يعود الشاعر العراقي الكبير في هذه القصائد إلى منهجه الأثير في التقاط التفاصيل الصغيرة البسيطة والعاببرة، والقادرة في الوقت نفسه على فتح عوالم من الرؤى والحساسيات المضمرة في التفاصيل التي تعبرها العين في غفلتها، ولكنها تنطق تحت وقع المعالجة الشعرية بالكثير مما تختزنه جغرافياها من تواريخ ومشاعر.

أربــعُ قصائد عن طنجــة

سعدي يوسف

طـنجــة
أجلسُ في المقهى

مقهى القدّيسةِ باولا Cafe' Santa Paola

منذ الصّبحِ الباكرِ أجلسُ في المقهى : طنجةُ تستيقظُ .
لستُ أنا مَن يُوقِظُ طنجــةَ ...
مَن قالَ : الـحُـلـمُ ينام ؟

.............
طنجةُ سيّدةُ الأنوارِ السبعةِ
أغنيةُ البَـحّــار !

طنجة 16.06.2011

 

كيسُ الخَيشِ
لستُ أدري إلى أين تذهبُ بي كلُّ هذي الأغاني ؟
أحملُ الوردَ في كيسِ خَيشٍ
وأمضي به نحوَ مَن لايريدون أن يسمعوا أنّةَ الوردِ
أمضي به نحوَ نفسي التي سئِمَتْ دورةَ الحُلُمِ المستحيلِ
بفردوسِنا :
الإشتراكيّةِ
الجسدِ الـحُــرِّ
كأسِ النبيذِ مع الخُبزِ والجُبْنِ ...
.............
هاأنذا أحملُ الوردَ في كيسِ خَيشٍ
وأُلقِيهِ ...
موجةُ بحرٍ ستحملُهُ نحوَ ساحرةٍ من زمانٍ جديـــد .

طنجة 18.06.2011

 

حــانــــةُ الـــبِـِرْغُــــولا
ليس في 'البرغولا 'ما تنَفّسَ فيه اسمُــها :
مثلاً
ليس في 'البرغولا' قشّــةٌ
أو مظلّــةُ قشٍّ ...
هي ، فعلاً ، على البحرِ
لكنها رضِيَتْ بالحياةِ بعيداً عن البحرِ .
هذا النبيذُ
وأطباقُهُ من خُضارٍ ومن سَمَـكٍ
ورِئاتٍ
سَــيُغْمِضُ عينيكَ :
لن تُبصِرَ البحرَ ...
فاهدأْ
ولن تبصرَ البَــرَّ
فاهدأْ
...............
ومِن بَعدِ قنّينــةٍ من مَـنـابذِ مكناسَ
لن تبصرَ 'البِـرغولا' !

طنجة 19.06.2011

 

 

وَشْـــــمُ القرنـــفُــــلِ
بالأمسِ
حينَ دخلتُ طنجةَ ، طائراً ، للمرّةِ الأولى
حسِبْتُ الأمرَ حُـلْـماً :
هل دخلتُ حديقةً ؟
بيتاً من الزُّلَّــيجِ والنارَنْجِ ؟
غيمةَ سُـنْـدُسٍ ؟
وسألتُ عائشةَ الجميلةَ :
هل سأبني هَهُنا بيتي ، صغيراً ، بين رملِ البحرِ والأعنابِ ؟
هل سيكونُ لي أن أجمعَ الأصدافَ والأعشابَ ...
هل سأُحِبُّ ؟
هل أمضي ، فأُمْضِي الليلَ من حانٍ إلى حانٍ ؟
وهل سأكونُ مجنوناً بِحُـبٍّ ، مثل حُبِّكِ ...
أنتِ عائشةُ الجميلةُ
لا تقولي ، الآنَ ، شيئاً !
واترُكي لي قُدْسَ هذي اللحظةِ ...
اتَّـرِكي على شفتَيَّ وشماً من قرنفلةٍ ووردٍ
ثـمّ نامي ...

 

طـنجة 2011 19.06