حوار بميسم أنطولوجي يقدمه الشاعر الفلسطيني هنا، ليست للحظة واحدة بل هي امتداد زمني يدفعنا الغياب كأقصى تجلي للموت الى استعادة الصورة بكاملها ولربما أمكن لهذه اللحظة الوجودية الفارقة أن تعيد للشاعر بعضا من تفاصيل الذين رحلوا لكن المهم أن تجعله يعيد رؤية الوجود من جديد في حوار عميق مع الموت..

حوار مع الموت

عمر صبري كتمتو

 

عندما يأتي الي الموت

لن ابك

ولن احزن

ولكني سأطلب منه وقتا

كي ازور قبور من رحلوا

وأجمع بعض أوراقي

وأشرب نخب من وهبوا الحياة نقاءها

وأعيد روح الذكريات

الى أماكنها العريقة

والجميلة

وأصب شيئا من بقايا قهوتي

تلك التي اعتادت علي

لأستفيق مع الصباح وأحتسيها

 

أتراه يسمعني

ويستجيب لرغبة الكهل الذي يمشي

على أطراف أرصفة الحياة ويشتهيها

 

اني أراه يدور حولي بانتشاء وصبابة

يدنو ويرمقني بسخرية

ويصرخ.....

 

كيف حالك يانديمي

ثم يتركني وحيدا

مستكينا

كي أفكر بالاجابة

 

أعدو الى الماضي

وأبحث عن أحبائي

الذين تعمدوا بالياسمين

أمضي

وأسأل في حوانيت الأزقة والمقاهي

عمن تبقى من صحاب

فبقد أخذت كثيرهم

وبقيت وحدى في الغياب

 

لكن لماذا ؟؟؟

 

عبثا أحاول أن أنام

وتصطلي في الجراح

فبأي حزن يستطيع القلب أن يحيا، وينبض

بعد أن نهب الأحبة ليل رقاده ثم استراحوا

 

أترى سترضيك الاجابة

هاأنت تهتف من جديد

صارخا بي حانقا

لا... ليس هذا هو الجواب

أخفقت في جمع الحساب

وفي تفاصيل الرواية

منذ ابتدأت بالسرد المكرر

حتى اتصالك بالنهاية

فكر قليلا وتذكر

عندما خلفت بيتك مشرعا للآخرين

ظل الباب يسأل عنك ملحاحا رعونا

وتسأل عنك نافذة

تطل على صفاء البحر تنتظر

وشجرة التين

التي أكل الجفاف شبابها

لكنها تحيا وتنتظر

وتسأل عنك كل من مروا بها ليلا

وعند الصبح تحتضر

لكنها تحيا وتحيا

ثم تنتظر

 

كرسي جدك

ذلك المعقوف مركونا أمام السلم الخشبي

ينتظر

كانت يداك الطفلتان تهزه

ليفيض وجه الكهل مبتسما حبورا

وتطلق أنت قهقهة

فيصحوا من سبات النوم اخوتك الكبار

ويهرعون الى الطعام

ويطبعون على جبين الجد قبلتهم

وعلى أكف الوالدين شفاههم تلقي التحية

بانتظار الجبن والزيتون والزعتر

وتفوح رائحة البخور

فتصيح أمي...

هيا ياصغاري

هيا تعالوا تلك مائدة الفطور

 

فكر قليلا وتذكر

أرجوحة عاشت معلقة بصحن البيت

كانت للصغار وللكبار

مروا عليها كل اخوتك الذين ترجلوا

وبقيت أنت تسأل عنك

تنتظر

سلاح أبيك ينتظر

وتدور حولي، وصارخا بي من جديد

 

ها أنت تخفق بالإجابة

فكر قليلا يانديمي

أعطيك وقتا كي تفكر قبل أن تجد الجواب

فلكل شيء في الحياة ثوابه

وهناك بعض من عقاب..