في العاشر من نوفمبر العام 1975, صوتت الامم المتحدة على القرار رقم "3379 " الذي يعتبر أن الصهيونية هي شكلا من أشكال العنصرية.
هذا القرار الذي أجمعت عليه غالبية الدول داخل الجمعية العامة بعد أن أيقنت هذه الدول أن الدولة القائمة على الايديولوجية الصهيونية في إسرائيل, هي دولة شرعت قوانينها على أساس التمييز العنصري بين ماهو يهودي وغير يهودي، لكن للأسف عاد المجتمع الدولي في ديسمبر 1991 وألغى ذلك القرار بعدم معارضة بعض الدول العربية والإسلامية .
لكن هل تغيرت الطبيعة الصهيونية مابين العام 1975-1991 مما استدعى هذا التبدل بالموقف الدولي؟ وهل كفت الصهيونية عن كونها شكل من أشكال التمييز العنصري كما عرّفته وأقرته المواثيق الدولية والقانون الدولي؟
من المؤكد أن لاشيء تغير، لا آنذاك ولا الآن في طبيعة الصهيونية العدوانية والشريرة، لكن المتغيرلت الدولية التي حصلت في بداية تسعينات القرن الماضي، إضافة إلى سياسة خلط الأوراق وطمس الحقائق التي برزت في المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية التي عقدته الأمم المتحدة في جنوب إفريقيا في سبتمبر العام 2001، حيث تم تفسير التحرك ضد الصهيونية وإسرائيل على أنه تحرك معادي لليهود واليهودية، وأنه يشجع على معاداة السامية، هذا الخلط تم من قبل المنظمات الصهيونية نفسها، وتخاذل بعض الأنظمة العربية والإسلامية وحتى الإفريقية، وهذا القرار الجديد ساهم في إضعاف الموقف الفلسطيني في صراعها مع الصهيونية وربيبتها إسرائيل، وكان واحد من نتائج قرار إلغاء مساواة الصهيونية والعنصرية.
إن الصهيونية ودولتها إسرائيل اعتبرت نفسها منذ قيامها في العام 1948 أنها في حالة تصادم مع الشعب الفلسطيني لما تحمله من مشاريع استيطانية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، والتوسع واعتماد سياسة التهويد البغيضة أسلوبا ومنهجا لفرض الأيديولوجية الصهيونية.
إن الجهد العربي والفاعلية الفلسطينية والمناخ الدولي استطاعوا معا توليد القرار الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، ولم يأت قرار الجمعية العامة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية من فراغ قانوني، بل كان نتيجة لجهد من المجتمع الدولي الذي سعى لإنهاء مرحلة الاستعمار وإنهاء الاحتلالات في العالم، وتثبيت مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وحقها في الكرامة والمساواة والحريات العامة دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الدين أو اللغة.
لكن التحولات الدولية في تسعينات القرن الماضي، وضعف وهوان بعض الدول العربية التابعة، قد سبّبا إلغاء هذا القرار في العام 1991. ومن الواضح أن القراءة لهذين القرارين يشير إلى وجود عوامل ثلاثة متحركة، ووجود آخر خارجها هو عنصر ثابت لايتحول ولا يتغير. أما العوامل المتحولة فهي المناخ الدولي، ذلك أن القرار الاول المتعلق بأن الصهيونية شكل من أشكال التمييز العنصري قد جاء بعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، وصعود الحركات التحررية في العالم ابتداء من الهند الصينية، وصولا الى أنجولا في إفريقيا، وتشيلي في أمريكا اللاتينية.
والعامل الآخر هو ازدياد وتيرة الكفاح المسلح الفلسطيني، في بداية ومنتصف سبعينات القرن الماصي ضد إسرائيل، والتفاف الشعب الفلسطيني حول ثورته وقيادته، وتعرف العالم من جديد على المأساة الفلسطينية .
والعامل الثالث هو الوضع العربي، فلم يكن العرب آنذاك قد بلغوا هذه المرحلة من العجز والهوان والتمزق الذي بلغوه في بداية تسعينات القرن العشرين – ومازالو- يعانون من الفرقة والتشتت، ففي منتصف سبعينات القرن الماضي في فترة اتخاذ القرار المتعلق بمساواة الصهيونية مع العنصرية كان العرب في حالة من التماسك والعداء لإسرائيل حيث خاضت الجيوش العربية العام 1973 حرباً ضد الدولة الصهيونية.
اما العنصر الرابع وهو العنصر الثابت في القراءة لهذين القرارين، والذي لا يغادر موقعه أبداً، فهو عدوانية إسرائيل وعنصرية وعدوانية الصهيونية، فقبل عقد من الزمن من إلغاء الأمم المتحدة لقرارها بعنصرية الصهيونية، كانت إسرائيل قد شنت حرباً على بلد عربي هو لبنان، وحاصرت العاصمة بيروت ودخلتها عام 1982، وكذلك أسهمت في مجازر صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها آلاف القتلى الفلسطينيين، وكانت إسرائيل قد أغارت على المفاعل النووي العراقي في العام 1981، واحتلت جنوب لبنان في العام 1982، واغتالت القائدين الفلسطينيين أبو جهاد وأبو إياد في تونس في العام 1988 والعام 1991 على التوالي، في عملية نفذتها وحدات خاصة من الموساد الإسرائيلي , وكذلك قام الجيش الإسرائيلي بكسر أصابع وأذرع الأطفال الفلسطينيين الذين دخلوا ملحمة رمي الحجارة ابتداء من العام 1987 في مواجهة سياسات القمع والقتل والتنكيل والإعتقال والحصار التي تستخدمها الدولة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني.
قبل ان يصدر قرار الامم المتحدة في العام 1975 كانت الصهيونية عنصرية وخبيثة في عنصريتها، فحين احتلت فلسطين وارتكبت فيها أبشع المذابح الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وأشهرها مجزرة دير ياسين في العام 1948 ومجزرة قرية الطنطورة في العام ذاته، وصولا الى مجزرة كفر قاسم في العام 1956، والاعتداء على مصر في ذات العام، كانت تتصرف كحركة صهيونية تبعاً لمعتقداتها العدوانية والخبيثة، وكانت الصهيونية على طبيعتها حين احتلت هضبة الجولان، وحين أعلنت أن القدس عاصمة لإسرائيل إلى الأبد، كانت الصهيونية منسجمة مع نفسها كذلك بعد الغاء القرار الخاص بعنصريتها، فاستمرت في قتل الشعب الفلسطيني، وقدمت للبشرية درسا قاسيا في الإجرام بارتكابها مجزرة قانا الأولى في لبنان العام 1996 والثانية العام 2006، وفي حروبها على غزة التي ذهب ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين، وكذلك حصارها القاتل المتواصل عليها كانت الصهيونية على طبيعتها، والأمثلة لاتعد ولاتحصى ولايتسع المكان هنا لتعدادها على المجازر التي ارتكبتها الصهيونية ودولتها إسرائيل بحق الفلسطينيين والعرب، والتآمر عليهم منذ ماقبل قيام إسرائيل حتى الساعة .
ومن نافل القول أن كل من يحترم عقله من الفلسطينيين ومن العرب خاصة، ومن شعوب الأرض كافة، لايرى أي جديد ولا أي تغيير في الصهيونية، لا في أيديولوجيتها ولا في ممارساتها، فقد كانت هذه العقيدة الشريرة ولاتزال تؤمن بثلاث كلمات " شعب الله المختار" ولا تحتاج الأمة العربية ولا العالم إلى اكتشاف وإعادة اكتشاف الصهيونية، التي لم تستثني من فصولها الإجرامية حتى يهود العالم لإجبارهم على العودة إلى فلسطين، ولم يسلم منها حتى المجتمع الدولي حين استهدفت العصابات الصهيونية "الكونت برنادوت" المبعوث الدولي لفلسطين بمهمة رسمية وتم إغتياله في العام 1947، وذلك لأن الصهيونية تشرح ذاتها بأساليب مختلفة كل يوم، بدء بتهديم القرى ونسف البيوت واقتلاع الاشجار، وصولا إلى سياسة الإغتيالات الفردية والجماعية للفلسطينيين، مرورا بهواية الجندي الإسرائيلي في إطلاق النار على رؤوس الأطفال.
إن ما نحتاجه حقاً ليس تفسير وشرح الصهيونية وإذا ما كانت عنصرية أم لا، شريرة خبيثة أم لا، عدوانية وذات فكر إجرامي مدمر أم لا، إن ما نحتاجه في الواقع هو معرفة سببا لعجز والقصور العربي في مواجهة الصهيونية وفكرها وأيديولوجيتها وأذرعها، وبالتالي عجز العرب عن التصدي لإسرائيل ولكافة سياساتها العدوانية في المنطقة، لماذا ما زال العرب عاجزين عن تحرير المسجد الأقصى من رجس الصهاينة، والسؤال المعلق الذي يشغلني الآن هو:
إذا كانت الصهيونية شريرة الخلق والوجه والروح وخبيثة الإيديولوجيا، وبغيضة في دولتها إسرائيل، فلماذا انتصرت علينا؟ ولماذا بقيت منتصرة حتى اليوم؟ ولماذا تجد لها هذا الحلف الواسع على الصعيد الدولي والإقليمي؟ واذا كان العرب أصحاب حق وكانت طبيعتهم العربية خيّرة وفاضلة وسمحة، فلماذا لم تستطيع الإنتصار على طبيعة أخرى عنوانها الشر والخبث والعدوان؟