دبي - كرمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مساء الأربعاء الثاني من مارس الجاري الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية الدورة السابعة عشرة 2020 – 2021 بدبي وسط حضور حشد ثقافي وجماهيري كبير غصت به قاعة الراشدية بأحد الفندق بدبي. وكرم عبدالغفار حسين عضو مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وبحضور رئيس وأعضاء مجلس الأمناء، كلا من الشاعر إلياس لحود والروائي نبيل سليمان والناقد عبدالملك مرتاض والمفكر أحمد زايد ومؤسسة منتدى أصيلة متمثلة في شخص أمينها العام محمد بن عيسى.
احتفاء بالإبداع والثقافة
انطلق الحفل الذي حضره نخبة من المثقفين والمبدعين والصحافيين والناشرين العرب بالسلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة ثم عرض فيلم وثائقي عن الجائزة، وتلته كلمة الدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس أمناء المؤسسة، التي أكد فيها أن الاحتفاء بنخبة من المبدعين ضمن الدورة السابعة عشرة لجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية إنما هو احتفاء بالعطاء والإبداع والموهبة وتكريم لشخصيات قدمت الكثير في مجالات الثقافة والفكر والعلم.
وقال في كلمته “بداية اسمحوا لي أن أعبر عن سعادتنا في مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بهذا الجمع الكريم وتقديرنا للإبداع والمبدعين في شتى المجالات الثقافية والفكرية والعلمية. نلتقي اليوم وقد عادت الروح إلى نشاطاتنا بعد جائحة كورونا، وها نحن نشهد مرحلة التعافي بفضل الجهود الكبيرة التي بذلت لتعود الحياة إلى طبيعتها ونشاطها في كافة القطاعات”.
وأضاف قرقاش “قبل أشهر احتفلنا معا باليوم الوطني الخمسين لدولة الإمارات، والتي لطالما وضعت الإبداع والمبدعين ضمن أولوياتها واهتماماتها، باعتبار ذلك ركنا أساسيا من أركان مسيرة النهضة والتطور، وننظر إلى المستقبل بتفاؤل متسلحين بالعلم والثقافة والإبداع لمواصلة مسيرتنا في العقود المقبلة”.
وأشار إلى أن الجائزة أكدت بتعاقب دوراتها على دورها الريادي في رعاية المبدعين والمثقفين والاهتمام بهم، لذلك سعت دائما نحوهم أينما كانوا، مرحّبا بفوز كل من الشاعر إلياس لحود والروائي نبيل سليمان والناقد عبدالملك مرتاض والمفكر أحمد زايد، ومعتزا باختيار مؤسسة منتدى أصيلة لجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، ممثلة في شخص أمينها العام محمد بن عيسى.
وتابع “لقد دأبنا في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية على مواكبة النشاط الإبداعي العربي؛ منطلقين من قيم راسخة في مجتمعنا، قيم متوارثة من الآباء المؤسسين، الذين رأوا في الثقافة عاملا حيويا لبناء المجتمع وتنميته وفتح آفاق واسعة له من النهضة والتطور”.
وأضاف قرقاش “أستذكر هنا مآثر الراحل سلطان بن علي العويس الذي قدم نموذجا نعتز به لرجل الأعمال المثقف والمدرك لأهمية الثقافة والفكر وضرورة دعم المبدعين والمتميزين، فقد كان نعم المثل والقدوة لرجال الأعمال وللقطاع الخاص وتحفيزهم على إثراء الحركة الثقافية والفكرية لا على مستوى الإمارات فقط بل وعلى مستوى المنطقة”.
واختتم رئيس المجلس كلمته قائلا “إننا في مجلس الأمناء نحرص أشد الحرص للحفاظ على المكاسب التي حققتها مسيرة المؤسسة، والتي تستمد حيويتها وموقعها من تجربة الإمارات الرائدة ونموذجها التنموي”.
وألقى بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، المؤسسة الفائزة بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، كلمة نيابة عن الفائزين قال فيها “تطورت في الإمارات في غضون العقود الماضية منظومة فاعلة للنهوض بالفكر والثقافة بمختلف تجلياتهما، تعدى إشعاعها حدود الوطن، حيث فسحت الدولة، فضلا عن إمكاناتها، المجال للخواص الغيورين على الثقافة، لينفقوا عليها مما رزقهم الله من ثروة. هكذا تكاملت الأدوار الخاصة والعمومية، ما انعكس إيجابا وبسرعة على الحقل الثقافي الوطني، وبرزت أشكال من التحفيز والدعم والتشجيع، سواء من الدولة أو الأفراد الميسورين القادرين. ظهرت نتائجها على المنتسبين لحقول الفكر والثقافة، أفرادا وهيئات؛ ليس في الإمارات العربية وحدها، بل شملت دولا عربية نالت حظها ونصيبها من ثمار النهضة الثقافية في دولة الإمارات”.
أربعة رموز ثقافية
إثر كلمتي قرقاش وبن عيسى قرأت الروائية شهلا العجيلي عضو لجنة التحكيم تقرير المحكمين في الدورة السابعة عشرة، وضم حيثيات منح الجائزة لكل فائز في حقول الجائزة المختلفة.
وجاء في بيان اللجنة أنها منحت جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في حقل الشعر للشاعر اللبناني إلياس لحود؛ لما تتمتع به تجربته من ثراء عريض على مدى أكثر من نصف قرن، ولتميز مشروعه الشعري من خلال تناوله لمختلف القضايا الذاتية والوطنية والإنسانية، بأسلوب شعري متطور وتشكيل هندسي بنائي أعطى له حضورا متميزا في التجربة الشعرية المعاصرة.
كما تبرز في نصوص لحود تقنيات متعددة في اللغة والصورة والدلالة والانزياح والترميز وغيرها من الظواهر، في تفكيك المألوف، وتشريح البنى اللغوية إلى وحدات ذات مساحات دلالية وشعورية واسعة، إذ أوجد الشاعر له نظاما صوريا متنوع التقنيات، ممتلئا بالابتكار والدهشة معتمدا على الأسطورة، مستعينا بشكل كبير بالأسلوب الحواري والسرد الشعري، في أطر لافتة، بالإضافة إلى استقاءات من التراث العربي والإنساني، في قالب درامي وتشويقي، وتنويع تعبيري وإيقاعي في الصوت، كما أنه مسكون بالتنقيب المستمر عن معادلات ورؤى جديدة ما يشي بتجربة غاية في العمق والوعي، مستفيدا من التحولات التحديثية للفن الشعري التي عاصرها خلال مسيرته الزاخرة.
أما في حقل القصة والرواية والمسرحية، فقد قررت اللجنة منح الجائزة للروائي السوري نبيل سليمان؛ لما تميزت به تجربته الإبداعية من تنوع وثراء، وقد عبرت تجربته تاريخ الثقافة الأدبية العربية لمدة قاربت الستة عقود وعبرت عنها في مختلف مفاصلها الجمالية والسياسية والأيديولوجية، كما أنها عكست مناخات تطور تجربة الكتابة السردية العربية بشكل واضح. وسليمان، وفق بيان المحكمين، كاتب متجدد ومثابر، يعمل باستمرار على تجاوز تجربته الروائية من نص إلى آخر، ويعتبر من الأسماء الأكثر عطاء من حيث الحضور المتواصل دون انقطاع. وتتسم تجربته السردية بالقدرة على المزاوجة ما بين التوثيقي والتخييلي، وما بين السوسيولوجي والسياسي، فرواياته على الرغم من استنادها إلى التاريخ مادة ترتفع بهذا «التاريخي» إلى مرتبة «المتخيل».
ويكتب الروائي السوري بلغة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تستمد عمقها من شعرية اليومي الشامي مما يجعلها قريبة من «الحكي» الشعبي المفعم بالبعد الفلسفي الدال على «العبقرية» الشعبية والذكاء الجمعي، وبهذه المقاربة الجمالية فهو يؤصل النص ويعطيه نكهة محلية متميزة.
منح جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي لمؤسسة منتدى أصيلة يؤكد على دورها الاستثنائي لتحقيق أهداف ثقافية واجتماعية وتنموية
وقررت اللجنة منح الجائزة في حقل الدراسات الأدبية والنقد للناقد الجزائري عبدالملك مرتاض؛ لما تتمتع به مؤلفاته من عمق وشمول غطت حقولا عدة في الدراسات الأدبية؛ فمنها ما يعالج ألوانا من الأدب الشعبي كالألغاز والأمثال، والميثولوجيا، وبنية الشعر النبطي، وما يغطي دراسة الأدب العربي القديم، من فن المقامة إلى المعلقات السبع، وتحليله التفكيكي المتميز لحكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، وما يتعلق بالأدب العربي الحديث، شعرا ونثرا.
وقدم مرتاض على امتداد مسيرته عددا كبيرا من الأعمال المتميزة في نظريات النقد، ضرب فيها بسهم وافر في مناقشة النظريات النقدية الحديثة مناقشة تنسجم مع الثقافة العربية، مستفيدا من السيميولوجيا والتفكيك ونظرية القراءة ونظرية النص.
كما تميز مرتاض باتساع ﻣﻌرﻓته ﺑﺎﻟﺗراث العربي القديم إضافة إلى قدرته على الإمساك بأركان اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ، وسعى في كتاباته لتأصيل المفاهيم النقدية ومتابعتها تاريخيا ومعرفيا، خصوصا من خلال التوسع في متابعة المعاجم والموسوعات وكتب الفلسفة الغربية إلى جانب كتب التراث العربي، وطور قاموسا أدبيا قادرا على توفير المفردات الرشيقة في المقاربات النقدية والنهوض بالأدوات التي يحتاجها النقاد الشباب في تحليل الخطاب في إطار حراك ثقافي عربي واعد.
أما جائزة العويس الثقافية في حقل الدراسات الإنسانية والمستقبلية، فقد منحتها اللجنة إلى المفكر المصري أحمد زايد؛ الذي يعد أحد أبرز علماء الاجتماع المعاصرين، وهو من القلائل الذين أسسوا مدرسة مصرية عربية في علم الاجتماع تعنى بفهم المشروع الحداثي ونقد الذات. وقد تسلح زايد بأدوات التحليل السوسيولوجي والاجتماع السياسي، من أجل بلورة رؤى ومساهمات جادة في إطار المدرسة العربية لعلم الاجتماع. واتضح ذلك من خلال أعماله، تأليفا وترجمة، وكذا المشروعات الميدانية التي أشرف عليها.
وانشغل بتجديد الخطاب الديني، وبقضايا الطبقة الوسطى من خلال تقديمه قراءة واعية لمفهوم رأس المال الاجتماعي. ويظهر أسلوب الكتابة الموسوعية عند زايد في مناقشته لقضايا الأسرة والطفل والعنف والتنشئة الاجتماعية بالإضافة إلى نقد المشروع الحداثي وطرح بعض القضايا الاجتماعية المرتبطة به.
إن مجمل أعمال زايد، وفق بيان اللجنة، تستند إلى أسس البحث الاجتماعي والسياسي وقواعده، كما أنه يوظف ببراعة المتمكن كل منتجات العلوم الإنسانية من مفاهيم ومناهج لمعالجة قضيته. وقد أعاد الاعتبار لمفهوم علم الاجتماع الريفي، من خلال تركيز الضوء على الريف بوصفه حقلا دراسيا متميزا. وهو يجمع على نحو أصيل بين البحث التاريخي والبحث الميداني. فضلا عن ذلك فإن كتابته السوسيولوجية تستهدف شريحة واسعة من القراء ابتداء من القارئ العادي وحتى الكاتب والباحث المتخصص، وهو ما يضفي على أعماله أهمية كبرى في إثراء المكتبة العربية.
منتدى أصيلة وتكريمات
أكد بيان مجلس الأمناء بشأن الفائز بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، والذي تلته عضو مجلس الأمناء فاطمة الصايغ أن لـ”مؤسسة منتدى أصيلة” بعدا اجتماعيا وإنسانيا في أنشطتها، فهي تعمل على إعداد مدارس نموذجية وتوفير منح دراسية ودار للتضامن لإيواء العجزة وكبار السن، وتشرف أيضا على مشروع لإنجاز نحو 900 وحدة سكنية مخصصة لإيواء سكان دور الصفيح، فضلا عن المتاحف والمسارح وغيرها من المشاريع الإنتاجية.
ويعد مهرجان موسم أصيلة الثقافي الدولي الذي يقام بمدينة أصيلة المغربية من أهم أشكال الجذب السياحي للمدينة، ويشتمل على جميع المجالات كالأدب والموسيقى وفنون الرسم والنحت، وتتحول المدينة خلال هذا المهرجان إلى معرض فني مفتوح يستقطب الزوار والمبدعين والأدباء من شتى أنحاء العالم، كما تستضيف خلاله إحدى الدول كضيف شرف، ويجتمع في فضاء ثقافي واحد الكتاب والنقاد والفرق الموسيقية والفنانون والإعلاميون وغيرهم من المبدعين.
وأضافت الصايغ أن “مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية إذ يمنح جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي لهذه الدورة لمؤسسة منتدى أصيلة، يؤكد على دورها الاستثنائي لتحقيق أهداف ثقافية واجتماعية وتنموية نابعة من عمق القيم الحضارية للثقافة الحرة التي تنتهج الحوار مع الآخر سبيلا لتعزيز الثقافة العربية حول العالم، ولنشر فكرة التقبل والتسامح لفهم الحضارات الأخرى، كما يؤكد المجلس على دور هذه المؤسسة الهادف إلى مد يد المعرفة ونشر العلم وتقديم المنح الدراسية والرعاية الاجتماعية من أجل إسعاد الآخرين ومساعدتهم لعيش حر كريم”.
ثم بدأ صعود المكرمين إلى المسرح حيث قدم لهم عبدالغفار حسين عضو مجلس الأمناء الدروع التذكارية، وقد حصل كل فائز على مبلغ 120 ألف دولار أميركي وعلى ميدالية ذهبية حملت على وجهها الأول اسم الفائز وعلى الوجه الآخر شعار الجائزة وهي مصنوعة من الذهب النقي 22 قيراط، ودرعا كريستالية فاخرة، فضلا عن شهادة فنية قيمة مكتوبة بخط يد عربي منوع بين الكوفي المربع والديواني والنسخ والديواني الجلي تشتمل مفردات الفوز، وتوشح الفائزون بوشاح الإمارات حيث جلسوا على المسرح وخلفهم وقف أعضاء مجلس الأمناء لالتقاط الصور التذكارية.
كما عرضت على هامش الاحتفال لوحات الفائزين التي رسمت بريشة أمهر الفنانين وعرضت مؤسسة العويس مجموعة كبيرة من إصداراتها التي قدمت مجانا للجمهور.
ويذكر أن الجائزة التي بلغ عدد الفائزين بها في مجمل دوراتها 101 فائز، وعدد محكميها 184 محكما، و84 استشاريا، تمثل واحدة من أرسخ الجوائز العربية حضورا وأكثرها حرصا على الشفافية والنزاهة واعتمادا على المعايير العلمية الدقيقة، وفي هذه الدورة السابعة عشرة بلغ العدد الإجمالي للمرشحين في جميع حقولها 1847 مرشحا منهم 321 مرشحا في حقل الشعر، و480 مرشحا في حقل القصة والرواية والمسرحية، و285 مرشحا في حقل الدراسات الأدبية والنقد، و480 مرشحا في الدراسات الإنسانية والمستقبلية، و265 مرشحا في حقل الإنجاز الثقافي والعلمي.