نقدم هنا نص الشهادة التي ألقاها الفنان حسن النفالي في حق الفنان المبدع محمد الدرهم خلال حفل تكريمه بمدينة فاس ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي، وهي الشهادة التي تسبر أغوار مسار تجربة غنية وخصبة في المشهد الفني وفي الوسط الثقافي، في انتصارها لقيم الإنسان والتزامها ضمن تجربة أغنت مرحلة مهمة من تاريخ الموسيقى المغربية.

عن الفنان محمد الدرهم: مفرد بصيغة الجمع

حسن النفالي

الدرهم عملة نادرة وجهيها صفاء ونقاء

يا دوك اللايمين رفقو من حالي 
علاش تعيبو فقولي و فعالي 
آش دْرتْ انا آش درتْ في ما يجرالي 
ماناش اللي خترت لعيوب ديالي
علاه أنا يوم صبت راسي فالدنيا جيت بالشوار 
علاه انا يوم زلقوني رجلي كان لي خبار ياك هنا حليت عينيا  وهنا لاغيت مع من رباني 
حبيت فالارض على ركابية  و قريت ليقريت بحال قراني

هكذا يرى محمد الدرهم سر وجوده في هذه الدنيا وهكذا يختصر نظرته للحياة بالإضافة إلى كون هذه الأغنية تحفة فنية نادرة كلمة ولحنا وأداء. وهكذا يعجبني هذا الفنان المميز. لكن أن تقول كلمة في حق فنان كبير يعجبك وتحبه شيء عادي، وأن تقدم شهادة في حق فنان قدير وأخ عزيز وصديق حميم شيء آخر.

فكل من عرف الفنان محمد الدرهم أو يعرفه أو سيعرفه إلا وتمنى لو تعرف عليه منذ مجيئه إلى الدنيا، فالله تعالى حباه بأشياء كثيرة تفرقت فينا واجتمعت فيه، الخلق الحسن والصدق والإيثار والكلمة الطيبة والحنان الدافق والوفاء للمبادئ وخدمة الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "يحشر قوم من أمتي على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق نورهم تشخص منه الأبصار لاهم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا هم بالشهداء، إنهم قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس".

ومكرمنا هذه الليلة واحد منهم، فمنفعة الناس هاجسه والدفاع عن حقوق الزملاء همه وخدمة القضايا الكونية مقصده. كيف لا والرجل منذ عرفناه يحمل معه قضية، ليست شخصية بل قضية كل المستضعفين والكادحين،قضية كل الفقراء والمظلومين، وفي ذلك يقول : 

بحقوقك نادينا ومشا الصياح مع الريح
و بهمومك غنينا حسبوه جدبة و شطيح
هدا وعدك يا مسكين كان الله ليك عوين
الحاجة في صدرك سكين ولا رضيتي تمد ليدين
هدا وعدك يا مسكين لدركتيه بعرق الجبين كثر منو يبدروه اخرين

لا تركن ليهم لا تطوع
لا تخطاك مقاومة
لا تخضع لمساومة خلي راسك مرفوع
زيد قاوم و كافح
علام الضالم طايح زيد قاوم وكافح
ورفع صوتك بلسان الحق و طالب
سرج عودك معك الحق انت الغالب

والمنشد أيضا لقصيدة ألفها الزجال محمد بنعيسى:

ايه يا بابا عدي

وقالو عدي

واش فيك ما تعدي يا ودي

بصلة و زيتونة في قراب       و راس مالك الصدق و الفقر

و حـــــــالك يشيب لغراب       ولا مقال بالــــــــوصف يعبر

و ديــــما مبكرفي الحمد مكثر

على خبيزة مرمدة في تراب

لن أطيل في الحديث عن الدرهم الزجال والكاتب والملحن والمغني والعازف والقلب النابض لمجموعة "جيل جيلالة" لأنه إرث مشترك لكل المغاربة عشناه جميعا منذ السبعينيات إلى الان ولازلنا نتغى جميعا أطفالا وشبابا، كهولاء وشيوخا، رجالا ونساء بروائع "العيون عيني" و"العار بويا" و"الكلام لمرصع" و"ليغارة" و"ديب الغابة" و"دنة دنة" إلى غيرها، لكنني سأتحدث عن الحاج محمد الدرهم الذي حمل قضيته هذه المرة من بعدها الكوني إلى ساحة الثقافة والفن كمناضل ومدافع عن قضايا زملائه المبدعين والفنانين، فالرجل لم يترك فرصة إحداث أي جهاز جمعوي أو نقابي تمر إلا وساهم فيها من بعيد أو قريب، وتعتبر محطة النقابة المغربية لمحترفي المسرح ذروة الحضور النقابي للحاج الدرهم.

فإلى جانب كونه صاحب فكرة تأسيس هذا الجهاز، فقد جعل من بيته زاوية لجميع المناضلين، به أعدت الوثائق التنظيمية وطبخت الخطط والطاكتيكات لخروج هذه المنظمة إلى العلن، ولن أنسى هنا التنويه بكرم الضيافة وحسن الاستقبال وخاصة من قبل زوجته المصونة الأخت الفاضلة للالة بشرى التي حباها الله أيضا بسعة صدر نادرة وقوة شخصية فريدة لتكون إلى جانب الحاج ثنائيا نادرا حفظهما الله، لقد شاركتنا إلى جانب الضيافة مخاض التأسيس، ورغم تكوينها الفرنسي فقد بذلت مجهودا كبيرا من أجل أن تواكب عملنا وكانت تسمي النقابة "المقاطعة" والتظاهرة "المظاهرة" وهلم جرا. حفظها الله ورعاها هي وابنتيها سلمى والباتول اللواتي ساهمن في توفير كل ظروف الراحة والاطمئنان لمكرمنا السي محمد حتى نسعد نحن ونتمتع بهذا الزخم الإبداعي والفني الغزير.

وسواء بالنقابة أو بالائتلاف المغربي للثقافة والفنون، الذي ترأسه، فالدرهم لم يكن رقما عاديا ولا مفاوضا سهلا ولا مدبرا بسيطا، بل كانت نظرته ثاقبة، ومقترحاته صائبة، ودفوعاته مقرونة بالخبرة والتجربة. لقد كان الصدق ديدنه والإلحاح شعاره والواقعية منهجه وتحقيق الأهداف غايته. تختلف معه كما تشاء وإلى حد التوتر أحيانا، لكنه يحافظ دوما على حسه النقابي العالي، يؤمن بالاختلاف والتعدد ويعطي لكل ذي حق حقه، ويضع المصلحة العامة فوق كل شيء وإن جاءت على حسابه. ولم يحصل يوما أن الدرهم، هذه القامة الكبيرة الذي يستحق كل الخير من هذا الوطن، استغل منصبه بالائتلاف أو بالنقابة من اجل مصلحة خاصة، حتى وإن كانت بسيطة.

ولتكتمل هذه الشهادة المتواضعة وفي هذا المحفل المسرحي لا بد من الحديث عن محمد الدرهم المسرحي. وللذين لايعرفون هذا الجانب فمكرمنا ابن المسرح ومنه جاء إلى عالم الموسيقى، فهو نتاج فرقة مراكشية عريقة اسمها "شبيبة الحمراء" التي أعطت العديد من الأسماء المسرحية، وبهذه الفرقة تشبع بالغناء المسرحي إلى جانب مولاي عبد العزيز الطاهري ومحمد شهرمان وغيرهم في الستينيات قبل ظهور أي نواة لأغنية المجموعات لينقلوها بعد ذلك إلى "جيل جيلالة".

كما أن السي محمد يعتبر من الأوائل الذين مارسوا المسرح الاحترافي مطلع السبعينيات إلى جوار المرحوم محمد سعيد عفيفي وآخرين بفرقة المسرح البلدي بالجديدة بعد أن تخلى عن وظيفته في قطاع النسيج.ورغم انخراطه التام في مجموعة "جيل جيلالة" كاتبا وملحنا ومغنيا وعازفا ومدبرا إلا أن المسرح ظل يجذبه من حين لآخر حيث كانت له تجارب هنا وهناك وخصوصا مع فرقة مسرح اليوم برئاسة الفنانة ثريا جبران في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وجميعنا يتذكر مساهماته في "النمرود فهوليود" و"سويرتي مولانا" و"نركبو لهبال" هذه الأخيرة التي قال فيها مبدعنا :

إلى ضاق الحال ما تفيد القوال

نسكنو الخيال ولا نركبو لهبال

نعيشو المحال ولا نتوهمو لحوال

علات الجبال وتهزمو لبطال والحمل تقال والهم قتال

لا عيشة حلال لا حق يتقال كثرت الحيال والعدل ذبال

إلا أن حبه لأبي الفنون سيتجسد اكثر مع فرقة مسرح الكاف برآسة الفنان عبد الإله عاجل وهذه المرة ممثلا وخصوصا في مسرحية "بوتليس" التي سينجز فيها دور "المداح" أحد الأدوار التي تمتعنا واستمعتنابه، وحصل بروعة أداءه وتشخيصه على جائزة أحسن ممثل بالمهرجان الوطني للمسرح بمكناس في دورته الأولى سنة 1998. هذا ناهيك عن موهبته الكبيرة في الإخراج حيث عشت شخصيا إلى جانبه تجارب مهمة بمهرجان الرباط و"موازين"بإخراجه لأعمال استعراضية رائعة تجمع بين المسرح والغناء "كأصوات السبعينيات " والعيطة" و"همسة لفلسطين" وغيرها، بمشاركة نخبة من الفنانين الأكفاء كحسن هموش وادريس السنوسي وعبد الله ديدان وعبد الصمد مفتاح الخير ودنيا بوطازوت وكل مجموعات الظاهرة الغيوانية وفرق العيطة.

مهما أسهبت في الحديث عن الحاج محمد الدرهم، فلن أفي الرجل حقه ومهما تناولت شخصه ومن أي زاوية فلا شك أنني سأغفل عدة زوايا ، فهل أتحدث عن الإنسان؟أم عن الفنان؟ أم عن الربان؟ أم عن مبدع الكلمات والألحان؟ أم عن الأب منبع الحنان؟ أم عن المناضل مقاوم الظلم والدل والهوان؟ أم عن الصوفي المتصوف الهائم في حب الخالق الرحمان؟ فالدرهم كنز إنساني حي يمشي فوق الأرض وينثر فيها من إبداعاته وفنونه الشيئ الكثير.

فشكرا للزملاء في الفرع الجهوي للنقابة المغربية لمحترفي المسرح على هذه الالتفاتة النبيلة في حق هذا الصرح الوازن والمبدع الشامخ، وأملي أن يحظى الحاج محمد الدرهم بمبادرة على أعلى مستوى حتى ينال مبدع "يانور الأنوار" و"أم الكرام" و "الساكن" و "المتلي" و "دندنة" و "أنا بنادم" و "أهيا هداك"  وغيره حقه كاملا من الاعتراف والوفاء.

     وختاما أقول لك أخي وعزيزي محمد :

درهم واحد انت يامحمد

فيك تعددت الارقام وانت واحد

منحك الله الواحد الأوحد

من فضلو شلا فضايل ليه الحمد

كرمك بمواهب عديدة ما ليها حد

سعدنا بيك البارح واليوم ونسعدو الغد

ربي يحفظك ويخلي اسمك خالد

يامحمد السباعي الشريف أبا عن جد