على حافة شديدة الخطورة نجى النص بالكاد من الوقوع في كيتش kitsch الوحدة بين عنصري الأمة، لنكون إزاء إحدى قصص "الزيارة". يرسل الأب "دانيال" السلام للحاج "غريب" صاحب محل الخياطة، فلا يتعرف على الأب، ويطلب رؤيته، تأتى الزيارة لتكشف عن علاقة قديمة تعود إلى عهد الصبا.

أهو أنت؟

رضـا صالـح

 

أبونا دانيال يهديك السلام

قال له بتعجب:

من أبونا دانيال؟

يقول انه يعرفك

سلم لي عليه؛ وقل له أريد أن أراه.

حاضر.

 يتسلم الرداء الأسود من الحاج غريب، وقد تم ما طلب عمله، ويعلق الحاج غريب لحظة الحساب قائلا:

وخصم 50% من أجل أبونا دانيال !!

---***---

في يوم من الأيام رفع الحاج غريب قدمه من على ماكينة الخياطة، ونظر ناحية القادم من باب المحل وخلع نظارته الطبية العتيقة من على عينيه، حدق قليلا في الداخل عليه... هذا القس المتشح بالسواد؛ وقد تدلت لحيته الغزيرة وقد بدا الشعر الأسود مختلطا بلون فضي؛ صاعدا من فوديه الى قمة رأسه، وقد لاحت على وجهه الأبيض ابتسامة واسعة.

أهو أنت !!!

أخذه بحضنه، امتزج الاثنان للحظة، وكل منهما يربت على كتف الآخر وعلى ظهره، لا يصدق أنه رأى زميل الطفولة، في القلب مرآة تشع ضوءً مبهرا ينتعش بالذكريات. كان كل منهما يستأذن أستاذه في الخروج من الفصل بحجة الذهاب إلى دورة المياه لكي يتقابلا في فناء المدرسة، ويمارسان هوايتهما في أي لعبة بسيطة يتفتق عنها وحي اللحظة.

يا بن الهرمة ...

 قالها الحاج غريب بعد أن التقط أنفاسه وهو يحدق في صديق طفولته متبسما، أجابه الأب دانيال بنفس اللهجة دون رتوش:

ألم يصل ا ليك السلام يا بنى آدم؟

نعم وصل؛ ولكن من دانيال وليس من جرجس، ولم أكن أعرف إن سيادتك غيرت اسمك يا بن العفريتة !!

ابتسم الأب في حنو، وقال: غيروا اسمي لزوم الرتبة. 

أخذ مكانه على الكرسي في مواجهة الحاج غريب الذي عاد ليمسك بقطعة الصوف في يده ليدخلها تحت إبرة ماكينة الخياطة في مهارة ويسر، ونظر إلى الأب قائلا:

ماذا تشرب؟

شاي

طلب من مساعده أن يحضر الشاي من المقهى المجاور، استمر شريط الذكريات يتوارد على ذاكرتيهما، قال الحاج غريب:

أتذكر أمي عندما كانت ترسل معي طبق الخضار إلى أمك ؟؟ كنا ننتهز الفرصة ونلعب فوق سطح بيتكم؛ أما زال موجودا ذلك البيت الخشبي القديم؟

لا فقد أزيل بعد العدوان.

وأين تسكن الآن؟

في شارع صدقي.

أبوك عايش؟

لا... توفى منذ عامين.

 الله يرحمه , كانت تجارته محط أنظار أهل الحى، كان رجلا طيبا، كل الناس تناديه " يا عم بشوت ...يا عم بشوت " ولم يكن يرفض طلبا لأحد..

 كان يبعث معي علب السمن والدقيق، وكنت أذهب إليكم بها في المواسم والأعياد.

كنا نطلبها منه، كانت أمي توصيه ألا ينسى هذا كل عام.

يعنى كلامي مضبوط؟

 ابتسم الحاج غريب ونظر إلى ضيفه قائلا:

مضبوط يا بن الهرمة

مازال لسانك زلقا

الشاي محتاج سكر؟

لأ... مضبوط يا سي غريب !!

أتدرى سبب زيارتي؟

أكيد وحشتك !!هل عندك سبب آخر؟

نعم ..جئت أعزمك على فرح بنتي؛ نصف أكليل سيكون يوم الأحد القادم بالكنيسة ...

ألف مبروك يا سيدي؛ سأكون أول الحاضرين !!

استمر الحوار دافئا، بين لحظة وأخرى يرشف أبونا دانيال الشاي بصوت مسموع؛ أردف الحاج غريب:

ما زلت احبك من أيام مدرسة النهضة لأنك ما زلت كما أنت ..قلبك بفتة بيضاء

أين ذهبت هذه الأيام؟

أنت الذي تقول لي أين ذهبت؟ ما الذي جرى لك؟ أنت بقيت قسيس يا ولد !!

---***---

يضحك أبونا من قلبه ويتصافح الاثنان على أمل اللقاء.

 

كاتب من مصر