يعيدنا الشاعر المصري المرموق الى لحظة تجلي حيث الوطن والقصيدة والكينونة، جميعهم يحاولون نسج شيء من ألق الغياب، حيث تتجلى الأرض رمزا للوجود، ويصبح الشاعر وهو في حالة "وعي غامض" يحرره من أمراس الواقع بينما يربطه بجوهره في آن جوالا يصحبنا الى تلك الخيالات التي تشكلت في لحظة فايسبوكية.

في ليلة الفيس بوك

حسن النجّار

هذه الليلة أنتظر صديقا حميما

يطل عليَّ من صفحة الفيس بوك .

منذ عشرين عاما لم يصلني منه خطاب

 أو لفتة .

 هيأت مشاعري لعناق طلَّتهِ  ..

 ياإلهي ..

         عشرون عاما هي عمر أي إنسان

 علي الأرض في ريعان شبابه .

 سأشم فيه رائحة  ذكريات منداة لسنوات الشقاء

 العذب .

        ياصديقي لا تتأخر في المجئ .

 فقد أعددت نفسي لصلوات تغريداتك

عن وطن تكبر فيه الأحلام .

كل نبتة منه سوار من ذهب في عنق النساء .

الحب أول مااقترفناه .

 وآخر ما تمنيناه .

هذه الليلة يعود الفرح يملأ خياشيمي علي

 مرآي كل البلاد .

 سأزود رأسي بروافد ذكريات مندات بالألم ,

 حين لم نبلغ الشئ الذي تمنيناه يوما

 وهو انتصارنا في الحرب المعلنة .

 حينما أوصيتني وأنا ذاهب إلي الميدان

 أن أعامل جنودي معاملة الأصدقاء

 الحميمين

وليسوا خدما .

 وقد فعلت .

      فعندما أصابتني شظية غدر

 لم أجد من يحملني سوي هؤلاء الجنود .

 

 منذ عشرين عاما

 كانت الأرض تحت أقدامنا تبوح

 بأسرارها لنا ،

 ونحن الذين عشقناها ورسمناها

 جنة في قصائدنا .

 الأرض جنة حين نعشقها .

أذكر ليلة أن سكرنا وقلنا :

 قد يأتي الشعر من حالة الهذيان .

 نمنا من فرط الخدر

 ولم نر شيئا سوي خيالات رسوم علي الجدران

 ليست أشبه بجرافيتي الثوار .

 

          ياإلهي ..

 كنتَ فاقد الوعي وقد حملتكَ إلي عيادة الطبيب . 

  واعتذرتُ لك لأنني من حمل الخمر

 إلي السهرة .

        ما الشعر إن لم يكن من حالة وعي غامض

 يحملنا علي أجنحة الخيلات البعيدة .

 

كنا نحب النساء الرقيقات ونمشي

 وراءهن نشم عبير الفتنة

 يفوح من أقدامهن

 وهن يخطرن كغزلان البراري .

 ثم نعود في آخر الليل

 نكتب الشعر علي وقع الخطي .

 

             إخوتك تزوجوا .

 وإخوتي تزوجوا .

 ولم يبق سوانا كنبت الصحراء .

 كلانا مرتحل في أروقة مسافات التعب .

الزواج معركة لم نخضها .

 وبيت لم نسكنه .

لكننا أنجباء أبناء لا يعرفوننا .

 

      وسأقرأ عليك من لوحي المحفوظ :

ماذا فعلت بي تلك السنوات العشرون

    

                 لم أكُ شيئا ذا بال

      أقرأ

      أو أكتب

      أو أمنح جسدي لامرأة

      تستجدي فيه إشارات البهجة

      أو أمشي في كل بساتين

      العشق ،

      أطمْئِن قلبي أن العشق الوافر

      لم يأت بعد

      وأن الوطن إذا لم يمنحه الحاكم

      شرف نزاهته في الحكم

      سيخرج من دائرة الأوطان

 

           من أخباري أيضا :

 كنت ، وما زلت ، علي أهبة

 أن أُشعل هذي الأرض بمشكاة حنيني

الأرض ، الأرض ،

الأغنية الحبلي بروائح كل الشعراء .

نحن جباة الأرض

ومداحوها الفقراء .

لم نترك شيئا

إلا ورسمناه علي جدران منازلنا

نهرا يتفرع للنيل

لم نترك شيئا

إلا وأخذنا منه إشارات الترغيب

الأرض ، الأرض ..

 

شاعر من مصر