لا دمعَ يصلحُ للحِكايةِ،
لا صُراخَ ولا نُواحْ..
وبِأيّ حالٍ ليسَ لي في النّاسِ أصحابٌ،
لنبكيَ أو،
لنرغبَ في البكاءِ، وكلّ ما قد كانَ راحْ..
قالَ الذي صاحبتهُ،
حتى نهاياتِ الصباحْ..
لا شأنَ لي بالليلِ، أكمِلْ أنتَ،
أو عُدْ للصّباحِ معي، فنأمنُ..
قلت: ليتَ الأمرَ يُضمنُ..
سوفَ أمضي،
علّني في الليلِ أعرِفُ ما سيحدُثُ في القصيدةِ،
ربّما أجِدُ الّذي ضيّعتُهُ، فأشارَ لي،
وأشرتُ مُبتعِدًا، وغِبنَا،
تحتَ أدخِنَةِ الضّبابْ..
كُنّا نسيرُ معًا، وكُنّا قبلَ أعوامٍ،
نُغنّي للسّرابْ..
كانَ السّرابُ كظَبيَةٍ، تلهو بعيدًا،
عندَ تلٍّ، من رمالٍ، خلفَ عالمِنا،
وكُنّا ندّعي أنّ الجميلةَ تستطيبُ غِناءَنا،
ولسوفَ تأتي، لم نكُن ندري، إذا جاءت،
بمن مِنّا ستُعجبُ..
كُنّا نُمثّلُ أننا جُندُ الفِدا،
فنُطاردُ الأعداءَ نُردي بعضَهم،
و البعضَ نأسِرُ،
قالَ لي: هل -ذاتَ يومٍ-
سوفَ نشربُ نخبَ هذا النّصرِ حقًّا،
أم نشِيبُ ونحنُ نلعبُ..
جاوبتُ:
قالَ أبي يموتُ الغالِبونَ،
ولا يرونَ النصرَ يرقصُ
فوقَ أشلاءِ الجُثَثْ..
قُلنا عبَثْ..
ثمّ اتّفَقنا..
أنّا سنرسمُ فوقَ كِتْفينا علامة..
حتّى إذا جمَعت طُيورُ الموتِ حصّتَهُ،
عرفنا بعضَنا قبل القيامة..
وبقِيتُ أُنشِدُ أُغنِياتي للجميلةِ،
وهو يلبِسُ خوذةَ الوهمِ الكبيرِ،
ويطعنُ الأعداء في حربِ الطّفولةِ،
وافترَقنا..
يا صاحِبي،
مرّ الزمانُ ولم أشُمّ دخانَ حلْمِكَ،
والأغاني لم تعُد تُجدي،
هنا ضاعَ السّرابُ،
ولم تعُد بعدُ الشّريدة..
هل كُلّما غنّيتُ توَّهَني الصّدى،
فسمعْتُ صوتَكَ،
مثلما كُنا نُغني منذُ أعوامٍ بعيدة..
غنّيتُ مُذ يومين فارتفَعَ الصدي،
وظننتُ أنّكَ ها هنا،
فبسَمتُ، قُلتُ،
أراكَ عُدتَ لكي تغنّي،
كم أسرْتَ من الضّباعِ، و
كم قنصْتْ..
هل لوّنَ الدّمُ تُربةَ الوادي،
فأزهرَ شوكُها..
هل يرقصُ النّصرُ الكبيرُ الآن،
فوقَ قبورِهم،
هلّا قصصتْ..
هل كنتَ أنتَ
أمِ الهواجسُ خانني إِدراكُها..
أضلاعُنا مرعى
والوهمُ قُطعانُ..
لا ضبعَ قد يسعى
والشّدوُ رنّانُ..
غنى الذي يرعى
والموتُ سهرانُ..
من أدخلَ الأفعى
والكلُّ نعسانُ..
لن يذرِفوا دمعا
خانوا كمَن خانوا..
شرِبَ الرّدى السّمعا
وتموتُ غزلانُ..
أغمضْتُ عيني،
لستُ أدري
كم من الوقتِ انسحبتُ منَ الحياةِ،
رأيتُها كانت تُهروِلُ باتّجاهي..
كانت تُحاوِلُ، ثمّ تسقطُ،
ثمّ تصعدُ، ثمّ يُرهِقُها التّمسُّكُ بي،
فتهوي،
فارتعدْتُ وغِبتُ في جوفِ انشِداهي..
فتّحتُ عيني،
كان يجلِسُ في جِواري،
عابرٌ، أو شِبهُ ذلكَ،
كان ينظُرُ للمدى،
ويلفُّ قامتَهُ بألوانِ التُّرابِ،
فقلتُ: مَنْ؟
لم يلتَفِتْ لي،
قالَ: هل عادت إليكَ شريدتُكْ؟
قلت الشّريدةُ كالزّمنْ..
قال، انتهَت أنشودَتُك..
هذا صُراخُ قطيعِنا،
خلفَ التّلالِ، ولا قِتالْ..
كنّا نُحرّقُ بالدّخان،
ولا نرى أيّ اشتِعالْ..
قلتُ: الجميلةُ؟
قالَ باعتْ صوتَها،
حتى الضّفائرَ قايضَتها،
والرّجوعُ هو الثّمنْ..
فسألتُ: والشّاري تُرى هل يؤتَمنْ..
برزَت نُقوشٌ تُشبهُ الدّمَ
في تُرابِ ردائِهِ،
قلتُ: انتظِرْ..
لم يستدِرْ..
هبّتْ رياحُ الغربِ من جِهةِ الشّمالِ،
فكشّفتْ عنهُ التّرابْ..
كشَفَتْ علامةَ كِتفهِ،
فسمِعتُ قهقهَةَ الغِيابْ..
شاعرة من مصر