قررت فجأة التخلي عن لعبتها المفضلة، سئمت استجداء الليل واقتسام اللوعة مع الشمس عند الغروب، نفضت عن ملامحها غبار دموع ملتها، كشفت غطاء الذات ومنحت لشفتيها الحق في ابتسامة.
احتضنت مرآتها، جدلت شعرها، ارتدت بياض القلب وحمرة الخجل وكلل تاج الأسود رأسها العنيد.
اليوم وعدها بلقاء ورغم تاريخه الطويل في نقض مواثيقه وثقت كعادتها به، نزعت عن جيدها القلائد، لفظ معصماها الأساور وتخلت ساقاها عن خلاخيل الذهب. من خلف الأسوار وقفت تتأمل موانع عتيدة لطالما قهرت إرادتها، حاولت مغافلة الحراس والهروب إلى حيث موعد الحب فخيبت أمنياتها نظرات التجهم، انكسرت مهاراتها التفاوضية على صخرة الرفض،ارتمت بفراشها تبكي زينتها وثيابها وعطر لم يجد من يمنحه إطراء يستحقه.
توسدت دموعاً تخيلت أن اليوم موعد وفاتها، تناثر الليل من حولها فاستترت به، نفذت إلى الخارج محطمة كل القواعد والممنوعات ابتسمت حين لفحت شعرها نسمة تحمل معنى حرية مفقودة.
هناك .. حيث الحب لمحته أخيراً ممسكاً بفنجان من الشاي وباليد الأخرى جريدة وسيجارة شنقها قبل قليل وأودعها قلب المطفأة.
تناست كل مواعيد الحب التي كللتها الخيبة، وسيماً بدا يقطر حباً، ملامحه الحادة ترتسم فوقها ابتسامة ناعمة.
اتسعت ابتسامته حين لمحها وقال:
-ـ أخيراً جئتِ؟
قالت بخفر:ــ
- كنت دوماً آتي وأنت من تغيب..
رد:
-ـ لقد كنت دوماً هنا لكن قلبك لم يكن يراني..
قالت:
-ـ إن كان قلبي هو السبب سأقتلعه إكراماً لرؤيتك.
قال:
-ـ إن قلبك هو من علمني أبجدية حبك فكيف تتخلين عنه؟
ابتسمت حين لمحت بعينيه نظرة اهتمام وهي المهملة دوما تقاسي جدب مشاعر سجانيها وتبلد قلوب عاشت من أجلها، سهمت مخيلتها وهي تتأمل يده القابضة على فنجان، ملامحه السمراء العنيدة تذوب رقة وترتقي سماء الشغف.
هجرت الشمس لوحتها المضيئة فتحولت إلى عالم من ظلام، قالت بقهر:
-ـ يجب أن أذهب..
قال:
-ـ سنسهر معا أنتِ الليلة لي.. ردت:ــ لا أستطيع..
قال:
- لقد علمني غرامك أن لا مستحيل.
انسابت النسمات رغم الليل تداعب شعرها الثائر و تراقصت من حولها موسيقى ظنت أنها الجنة، توج شعرها الأسود بتاج الياسمين فبدت ملكة تفترش عرش القلوب، تمايلت مع الموسيقى رغم الخوف وتناست لبرهة أنها أسيرة. كان يعلمها أهمية التسكع في طرقات الحب حين فرقتهما الجموع الهادرة، بحثت عيناها عنه فلم تجده، ذاب كقطعة سكر صهرتها حرارة الغضب.
تاهت بين الخوف والأمل وسط الجموع إلى أن حين سقطت بين الأقدام.