي وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، موضحاً أن انعقاد الندوة في هذا الصرح المميز يؤكد على أهمية التعاون في فهم التاريخ المشترك بين الشعوب، ويبرز التزام البحرين بالعمل مع شركائها الدوليين، وفي مقدمتهم اليونسكو، للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه كوسيلة للتفاهم والتواصل الإنساني.
من جهتها أعربت السيدة آزولاي عن سعادتها بالندوة التي تؤكد على أهمية تعزيز الجسور الثقافية ما بين الشعوب عبر صنع لقاء الحضارات في منظمة اليونيسكو التي تهتم بحفظ وصون التراث العالمي. وقالت إن مملكة البحرين أرض استثنائية قامت فيها حضارات مختلفة من عهد دلمون وتايلوس، اليوم تضمّ ثلاثة مواقع تراث عالمي مسجلة على قائمة اليونسكو. وتمنت للندوة النجاح في تحقيق أهدافها في جمع الثقافات والحضارات معاً، شاكرةً مملكة البحرين واليونان على تنظيم هذا الحدث الثقافي الهام. 
أما السيد جيورجوس كوموتساكوس فقال إن العالم اليوم بحاجة إلى لقاء الحضارات، ولفعاليات مثل هذه الندوة التي تجمع الوطن العربي بأوروبا، متوجهاً بجزيل الشكر إلى كافة القائمين على الحدث. 
وأدار الندوة السيد رشاد فرج، مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي وشارك فيها نخبة من الخبراء الدوليين المعروفين في مجالات الآثار، التاريخ الهلنستي، والأنثروبولوجيا الثقافية. وتحدث الدكتور بيير لومبارد، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي بمدينة ليون في فرنسا والرئيس السابق للبعثة الأثرية الفرنسية في البحرين، عن حضارة تايلوس كمثال هام للثقافة الهلنستية في منطقة الخليج العربي، فيما تناولت الدكتورة صوفيا زومباكي مديرة الأبحاث في المؤسسة الوطنية للبحوث بأثينا باليونان العلاقات الثقافية والاقتصادية بين تايلوس والعالم اليوناني. أما الدكتور بيير-لويس غاتيه الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي فألقى الضوء على النقوش اليونانية المكتشفة في البحرين، بينما استعرض الدكتور جوليان كوني الباحث في متحف اللوفر بباريس، مقابر تايلوس في منطقة أبو صيبع وما تحمله من دلالات أثرية.
وشكلت الندوة الدولية حول تايلوس فرصة استثنائية لاستكشاف فصل مميز من التاريخ الثقافي والاقتصادي للمملكة، التي كانت تمثل نقطة التقاء بين الشرق والغرب خلال الحقبة الهلنستية. فعلى مدى قرون طويلة (بداية من القرن الرابع قبل الميلاد)، كانت البحرين مركزاً تجارياً وثقافياً نابضاً بالحياة، تربطها شبكات معقدة بالتجارة العالمية الممتدة من بلاد الشام ومصر إلى الهند. وشكلت اكتشافات المقابر في شمال البحرين، فرصة فريدة لعلماء الآثار للتعرف على أدوات وحلي وقطع خزف مستوحاة من تقاليد محلية وهلنستية في آن واحد، وهو ما عكس اندماجاً حضارياً على هذه الأرض ما زالت أصداؤه تتردّد حتى اليوم.
وتطرقت الندوة أيضاً إلى النقوش اليونانية التي اكتُشفت في البحرين، والتي تقدم أدلة ملموسة على عمق التفاعل الثقافي بين الجزيرة والعالم الهلنستي، إلى جانب استعراض تقاليد الدفن التي تدمج بين الطابع المحلي والتأثيرات الهلنستية. كما كشفت الندوة عن العلاقات الاقتصادية التي شهدتها تايلوس مع العالم اليوناني، حيث ازدهرت تجارة اللؤلؤ والمنتجات الفاخرة، مما رسخ مكانتها كمحطة رئيسية على خريطة التجارة العالمية.