أنا من مخيم عين الحلوة!
مقابلة أجرتها: رضوى عاشور
منذ زمن بي رغبة فى التواصل تحديدأ مع من يعنوننى فى مصر. وأنا لا أعتبر هذا حديثأ بل أعتبره وصية لك شخصيآ ولكل نفس طيب يتحسس الهم الكبير، الهم الوطنى، ليس فقط فى فلسطبن ـ فليست فلسطين وحدها هى المغتصبة ـ ولكن أيضا فى كل الارض العربية حيث حقوق الجماهبر مغتصبة فى رزقها وحرياتها وأحلامها. من أين أبدأ؟ ربما منذ خروجنا من فلسطين إلى مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، ومن تلك النظرة فى عيون أمهاتنا وأبائنا. لم يكن لديهم بيانات، ولكن الحزن فى عيونهم كان لغة تعلمنا وتملؤنا بالغضب الذى يعبر عنه مرات بالصوت ومرات بالفعل. معظم أبناء وبنات جيلى بالخمسينات تعرضوا لحالة قهر، وكنا ونحن فى مخيم عين الحلوة فى لبنان نتطلع عبر سجننا الصغير هذا ونستنجد بأى قوة خير. ولما قامت ثورة دولية انتشينا واندفعنا فى شوارع المخيم نهتف للثورة، ونكتب على الجدران نحييها. كنا عاجزين عن تقديم شيء غير ذلك. ولكننا شاركنا بنفسنا وحباتنا. وحين استرجع هذه الصورة أفكر كم أننا نفتقدها الان، فى وقت صارت المنطقة العربية بحيرة امريكية عمليا، وضربت الثورة الفلسطبنية. يحاول المرء ليس تعزية نفسه ولكن الوقوف وقفة أمام تجربته ـ أشعر أن لا أحد يقف، تكال لنا الضربات من كل الاتجاهات بقصف ليس عشوائيآ، بل بقصف سياسي مدروس وموجه، يهلكوننا من كل الجهات. * * * ولدت عام 1937 فى قرية الشجرة، بين طبريا واالناصرة، قضاء االجليل. ونزحت عام 1948 إلى إحدى مخيمات الجنوب اللبنانى هو مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا. وكغيرى من أبناء المخيم كنت أشعر بالرغبة فى التعبير عن نفسي فأمشي فى المظاهرات وأشارك فى المناسبات القومية وأتعرض كما يتعرض سواى للقهر والسجن. وفى تلك المرحلة تشكل عندى الإحساس بأنه لابد أن أرسم وبدأت أحاول أن أعبر عن مواقفى السياسية وهمي وقهرى من خلال رسوم على الجدران. وكنت أحرص أن أحمل معى قلمى قبل أن اتوجه للسجن، وبالمناسبة كان أول من شجعنى هو المرحوم غسان كنفانى، الذى مر على المخيم للمشاركة فى إحدى الندوات. وكان لدينا ناد بسيط أقمناه من الزنك. والتفت غسان إلى رسوم الكاريكاتور التى كانت على الحائط، وتعرف على وأخذ منى رسمتين أو ثلاثا ونشرها فى "الحرية"، مجلة التقدميين العرب، التى كان يعمل فيها فى ذلك الوقت. ورغم اننى كنت قد حصلت على دبلوم فى الميكانيكا والكهرباء، كنت أعمل بشكل موسمي فى البساتين، فى قطف البرتقال والليمون، ولم يكن هناك عمل آخر متاح، ولم يكن مسموحا لأى فلسطينى أن يكون موظف بلدية. حاولت أن أتابع دراستى وأعبر عن نفسي بالرسم فالتحقت بالأكاديمية لمدة سنة، إلا أننى فى تلك المرحلة تعرضت للسجن ست أو سبع مرات. وعملت مدرسا للرسم فترة بسيطة بالكلية الجعفرية فى صور، ثم أتيحت لى فرصة السفر إلى الكويت للعمل فى مجلة "الطليعة الكويتية"، وهى مجلة للتقدميين الكويتيين. فى "الطليعة" كنت أعمل كصحفى ومخرج للمجلة وسكرتير تحرير، ثم بدأت أحتل مساحة فى المجلة أعبر فيها عن نفسي بلغة الكاريكاتور، وتدريجياً اتسعت هذه المساحة فأصبحت أقدم عدة رسوم، ثم صفحة كاملة ثم صفحتين إلى أن اكتشفت أن العمل الأسبوعى لا يفى بحاجتي، وأننى راغب فى التواصل مع الناس بشكل يومى فاخترت صحيفة يومية. ولما لم يكن هناك انسجام بين خطها وتفكيرى اشترطت ألا يتدخل أحد فى عملى. وكنت قد بدأت أدرك دور الكاريكاتور. وكنت ألاحظ أن رسامى الكاريكاتير فى مصر (المدرسة القديمة) يستخدمون الحوار بكثرة، مما لا يعطى فرصة للقارىء لإعمال ذكائه فاتجهت إلى عكس ذلك، ورحت أخلق رموزا يصير تكرارها نوعا من اللغة المشتركة بيني وبين القارىء. عندما ذهبت إلى الكويت كان همى أن أدخر "قرشين" كأى شخص يتوجه إلى مجتمع إستهلاكي من هذا النوع، وأذهب بعد ذلك لدراسة الرسم فى القاهرة، أو فى روما. ثم اكتشفت أن الكاريكاتور يرضينى وأنه بدلا من أن أقيم معرضا كل عام أو عامين يصل إلى شريحة معينة من رواد المعارض ـ اقتنعت بدور الكاريكاتور وأجلت طموحى الشخصي بالتعبير عن نفسي، وقلت حين ترجع "البلاد". ولو كنت مازلت على قيد الحياة أكون قد تقدمت فى العمر، فأجلس فى ركن وأعبر عن نفس بلغة التشكيل والألوان. فى الكويت عانيت كثيرا. وحياة الفنان فى مجتمع استهلاكي ليست مسألة بسيطة. لى أصدقاء كثيرون كنا نناضل معا وسجنا معا. سنة واحدة فى الكويت وأغرقهم المجتمع الاستهلاكي، "تمسحوا" (صاروا عديمى الاحساس) زال عنهم إحساسهم بالواجب تجاه جماهيرهم ومخيماتهم. بتلك المرحلة ولدت شخصية حنظلة، ويومها قدمته للقراء بشرح واف. "أنا حنظلة من مخيم عين الحلوة، وعد شرف أن أظل مخلصاً للقضية وفياً لها... إلخ" والحق أن هذا العهد كان عهداً أقطعه على نفسي. شخصية هذا الطفل الصغير الحافى هى رمز لطفولتى. أنا تركت فلسطين فى هذا السن ومازالت فيه. رغم أن ذلك حدث من 35 سنة، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي، وأشعر أني أذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت علي فى فلسطين وأنا طفل. إن شخصية حنظلة كانت بمثابة أيقونة حفظت روحى من السقوط كلما شعرت بشئ من التكاسل، أو بأننى أكاد أغفو أو أهمل واجبى أشعر بأن هذا الطفل كنقطة الماء على جبينى يصحينى ويدفعنى إلى الحرص ويحرسنى من الخطأ والضياع. إنه كالبوصلة بالنسبة لى، وهذه البوصلة تشير دائما إلى فلسطين. وليس فقط إلى فلسطين بالمعنى الجغرافى، ولكن بالمعنى الانساني والرمزى، أى القضية العادلة أينما كانت فى مصر أو فى فييتنام أوافريقيا الجنوبية. وأنا شخصياً إنسان منحاز لطبقتى، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحى ولا أتملق أحدا. والقضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد: الفقراء هم الذين يموتون وهم الذين يسجنون وهم الذين يعانون معاناة حقيقة. هناك طبعاً من تاجر بقضايا الفقراء، وهناك من يمر بمرحلة النضال مرور ترانزيت، ويطالب بعد ذلك بأن يصير نجما أبديا. المناضل الحقيقى دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حق الاخرين وليس على حسابهم. ويلاتنا كثيرة ومرارتنا كثيرة وأنا لا أتحدث كفلسطينى فقط، ولكن كابن مخيم فى لبنان. وأشعر أننى مدين لأبناء مجتمعى. هناك كثيرون ضمن مواقع السلطة والمؤسسات لا يرضيهم عملى. الأنظمة تحب أن يكون الفنان أو المثقف أو الصحفى أداة من أدواتها فيعلقوا له النياشين والاوسمة، ولكن بتقديرى أن على الفنان أن يكون مخلصأ لجماهيره. أنا من عين الحلوة، مثل أى مخيم آخر. أبناء المخيمات هم أبناء أرض فلسطين. لم يكونوا تجاراً ولا ملاكاً، كانوا مزارعين، فلما فقدوا الارض فقدوا حياتهم فذهبوا إلى المخيمات. كبار البراجوازيين لم يأتوا للاقامة فى المخيمات، أبناء المخيمات هم الذين تعرضوا للموت، ولكل المهانة، ولكل القهر. وهناك عائلات كاملة استشهدت فى مخيماتنا، وهؤلاء الفلسطينيون هم الذين يعنوننى حتى حين أتغيب عن المخيم بحكم ظروف عملى. * * * كنت. أعمل. بالكويت. حين صدرت. جريدة السفير. فى بيروت، ولقد اتصل بى طلال سلمان وطلب منى أن أعود إلى لبنان لكى أعمل بها. وشعرت أن فى الأمر خلاصا، فعدت ولكنى تألمت وتوجعت نفسي مما رأيت. فقد شعرت أن مخيم عين الحلوة كان أكثر ثورية قبل الثورة. كانت تتوفر له رؤية أوضح سياسيا، يعرف بالتحديد من عدوه ومن صديقه. كان هدفه محددا: فلسطين، كامل التراب الفلسطينى. لما عدت كان المخيم غابة سلاح صحيح، ولكنه يفتقد إلى الوضوح السياسي، وجدته أصبح قبائل. وجدت الأنظمة غزته وعرب النفط غزوه ودولارات النفط لوثت بعض شبابه. كان هذا المخيم رحماً يتشكل داخله مناضلون حقيقيون ولكن كانت المحاولات لوقف هذه العملية. وأنا أشير بإصبع الاتهام لأكثر من طرف، صحيح هناك تفاوت بين الخيانة والتقصير، ولكنى لا أعفى أحداً من المسئولية. الأنظمة العربية جنت علينا، وكذلك الثورة الفلسطينية نفسها. وهذا الوضع الذى أشير إليه يفسر كثيرا مما حدث أثناء غزو لبنان. عندما بدأ الغزو كنت فى صيدا. الفلسطينيون فى المخيمات شعروا أنه ليس هناك من يقودهم. اجتاحتنا اسرائيل بقوتها العسكرية، انقضت علينا فى محاولة لجعلنا ننسى شيئا اسمه فلسطين. وكانت تعرف أن الوضع عموماً فى صالحها، فلا الوضع العربي، ولا الوضع الدولى ولا وضع الثورة الفلسطينية يستطيع إلحالق الهزيمة بها. والأنظمة العربية حيدت نفسها بعد كامب ديفيد. فى الماض كانت الثورة الفلسطينية تبشر بحرب الأغوار، بالحرب الشعبية، العدو جاء باتجاهنا وكل قيادتنا العسكرية كانت تتوقع الغزو. وبتقديرى، ورغم أننى لست رجلا عسكريا ولم أطلق رصاصة فى حياتى، إنه كان من الممكن أن تجتاح إسرائيل لبنان بخسائر أكبر بكثير. وهنا تشعرين أن المؤامرة كانت واردة من الأنظمة ومن غير الأنظمة، أقصد مؤامرة تطهير الجنوب والقضاء على القوة العسكرية الفلسطينية وفرض الحلول، "السلمية" وتشعرين أنه مقصود أن تقدم لنا هذه، "الجزرة" لكى نركض وراء الحل الامريكى. هذا هو الوضع العربى والوضع الفلسطينى جزء منه. بتقديرى أنه كان يمكن أن نسدد ضربات موجعة لاسرائيل، ولكن مخيماتنا ظلت بلا قيادة. وكيف لأهاليها أن يواجهوا الآلة العسكرية الاسرائيلية الطيران والقصف اليومى من البر والبحر والجو، بالاضافة إلى أن الوضع كان عملياً مهترئا. قيادة هرمت، ومخيمات من زنك وطين، اجتاحها الاسرائيليون وجعلوها كملعب كرة القدم ومع ذلك وصل الاسرائيليون الى بيروت وحدود ضوفر والمقاومة لم تنقطع من داخل المخيمات وبشهادات عسكريين اسرائيليين وبشهادتي الشخصية ـ اعتقلت أنا وأسرتى كما اعتقلت صيدا كلها وقضينا 3 أو 4 أيام على البحر. بعد أن تم الاحتلال كان همي أن أتفقد المخيم لاعرف طليعة المقاومة والقائمين بها. أخذت معى ابنى ـ وكان عمره 15سنة وذهبنا بالنهار، كانت جثث الشهداء مازالت بالشوارع والدبابات الاسرائيلية المحروقة على حالها على أبواب المخيم لم يسحبها الاسرائيليون بعد. تقصيت عن طبيعة المقاومين فعرفت أنهم أربعون أو خمسون شاباً لا أكثر. كان الاسرائيليون قد حرقوا المخيم والاطفال والنساء كانوا مازالوا فى الملاجىء، وكانت القذائف الاسرائيلبة تنفذ إلى الأعماق وكان قد سقط مئات الضحايا من الاطفال فى المخيم وفى صيدا. وبشكل تلقائى عاهد هؤلاء الشباب أنفسهم وبعضهم أنهم لن يستسلموا وأنها الشهادة أو الموت وفعلا لم تستطع اسرائيل أن تأسر أى واحد من هؤلاء الشباب. بالنهار، فى ضوء الشمس كانت اسرائيل تنقض عليهم. وفى الليل يخرجون هم آربى جى فقط. هذه صورة مما حدث فى مخيم الحلوة، وأنا شاهد ولكنى أعرف أن هناك صوراً أخرى فى مخيمات صور والبرج الشمالى والبص والرشيدية. كان الناس فى الملجأ وفى الشارع يدعون الله ويسبون الأنظمة وكل القيادات ويلعنون الواقع ولا يبرئون أحدا، ويشعرون أنه ليس لهم إلا الله ويتحملون مصيرهم. جماهير الجنوب بما فيها جماهيرنا الفلسطينية المعتزة (الفقيرة) هى التى قاتلت، وهى التى حملت السلاح. ووفاء لهذا الشعب العظيم الذى أعطانا أكثر مما أعطانا أى طرف اخر وعانى وتهدم بيته لابد من أن يقول المرء هنا أن مقاومى الحركة الوطنية اللبنانية قد جسدوا روح المقاومة بما يقارب الأسطورة. وفى رأيي أن الاعلام العربى مقصر فى عملية توضيح روح المقاومة الحقيقية. فى عين الحلوة تبعثر الناس بين البساتين مع أطفالهم أما اسرائيل فلمت كل الشباب (أنا مثلا انفرزت 4 أو 5 مرات) ثم اعتقلت ونقلت معظمهم إلى أنصار. وهنا بدأ دور النساء. ولا أعتفد أن بامكان أى فنان أن يجسد ذلك الوضع الذى عاش فى ظله أهالى الجنوب. على الفور بدأت النساء ـ والجثث مازالت فى الشوارع ـ تعود إلى بيوت الزنك الذى انصهر وتعمل مع أطفالنا على إصلاح البيت، بالأحجار، بالخشب، تظلل أولادها من الشمس، تعمل كالنمل تعيد بناء عششها التى تهدمت. وكان شاغل إسرائيل والسلطة اللبنانية أيضاً أن تختفى هذه المخيمات، لأنها هى البؤرة الحقيقية للثورة. ولكن النساء والأطفال فى غيبة الرجال فى معسكرات الاعتقال أو المختفين من الرصد الاسرائيلى قاموا بإعادة بناء مخيم عين الحلوة. شاهدت كيف كان الجنود الإسرائيليون يخشون من الاطفال (الشبل ابن العاشرة أو الحادية عشرة كان لديه القدر الكافى من التدريب الذى يمكنه من حمل مدفع الآربى جى والمسألة ليست معقدة دبابتهم أمامك وسلاحك فى يدك) كان الاسرائيليون يخشون من دخول المخيم، وإن دخلوه فلا يكون ذلك إلا فى النهار. عندما تركت لبنان منذ أكثر من سنة كان مخيم عين الحلوة قد عاد... الحائط الذى ينهدم يعاد بناؤه ويكتب عليه "عاشت الثورة الفلسطينية، المجد للشهداء. وفى تقديري أن هذا العمل لم يكن بتوجيه من أحد بل جاء تلقائياً وكنوع من الانسجام مع النفس. كان كبرياء الناس وكرامتهم هى التى تملى عليهم تلك المواقف لأنه فى حالات كثيرة كان الانسان يتمنى الموت. الإسرائيليون أوصلونا إلى حالة نفسية من هذا النوع كنا قد تجاوزنا مرحلة الخوف والهلع، وكان الخط الفاصل بين الحياة والموت قد سقط. * * * انصابت ابنتنا الصغيرة "جودى" من قصف عشوائى من جماعة سعد حداد وكان ذلك سنة 1981، قبل الاجتياح. كنت نائماً وسمعت الصراخ ثم حملتها وهى تصرخ وأجرينا لها عملية جراحية، ولانزال نعالجها. ولكن مصيبتنا تتضاءل أمام مصائب الناس فهناك عائلات فقدت خمسة وستة شباب من أبنائها، وأصبح البيت خاوياً. همنا الشخصي لا يذكر. وكان يؤرقنى طوال الوقت احساسي بالعجز عن الدفاع عن الناس، فكيف أدافع عنهم برسم؟! كنت أتمنى لو أستطيع أن أفدى طفلاً واحدا. إن ظروف الاجتياح من قسوتها، أفقدت الناس صوابهم. مرة وأنا عائد إلى البيت مع ابنى خالد وجدت رجلا عاريا. كان الناس ينظرون إليه باستغراب ناديت على وداد، زوجتى، طلبت منها أن تنزل لى قميصاً وبنطلوناً. كان الرجل حجمه كبيرا فأحضرت قميصأ من عندى وبنطلونأ من عند جارنا والبسناه. كان الرجل فى وضع مأسوى جداً حاولت أن اسأله ولكنه لم يتكلم. سألت عنه فعرفت أنه من صيدا وأنه عندما استمر القصف عدة ليال اضطر للخروج ليحضر لاولاده خبزاً أو أى شيء يأكلونه، على أمل أن يجد دكاناً مفتوحاً لان صيدا القديمة شوارعها مسقوفة وبالامكان أن يسير فيها الإنسان بقدر نسبى من الامان. لم يجد الرجل أى دكان مفتوح فعاد إلى بيته. ولكنه وجد البيت وقد تهدم على زوجته وأطفاله السبعة أو الثمانية ففقد توازنه. وعندما أخذنا الإسرائيليون بإتجاه البحر مررت من أمام هذا البيت فوجدت لافتة صغيرة مكتوبا عليها بالفحم "انتبه هنا ترقد عائلة فلان" (للأسف نسيت اسم الشخص) وهذه اللافتة هو نفسه كتبها لأن الجثث كانت لاتزال تحت الردم. فقد الرجل عقله وسار فى الشارع عاريا. هذه صورة من صور المآسي وهى عديدة. كان البعض يسير أمام الدبابات الإسرائيلية ويهتف "تعيش الثورة، تسقط إسرائيل، يسقط بيجين" فى حالدة فقدان للتوازن. بجوار بيتنا هناك ساحة، جاءت جرافات كبيرة وتصورنا أن الإسرائيليين سيقيمون مواقع دبابات ولكنهم كانوا قد لملموا الجثث من الشوارع واتوا بها لدفنها فى هذا المكان الذى أصبح مقبرة جماعية. كل من عاش هذه التجربة رأى حجم المأساة، البعض استطاع استيعابها والبعض الآخر فقد اتزانه. ومع ذلك لم يعد هناك خيار. كانت المرأة تدافع عن زوجها، تعيد بناء بيتها، تؤمن ماءها، تطمئن على الاولاد فى أى معتقل، تخرج فى المظاهرات، تطالب بالافراج عن الرجال المعتقلين. وكانت إسرائيل تحصدهم حصدا بالرصاص. وهناك صديقة إيطالية صورت مشهد النساء اللاتى سقطن برصاص الجنود واستشهدن ولاحقها الإسرائيليون ومرغوها فى الوحل ولكنها استطاعت الهروب وجاءت الى البيت عند وداد زوجتى وغسلت الكاميرا ونشرت الصور التى التقطتها فى مجلات غربية. فى هذه المرحلة كان الجيش الاسرائيلى يأتى بصحفيين إلى صيدا ويجعلهم يشاهدون كيف أن الجيش الإسرائيلى يقدم مياها للشرب للأطفال. ولم تكشف الصحافة المجازر التى جرت فى صيدا. صحيح أن بعض الصحفيين كشفوا الذى حدث فى صبرا وشاتيلا، ولكن حتى هذا تم جزئيا، فى سياق هدف سياسي. لم يكن الهدف من هذه المجازر البشعة قتل آلاف من الفلسطينيين إنما كان الهدف جزرنا بالمعنى النفسي أى أن نيأس إلى حد التنازل عن حقنا فى فلسطين. ولكنه حتى إن مل البعض النضال فهناك أجيال آتية وكما كنا نتعلم من الحزن فى عيون آبائنا سوف تلتقط منا من بعدنا الرسالة. جيلنا أعطى ولكن حجم المؤامرة علينا كان أكبر. الواقع العربي خدم أعداءنا، الواقع الدولى ومسائل أخرى كثيرة.. شعبنا لا ينقصه قيادة بل حزب، حزب يملك دليلا نظرياً كاملاً يبدأ من نقطة الصفر. لو تفهمى من كلامى أنى غير راض عن الثورة سأقول لك نعم أنا غير راض. أشعر أن فلسطين بحاجة الى ملائكة، جند الله، ألف جيفارا، أنبياء تقاتل، قيادات حقيقية واعية تعرف كيف ترد. وبتقديرى أن الانظمة العربية أجهضت ثورتنا وبتقديرى أيضا. أن المقولة القائلة أن الفلسطينيين وحدهم هم الذين عليهم تحرير فلسطين هى مقولة خائنة فكلنا نعرف ما هى طموحات إسرائيل بالنسبة لمصر ولبنان وسوريا. بعد الاجتياح بقيت شهراً فى صيدا حاولت مثلى مثل غيرى أن أرمم البيت وأن أواسي الناس وأعزيهم، أملا ماء، أنقل أشياء للناس، الخ ولكنى كنت أفكر ماذا أفعل وانتهيت إلى ضرورة الذهاب الى بيروت حيث جريدة السفير وحيث بإمكانى أن أرسم. مر وقت وظن فيه الناس انى مت، الى أن مرت إحدى البنات بصيدا واكتشفت انى موجود فأعطيتها رسومات لى لكى يطمئنوا فى السفير ويتأكدوا من أنى مازلت حيا. وكنت طوال الوقت أفكر: ماذا أفعل؟ وانتهى بى تفكيرى الى ضرورة الذهاب الى بيروت فودعت زوجتى وأولادى وذهبت، كان من الصعب أن أصل، ليس فقط بسبب الإسرائيليين ولكن أيضا بسبب الكتائب الذين كانت معرفتهم بأني فلسطينى سبب كاف لقتلى. بدأت رحلتى ذات صباح باكر فى سيارة، ثم نزلت بين أشجار الزيتون فى منزل إسمه الشويفات، واتجهت الى بيروت مشياً ويومها التقيت بالكاتب المسرحى السورى سعد الله ونوس والذى كان طالعا باتجاه دمشق وكانت لديه أخبار أنى ميت. ثم وصلت السفير. وفى بيروت التقيت بالكاتبين الفلسطينيين حنا مقبل (رحمه الله) ورشاد أبو شاور وكانا يصدران مجلة اسمها المعركة فصرت ارسم فى السفير وأرسم فى المعركة وأتساءل ما الذى بإمكان المرء أن يفعله فى مواجهة هذا القصف من الجهات الست (من الاربع جهات ومن الجو والسيارات المفخخة). وكما يقول الفلسطينيون "هنا يكون الموت موجب كثير" كان المواطن منا يشعر بالتقصير والعجز ويرحب بالموت. وعشنا معا نحن العاملين فى السفير فى تلك الفترة (وحتى البنات مرة طبخن لنا ماكرونة بلا لحم طبعا ولا أى شيء، ولكننا وجدناها أشهى أكلة. وكان معنا شاب مصرى يعمل فى الكانتين ويظل ساهرا معنا يأتينا بالشاى والقهوة) كانت تجربة خاصة وحميمة وكان شاغلنا هو رفع معنويات الناس بالكلمة، وبالمانشيت، بالرسم. السفير قدمت من شبابها، والشاعر على فوره استشهد وهو يوزع مجلة "الرصيف" التى كان يصدرها. كانت المسألة قدرية، القذائف تصل الاطفال فى الملاجىء.. وهكذا يشعر الإنسان أن بقاءه حياً محض صدفة، إذا جاءت القذيفة جاءت وإن لم تأت فذلك مجرد صدفة، لم تكن هنا الفرصة أمام أحد ليحزن أو ليبكى. وأنا بكيت مرة واحدة بعد خروج المقاومة ومجزرة صبرا وشاتيلا. ولم يكن بكائي قهرا بقدر ما كان إعلاناً أنى فلسطينى وأنى أبكى الشهداء وأبكى الوضع. كنت أشعر بالوحشة. كثير من أصدقائى الحميمين كانوا قد ذهبوا وكنت أشعر أن البيوت من حولى فارغة. قبل ذلك كنت تلتقى فى نفس تلك الشوارع بالمناضل المصرى مع المناضل اللبنانى مع المناضل الفلسطينى مع المناضل العراقى. والمرء يشعر بوجودهم ويتحامى فيهم ويستظل بهم. ومع ذلك صار لبيروت بعد خروج المقاومة معزة خاصة فى نفسي. وكنت أسأل نفسي كيف أعبر؟ كنت أشعر بالعجز وأتصور أنه لا يوجد أى شاعر يقدر على تجسيد أى مشهد أو لحظة واحدة من لحظات بيروت ومع ذلك كنت أرسم. وفى يوم كان القصف عنيفاً جداً على بيروت، من الجهات الست. وتوقفت كل الصحف ماعدا السفير. وأين نلجأ؟ لجأنا الى الدور الارضي محل المطابع. واستمر القصف طوال الليل ولم يتركوا زاوية أو بيتاً إلا وقصفوه. وعندما خرجت وجدت كل البيوت مصابة من فوق ومن تحت وانضافت اليه شبابيك جديدة. رسمت زهرة مقدمة لبيت ـ رمز بيروت ـ من الفجوة التى أحدثتها القذيفة مع عبارة "صباح الخير يابيروت". إن "صباح الخير" ليلة حالكة بهذا الشكل تكتسب معنى خاصا. تصورى القارىء، بعد كل هذا القصف والموت، يفتح الجريدة فى الصباح.. فيرى الرسم، ويرى أحداً يصبح على بيروت. كان ذلك كلقائنا فى الشوارع بعد القصف نقبل بعضنا ونبتهج أننا مازلنا أحياء وكل شيء يهون ما دمنا مازلنا أحياء!. وعندما بدأ الرحيل ـ وبالمناسبة لم أستطع رؤية هذا المشهد الذى ربما يكون فيه مقتلى... لم أستطع الخروج لتوديع المقاومة ورؤية الناس وهى ترش الزهور والأرز على المقاتلين. أقول عندما بدأ الرحيل ومع أول سفينة غادرت الميناء رسمت فدائياً يترك السفينة الراحلة ويسبح عائدأ الى الشاطىء وهو يقول "والله اشتقنا يابيروت!). الرسم بالنسبة لى مهنة ووظيفة وهواية، ورغم أننى أعمل رساماً منذ عشرين سنة إلا أننى أشعر بالعجز عن توظيف هذه اللغة التعبيرية فى نقل همى لان همي كبير، هل ترين كيف؟ والرسم هو الذى يحقق لى توازنى الداخلى، هو عزائى ولكنه أيضا يشكل لى عذابا. أحيانا أقول أن هذا الكاريكاتور الذى أرسمه يجعل حظى أفضل من غيري لانه يتيح لى إمكانية تنفيس همى، وأن الاخرين قد يموتون كمدا وقهرا من ذلك الهم الذى يجثم على قلوبهم، وينفث سمه اليومى فيهم، أنا أعرف أن الرسم يعزينى. وأشعر أيضاً أن الكاريكاتور لغة تخاطب مع الناس، ولغة تبشير وهو للنقد وليس للترفيه وأعتبر نفسي جراحاً من نوع ما. وأرى أن حزنى ومرارتى وسوداويتي التى أعبرعنها فى رسمى هى حالة نبيلة ومشتركة بينى وبين المواطنين الذين يحزنهم ويوجعهم هذا الواقع العربي. قلت لك اننى فى الكويت خلقت شخصية حنظلة خوفاً من التلوث بالمجتمع الاستهلاكي، واننى حاولت أن أرسم بدون تعليق وأن أخلق رموزا مشتركة بينى وبين القارىء ومع ذلك فإننى أشعر مرات كثيرة أننى أريد أن أكتب تعليقات وأحكى كثيراً، أعمل منشوراً، مانيفستو، أريد أن أؤذن فى الناس، أن أوصل رسالتى بوضوح وبأى شكل وأشعر أحيانا أن ذلك يتم على حساب فنية الصورة ولكنى أشعر أنى لا أستطيع أن "أتمرجل" وأتعالى على القارىء. أحاول أن أستخدم أدواتى الرمزية، ولكنى أيضا مشغول بقضية التوصيل الواضح للشخص العادى الفقير والذى يعنينى فى المقام الاول. كنت أتابع مجلتى صباح الخير وروزاليوسف أيام أحمد بهاء الدين وصلاح جاهين ورجائى وايهاب وحجازى وبهجت ورءوف. ويبدو لى أننا نشأنا فى نفس الوقت ولكنهم سبقونى قليلا ـ ربما لانه توفرت لهم فرصة. كانت المادة التى يقدمها هؤلاء الفنانون بها موقف ومتعة ذهنية وصفات مميزة. الهم الذى كان عندى كان يختلف بعض الشيء. وعندما أسأل بمن تأثرت أقول أننى تأثرت بكل نفس طيب إن كان كلمة أو رسمة أو لقاء. وعندما أرصد دور الكاريكاتور فى مصر أتوقف أمام المواقف المشرفة والمحفوظة ليس فى ذاكرتى فقط ولكن فى ذاكرة كل الناس لفنانين مثل حجازى وبهجت ورءوف. وأنا أتابع، إلى حد ما، جريدة الآهالى وأرى رسوم عز العرب. ثم أن هناك أيضا نبيل السلمى وجورج البهجورى ورغم أن تعاملهما مع الكاريكاتور محدود إلا أن المرء يعرف مدى معاناتهما وبقدر مواقفهما فى برلين أو فى باريس ويعلم أن مجرد إحجامهما كان موقفا يرفض المشاركة فى عمليات التدليس والتزييف والجو الاعلامى المبرمج لجعل كل أدوات الثقافة موجهة لخدمة التطبيع وعلى حساب حقوق شعبنا وحقوق الشعب المصرى وكرامته. بالنسبة لاعدائى لا أفرق بين عدوى الإسرائيلى وعدوى العربي. لا فرق بين أن يكون اسمه محمد أوالياس أوكوهين. لست عنصريا. لقد اتخذت موقفاً ضد حرب لبنان لأنها حرب "مفبركة" وترتبت بأدوات لخلق كل هذه المصائب، الفقير المارونى وظف ليقاتل من أجل طبقة بورجوازية مارونية ضالعة مع اسرائيل وامريكا وضالعة مع عرب أمريكا. والفقير الفلسطينى أو الفقير المسيحى يموت وعلى بصره وبصيرته غشاوة تجعله يفشل فى تحديد أعدائه الحقيقيين. هذه القضايا أحاول شرحها وألح عليها كثيرا. المؤامرة على المنطقة إذن مستمرة، وأدوات القمع تزداد والقبلية تكثر وهذا لا يجعل المرء يستسلم بل لابد يستنفر قواه الذاتية وهذا واجب كل القوى الديمقراطية، واجبها أن تشكل نسيجأ واحدا. ولا أعتتد أن هناك اختلافاً أساسياً بين المواطن المصرى والمواطن التونسي مثلا. هناك حقوق مهضومة وواقع تجزئه. وما أراه أن امريكا تقاتل من خلال أنظمتها ـ عرب امريكا ـ وأجهزتها البوليسية والاعلامية. ورغم شعورى أن هذا زمن رمادى وزمن داكن فمازلت أبشر بالثورة، ثورة حقيقية مهما كانت التضحيات. إن هذا التمزق الضيق والضغوط والمعاناة لابد أن يولد منها شيء. ماهو واجب المثقف.. هل ينتظر أن يركب دبابة؟! ليس المطلوب منه سوى أن يظل ملتصقا بهم الناس ويعبر عن هذا الهم. والديمقراطية بحاجة لشهداء أيضاً وبتقديرى أن هناك المئات من السلاطين الجائرين وإن كلمة حق واجبة وضرورية وعلى المرء أن يؤذن فى الناس. ورغم أنى شخص غير مثقف، إلا إننى أحب قراءة الصفحات الثقافية فى الجرائد وأتابع الظواهر الثقافية، وأظل قلقاً لانى أعرف أن المثقفين يتعرضون لكثير من الضغط والاغراءات وأن هناك أموال النفط أثرت ومازالت على المئات منهم. لذلك عندما أسمع صوتاً كصوت نجم أو أرى رسما لبهجت أو لحجازى أفرح وانتعش. وعندما أرى مثقفاً كبيراً: أستاذ جامعي، أو كاتب يستخدم لحساب هذه الجهة أو تلك أغضب، وعندما أرى شاعراً يحبه الناس ويصنعون منه نجماً فيركب الناس أحزن وأبتئس. إن لم يكن من يتغنى بالزيتونة يحب الفلاح الذى غرسها ومستعداً للموت من أجله فأنا لا أريد شعره ولا شاعريته. هناك ناس تخسر روحها، بلغة المسيح، وإن كسب الإنسان كل الدنيا وخسر نفسه فما هى قيمته؟ والمثقف الذى يستخدم لحساب الأنظمة وإسرائيل والامبريالية هل يولد من بطن أمه خائنا؟ إنه يبدأ بضمير رخو ثم يقدم التنازل تلو التنازل ويتحول إلى أداة من أدوات الاعلام الرسمى. وينكر أنه ناجح وكبير ومهم وهو فى الحقيقة مجرد صامولة، مسمار، أداة لا شيء!. منذ طفولتى وأنا متأثر بشخصية المسيح، ولقد قرأت التوراة والانجيل والقرآن وأحمل صليبا داخلى وحججت مرتين. إن أول سم كاريكاتور فكرت فيه هو أن أصلب نفسي، ليس أن أرسم فسي مصلوباً بل أن أذهب الى الامم المتحدة حاملا صليبي، نوع ن التعبير عن وضعنا وحقنا المهضوم. كان عمري 13 أو 14 سنة البوذيون يحرقون أنفسهم احتجاجاً وهذا نوع من التعبير السياسي والعطاء. المسيح يعنينى كقيمة للفداء ولقد رسمته كثيرا ليس لانه فلسطينى بل لانه كان مطارداً ومغلوباً وهو النبي. أرسمه كجنوبى من لبنان وكفلسطينى من أبناء المخيمات. * * * أتوق إلى زيارة القاهرة، لم أزرها منذ سنوات عديدة. أريد أن آتى ليس للسياحة ولكن كنوع من الوفاء لمصر وحباً لشباب على لسانهم كلمة فلسطين، مازالوا يرفعون العلم الفلسطينى. أريد أن آتى لاشمهم وأحضنهم وأقول لهم إن كل هذا محفوظ ومقدر وإن شعب فلسطين لن ينسى الخونة ويستحيل أن ينسى من قدموا وأعطوا وظلوا أوفياء للقضية وأشعر أن من يرفع علم فلسطين ليس وفياً لفلسطين وحدها بل أيضا لشهداء سينا. * * * فى الحرب وأنا فى الملجأ قلت لزوحتى إننى أنذر نذرا لو بقيت على قيد الحياة فسوف "أفضح" هذا الواقع العربى بكل مؤسساته وبكل أنظمته على حيطان العالم العربي كله إن لم أجد جريدة. ومازلت عند نذرى. عندى رغبة فى الاستمرار فى الايفاء بالنذر... المعركة مفتوحة ومازال عندى أمل. وعندى إحساس انه لابد من الحصول على حقوقنا المهضومة مهما كان الثمن. وأشعر بالضعف أمام الناس البسطاء. أما النجوم فليس عندى نجوم. شيء طبيعي أن يكون المرء ثورياً ويكون محترما.. ليس طبيعيا أن يطلب فى المقابل أن يركب على أكتافنا!.
منذ زمن بي رغبة فى التواصل تحديدأ مع من يعنوننى فى مصر. وأنا لا أعتبر هذا حديثأ بل أعتبره وصية لك شخصيآ ولكل نفس طيب يتحسس الهم الكبير، الهم الوطنى، ليس فقط فى فلسطبن ـ فليست فلسطين وحدها هى المغتصبة ـ ولكن أيضا فى كل الارض العربية حيث حقوق الجماهبر مغتصبة فى رزقها وحرياتها وأحلامها. من أين أبدأ؟ ربما منذ خروجنا من فلسطين إلى مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، ومن تلك النظرة فى عيون أمهاتنا وأبائنا. لم يكن لديهم بيانات، ولكن الحزن فى عيونهم كان لغة تعلمنا وتملؤنا بالغضب الذى يعبر عنه مرات بالصوت ومرات بالفعل. معظم أبناء وبنات جيلى بالخمسينات تعرضوا لحالة قهر، وكنا ونحن فى مخيم عين الحلوة فى لبنان نتطلع عبر سجننا الصغير هذا ونستنجد بأى قوة خير. ولما قامت ثورة دولية انتشينا واندفعنا فى شوارع المخيم نهتف للثورة، ونكتب على الجدران نحييها. كنا عاجزين عن تقديم شيء غير ذلك. ولكننا شاركنا بنفسنا وحباتنا. وحين استرجع هذه الصورة أفكر كم أننا نفتقدها الان، فى وقت صارت المنطقة العربية بحيرة امريكية عمليا، وضربت الثورة الفلسطبنية. يحاول المرء ليس تعزية نفسه ولكن الوقوف وقفة أمام تجربته ـ أشعر أن لا أحد يقف، تكال لنا الضربات من كل الاتجاهات بقصف ليس عشوائيآ، بل بقصف سياسي مدروس وموجه، يهلكوننا من كل الجهات.
* * *
ولدت عام 1937 فى قرية الشجرة، بين طبريا واالناصرة، قضاء االجليل. ونزحت عام 1948 إلى إحدى مخيمات الجنوب اللبنانى هو مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا. وكغيرى من أبناء المخيم كنت أشعر بالرغبة فى التعبير عن نفسي فأمشي فى المظاهرات وأشارك فى المناسبات القومية وأتعرض كما يتعرض سواى للقهر والسجن. وفى تلك المرحلة تشكل عندى الإحساس بأنه لابد أن أرسم وبدأت أحاول أن أعبر عن مواقفى السياسية وهمي وقهرى من خلال رسوم على الجدران. وكنت أحرص أن أحمل معى قلمى قبل أن اتوجه للسجن، وبالمناسبة كان أول من شجعنى هو المرحوم غسان كنفانى، الذى مر على المخيم للمشاركة فى إحدى الندوات. وكان لدينا ناد بسيط أقمناه من الزنك. والتفت غسان إلى رسوم الكاريكاتور التى كانت على الحائط، وتعرف على وأخذ منى رسمتين أو ثلاثا ونشرها فى "الحرية"، مجلة التقدميين العرب، التى كان يعمل فيها فى ذلك الوقت. ورغم اننى كنت قد حصلت على دبلوم فى الميكانيكا والكهرباء، كنت أعمل بشكل موسمي فى البساتين، فى قطف البرتقال والليمون، ولم يكن هناك عمل آخر متاح، ولم يكن مسموحا لأى فلسطينى أن يكون موظف بلدية.
حاولت أن أتابع دراستى وأعبر عن نفسي بالرسم فالتحقت بالأكاديمية لمدة سنة، إلا أننى فى تلك المرحلة تعرضت للسجن ست أو سبع مرات. وعملت مدرسا للرسم فترة بسيطة بالكلية الجعفرية فى صور، ثم أتيحت لى فرصة السفر إلى الكويت للعمل فى مجلة "الطليعة الكويتية"، وهى مجلة للتقدميين الكويتيين. فى "الطليعة" كنت أعمل كصحفى ومخرج للمجلة وسكرتير تحرير، ثم بدأت أحتل مساحة فى المجلة أعبر فيها عن نفسي بلغة الكاريكاتور، وتدريجياً اتسعت هذه المساحة فأصبحت أقدم عدة رسوم، ثم صفحة كاملة ثم صفحتين إلى أن اكتشفت أن العمل الأسبوعى لا يفى بحاجتي، وأننى راغب فى التواصل مع الناس بشكل يومى فاخترت صحيفة يومية. ولما لم يكن هناك انسجام بين خطها وتفكيرى اشترطت ألا يتدخل أحد فى عملى. وكنت قد بدأت أدرك دور الكاريكاتور. وكنت ألاحظ أن رسامى الكاريكاتير فى مصر (المدرسة القديمة) يستخدمون الحوار بكثرة، مما لا يعطى فرصة للقارىء لإعمال ذكائه فاتجهت إلى عكس ذلك، ورحت أخلق رموزا يصير تكرارها نوعا من اللغة المشتركة بيني وبين القارىء.
عندما ذهبت إلى الكويت كان همى أن أدخر "قرشين" كأى شخص يتوجه إلى مجتمع إستهلاكي من هذا النوع، وأذهب بعد ذلك لدراسة الرسم فى القاهرة، أو فى روما. ثم اكتشفت أن الكاريكاتور يرضينى وأنه بدلا من أن أقيم معرضا كل عام أو عامين يصل إلى شريحة معينة من رواد المعارض ـ اقتنعت بدور الكاريكاتور وأجلت طموحى الشخصي بالتعبير عن نفسي، وقلت حين ترجع "البلاد". ولو كنت مازلت على قيد الحياة أكون قد تقدمت فى العمر، فأجلس فى ركن وأعبر عن نفس بلغة التشكيل والألوان. فى الكويت عانيت كثيرا. وحياة الفنان فى مجتمع استهلاكي ليست مسألة بسيطة. لى أصدقاء كثيرون كنا نناضل معا وسجنا معا. سنة واحدة فى الكويت وأغرقهم المجتمع الاستهلاكي، "تمسحوا" (صاروا عديمى الاحساس) زال عنهم إحساسهم بالواجب تجاه جماهيرهم ومخيماتهم. بتلك المرحلة ولدت شخصية حنظلة، ويومها قدمته للقراء بشرح واف. "أنا حنظلة من مخيم عين الحلوة، وعد شرف أن أظل مخلصاً للقضية وفياً لها... إلخ" والحق أن هذا العهد كان عهداً أقطعه على نفسي.
شخصية هذا الطفل الصغير الحافى هى رمز لطفولتى. أنا تركت فلسطين فى هذا السن ومازالت فيه. رغم أن ذلك حدث من 35 سنة، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي، وأشعر أني أذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت علي فى فلسطين وأنا طفل. إن شخصية حنظلة كانت بمثابة أيقونة حفظت روحى من السقوط كلما شعرت بشئ من التكاسل، أو بأننى أكاد أغفو أو أهمل واجبى أشعر بأن هذا الطفل كنقطة الماء على جبينى يصحينى ويدفعنى إلى الحرص ويحرسنى من الخطأ والضياع. إنه كالبوصلة بالنسبة لى، وهذه البوصلة تشير دائما إلى فلسطين. وليس فقط إلى فلسطين بالمعنى الجغرافى، ولكن بالمعنى الانساني والرمزى، أى القضية العادلة أينما كانت فى مصر أو فى فييتنام أوافريقيا الجنوبية.
وأنا شخصياً إنسان منحاز لطبقتى، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحى ولا أتملق أحدا. والقضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد: الفقراء هم الذين يموتون وهم الذين يسجنون وهم الذين يعانون معاناة حقيقة. هناك طبعاً من تاجر بقضايا الفقراء، وهناك من يمر بمرحلة النضال مرور ترانزيت، ويطالب بعد ذلك بأن يصير نجما أبديا. المناضل الحقيقى دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حق الاخرين وليس على حسابهم.
ويلاتنا كثيرة ومرارتنا كثيرة وأنا لا أتحدث كفلسطينى فقط، ولكن كابن مخيم فى لبنان. وأشعر أننى مدين لأبناء مجتمعى. هناك كثيرون ضمن مواقع السلطة والمؤسسات لا يرضيهم عملى. الأنظمة تحب أن يكون الفنان أو المثقف أو الصحفى أداة من أدواتها فيعلقوا له النياشين والاوسمة، ولكن بتقديرى أن على الفنان أن يكون مخلصأ لجماهيره. أنا من عين الحلوة، مثل أى مخيم آخر. أبناء المخيمات هم أبناء أرض فلسطين. لم يكونوا تجاراً ولا ملاكاً، كانوا مزارعين، فلما فقدوا الارض فقدوا حياتهم فذهبوا إلى المخيمات. كبار البراجوازيين لم يأتوا للاقامة فى المخيمات، أبناء المخيمات هم الذين تعرضوا للموت، ولكل المهانة، ولكل القهر. وهناك عائلات كاملة استشهدت فى مخيماتنا، وهؤلاء الفلسطينيون هم الذين يعنوننى حتى حين أتغيب عن المخيم بحكم ظروف عملى.
كنت. أعمل. بالكويت. حين صدرت. جريدة السفير. فى بيروت، ولقد اتصل بى طلال سلمان وطلب منى أن أعود إلى لبنان لكى أعمل بها. وشعرت أن فى الأمر خلاصا، فعدت ولكنى تألمت وتوجعت نفسي مما رأيت. فقد شعرت أن مخيم عين الحلوة كان أكثر ثورية قبل الثورة. كانت تتوفر له رؤية أوضح سياسيا، يعرف بالتحديد من عدوه ومن صديقه. كان هدفه محددا: فلسطين، كامل التراب الفلسطينى. لما عدت كان المخيم غابة سلاح صحيح، ولكنه يفتقد إلى الوضوح السياسي، وجدته أصبح قبائل. وجدت الأنظمة غزته وعرب النفط غزوه ودولارات النفط لوثت بعض شبابه. كان هذا المخيم رحماً يتشكل داخله مناضلون حقيقيون ولكن كانت المحاولات لوقف هذه العملية. وأنا أشير بإصبع الاتهام لأكثر من طرف، صحيح هناك تفاوت بين الخيانة والتقصير، ولكنى لا أعفى أحداً من المسئولية. الأنظمة العربية جنت علينا، وكذلك الثورة الفلسطينية نفسها. وهذا الوضع الذى أشير إليه يفسر كثيرا مما حدث أثناء غزو لبنان.
عندما بدأ الغزو كنت فى صيدا. الفلسطينيون فى المخيمات شعروا أنه ليس هناك من يقودهم. اجتاحتنا اسرائيل بقوتها العسكرية، انقضت علينا فى محاولة لجعلنا ننسى شيئا اسمه فلسطين. وكانت تعرف أن الوضع عموماً فى صالحها، فلا الوضع العربي، ولا الوضع الدولى ولا وضع الثورة الفلسطينية يستطيع إلحالق الهزيمة بها. والأنظمة العربية حيدت نفسها بعد كامب ديفيد. فى الماض كانت الثورة الفلسطينية تبشر بحرب الأغوار، بالحرب الشعبية، العدو جاء باتجاهنا وكل قيادتنا العسكرية كانت تتوقع الغزو. وبتقديرى، ورغم أننى لست رجلا عسكريا ولم أطلق رصاصة فى حياتى، إنه كان من الممكن أن تجتاح إسرائيل لبنان بخسائر أكبر بكثير. وهنا تشعرين أن المؤامرة كانت واردة من الأنظمة ومن غير الأنظمة، أقصد مؤامرة تطهير الجنوب والقضاء على القوة العسكرية الفلسطينية وفرض الحلول، "السلمية" وتشعرين أنه مقصود أن تقدم لنا هذه، "الجزرة" لكى نركض وراء الحل الامريكى. هذا هو الوضع العربى والوضع الفلسطينى جزء منه. بتقديرى أنه كان يمكن أن نسدد ضربات موجعة لاسرائيل، ولكن مخيماتنا ظلت بلا قيادة. وكيف لأهاليها أن يواجهوا الآلة العسكرية الاسرائيلية الطيران والقصف اليومى من البر والبحر والجو، بالاضافة إلى أن الوضع كان عملياً مهترئا. قيادة هرمت، ومخيمات من زنك وطين، اجتاحها الاسرائيليون وجعلوها كملعب كرة القدم ومع ذلك وصل الاسرائيليون الى بيروت وحدود ضوفر والمقاومة لم تنقطع من داخل المخيمات وبشهادات عسكريين اسرائيليين وبشهادتي الشخصية ـ اعتقلت أنا وأسرتى كما اعتقلت صيدا كلها وقضينا 3 أو 4 أيام على البحر.
بعد أن تم الاحتلال كان همي أن أتفقد المخيم لاعرف طليعة المقاومة والقائمين بها. أخذت معى ابنى ـ وكان عمره 15سنة وذهبنا بالنهار، كانت جثث الشهداء مازالت بالشوارع والدبابات الاسرائيلية المحروقة على حالها على أبواب المخيم لم يسحبها الاسرائيليون بعد. تقصيت عن طبيعة المقاومين فعرفت أنهم أربعون أو خمسون شاباً لا أكثر. كان الاسرائيليون قد حرقوا المخيم والاطفال والنساء كانوا مازالوا فى الملاجىء، وكانت القذائف الاسرائيلبة تنفذ إلى الأعماق وكان قد سقط مئات الضحايا من الاطفال فى المخيم وفى صيدا. وبشكل تلقائى عاهد هؤلاء الشباب أنفسهم وبعضهم أنهم لن يستسلموا وأنها الشهادة أو الموت وفعلا لم تستطع اسرائيل أن تأسر أى واحد من هؤلاء الشباب. بالنهار، فى ضوء الشمس كانت اسرائيل تنقض عليهم. وفى الليل يخرجون هم آربى جى فقط.
هذه صورة مما حدث فى مخيم الحلوة، وأنا شاهد ولكنى أعرف أن هناك صوراً أخرى فى مخيمات صور والبرج الشمالى والبص والرشيدية. كان الناس فى الملجأ وفى الشارع يدعون الله ويسبون الأنظمة وكل القيادات ويلعنون الواقع ولا يبرئون أحدا، ويشعرون أنه ليس لهم إلا الله ويتحملون مصيرهم. جماهير الجنوب بما فيها جماهيرنا الفلسطينية المعتزة (الفقيرة) هى التى قاتلت، وهى التى حملت السلاح. ووفاء لهذا الشعب العظيم الذى أعطانا أكثر مما أعطانا أى طرف اخر وعانى وتهدم بيته لابد من أن يقول المرء هنا أن مقاومى الحركة الوطنية اللبنانية قد جسدوا روح المقاومة بما يقارب الأسطورة. وفى رأيي أن الاعلام العربى مقصر فى عملية توضيح روح المقاومة الحقيقية. فى عين الحلوة تبعثر الناس بين البساتين مع أطفالهم أما اسرائيل فلمت كل الشباب (أنا مثلا انفرزت 4 أو 5 مرات) ثم اعتقلت ونقلت معظمهم إلى أنصار. وهنا بدأ دور النساء. ولا أعتفد أن بامكان أى فنان أن يجسد ذلك الوضع الذى عاش فى ظله أهالى الجنوب. على الفور بدأت النساء ـ والجثث مازالت فى الشوارع ـ تعود إلى بيوت الزنك الذى انصهر وتعمل مع أطفالنا على إصلاح البيت، بالأحجار، بالخشب، تظلل أولادها من الشمس، تعمل كالنمل تعيد بناء عششها التى تهدمت.
وكان شاغل إسرائيل والسلطة اللبنانية أيضاً أن تختفى هذه المخيمات، لأنها هى البؤرة الحقيقية للثورة. ولكن النساء والأطفال فى غيبة الرجال فى معسكرات الاعتقال أو المختفين من الرصد الاسرائيلى قاموا بإعادة بناء مخيم عين الحلوة. شاهدت كيف كان الجنود الإسرائيليون يخشون من الاطفال (الشبل ابن العاشرة أو الحادية عشرة كان لديه القدر الكافى من التدريب الذى يمكنه من حمل مدفع الآربى جى والمسألة ليست معقدة دبابتهم أمامك وسلاحك فى يدك) كان الاسرائيليون يخشون من دخول المخيم، وإن دخلوه فلا يكون ذلك إلا فى النهار.
عندما تركت لبنان منذ أكثر من سنة كان مخيم عين الحلوة قد عاد... الحائط الذى ينهدم يعاد بناؤه ويكتب عليه "عاشت الثورة الفلسطينية، المجد للشهداء. وفى تقديري أن هذا العمل لم يكن بتوجيه من أحد بل جاء تلقائياً وكنوع من الانسجام مع النفس. كان كبرياء الناس وكرامتهم هى التى تملى عليهم تلك المواقف لأنه فى حالات كثيرة كان الانسان يتمنى الموت. الإسرائيليون أوصلونا إلى حالة نفسية من هذا النوع كنا قد تجاوزنا مرحلة الخوف والهلع، وكان الخط الفاصل بين الحياة والموت قد سقط.
انصابت ابنتنا الصغيرة "جودى" من قصف عشوائى من جماعة سعد حداد وكان ذلك سنة 1981، قبل الاجتياح. كنت نائماً وسمعت الصراخ ثم حملتها وهى تصرخ وأجرينا لها عملية جراحية، ولانزال نعالجها.
ولكن مصيبتنا تتضاءل أمام مصائب الناس فهناك عائلات فقدت خمسة وستة شباب من أبنائها، وأصبح البيت خاوياً. همنا الشخصي لا يذكر. وكان يؤرقنى طوال الوقت احساسي بالعجز عن الدفاع عن الناس، فكيف أدافع عنهم برسم؟! كنت أتمنى لو أستطيع أن أفدى طفلاً واحدا. إن ظروف الاجتياح من قسوتها، أفقدت الناس صوابهم. مرة وأنا عائد إلى البيت مع ابنى خالد وجدت رجلا عاريا. كان الناس ينظرون إليه باستغراب ناديت على وداد، زوجتى، طلبت منها أن تنزل لى قميصاً وبنطلوناً. كان الرجل حجمه كبيرا فأحضرت قميصأ من عندى وبنطلونأ من عند جارنا والبسناه. كان الرجل فى وضع مأسوى جداً حاولت أن اسأله ولكنه لم يتكلم. سألت عنه فعرفت أنه من صيدا وأنه عندما استمر القصف عدة ليال اضطر للخروج ليحضر لاولاده خبزاً أو أى شيء يأكلونه، على أمل أن يجد دكاناً مفتوحاً لان صيدا القديمة شوارعها مسقوفة وبالامكان أن يسير فيها الإنسان بقدر نسبى من الامان. لم يجد الرجل أى دكان مفتوح فعاد إلى بيته. ولكنه وجد البيت وقد تهدم على زوجته وأطفاله السبعة أو الثمانية ففقد توازنه.
وعندما أخذنا الإسرائيليون بإتجاه البحر مررت من أمام هذا البيت فوجدت لافتة صغيرة مكتوبا عليها بالفحم "انتبه هنا ترقد عائلة فلان" (للأسف نسيت اسم الشخص) وهذه اللافتة هو نفسه كتبها لأن الجثث كانت لاتزال تحت الردم. فقد الرجل عقله وسار فى الشارع عاريا. هذه صورة من صور المآسي وهى عديدة. كان البعض يسير أمام الدبابات الإسرائيلية ويهتف "تعيش الثورة، تسقط إسرائيل، يسقط بيجين" فى حالدة فقدان للتوازن. بجوار بيتنا هناك ساحة، جاءت جرافات كبيرة وتصورنا أن الإسرائيليين سيقيمون مواقع دبابات ولكنهم كانوا قد لملموا الجثث من الشوارع واتوا بها لدفنها فى هذا المكان الذى أصبح مقبرة جماعية.
كل من عاش هذه التجربة رأى حجم المأساة، البعض استطاع استيعابها والبعض الآخر فقد اتزانه. ومع ذلك لم يعد هناك خيار. كانت المرأة تدافع عن زوجها، تعيد بناء بيتها، تؤمن ماءها، تطمئن على الاولاد فى أى معتقل، تخرج فى المظاهرات، تطالب بالافراج عن الرجال المعتقلين. وكانت إسرائيل تحصدهم حصدا بالرصاص. وهناك صديقة إيطالية صورت مشهد النساء اللاتى سقطن برصاص الجنود واستشهدن ولاحقها الإسرائيليون ومرغوها فى الوحل ولكنها استطاعت الهروب وجاءت الى البيت عند وداد زوجتى وغسلت الكاميرا ونشرت الصور التى التقطتها فى مجلات غربية.
فى هذه المرحلة كان الجيش الاسرائيلى يأتى بصحفيين إلى صيدا ويجعلهم يشاهدون كيف أن الجيش الإسرائيلى يقدم مياها للشرب للأطفال. ولم تكشف الصحافة المجازر التى جرت فى صيدا. صحيح أن بعض الصحفيين كشفوا الذى حدث فى صبرا وشاتيلا، ولكن حتى هذا تم جزئيا، فى سياق هدف سياسي. لم يكن الهدف من هذه المجازر البشعة قتل آلاف من الفلسطينيين إنما كان الهدف جزرنا بالمعنى النفسي أى أن نيأس إلى حد التنازل عن حقنا فى فلسطين. ولكنه حتى إن مل البعض النضال فهناك أجيال آتية وكما كنا نتعلم من الحزن فى عيون آبائنا سوف تلتقط منا من بعدنا الرسالة. جيلنا أعطى ولكن حجم المؤامرة علينا كان أكبر. الواقع العربي خدم أعداءنا، الواقع الدولى ومسائل أخرى كثيرة.. شعبنا لا ينقصه قيادة بل حزب، حزب يملك دليلا نظرياً كاملاً يبدأ من نقطة الصفر. لو تفهمى من كلامى أنى غير راض عن الثورة سأقول لك نعم أنا غير راض. أشعر أن فلسطين بحاجة الى ملائكة، جند الله، ألف جيفارا، أنبياء تقاتل، قيادات حقيقية واعية تعرف كيف ترد. وبتقديرى أن الانظمة العربية أجهضت ثورتنا وبتقديرى أيضا. أن المقولة القائلة أن الفلسطينيين وحدهم هم الذين عليهم تحرير فلسطين هى مقولة خائنة فكلنا نعرف ما هى طموحات إسرائيل بالنسبة لمصر ولبنان وسوريا.
بعد الاجتياح بقيت شهراً فى صيدا حاولت مثلى مثل غيرى أن أرمم البيت وأن أواسي الناس وأعزيهم، أملا ماء، أنقل أشياء للناس، الخ ولكنى كنت أفكر ماذا أفعل وانتهيت إلى ضرورة الذهاب الى بيروت حيث جريدة السفير وحيث بإمكانى أن أرسم. مر وقت وظن فيه الناس انى مت، الى أن مرت إحدى البنات بصيدا واكتشفت انى موجود فأعطيتها رسومات لى لكى يطمئنوا فى السفير ويتأكدوا من أنى مازلت حيا. وكنت طوال الوقت أفكر: ماذا أفعل؟ وانتهى بى تفكيرى الى ضرورة الذهاب الى بيروت فودعت زوجتى وأولادى وذهبت، كان من الصعب أن أصل، ليس فقط بسبب الإسرائيليين ولكن أيضا بسبب الكتائب الذين كانت معرفتهم بأني فلسطينى سبب كاف لقتلى. بدأت رحلتى ذات صباح باكر فى سيارة، ثم نزلت بين أشجار الزيتون فى منزل إسمه الشويفات، واتجهت الى بيروت مشياً ويومها التقيت بالكاتب المسرحى السورى سعد الله ونوس والذى كان طالعا باتجاه دمشق وكانت لديه أخبار أنى ميت. ثم وصلت السفير.
وفى بيروت التقيت بالكاتبين الفلسطينيين حنا مقبل (رحمه الله) ورشاد أبو شاور وكانا يصدران مجلة اسمها المعركة فصرت ارسم فى السفير وأرسم فى المعركة وأتساءل ما الذى بإمكان المرء أن يفعله فى مواجهة هذا القصف من الجهات الست (من الاربع جهات ومن الجو والسيارات المفخخة). وكما يقول الفلسطينيون "هنا يكون الموت موجب كثير" كان المواطن منا يشعر بالتقصير والعجز ويرحب بالموت. وعشنا معا نحن العاملين فى السفير فى تلك الفترة (وحتى البنات مرة طبخن لنا ماكرونة بلا لحم طبعا ولا أى شيء، ولكننا وجدناها أشهى أكلة. وكان معنا شاب مصرى يعمل فى الكانتين ويظل ساهرا معنا يأتينا بالشاى والقهوة) كانت تجربة خاصة وحميمة وكان شاغلنا هو رفع معنويات الناس بالكلمة، وبالمانشيت، بالرسم. السفير قدمت من شبابها، والشاعر على فوره استشهد وهو يوزع مجلة "الرصيف" التى كان يصدرها. كانت المسألة قدرية، القذائف تصل الاطفال فى الملاجىء.. وهكذا يشعر الإنسان أن بقاءه حياً محض صدفة، إذا جاءت القذيفة جاءت وإن لم تأت فذلك مجرد صدفة، لم تكن هنا الفرصة أمام أحد ليحزن أو ليبكى. وأنا بكيت مرة واحدة بعد خروج المقاومة ومجزرة صبرا وشاتيلا. ولم يكن بكائي قهرا بقدر ما كان إعلاناً أنى فلسطينى وأنى أبكى الشهداء وأبكى الوضع. كنت أشعر بالوحشة. كثير من أصدقائى الحميمين كانوا قد ذهبوا وكنت أشعر أن البيوت من حولى فارغة. قبل ذلك كنت تلتقى فى نفس تلك الشوارع بالمناضل المصرى مع المناضل اللبنانى مع المناضل الفلسطينى مع المناضل العراقى. والمرء يشعر بوجودهم ويتحامى فيهم ويستظل بهم. ومع ذلك صار لبيروت بعد خروج المقاومة معزة خاصة فى نفسي. وكنت أسأل نفسي كيف أعبر؟ كنت أشعر بالعجز وأتصور أنه لا يوجد أى شاعر يقدر على تجسيد أى مشهد أو لحظة واحدة من لحظات بيروت ومع ذلك كنت أرسم.
وفى يوم كان القصف عنيفاً جداً على بيروت، من الجهات الست. وتوقفت كل الصحف ماعدا السفير. وأين نلجأ؟ لجأنا الى الدور الارضي محل المطابع. واستمر القصف طوال الليل ولم يتركوا زاوية أو بيتاً إلا وقصفوه. وعندما خرجت وجدت كل البيوت مصابة من فوق ومن تحت وانضافت اليه شبابيك جديدة. رسمت زهرة مقدمة لبيت ـ رمز بيروت ـ من الفجوة التى أحدثتها القذيفة مع عبارة "صباح الخير يابيروت". إن "صباح الخير" ليلة حالكة بهذا الشكل تكتسب معنى خاصا. تصورى القارىء، بعد كل هذا القصف والموت، يفتح الجريدة فى الصباح.. فيرى الرسم، ويرى أحداً يصبح على بيروت. كان ذلك كلقائنا فى الشوارع بعد القصف نقبل بعضنا ونبتهج أننا مازلنا أحياء وكل شيء يهون ما دمنا مازلنا أحياء!.
وعندما بدأ الرحيل ـ وبالمناسبة لم أستطع رؤية هذا المشهد الذى ربما يكون فيه مقتلى... لم أستطع الخروج لتوديع المقاومة ورؤية الناس وهى ترش الزهور والأرز على المقاتلين. أقول عندما بدأ الرحيل ومع أول سفينة غادرت الميناء رسمت فدائياً يترك السفينة الراحلة ويسبح عائدأ الى الشاطىء وهو يقول "والله اشتقنا يابيروت!). الرسم بالنسبة لى مهنة ووظيفة وهواية، ورغم أننى أعمل رساماً منذ عشرين سنة إلا أننى أشعر بالعجز عن توظيف هذه اللغة التعبيرية فى نقل همى لان همي كبير، هل ترين كيف؟ والرسم هو الذى يحقق لى توازنى الداخلى، هو عزائى ولكنه أيضا يشكل لى عذابا.
أحيانا أقول أن هذا الكاريكاتور الذى أرسمه يجعل حظى أفضل من غيري لانه يتيح لى إمكانية تنفيس همى، وأن الاخرين قد يموتون كمدا وقهرا من ذلك الهم الذى يجثم على قلوبهم، وينفث سمه اليومى فيهم، أنا أعرف أن الرسم يعزينى. وأشعر أيضاً أن الكاريكاتور لغة تخاطب مع الناس، ولغة تبشير وهو للنقد وليس للترفيه وأعتبر نفسي جراحاً من نوع ما. وأرى أن حزنى ومرارتى وسوداويتي التى أعبرعنها فى رسمى هى حالة نبيلة ومشتركة بينى وبين المواطنين الذين يحزنهم ويوجعهم هذا الواقع العربي. قلت لك اننى فى الكويت خلقت شخصية حنظلة خوفاً من التلوث بالمجتمع الاستهلاكي، واننى حاولت أن أرسم بدون تعليق وأن أخلق رموزا مشتركة بينى وبين القارىء ومع ذلك فإننى أشعر مرات كثيرة أننى أريد أن أكتب تعليقات وأحكى كثيراً، أعمل منشوراً، مانيفستو، أريد أن أؤذن فى الناس، أن أوصل رسالتى بوضوح وبأى شكل وأشعر أحيانا أن ذلك يتم على حساب فنية الصورة ولكنى أشعر أنى لا أستطيع أن "أتمرجل" وأتعالى على القارىء. أحاول أن أستخدم أدواتى الرمزية، ولكنى أيضا مشغول بقضية التوصيل الواضح للشخص العادى الفقير والذى يعنينى فى المقام الاول.
كنت أتابع مجلتى صباح الخير وروزاليوسف أيام أحمد بهاء الدين وصلاح جاهين ورجائى وايهاب وحجازى وبهجت ورءوف. ويبدو لى أننا نشأنا فى نفس الوقت ولكنهم سبقونى قليلا ـ ربما لانه توفرت لهم فرصة. كانت المادة التى يقدمها هؤلاء الفنانون بها موقف ومتعة ذهنية وصفات مميزة. الهم الذى كان عندى كان يختلف بعض الشيء. وعندما أسأل بمن تأثرت أقول أننى تأثرت بكل نفس طيب إن كان كلمة أو رسمة أو لقاء. وعندما أرصد دور الكاريكاتور فى مصر أتوقف أمام المواقف المشرفة والمحفوظة ليس فى ذاكرتى فقط ولكن فى ذاكرة كل الناس لفنانين مثل حجازى وبهجت ورءوف. وأنا أتابع، إلى حد ما، جريدة الآهالى وأرى رسوم عز العرب. ثم أن هناك أيضا نبيل السلمى وجورج البهجورى ورغم أن تعاملهما مع الكاريكاتور محدود إلا أن المرء يعرف مدى معاناتهما وبقدر مواقفهما فى برلين أو فى باريس ويعلم أن مجرد إحجامهما كان موقفا يرفض المشاركة فى عمليات التدليس والتزييف والجو الاعلامى المبرمج لجعل كل أدوات الثقافة موجهة لخدمة التطبيع وعلى حساب حقوق شعبنا وحقوق الشعب المصرى وكرامته.
بالنسبة لاعدائى لا أفرق بين عدوى الإسرائيلى وعدوى العربي. لا فرق بين أن يكون اسمه محمد أوالياس أوكوهين. لست عنصريا. لقد اتخذت موقفاً ضد حرب لبنان لأنها حرب "مفبركة" وترتبت بأدوات لخلق كل هذه المصائب، الفقير المارونى وظف ليقاتل من أجل طبقة بورجوازية مارونية ضالعة مع اسرائيل وامريكا وضالعة مع عرب أمريكا. والفقير الفلسطينى أو الفقير المسيحى يموت وعلى بصره وبصيرته غشاوة تجعله يفشل فى تحديد أعدائه الحقيقيين. هذه القضايا أحاول شرحها وألح عليها كثيرا. المؤامرة على المنطقة إذن مستمرة، وأدوات القمع تزداد والقبلية تكثر وهذا لا يجعل المرء يستسلم بل لابد يستنفر قواه الذاتية وهذا واجب كل القوى الديمقراطية، واجبها أن تشكل نسيجأ واحدا. ولا أعتتد أن هناك اختلافاً أساسياً بين المواطن المصرى والمواطن التونسي مثلا. هناك حقوق مهضومة وواقع تجزئه.
وما أراه أن امريكا تقاتل من خلال أنظمتها ـ عرب امريكا ـ وأجهزتها البوليسية والاعلامية. ورغم شعورى أن هذا زمن رمادى وزمن داكن فمازلت أبشر بالثورة، ثورة حقيقية مهما كانت التضحيات. إن هذا التمزق الضيق والضغوط والمعاناة لابد أن يولد منها شيء.
ماهو واجب المثقف.. هل ينتظر أن يركب دبابة؟! ليس المطلوب منه سوى أن يظل ملتصقا بهم الناس ويعبر عن هذا الهم. والديمقراطية بحاجة لشهداء أيضاً وبتقديرى أن هناك المئات من السلاطين الجائرين وإن كلمة حق واجبة وضرورية وعلى المرء أن يؤذن فى الناس. ورغم أنى شخص غير مثقف، إلا إننى أحب قراءة الصفحات الثقافية فى الجرائد وأتابع الظواهر الثقافية، وأظل قلقاً لانى أعرف أن المثقفين يتعرضون لكثير من الضغط والاغراءات وأن هناك أموال النفط أثرت ومازالت على المئات منهم. لذلك عندما أسمع صوتاً كصوت نجم أو أرى رسما لبهجت أو لحجازى أفرح وانتعش. وعندما أرى مثقفاً كبيراً: أستاذ جامعي، أو كاتب يستخدم لحساب هذه الجهة أو تلك أغضب، وعندما أرى شاعراً يحبه الناس ويصنعون منه نجماً فيركب الناس أحزن وأبتئس. إن لم يكن من يتغنى بالزيتونة يحب الفلاح الذى غرسها ومستعداً للموت من أجله فأنا لا أريد شعره ولا شاعريته.
هناك ناس تخسر روحها، بلغة المسيح، وإن كسب الإنسان كل الدنيا وخسر نفسه فما هى قيمته؟ والمثقف الذى يستخدم لحساب الأنظمة وإسرائيل والامبريالية هل يولد من بطن أمه خائنا؟ إنه يبدأ بضمير رخو ثم يقدم التنازل تلو التنازل ويتحول إلى أداة من أدوات الاعلام الرسمى. وينكر أنه ناجح وكبير ومهم وهو فى الحقيقة مجرد صامولة، مسمار، أداة لا شيء!.
منذ طفولتى وأنا متأثر بشخصية المسيح، ولقد قرأت التوراة والانجيل والقرآن وأحمل صليبا داخلى وحججت مرتين. إن أول سم كاريكاتور فكرت فيه هو أن أصلب نفسي، ليس أن أرسم فسي مصلوباً بل أن أذهب الى الامم المتحدة حاملا صليبي، نوع ن التعبير عن وضعنا وحقنا المهضوم. كان عمري 13 أو 14 سنة البوذيون يحرقون أنفسهم احتجاجاً وهذا نوع من التعبير السياسي والعطاء. المسيح يعنينى كقيمة للفداء ولقد رسمته كثيرا ليس لانه فلسطينى بل لانه كان مطارداً ومغلوباً وهو النبي. أرسمه كجنوبى من لبنان وكفلسطينى من أبناء المخيمات.
أتوق إلى زيارة القاهرة، لم أزرها منذ سنوات عديدة. أريد أن آتى ليس للسياحة ولكن كنوع من الوفاء لمصر وحباً لشباب على لسانهم كلمة فلسطين، مازالوا يرفعون العلم الفلسطينى. أريد أن آتى لاشمهم وأحضنهم وأقول لهم إن كل هذا محفوظ ومقدر وإن شعب فلسطين لن ينسى الخونة ويستحيل أن ينسى من قدموا وأعطوا وظلوا أوفياء للقضية وأشعر أن من يرفع علم فلسطين ليس وفياً لفلسطين وحدها بل أيضا لشهداء سينا.
فى الحرب وأنا فى الملجأ قلت لزوحتى إننى أنذر نذرا لو بقيت على قيد الحياة فسوف "أفضح" هذا الواقع العربى بكل مؤسساته وبكل أنظمته على حيطان العالم العربي كله إن لم أجد جريدة. ومازلت عند نذرى. عندى رغبة فى الاستمرار فى الايفاء بالنذر... المعركة مفتوحة ومازال عندى أمل. وعندى إحساس انه لابد من الحصول على حقوقنا المهضومة مهما كان الثمن. وأشعر بالضعف أمام الناس البسطاء. أما النجوم فليس عندى نجوم. شيء طبيعي أن يكون المرء ثورياً ويكون محترما.. ليس طبيعيا أن يطلب فى المقابل أن يركب على أكتافنا!.