تتواصل سلسلة نداءات التضامن مع الشاعر الفلسطيني المرموق والذي يتعرض لحكم جائر بالإعدام بدعوة تحريضه وترويجه "لأفكار إلحادية"، هنا تقرير تركيبي يقربنا من صدى التفاعل المتواصل الذي يطالب بإطلاق سراح الشاعر وعودته الى ذويه وقرائه بعيدا عن سلطة ورقابة أي جهاز كيف ما كان نوعه، وفي الوقت الذي تتواصل فيه هذه النداءات توقف قلب والده حزنا وكمدا على مصير ولده.

أطلقوا سراح الشاعر أشرف فياض

حملة تضامن مع الشاعر الفلسطيني أشرف فياض المحكوم بالإعدام

أطلق مجموعة من المثقفين عريضة بعنوان "بيان للمثقفين العرب ضد محاكمة الشاعر أشرف فياض"، عبروا فيها عن رفضهم لحكم الإعدام الصادر بحق الشاعر الفلسطيني في السعودية، ودعوا باقي المثقفين إلى التوقيع عليها. واتهم فياض بالترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية.

أثار الحكم الصادر عن محكمة سعودية بإعدام الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بتهمة تتعلق بكتاباته ردود فعل واسعة بين الكتاب والمثقفين. وأطلقت مجموعة من المثقفين عريضة بعنوان "بيان للمثقفين العرب ضد محاكمة الشاعر أشرف فياض" دعت الكتاب والمثقفين العرب إلى التوقيع عليها حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وجاء في العريضة "نحن الموقعين أدناه كتابا وفنانين وإعلاميين وأكاديميين نرفض بشدة محاكمة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بسبب نشر ديوان شعر والحكم عليه بالإعدام في المملكة العربية السعودية."

واحتجزت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فياض في مدينة أبها في جنوب غرب السعودية عام 2013 ثم أعيد إلقاء القبض عليه وحوكم أوائل عام 2014. وقال آدم كوجل، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، يوم الجمعة إن محكمة سعودية أصدرت حكما بالإعدام على الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بتهمة الترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية.

تعزيز الظلامية"

نشرت العريضة على مواقع التواصل الاجتماعي التي جاء فيها أيضا "أن هذه النظرة الضيقة للأدب والإبداع تعزز من الظلامية الفكرية ولا تساهم في تعزيز بناء مشهد ثقافي حضاري." وقال قائمون على العريضة إن عدد الموقعين عليها حتى مساء اليوم وصل إلى ما يقارب الألفين بينهم عدد من الكتاب والأدباء والشعراء والفنانين العرب.

وقال الكاتب والروائي الفلسطيني محمود شقير، أحد الموقعين على العريضة ضد الحكم على فياض، "هذا موقف غير معقول في القرن الواحد والعشرين." وأضاف شقير في اتصال مع رويترز "إنسان صاحب موقف صاحب فكر صاحب رؤية حر في رؤيته وأنت رد على الفكرة بفكرة مش إعدام وقتل وذبح هذا زمن العصور الوسطى زمن الجاهلية." واستعرض شقير ما حدث مع الكتاب المصري إسماعيل أدهم في الثلاثينات القرن العشرين عندما كتب كتاب "لماذا أنا ملحد" ونشره.

وقال إن "علماء الأزهر ردوا عليه بالفكر وليس بالإعدام والتكفير والقتل هذا مرفوض تماما أن يعدم شاعر بسبب وجهة نظره على اجتهاد حتى لو كان اجتهاده خاطئا يمكن أن يناقش مش يعدم هذا أمر مرفوض."

وشبه الشاعر الفلسطيني زكريا محمد الحكم بالإعدام على الشاعر أشرف فياض بما تقوم به التنظيمات المتطرفة.

وقال لرويترز "سأوقع على العريضة ومن غير المقبول أن يحكم بالإعدام على إنسان لرأيه وهذا يجب الوقوف في وجهه دفاعا عن حرية الثقافة." ووصف الكاتب والناقد الفلسطيني حسن خضر التهم الموجهة إلى فياض أنها تستند إلى تأويل. وقال لرويترز "إن أشرف فياض اتهم بالإلحاد وهذه تهمة مؤولة بمعنى أنه تولى أشخاص من الجهاز القضائي أو غيره الذين نحن غير متأكدين من مدى كفاءة هؤلاء بالمعنى القضائي أو الأدبي في فهم النصوص.. هم تولوا تأويل هذه النصوص للتدليل على أن هذا الشخص ملحد وبالتالي لتبرير الحكم بإعدامه وهذا انتهاك صارخ لأصول المحاكمات العادلة من ناحية ولعملية الكتابة الإبداعية من ناحية أخرى."

اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني يدعو إلى "منع تنفيذ الحكم"

بعث اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني رسالة إلى الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب محمد سلماوي، طالبه فيها بالتدخل لدى الجهات ذات العلاقة في السعودية "لمنع تنفيذ الحكم والبحث عن طرق بديلة، لمعالجة هذا الأمر بما يؤدي إلى إطلاق سراح الشاعر."

وجاء في الرسالة أن حكم الإعدام بحق الشاعر "يناهض دعوتنا ككتاب بأن الكلمة لا يرد عليها إلا بالكلمة.. والفكر بالفكر."

وقال الشاعر مراد السوداني، رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين لرويترز، إنه وقع على العريضة التي تدعو إلى إطلاق سراح فياض وأنه على اتصال بالسفير الفلسطيني في السعودية الذي يتابع الموضوع على أعلى المستويات.

وأوضح السوداني "من غير المقبول الحجر على كاتب بحجة تفسير النصوص النص دائما والنص الشعري تحديدا حمال أوجه وبالتالي نحن نرى أن إطلاق سراح أشرف فياض هو واجب على كل المسؤولين.. لا بديل عن الفكر إلا بالفكر المستنير."

وأضاف " نحن نثق بالقضاء السعودي أنه سيصل إلى لحظة الحقيقة ويكشف أن أشرف من حقه أن يكتب وليس هنالك ما يجعله رهين هذا السجن لقاء ما كتب."

أشرف فياض - ضحية جديدة لحرية التعبير

أشرف فياض، شاعر فلسطيني يعيش في السعودية، حُكِم عليه بالإعدام لمجرد قصائد أُولت على أنها "إلحاد". فهل يضاف اسم هذا الشاعر إلى قائمة طويلة لكتاب ذنبهم الوحيد التعبير عما يخالجهم من مشاعر وآراء يرى فيها البعض تمردا؟

كان أشرف فياض، حتى بضعة أيام مضت، مجرد أحد الأسماء على قائمة "سجناء الرأي" في السعودية والتي –وإن لم يعرف مدى طولها- تتضمن أسماء شهيرة على غرار المدون رائف بدوي. لكن إصدار محكمة استئناف سعودية حكما بإعدام فياض بتهمة "كتابات تضليلية"، على خلفية إصدار الشاعر الفلسطيني الأصل ديوان شعر "التعليمات بالداخل"، أمر استنكره ورفضه الكثير من الكتاب والأدباء العرب، وحتى من السعودية نفسها.

وفي عريضة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي طالبت مجموعة من المثقفين العرب بالإفراج عن أشرف فياض، معتبرة أن محاكمته تعكس نظرة ضيقة "للأدب والإبداع وتعزز الظلامية الفكرية." كما أن اتحاد كتاب وأدباء فلسطين، الوطن الأصلي للشاعر، الذي ولد ونشأ في السعودية، طالب الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب بالتدخل لدى الجهات السعودية "لمنع تنفيذ الحكم والبحث عن طرق بديلة لمعالجة هذا الأمر بما يؤدي إلى إطلاق سراح الشاعر."

فياض- شاعر أولت أشعاره بالإلحاد

وكانت محكمة سعودية قد أصدرت حكما بالإعدام بحق أشرف فياض بتهمة الإلحاد، وفق ما أعلنت منظمة هيومن رايتش ووتش. ووفقا للمصدر نفسه، فقد سبق وأصدرت محكمة سعودية على الشاعر فياض حكما بالسجن أربع سنوات وجلده 800 جلدة لإدانته بالتهمة ذاتها. لكن وبعد استئناف الحكم قررت المحكمة إصدار حكم الإعدام بحقه. ووفقا لهيومن رايتس ووتش، فقد تقدمت مجموعة مناقشات ثقافية في مدينة أبها، جنوب غرب السعودية، بشكوى ضد فياض، الذي قيل إنه "اختلف مع أعضاء في تلك المجموعة" وإن أحدهم زعم أنه سمع فياض يسب الله والرسول والسعودية، فيما اتهمه رجل دين بالإلحاد في مجموعة شعرية نشرها قبل سبع سنوات، وفق المنظمة الحقوقية.

ومن السعودية ذاتها، وفي مقال نشر اليوم الاثنين (23 نوفمر/ تشرين الثاني 2015) على الموقع الالكتروني لصحيفة الوطن، تساءل الإعلامي السعودي قينان الغامدي عن دوافع إصدار حكم بالإعدام كهذا، وقال: "أشرف فياض شاعر مبدع فلسطيني من مواليد المملكة، وأسرته تقيم هنا في السعودية، منذ أكثر من خمسين عاماً، هذا الشاعر، حكم عليه بالإعدام تعزيراً، في أبها، فما السبب؟"

في الواقع، يبدو أن فياض نفسه يجهل السبب الحقيقي للحكم الصادر بحقه. فوفقا لصحيفة غارديان البريطانية، وصف فياض ديوانه "التعليمات بالداخل"، والذي اُتهم بسببه بالإلحاد، بأنه يدور حوله "كلاجئ فلسطيني وحول أشياء ثقافية وفلسفية أخرى. لكن إسلاميين متطرفين أولوه على أنه يتضمن أفكاراً معادية للذات الإلهية."

سلماوي يناشد العاهل السعودي مراجعة الحكم بإعدام شاعر فلسطيني

نيابة عن الأدباء والكتاب العرب سلماوي يتمنى على الملك سلمان بن عبدالعزيز، إصدار الأمر بمراجعة الحكم الذي سيسيء إلى سمعة العرب بين الأمم. بعث محمد سلماوي الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يناشده فيها باسم الأدباء والكتاب العرب أعضاء الاتحاد العام ضرورة مراجعة الحكم الصادر في المملكة العربية السعودية بإعدام الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض بسبب ديوان صدر له منذ سنوات (!) بعنوان "التعليمات بالداخل"، رأت المحكمة السعودية أن به مساسًا بالذات الإلهية.

وأكد أمين عام اتحاد الكتاب العرب في رسالته أن الكلمة يُرد عليها بالكلمة، والرأي بالرأي والفكر بالفكر لا بالاعتقال ولا بالسجن ولا بالإعدام ولا بإزهاق الأرواح التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وقال إن هذا الحكم يسيء الى صورة العرب والإسلام أمام العالم.

وقال سلماوي في نسخة من الرسالة حصلت عليها ثقافة ميدل إست أونلاين: "راعتنا الأنباء التي تواترت في الصحف والمواقع الالكترونية عن صدور حكم بالإعدام في المملكة العربية السعودية الشقيقة على الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض، بتهمة احتواء ديوانه الشعري "التعليمات بالداخل" الصادر من ما يقرب من عشر سنوات على بعض العبارات التي اعتبرتها المحكمة – حسب فهمها للنصوص – مساسا بالذات الآلهية، وهو ما أصاب جميع الأدباء والكتاب والمثقفين في الوطن العربي وخارجه بصدمة مروعة".

وأضاف الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في رسالته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود: "أن الأبداع الفني – والشعري منه على وجه الخصوص – كما هو معلوم لجلالتكم يستخدم المجاز ويصنع الصور الفنية التي يقصد منها توصيل المعنى متواريا وليس مباشرا، مما يصعب تأويله إلا على ذوي الاختصاص من نقاد الأدب ودارسيه، وهو الأمر الذي قد لا يتوافر لقضاة المحاكم الذين يبحثون عن قرائن واضحة لا غبار عليها، فيذهبون إلى المعاني مباشرة التي لا تكون مقصودة بذاتها والتي ليست هي من بين سمات العمل الأدبي".

وأضاف سلماوي: "وحيث إن الإنتاج الأدبي عموما وأوله الشعر، يحتاج إلى مساحات واسعة من الحرية والخيال الذي لا تقيده قيود، مما حدا بنبينا العظيم – صلوات الله وسلامه عليه - أن يغفر للشاعر حسان بن ثابت بعض ما قاله في شعره مما بدا أنه مساس بأقدس المقدسات".

ويذكر سلماوي أن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب يؤكد ما تعارفت عليه الحضارات الإنسانية جمعاء، من أن الكلمة يرد عليها بالكلمة، والرأي بالرأي، والفكر بالفكر، لا بالاعتقال ولا بالسجن، ولا بالإعدام ولا بإزهاق الأرواح التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

ونيابة عن جميع الأدباء والكتاب العرب أعضاء الاتحاد العام تمنى سلماوي على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إصدار الأمر بمراجعة هذا الحكم المجحف، الذي سيسيء إلى سمعة العرب بين الأمم، التي ستتندر علينا لأننا نصدر أحكاما بالقتل على شعرائنا لما يقولون وليس على ما يفعلون، وذلك في وقت نواجه فيه من يلصقون بديننا الحنيف صفات القتل والذبح وإزهاق الأرواح، وهو منها جميعا براء.

آراء

ويقول الكاتب "خلف الحربي": "أثار الحكم الذي أصدرته محكمة جنوب غربي البلاد بإعدام الشاعر الفلسطيني المقيم في المملكة أشرف فياض استغراب الكثيرين داخل المملكة وخارجها، فمع تقديرنا لسلطة القضاء إلا أن الحكم هنا دخل في مرحلة تأويل الشعر لصالح فكرة مسبقة من أجل إثبات هذه التهمة الشنيعة وإقرار هذه العقوبة التي ليس بعدها عقوبة على وجه الأرض. ولحسن الحظ أن هذا الحكم ابتدائي ولا تزال هناك فرصة لمراجعته في مرحلتي الاستئناف والتمييز، ونتمنى من الإخوة المحامين وغيرهم من الشرعيين التدخل لإعادة الأمور إلى مسارها المنطقي، خصوصا أن القضية يحيط بها سيل من الغموض، بل إنها قائمة منذ أساسها على مبدأ الشك. مسرح الجريمة هنا هو ديوان شعر صدر قبل نحو 7 سنوات والشعر - كما تعلمون - فن قائم على الخيال، وبما أن هذا الديوان - من خلال ما نشر من مقتطفات - لم يحتو على عبارات صريحة تثبت إلحاد شاعره يشغلنا سؤال مهم: هل استعانت المحكمة الموقرة بخبراء في الأدب والشعر كي تتأكد أن الشاعر كان ملحدا عند كتابته هذه العبارة أو تلك؟، هل حاول القاضي الاستئناس برأي وزارة الثقافة والإعلام باعتبارها الجهة المختصة من الناحية الفنية عن محتوى الديوان؟، أم أن المسألة كانت خاضعة لذوق القاضي الشعري الذي لا نقلل منه ولكننا لا نراه جازما في تحديد شكل الرؤية الشعرية التي يستحق صاحبها عقوبة الإعدام؟.

أما عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن عملية قبضها على الشاعر استجابة لشكوى أحد المواطنين التي لخبطت أوراق هذه القضية وأخرجتها بهذه الطريقة التي لا تخدم أبدا صورة البلاد، فقد كان من الأولى أن توجه الشكوى إلى وزارة الثقافة والإعلام أو إلى المحكمة وليس إلى الهيئة تفاديا لبعض الشكاوى الكيدية التي يباشرها أناس غير مختصين يسيطر عليهم الحماس فيقلبون القضية رأسا على عقب، وقد أكدت عائلة الشاعر أكثر من مرة أن ابنها وقع ضحية شكوى كيدية من قبل أحد المواطنين الذي اختلف معه حول مباراة كرة قدم أوروبية في أحد المقاهي فذهب يشكوه إلى الهيئة مدعيا أن أشعاره تدل على إلحاده وجلب لهم كتابه الذي يحمل عنوان (التعليمات بالداخل) كدليل على الجريمة، لتبدأ بعدها القصة العجيبة التي انتهت بإصدار المحكمة حكما بإعدام الشاعر. أملنا في الله كبير ثم بقيادتنا وقضائنا بمراجعة هذا الحكم في درجة الاستئناف والاستعانة بالجهة ذات الاختصاص للحد من لعبة: تأويل كل ما يمكن تأويله.."

وكتب بندر خليل، وهو كاتب وصحفي سعودي، "أشرف فياض.. هزيمة لكل شيء": "إنني غاضب وحزين جدًا وأشعر بالعار. غاضب من أجل حق يضيع على الإنسان. وحزين على بلد تتآكل بفعل حقيقة وجود دولة داخل دولة، وقانون داخل قانون، وغابة داخل غابة. لا أعتقد أن هناك قصة تتفوق مأساويتها على قصة أشرف فياض. فمن مثله قد جمع كل هذا في روح عاصفة بالأسى: شاعر وفنان ولاجئ وسجين محكوم بالقتل! عرفت أشرف فياض في مطلع العام 2007 وكان سمينًا جدًا، وتبدو عليه سمات الارتياح النفسي. وذلك حين جمعني به الشاعر الجميل محمد خضر بأحد مقاهي أبها. حينها فرحت كثيرًا بهذه الإضافة لمدينتي. فقد أهداني وقتها نسخة من ديوانه الإشكالي "التعليمات بالداخل"، وكان شعره يوحي بتجربة أبهاوية شعرية رائعة، رغم أن قراءتي لنصوص الديوان اليوم اختلفت، وصرت أرى مثالبه وضعفه الفني بعين صافية، أو بالأحرى أكثر صفاء. في عام 2012 اجتمعت أنا ومجموعة من الفنانين في أبها. منهم أحمد ماطر وإبراهيم أبو مسمار وعبدالكريم قاسم وأشرف فياض. وقررنا أن ننفذ فكرة السينما السرية. وهي نوع غير تجاري من السينما، ظهر في العديد من الأقطار الأوروبية لمجابهة السينما التجارية التقليدية. وامتازت بمكان عرضها غير المتوقع، كالشوارع والساحات العامة. وبعد تحديد المكان والزمان والعمل المعروض، وكان لأحمد ماطر، بدأنا في دعوة الحضور، وكنا قد اتفقنا على أن يكون الحضور من نخبة الشباب المثقف المطلع الذي لا يستعدي الفن والجمال وقد كان ذلك بالفعل. وتم العرض. وفي اليوم التالي طالعتنا صحيفة "الغارديان" البريطانية بتقرير مفصل عن العرض، وبأنها ثورة سينمائية في السعودية. حينها علمت بأن تدبير القصة كلها كان من أجل ظهور هذا التقرير المصنوع وليس من أجل أي شيء آخر، وذلك بالاتفاق مع محرر الجريدة وأحد الرفاق في المجموعة.
في ليلة العرض، خرج أحد الشباب المراهقين للمشاركة في الندوة المفتوحة التي أقمناها بعد عرض الفيلم. وكانت لغته الوعظية مقززة للغاية، رغم أن مظهره كان يميل إلى الحداثة والمعاصرة. قلت في نفسي حينها، ماذا يريد هذا الصغير من محاضرته الوعظية هذه التي لا مكان لها في الفن ولا في هذا المكان؟ إنه يفسر العمل السينمائي تفسيرًا وعظيًا يكاد يجعلني أتقيأ. هذا الشاب هو نفسه الذي وشى بأشرف فياض بعد تلك الليلة ببضعة أشهر، وكان جزءًا من المكيدة التي أوصلته اليوم إلى القتل.
وحين كان أشرف في المقهى الذي يسهر فيه بشكل يومي، وكان ذلك الشاب النزق ضمن المجموعة، بدأت بينهما مماحكة كان من الواضح أن الشاب النزق يفتعلها افتعالًا بشكل مستفز للغاية، حتى أوشك أشرف أن يعالج الأمر بيده. لكن الشاب النزق، الداعشي من الداخل، والدخيل على الفن والجمال، قد هدد أشرف حينها بأنه سيعيده إلى غزة! لقد جرح أشرف كما يجرح النسر حينها. وكاد يبكي دمًا لغبنه وحسرته على واقع لا يملك حياله أي شيء. في اليوم التالي ، ولم يكن قد خطر ببال أحد أن ذلك الشاب كان جادًا في تهديداته. حتى اقتحمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقهى. وقبضت على أشرف كما يُقبض على المجرمين. لكنه بعد يوم واحد، خرج من التوقيف بريئًا لعدم ثبوت الأدلة على تهمة نشر الإلحاد. لكن رجل هيئة الأمر بالمعروف الذي تولى هذه القضية هو نفسه يعمل محققًا في هيئة التحقيق والادعاء العام! في خلط رهيب بين السلطات يكشف لنا حقيقة الدولة التي هي داخل دولة! الأمر الذي جعله يدعو الشاب ويأمره بأن يتقدم بدعوى من قارئ تجاه ديوان أشرف، يتهمه فيها بالإلحاد وبالإساءة إلى الذات الإلهية، وهو ما حصل بالفعل. حينها تم استدعاء أشرف بعد أشهر من الاعتقال الأول، من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام في عسير. ومنذ ذلك الحين أودع أشرف السجن وتم حكمه غيابيًا وهو في السجن بالسجن والجلد، لكنه اعترض وطلب الاستئناف، ليأتيه الحكم صاعقًا قبل نحو أسبوع بحد القتل!
لقد أخبرني أشرف بشكل شخصي، أن الشاب النزق لم يكن يتصرف من تلقاء نفسه، بل كان هناك من يوعز إليه بذلك، وهو أحد رفاق أشرف الذين يعملون في مجاله الفني من أبناء المنطقة. ولكن هذه الاتهامات التي لا يمكن إثباتها، الآن على الأقل، يصعب الخوض فيها، وفي تفاصيلها وخلفياتها، غير أن الحكم بقتل شاعر فلسطيني لاجئ بسبب كلمات قد نسي أنه كاتبها وصاحبها، لهو أمر بالغ المأساوية والهزيمة. إنها هزيمة للكلمة، هزيمة للحرية، هزيمة للإنسانية، هزيمة للحق، هزيمة للجمال، هزيمة للعدل، هزيمة لكل القيم الإنسانية التي بلغها الإنسان في هذا العصر، هزيمة للأمل وللكلام.. هزيمة للشعر وللفن ولكل شيء.. وأنا، في هذه الهزيمة، لا أملك إلا أن أشعر بالمزيد من الحزن .. والعار...