رسالة المغرب

الدورة السابعة للمهرجان الدولي للفيلم وحصاد عام

عبدالحق ميفراني

لدورة السابعة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش:
لم يفاجأ المتتبعون للدورة السابعة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، بنتائج لجنة التحكيم، بحكم أن جل الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية اتسمت بقوة رؤيتها الجمالية. وهو ما يشير الى الخصوصية التي أمسى يرسخها مهرجان مراكش الدولي للفيلم في البحث عن السينما البديلة كأفق خاص لاستراتيجية المهرجان. وهكذا نال الفيلم الإستوني "خريف بال" للمخرج فايكو إنبويو النجمة الذهبية لمهرجان مراكش السينمائي الدولي السابع، فيما تقاسم فيلمان جائزة لجنة التحكيم، وهما "سلينكشوت تيرادور" للمخرج الفيليبيني بريانطي ميندوزا والفيلم الروسي "قوة الأحاسيس" للمخرج الروسي ألكسي ميز خيريف، وعادت جائزة أحسن دور نسائي إلى الممثلة الطفلة الكورية الجنوبية يو يو مي عن دورها في فيلم "فتاة الأرض السوداء"، أما جائزة أحسن دور رجالي فسلمت إلى الممثل الفينلندي طومي كوربيلا عن دوره في فيلم "عمل رجال". وقد اعترفت لجنة التحكيم (ترأسها المخرج الأميركي من أصل تشيكي ميلوس فورمان) بصعوبة اختيار الأفلام الفائزة.

وعرف يوم الجمعة 7 دجنبر/  ديسمبر بمراكش انطلاق فعاليات الدورة السابعة للمهرجان الدولي للفيلم، هذا الموعد السينمائي الدولي الذي أمسى موعدا قارا ومتميزا في خريطة المهرجانات السينمائية الدولية. الدورة السابعة، التي نظمت ما بين السابع والخامس عشر من شهر دجنبر 2007، تأتي في وقت تعرف فيه السينما المغربية دينامية خصبة على عدة مستويات همت الإنتاج السينمائي الذي فاق 15 فيلم في السنة، كما عرفت السنوات الأخيرة حضور قوي للفيلم المغربي في الملتقيات والمهرجانات العربية والدولية. بتتويج أعطى صورة جديدة للمشهد السينمائي المغربي وتميزه، سواء على مستوى العمق الفني أو الحراك السينمائي الذي أمسى المغرب السينمائي يشهده السنوات الأخيرة.

مهرجان مراكش الدولي للفيلم الذي وصل هذه السنة لدورته السابعة، منذ انطلاق الدورة الأولى سنة 2001، حول المدينة الحمراء مراكش الى محطة جذب عالمي، فهذه المدينة التاريخية العريقة في المغرب والمعروفة أساسا بانتعاشها السياحي، تحولت مع محطة مهرجان الفيلم الدولي الى محطة جذب فني وسينمائي قار أمسى يكتسب مع توالي دوراته نضجا فنيا سواء على مستوى اختياراته الفيلمية، أو على مستوى حضور النجوم والفاعلين السينمائيين العرب والعالميين. من رومانو بولانسكي ومرتان سكورسيزي وريدلي سكوت وجان جاك أنو ويوسف شاهين ولورنس فيش بون وألان باركير وجمال الدبوز ونور الشريف وبيلوشي وغيرهم.

وتميزت الدورة السابعة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش لهذه السنة ببرمجة سلطت الأضواء على جميع الأنماط وجميع الحساسيات، إذ عرفت مشاركة فنانين ذوي شهرة عالمية وتكريم وجوه بارزة من بينها ليوناردو ديكابريو، الاسم البارز في السينما الأميركية والسينمائي المغربي مصطفى الدرقاوي وشنجي أوياما أحد الذين تسلموا المشعل من الأسماء البارزة الكبيرة في السينما اليابانية، والمخرج أبيل فيرارا أحد أبرز الذين عملوا على تجديد السينما الأميركية المستقلة. وترأس المخرج التشيكي ميلوس فورمان لجنة تحكيم هذه الدورة التي ضمت أيضا المخرج وكاتب السيناريو والمنتج المغربي حميد بناني وجون هورت "ممثل" وسيخار كابور "مخرج وممثل" وبافيل لونغين "مخرج وكاتب سيناريو ومنتج" وأيسا مايغا "ممثلة" وكلود ميلير "مخرج وكاتب سيناريو" وباركير بوزي "ممثلة" وأيتانا سانشيز جيجون "ممثلة".

وشارك 14 شريطا طويلا من بينها الشريط المغربي "سميرة في الضيعة" أو "حدائق سميرة" للطيف لحلو في المسابقة الرسمية، الاختيار الذي فاجأ العديدين من النقاد والصحفيين الذين كانوا ينتظرون برمجة فيلم أحمد المعنوني "القلوب المحترقة" المتوج بالجائزة الكبرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، ونفس الفيلم اختير لتمثيل المغرب في مهرجان دبي، وهو ما يعيد السؤال حول طبيعة وتقنيات الانتقاء. جل هذه الأفلام شاركت للفوز بالنجمة الذهبية للمهرجان. وقد جرى اختيار 110 أشرطة من 23 بلدا للمشاركة في هذه الدورة . وتنافست الأشرطة المشاركة في المسابقة الرسمية للحصول على أربع جوائز هي"النجمة الذهبية" الجائزة الكبرى للمهرجان وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أحسن دور نسائي وجائزة أحسن دور رجالي.

وعرفت هذه الدورة التفاتة تكريم السينما المصرية التي تعتبر واحدة من بين أهم الصناعات السينمائية في العالم والتي تحتفل هذه السنة بالذكرى المائوية لظهورها ونظرا كذلك لأهمية هذه السينما وحضورها في المتخيل السينمائي العربي. جرى بهذه المناسبة عرض 41 فيلما تلخص 100 سنة من تاريخ هذه السينما، تنطلق، خلال المهرجان، مع فيلم "نشيد الأمل" (1937) لأحمد بدر خان، وصولا إلى "عمارة يعقوبيان" (2006) لمروان حامد و"هي فوضى" (2007) ليوسف شاهين. وقد حضر المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته السابعة وفد ضم كبار نجوم الفن السابع المصريين. وتمثل محطة التكريم والاحتفاء إحدى فقرات الثابتة للمهرجان، إذ سبق وكان مهرجان مراكش الدولي للفيلم كرم في الدورات السابقة كلا من السينما المغربية (2004) والإسبانية (2005) والإيطالية (2006).

و مثلت أفلام المسابقة الرسمية للمهرجان كلا من جمهورية التشيك وفنلندا والفلبين وروسيا والصين والولايات المتحدة وإستونيا والجزائر واليابان وصربيا والمكسيك وكوريا الجنوبية وهولاندا بالإضافة إلى المغرب. وقد واصل المهرجان خلال هذه المسابقة الرسمية سعيه "لاكتشاف مواهب جديدة وتسليط الضوء على التجارب السينمائية الصاعدة من مختلف بلدان العالم مع اهتمام خاص بسينما بلدان الشرق دون إغفال تقديم أعمال مخرجين أثبتوا علو كعبهم في الفن السابع في الولايات المتحدة وبعض بلدان آسيا".

واقترحت فقرة "خفقة قلب" التي تخصص لأعمال سينمائية تتميز بحملها رسالة قوية ومدهشة، ثمانية أشرطة من بينها "في انتظار بازوليني" للمخرج المغربي داوود ولاد السيد (المتوج بجائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة الدولي لهذه السنة/ 2007). كما قدم المهرجان في دورته الجديدة بانورما للسينما المغربية رغب من خلالها المنظمون إتاحة الفرصة للمتتبعين المغاربة والأجانب لتكوين نظرة شاملة عن وضعية الإنتاج السينمائي الوطني وتنوع المواضيع التي تتناولها الأشرطة المغربية.  

حصاد المغرب الثقافي سنة 2007:
ميزة المغرب الثقافي للسنة التي نودعها، أنه كشف على شرايين جديدة أمست تؤثث جسد المغرب الثقافي وتضخ فيه من معينها فتحا جديدا على أسئلة المعرفة والنقد وتداولية الفعل الثقافي. إذ أمكن لإطارات البحث وأخرى جمعوية تسيرها طاقات شابة أن تجعل من الفعل الثقافي هما مشتركا وفعلا يتجدد على مدار السنة. فحين نشير لمختبر السرديات وإطار الصالون الأدبي، فإننا نكون أمام إطارين يختلفان في استراتيجية التوجه، لكنهما يشتركان في الأفق الذي مكن المشهد الثقافي من الانفتاح على دماء جديدة تهم تداولية الفعل الثقافي، ومركزية الإنتاج المعرفي والفكري والنقدي. وقد سهر مختبر السرديات طيلة السنة على تنظيم ندوات محورية تهم حقول الخطاب الروائي والقصصي والسيميائي، وامتد هذا الفعل ليمس حقول معرفية مغاربية، من تونس الى الجزائر. وهو ما يشكل إضافة نوعية في المغرب الثقافي لهذه السنة، بل ويمكننا أن نجعل من مختبر السرديات إطار سنة 2007 في فاعليته التي تضمن صيرورة لبرنامجه وتحققه الفعلي.

أما الصالون الأدبي والذي يشرف عليه طاقم شاب، يتكون من الكاتب مصطفى لغثيري والمبدع محمد بوكرامي وأخرون، فإنه اختار الاندماج في سؤال تداولية الشأن الثقافي وإخراجه من مركزيته الى هوامش وفضاءات قلما يصل إليها الفعل الثقافي، وقد ساعدت فروعه التي تأسست في أنحاء مختلفة في المغرب من جعل هذا الفعل يخضع لاستراتيجية منفتحة وممتدة، تنطلق من كافة حقول الإبداع الى الجلسات والندوات النقدية، مع انفتاح الصالون على فعاليات عربية، زارته والتقت بقارئها الافتراضي. فكرة الصالون الأدبي، إذن خطت عبر برنامجه السنوي، شكلا جديدا في مستويات الإنتاج الثقافي في المغرب، إذ تحول مفهوم الصالون الأدبي، كفضاء للنقاش والاستئناس، الى فضاء مفتوح، وهو ما يشكل تطويرا إضافيا لفكرة المقهى الأدبي الذي بدأت تغزو بشكل لافت المشهد الثقافي في المغرب، ولعل هذه الفضاءات وانفتاحها، بل وقربها من هذا القارئ المفترض، ساعد في توسيع من مفهوم تداولية الثقافة.

لكن، يظل السؤال المغيب والذي أمست بعض المنابر الثقافية تطرحه بحدة، هو أي ثقافية نريد لمغرب اليوم؟، السؤال الذي يتخذ لبوسا معرفيا وفلسفيا، يتجه في النهاية الى حقل السوسيولوجيا، الدرس الذي بدأت مياهه في العودة الى الحقل الفكري في المغرب، إذ تأسس إطار يلتئم خلاله السوسيولوجيون ليفكرون بصوت عالي في السؤال السوسيولوجي، وقد ساهم بموازاة هذا الحضور، عودة النقاش الى التفكير الفلسفي بتحيين خطاب فلسفي جديد، يحمله جيل آخر من فلاسفة المغرب، جيل جديد، ينتهك حدود التفكير، ويستمد شرعية الوجود منه، بفعل الأسئلة الجديدة التي بدأنا نلمسها في الكثير من الإصدارات التي تظهر هنا وهناك، ولعل مركز الأبحاث الفلسفية في المغرب، نموذج حي لهذه الدينامية، ولهذا الفعل الفلسفي الجديد، وهو ما جعل من أفق الحاجة للتفلسف ممكنا.

وغير بعيد عن هذه الدينامية، انشغل المغرب الثقافي هذه السنة، بلحظة "توزير" الفنانة المسرحية ثريا جبران، التي أمست وزيرة الثقافة الجديدة (مكان الشاعر محمد الأشعري)، هذا التعيين التي شغل الصحافة المغربية، وانخرط المثقفون المغاربة، ولو باحتشام، في العودة الى الشأن السياسي، من باب الوزارة الوصية على قطاع الثقافة في المغرب، وإذ كان النقاش قد عوم في الكثير من الأحيان واتجه لمسار خارج النقاش الجدي، (من قبيل الاسم الحركي لوزيرة الثقافة، من عين ثريا جبران، مدراء الديوان...؟؟؟)، فإن النقاش يعيدنا الى سؤال استراتيجية الوزارة في قطاع الثقافة في المغرب، البلد الذي أمست الأرقام فيه تخيف الى درجة الهوس، (الأمية، انحسار المقروئية، الهدر...) سلسلة من القضايا التي تمس عمق بنية الثقافة في المغرب تحتاج لتحيين التساؤل وإعادة التفكير الجماعي، وهو النقاش الذي ظل مغيبا حتى داخل الإطارات التي يظل "الثقافي" هو ديدن تفكيرها.

ثمة إضاءات بزغت في المغرب الثقافي للسنة الماضية، لعل حضور الشاعر والكاتب الراحل محمد خير الدين الفعلي من خلال الترجمة، أعاد الاعتراف المتأخر بمكانة هذا الرجل المثقف الاستثنائي، كما مثل الديوان الجديد للشاعر محمد بنطلحة متنفسا آخر للقصيدة المغربية الحديثة، في وقت أمسى الخواء يلف المنجز الذي ملأ سماء القصيدة، هذا إذا أضفنا كتاب تودوروف "الأدب في خطر"، وهذه الدينامية الجماعية للتشكيليين المغاربة(الصويرة، العيون..). أمكننا مرة أخرى أن نؤكد أن باستطاعة الكتاب أن يتوج نفسه بنفسه مكان الأشخاص، كي يتبوأ المغرب الثقافي مكانه الذي لا يتسع المجال هنا للتأكيد على غناه وتعدده، كم هي حبلى الأسئلة التي يعرفها هذا المشهد، في القاطرة الممتدة من الجيل الأول الى الجيل الجديد، الذي حمل "بحسه الكوني" جسد المغرب الثقافي الى آفاق أكثر انفتاحا.  


Alkalimah_maroc@yahoo.com