الهند عبر العدسة

1.     جيوتي بات

منذ منتصف ستينيّات القرن العشرين وجيوتي بات يجوب أرجاء الهند، مصوّراً أثناء جولاته مختلف أشكال الفنّ الشعبي الأصيل لسكّان الريف، وهو فنٌّ لطالما خشي عليه من أن يكتسحه تيّار الحداثة والتصنيع العارم ويمحيه تماماً من الوجود. يُبرز بات العلاقة الوثيقة التي تربط تلك الأشكال الفنّيّة للمجتمعات التقليديّة بالحسّ الإنسانيّ. وهو يتجنّب تَشييء أو افتعال العواطف، كما أن الأشخاص الذين يصوّرهم مدركين تماماً لعدسته، ونادراً ما تُلتقط الصور لهم على حين غرّة.

 

تمثّل هذه الصور فصلاً مهمّاً في تاريخ التصوير في الهند، فهي وثائق ومواد مَصدريّة، بل وأعمالٌ فنيةٌ قائمةٌ بحد ذاتها. وهي تبلور الحسً والإبداع الفنّي الذي يمتاز به بات، إضافة إلى فهمه الفريد للثقافات التقليدية. تقع هذه الأعمال في المقام الأول ضمن فئة التصوير الوثائقيّ التقليديّ، والذي تُعتبر فيه الفهرسة والتفصيل والدقّة البصريّة أموراً جوهريّةً بالنسبة لمصداقيّة هذه الوسيلة وقدرتها على تجسيد الواقع.

 

جيوتي بات فنّانٌ هنديٌّ وُلِد في عام 1934 في بافانجار بولاية غوجورات، وتتركّز أعماله في مجال الطباعة والرسم والتصوير. اهتمً بالرسم في سنٍّ مبكّرة، ودَرَس وعمل كأستاذٍ في العديد من معاهد الفنون حول العالم.

 

 

2.     كارين كنور

طوّرت كارين كنور على مدى العقود الثلاثة الماضية حواراً نقديّاً مع التصوير الوثائقيّ باستخدام مجموعةٍ من الاستراتيجيّات البصريّة والنصّيّة، حيث تكشف أعمالها بشكلٍ مبدعٍ ومرحٍ عن مفارقاتٍ تغاضت عنها السياقات الثقافيّة التي اختارتها، وعلى الأخصّ استخدامها للنصوص التي تذيّل صورها لإضافة طبقاتٍ ومعانٍ جديدة عليها، قد تكون مرحةً أو غير ذلك، حين مشاهدة أعمالها.   

 

سلسلتها التي تحمل عنوان "أغنية الهند" (2008 - الوقت الحاضر) عبارة عن مجموعةٍ من الصور التي صيغت بعنايةٍ في محاولةٍ لاستكشاف طبيعة التراث والموروث الاستعماري وأخلاقيّات الاستيلاء الثقافيّ والفروقات بين الجنسين، وذلك من خلال وضعها في سياقٍ هنديٍّ معاصر تقوم فيه بإدخال حيواناتٍ من أساطير وحكاياتٍ شعبيّةٍ محليّةٍ في مساحاتٍ معماريّة تقليديّة، مستجوبةً بذلك العلاقة بين ماضي الهند وحاضرها، وبين ثقافات راجبوت النخبوية و "الآخر".

 

ولِدت كارين كنور في فرانكفورت بألمانيا في العام 1954 ونشأت في سان خوان في بورتوريكو، ودرست الفنّ في باريس ولندن. وقد استغلّت أعمالها عبر العقود الثلاثة الماضية كوسيلة لبحث سياسات التمثيل وعلاقتها بشتّى السياقات.

 

3.     ميمونة غيريسي

تركز أعمال باتريسيا ميمونة غيريسي في مجملها على تقارب الأفراد في سياق مشترك للبشرية عابر للحدود، نفسيّاً كان ذلك أو ثقافيّاً أو سياسيّاً. أعمالها التي تركز على الهند والمعروضة هنا هي امتدادٌ لاستكشاف "الجسم الصوفيّ"، وخوضٌ معمّق في تحقيقاتها حول التهجين الثقافي والتوفيق بين المعتقدات الدينية. فمن خلال استخدامها لأيقوناتٍ مرتبطةٍ بدياناتٍ مختلفة - مثل العمائم التي يرتديها السيخ، والمآذن الإسلاميّة، والنقطة التي يضعها الهندوس على جبهاتهم - والتي قد تستخدمها معاً في نفس الصورة أحياناً، تؤكد التدفق الثقافي التي تعمل تلك رموز ضمنه في بلدٍ تتنوّع فيه الشعوب.

 

طبيعة صور غيريسي السرياليّة التي تقوم بإنشائها وترتيبها تعبّر عن واقع موضوعاتها بطرقٍ استقرائية وتدبريّة وغامضة. وهي تؤدّي دورها ليس كوثائق واقعيّة، وإنما كرواياتٍ تفسيريّة للحقيقة.

 

غيريسي فنّانة وسائط متعدّدة إيطاليّة من مواليد العام 1951، وهي تعمل في مجال التصوير الفوتوغرافيّ والنحت والفيديو والتركيب، وأقامت في كلٍّ من فيرونا وميلانو وداكار. نشأت على الديانة المسيحية الكاثوليكية، ولاحقاً اعتنقت الإسلام واعتمدت هوية جديدة نتيجة لتأثّرها بالطريقة الصوفيّة، وقد شكلت تلك الخطوة منعطفاً مهماً في مسارها الفنّي.

 

4.     تي. إس. ساتيان

صوّر تي. إس. ساتيان عبر مسيرته التي تمتدّ عبر خمسة عقود رؤساء ووزراء وغيرهم من كبار ساسة الدولة، كما صوّر الأغنياء والمشاهير، وأرّخ بعدسته بعض أهم اللحظات والشخوص في تاريخ الهند. ومع ذلك، فإن الصور التي التقطها للإنسان العادي مجهول الهويّة من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ هي التي تُعتَبر أساس رؤيته الإنسانيّة، وهي التي تشكّل معظم أرشيفه الفوتوغرافيّ وحصيلة أعماله. وتعبّر هذه "التدخلات الحميمة" على حد قوله عن علاقته التعاطفية الطويلة مع شعب الهند.

 

العلاقة الحميمة المشتركة بين ساتيان وشخوصه تمثّلها صوره بالأبيض والأسود المعروضة هنا والتي تركّز بشكلٍ رئيسيٍّ على سرد القصص الشخصيّة، والتي بدورها تعبّر عن مجمل الهوية الجماعيّة الهندية من منظورها الأوسع. وسواءً اعتُبرت أمثلةً لصورٍ صحفيّةٍ أو أعمالاً فنّيّةً، فإنها تتّسم بثقلٍ عاطفيٍّ باعتبارها تمثيلاً "حقيقيّاً" للهنود العاديّين وحياتهم.

 

ولد ونشأ تي. إس. ساتيان (1923 – 2009) في مايسور بإقليم كارناتاكا، وبدأ مزاولة التصوير عندما كان لا يزال طالباً في الثانويّة، وهو يعدُّ من أوائل المصوّرين الصحفيّين في الهند.