تُعَدّ السينما المصرية واحدة من أهم الوسائل التعبيرية التي تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تمر بها البلاد. ومن بين القضايا التي حظيت باهتمام واضح في الإنتاج السينمائي المصري، تأتي قضية الهجرة والاغتراب، التي مثلت انعكاسًا دقيقًا للواقع المصري عبر العقود المختلفة. فمنذ بدايات السينما المصرية، كانت الهجرة موضوعًا حاضرًا في الأفلام، سواء من خلال تناولها المباشر كتجربة فردية أو عبر سياقات أوسع ترتبط بالتغيرات المجتمعية الكبرى. الهجرة، سواء كانت داخلية أو خارجية، ليست مجرد انتقال جغرافي، بل تجربة تحمل في طياتها أبعادًا اقتصادية، ثقافية، ونفسية معقدة. فالانتقال من الريف إلى المدينة أو من الوطن إلى الخارج غالبًا ما يُصاحب بتغيرات جذرية في أسلوب الحياة، العلاقات الاجتماعية، والانتماء الثقافي. وقد انعكست هذه التحولات على السينما المصرية التي لم تقتصر فقط على تصوير دوافع الهجرة أو نتائجها، بل تعمقت في استكشاف تأثيراتها النفسية والاجتماعية والسياسية.
شهد مطلع القرن الحادي والعشرين تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية ومراكب الموت والهجرة لأوروبا من خلال وسائل مختلفة، أشهرها ركوب البحر. ينتمي غالبية المهاجرين غير الشرعيين للريف المصري حيث تتنامى تلك الظاهرة في العديد من القرى المصرية في بعض المحافظات. يدعم تلك الظاهرة تركّزها في القرى وتأثير شبكات المهاجرين التي ترحب دائما بالقادمين الجدد من ذوي القُربى وأبناء القرية الواحدة وتوفّر لهم سبل الإعاشة وتعرّفهم بأسواق العمل في البلدان المهاجرين إليها. أدت تلك الظاهرة إلى وجود تكتّلات عائلية وقروية (تنتمي لقرية واحدة) في أماكن عدة في أوروبا، خاصة في إيطاليا وفرنسا، حتى أن بعض المهاجرين من قرى محددة يقيمون في أماكن محددة ما يشبه قرية تابعة أو نجعاً صغيرا يدور في فلك القرية الأم في مصر. أدى ذلك أيضا إلى تخصص بعض المهاجرين من قرى محددة في أعمال محددة مثل أعمال البناء والبعض الآخر في أعمال النقاشة والتشطيبات الداخلية وبعضهم في تجارة وبيع الخضروات والفاكهة.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الهجرة غير النظامية[1] واحدة من أبرز القضايا التي تشغل المجتمع المصري، حيث يسعى آلاف الشباب إلى مغادرة بلادهم بحثًا عن حياة أفضل، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بهذه الرحلة. نتيجة لذلك، شهدت السينما المصرية تحولات كبيرة في طريقة تناولها لهذه الظاهرة، حيث انتقلت من التصوير النمطي للهجرة كحلم إلى تقديم رؤية أكثر واقعية تبرز المخاطر الاجتماعية والإنسانية التي تواجه المهاجرين غير الشرعيين. أقدم في هذه الدراسة عرضاً لتناول السينما المصرية لقضية الهجرة غير النظامية. أتحدث أولاً عن السياق السياسي والاقتصادي لظاهرة الهجرة الشرعية، ثم أنتقل للحديث عن تطور معالجة السينما المصرية لهذا الموضوع. أستعرض بعد ذلك خمسة أفلام مصرية حول موضوع الهجرة غير النظامية، قبل أن أنتهي إلى رصد الرسائل السينمائية والسياسات العامة والتصورات المجتمعية حول الموضوع.
1. السياق السياسي والاقتصادي لظاهرة الهجرة غير النظامية:
تعمل مصر على مكافحة الهجرة غير النظامية، ليس فقط من منطلق واجبها الوطني تجاه الشباب المصري والحفاظ عليه كثروة قومية، لكن أيضاً للوفاء بالتزاماتها الإقليمية والدولية وممارسة سيادتها على أراضيها وألا تكون مصدر تهديدٍ لدول الجوار إذا لم تتحكم في الهجرة غير النظامية. تحافظ مصر ليس فقط على أرواح أبنائها من تلك الممارسة الضارة، لكنها تحمي المقيمين على أراضيها من مواطني بلدان الجوار الذين لجأوا إليها طلباً للأمان فلا تسمح بانخراطهم في عمليات الهجرة غير النظامية من أراضي مصر.
كانت مصر ومازالت من أوائل الدول الفاعلة في المجال الدولي، خاصة فيما يخص تنظيم الحراك البشري وكانت حاضرة دائما في الفعاليات المرتبطة بذلك منذ ومشاركتها كدولة وحيدة من خارج منظومة الدول الغربية في صياغة "اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ" وكذلك مشاركتها في مفاوضات إعداد " الاتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا 1969" وانتهاءً بمشاركتها في المفاوضات والاجتماعات التي سبقت صدور الميثاق العالمي للهجرة عام 2018. أضف إلى ذلك أن مصر دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها.
على المستوى الإقليمي تقيم مصر علاقات جيدة مع دول الجوار العربي والأفريقي والأوروبي فيما يخص الحراك البشري بشكل عام، ومكافحة الهجرة غير المشروعة بشكل خاص. ترتبط مصر في هذا الخصوص بالعديد من الاتفاقيات من أهمها اتفاقية الشراكة الأوروبية المصرية. تمثل اتفاقية الشراكة الأوروبية المصرية الإطار الحاكم للعلاقة بين مصر والإتحاد الأوروبي. دخلت اتفاقية الشراكة الأوروبية المصرية حيز النفاذ اعتبارا من شهر يوليو 2004 بعد موافقة البرلمان المصري عليها. بمراجعة نص اتفاقيه الشراكة بين مصر والإتحاد الأوروبي يمكننا أن نلاحظ أن كلمة "هجرة" قد ورد ذكرها في الاتفاقية في المواد 63 و68 و70 و72 من بنود الاتفاقية. يمكننا أيضا ملاحظة أن كلمة "هجرة" ورد ذكرها في المواد الأربع المشار إليها للإشارة تحديدا للهجرة غير النظامية، لذلك يمكن القول بأن الهجرة في الاتفاقية مرتبطة بالأساس بالهجرة غير النظامية بشكل كبير وليس للإشارة للهجرة بشكل عام بنوعيها الهجرة النظامية وغير النظامية.
على مستوى الإتحاد الأوروبي تتعاون مصر مع الإتحاد الأوروبي في العديد من المشاريع والبرامج الإقليمية التي ينفذها الإتحاد الأوروبي والتي من بينها مشروع يوروميد حول الهجرة EUROMED Migration والذي يتضمن أربعة محاور هي تشريعات الهجرة وهجرة العمل ومكافحة الهجرة غير النظامية والهجرة والتنمية. شاركت مصر أيضا في مشروع يوروستات EUROSTAT حول إحصاءات الهجرة والذي تم من خلاله تنفيذ مسح شامل حول الهجرة الدولية في مصر عام 2013 بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبعض الجهات الدولية الأخرى المعنية.
بالنسبة للعلاقات الثنائية في مجال الهجرة فإنه بالإضافة الى العلاقات التجارية والاقتصادية الوثيقة التي تربط مصر بإيطاليا، وكون إيطاليا هي الشريك التجاري الأول لمصر في أوروبا والشريك التجاري الثاني على مستوع العالم،[2] تمثل الشراكة المصرية الإيطالية نموذجاً يحتذى به في التعاون الثنائي بين الدول في مجال الهجرة. قد يعزى ذلك جزئيا الى القرب الجغرافي بين البلدين والى حقيقة أن إيطاليا كانت ومازالت تمثل المقصد الأول للهجرة غير النظامية للشباب المصري. فيما يخص التعاون الإنمائي في مجال معالجة الأسباب الدافعة للهجرة، قامت الحكومة الإيطالية بتمويل العديد من المشاريع الرامية الى إعادة تأهيل العمالة الوطنية من أجل توفير فرص عمل بالداخل والخارج للحد من الهجرة غير النظامية وتأهيلهم للعمل بالخارج من خلال الهجرة النظامية. شملت هذه الأنشطة برامجا للتدريب على الحرف المطلوبة في سوق العمل المصري وسوق العمل الإيطالي.[3]
ربما يكون من أهم هذه الأنشطة إنشاء وتجهيز مدرسة فندقية بمحافظة الفيوم، وهي من المحافظات المصدرة للهجرة غير النظامية، بغرض تدريب الطلاب على صناعة الفندقة طبقا للمناهج الإيطالية مع اعتماد اللغة الإيطالية في التدريس بالمدرسة لتأهيل الخريجين للعمل في السوق المحلي، حيث تمثل السياحة الإيطالية في مصر نسبة هامة من السياحة الدولية، وكذلك للعمل في السوق الإيطالي. ربما يكون التعاون المصري الإيطالي هو النموذج الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام، إلا أن مصر ترتبط بعلاقات وثيقة مع العديد من دول الجوار ودول أوروبا وأفريقيا، خاصة الأشقاء في شمال أفريقيا وكذلك في ألمانيا وقبرص واليونان وغيرها من الدول.
تؤثر الهجرة غير النظامية بالأساس على الشباب. يمثل الشباب في الفئة العمرية من 15-29 عاماً حوالي 27 بالمائة من إجمالي السكان في مصر وهو ما يعني أن فئة الشباب تمثل أكثر من ربع سكان مصر. هذه الفئة هي الفئة المستهدفة بالهجرة غير النظامية من قِبَل سماسرة الهجرة. يستغل سماسرة الهجرة عادة فئة الشباب لارتفاع معدلات البطالة بين هذه الفئة العمرية وحاجة الشباب للعمل. على الرغم من أن الدولة توفر العديد من الفرص للشباب للمشاركة في النشاط الاقتصادي إلا أن هذه الفرص ليست كافية نظراً لارتفاع أعداد الداخلين في سن العمل بسبب الزيادة السكانية وعدم قدرة الاقتصاد على مواكبة هذه الزيادة. لذلك فإن الهجرة غير النظامية كممارسة ضارة يقوم بها الشباب متأثّرين بالضغوط الاقتصادية واستعجال الالتحاق بالعمل، وربما محاكاة لأقرانهم الذين استطاعوا أن يهاجروا إلى بلدان أوروبا ويحققوا بعض المكاسب السريعة. لا تضع الدولة قيودا على الهجرة النظامية بل تعمل على فتح أسواق جديدة للعمالة المصرية في الخارج من خلال المستشارين والملحقين العماليين في سفاراتنا في العديد من الدول، إلا أن هذه الفرص تقل يوما بعد يوم بسبب المنافسة الطاحنة في سوق العمل الدولي وفي أسواق العمل التقليدية للعمالة المصرية في الخليج التي تواجه منافسة شرسة من العمالة الآسيوية.
تؤثر الهجرة غير النظامية كثيراً على انتماء الشباب وارتباطهم ببلدهم وهو ما يجب أن ننبه إليه، إذ أن هؤلاء الأشخاص يرون الخلاص من مشكلاتهم الآنية بالهجرة إلى بلدان أخرى بطرق قد تؤدي إلى الوفاة، أو ربما لا يتمكّنوا من تحقيق أحلامهم في بلدان المهجر ما يعرضهم للعديد من الانتهاكات وربما يتم تجنيدهم لغير مصلحة الوطن، خصوصا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر والعالم على حد سواء. لذلك لا بد أن تراعي استراتيجيات الشباب ضرورة إدماج مكون خاص بالتوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية، على أن يكون التحرك بين القواعد الشبابية على المستوى القومي وعلى مستوى المحافظات، مع التركيز على القرى التي تصدر منها تيارات الهجرة غير النظامية. نقطة أخرى مهمة وهي ضرورة إدماج الشباب في التنظيمات الشبابية والسياسية القاعدية والقومية والعمل على تمكينهم ومشاركتهم في كافة مناحي الحياة.
2. تطور معالجة السينما المصرية للهجرة غير النظامية:
شهدت السينما المصرية تحولات كبيرة في طريقة تناولها لقضية الهجرة غير النظامية، متأثرة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ففي حين كانت المعالجة في التسعينيات تتسم بالبساطة والتركيز على فكرة السفر كحلم، اتجهت الأفلام الحديثة إلى تقديم رؤية أكثر واقعية ونقدية، تعكس المخاطر والمآسي التي تصاحب هذه الظاهرة.
2.1 مقارنة بين تناول السينما للهجرة غير النظامية في التسعينيات والأفلام الحديثة.
في التسعينيات، لم تكن قضية الهجرة غير النظامية تُطرح بشكل مباشر في السينما المصرية، وإنما كانت الإشارة إليها تتم عبر الحديث عن السفر إلى الخارج عمومًا. غالبًا ما كان السفر يُقدَّم كفرصة للخلاص من البطالة والفقر، دون التطرق إلى تعقيدات الهجرة غير النظامية أو مخاطرها. على سبيل المثال، تناولت بعض الأفلام رغبة الشباب في السفر، ولكن دون أن تركز على وسائل الهجرة غير النظامية أو نتائجها الكارثية. في المقابل، بدأت الأفلام في الألفية الجديدة، وخاصة في العقدين الأخيرين، تتعامل مع الموضوع بقدر أكبر من الواقعية، حيث سلطت الضوء على تفاصيل الرحلات غير النظامية عبر البحر، والمخاطر التي يواجهها المهاجرون، مثل الاستغلال من قبل سماسرة الهجرة، وحوادث الغرق، والمعاناة في دول المقصد. مثال بارز على ذلك هو فيلم البر التاني (2016)، الذي يجسد رحلة مجموعة من الشباب المصريين المهاجرين غير النظاميين وما يواجهونه من صعوبات أثناء رحلة الهجرة.
2.2 تأثير الحوادث الكبرى مثل غرق المهاجرين في البحر على الإنتاج السينمائي
أثرت حوادث غرق المهاجرين في البحر المتوسط بشدة على تناول السينما المصرية لهذه الظاهرة، حيث أصبح هناك اهتمام متزايد بإبراز الجانب الإنساني والمأساوي للهجرة غير النظامية. مع تزايد الأخبار عن غرق قوارب المهاجرين، خاصة منذ مطلع الألفية، أصبح هذا الموضوع أكثر حضورًا في الأفلام، سواء بشكل مباشر كما في "البر التاني"، أو بشكل غير مباشر من خلال تصوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلى خوض هذه الرحلة الخطيرة. هذه الحوادث دفعت السينما إلى تبني خطاب أكثر توعية وتحذيرًا من مخاطر الهجرة غير القانونية، حيث بدأت الأفلام تُبرز استغلال تجار البشر ومعاناة المهاجرين، وهو ما لم يكن واضحًا في الأعمال السينمائية السابقة.
2.3 كيف انتقلت السينما من تصوير الحلم إلى التركيز على المآسي والمخاطر؟
في الماضي، كانت فكرة السفر للخارج تُعرض في السينما المصرية كحلم يسعى إليه الشباب، حيث كان يُنظر إليه على أنه فرصة للنجاح والثراء. على سبيل المثال، كانت بعض الأفلام تُبرز صورة المهاجر الناجح الذي يعود إلى بلده وقد تحسنت أوضاعه الاقتصادية. أما في الأفلام الحديثة، فقد حدث تحول جذري، حيث انتقلت السينما من تقديم السفر كحلم وردي إلى التركيز على الواقع القاسي للهجرة غير النظامية. أصبحت الأفلام تركز على الجوانب السلبية لهذه الظاهرة، مثل الاستغلال، والمعاناة، والموت في عرض البحر، والحياة القاسية التي يواجهها المهاجرون في بلدان المهجر. هذا التحول يعكس تغيرًا في الوعي المجتمعي بقضية الهجرة، حيث لم تعد مجرد وسيلة للخروج من الأزمات الاقتصادية، بل أصبحت تُنظر إليها كرحلة محفوفة بالمخاطر، قد تنتهي بمأساة.
3. تحليل بعض الأفلام الهامّة:
نستعرض في هذه المساحة بعض الأفلام المختارة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بتناول السينما المصرية لظاهرة الهجرة غير النظامية خلال العقدين الأخيرين. نستعرض تحديداً خمسة أفلام هي فيلم "العيال هربت" (2006) للمخرج مجدي الهواري وفيلم "البر التاني" (2016) للمخرج على إدريس، وفيلم "ورد مسموم" (2018) للمخرج أحمد فوزي صالح، وفيلم "فوي! فوي! فوي!" (2023) للمخرج عمر هلال، وفيلم "الاسكندراني" (2024) للمخرج خالد يوسف.
- فيلم العيال هربت (2006) للمخرج مجدي الهواري
فيلم العيال هربت (2006) هو فيلم كوميدي يناقش بطريقة ساخرة حلم الشباب المصري في الهجرة إلى الخارج، خاصة إلى أوروبا، هربًا من الظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة. تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الشباب من إحدى المناطق الشعبية، الذين يحلمون بالسفر إلى الخارج بحثًا عن حياة أفضل، لكنهم لا يملكون المال أو الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك. يحاولون بشتى الطرق جمع الأموال بطرق غير مشروعة أحيانًا، مثل الاحتيال والعمل في وظائف هامشية، لكنهم يواجهون العديد من المواقف الكوميدية التي تكشف عن صعوبة تحقيق هذا الحلم.
الهجرة في الفيلم تُصوَّر كحلم وردي يطارده الشباب دون التفكير في عواقبه، حيث يعتقدون أن السفر إلى الخارج هو الحل لكل مشاكلهم، بينما الواقع يُظهر أنهم غير مستعدين لتحمل تبعات هذا القرار. يقدم الفيلم نقدًا لظاهرة الهوس بالسفر لدى بعض الشباب، الذين يرون في الهجرة خلاصًا سحريًا دون التفكير في البدائل المتاحة داخل بلدهم.
من خلال قالب كوميدي، يوضّح فيلم "العيال هربت" كيف أصبح السفر للخارج رغبة شائعة بين الشباب المصري، حتى لو كان عبر طرق غير قانونية، نتيجة للأوضاع الاقتصادية والبطالة. لكنه في الوقت نفسه يسخر من السذاجة التي يقع فيها البعض عندما يظنون أن مجرد السفر سيغير حياتهم، دون إدراك للتحديات التي قد تواجههم في الخارج.
- فيلم "البر التاني" (2016) للمخرج على إدريس
يحكي فيلم البر التاني قصة مجموعة من الشباب المصريين الذين يقررون الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، أملاً في تحسين أوضاعهم المعيشية والهروب من الفقر والبطالة. يتفق هؤلاء الشباب مع مهربين لترتيب رحلتهم عبر البحر إلى إيطاليا، لكنهم يواجهون خلال الرحلة مصاعب خطيرة، تبدأ بالظروف القاسية على متن القارب المتهالك، ثم تتفاقم مع المخاطر الطبيعية، واستغلال المهربين، والصراع من أجل البقاء. مع تقدم الرحلة، تبدأ المأساة عندما يتعرض القارب للعطل في وسط البحر، ما يجعل المهاجرين في مواجهة الموت. بين الخيانة، والطمع، والصراعات الداخلية، يجد الشباب أنفسهم عالقين في وضع لا مفر منه، مما يعكس حقيقة معاناة المهاجرين غير الشرعيين الذين يخاطرون بحياتهم بحثًا عن مستقبل أفضل.
تتعدد محاور الفيلم لتشمل العديد من القضايا أهمها التركيز على قضية الهجرة غير النظامية ودوافعها مع التركيز على عوامل الفقر والبطالة وفقدان الأمل في تحسين أوضاعهم داخل بلدهم. يعرض الفيلم أيضاً كيف يتعرض المهاجرون للاستغلال من قبل السماسرة والمهربين الذين يعدونهم بحياة أفضل لكنهم في الحقيقة يستغلون يأسهم لجني الأموال دون الاهتمام بمصيرهم. ويُظهر الفيلم مدى خطورة رحلات البحر، حيث يصبح المهاجرون في مواجهة الطبيعة القاسية، قلة الطعام والمياه، وغياب الأمان، ما يؤدي في النهاية إلى المأساة. بعكس الأفلام التي تصور الهجرة كحلم جميل، يقدم البر التاني رؤية أكثر واقعية ومؤلمة حول المصير الذي يواجهه معظم المهاجرين غير النظاميين.
الخلاصة أن فيلم البر التاني يحذر من وهم الهجرة غير النظامية، ويقدم نقدًا اجتماعيًا قويًا للوضع الاقتصادي والسياسي الذي يدفع الشباب المصري لخوض هذه المغامرة المميتة. الفيلم يبعث برسالة مفادها أن الحياة في الخارج ليست دائمًا وردية، وأن الثمن الذي يدفعه المهاجرون قد يكون حياتهم نفسها.
- فيلم "ورد مسموم" (2018) للمخرج أحمد فوزي صالح:
تدور أحداث فيلم ورد مسموم في أحد أحياء القاهرة الفقيرة، حيث يعيش صقر، الشاب الذي يعمل في المدابغ، مع شقيقته تحية، التي تعمل عاملة نظافة وتحاول بكل الطرق منعه من السفر إلى إيطاليا عبر الهجرة غير النظامية. تحية ليست مجرد شقيقة، بل تلعب دور الأم والأخت في حياة صقر، حيث تكرس حياتها بالكامل من أجله، رافضة أي فكرة لرحيله عنها. في المقابل، صقر، الذي ضاق ذرعًا بحياة الفقر وظروف العمل القاسية في المدابغ، يرى أن مستقبله الوحيد يكمن في الهجرة، معتقدًا أن أوروبا ستوفر له حياة كريمة بعيدًا عن المعاناة التي يعيشها في مصر.
بينما يستعد صقر للسفر، تبدأ تحية في القيام بمحاولات يائسة لإيقافه، مستخدمة كل الطرق الممكنة، من التوسل والإقناع، إلى التخريب غير المباشر لخططه. لكنها تجد نفسها في مواجهة واقع أقوى منها، حيث يظل حلم السفر يراود شقيقها، الذي يعتقد أن هذا هو المخرج الوحيد من مصيره المحتوم في بيئة لا تقدم له سوى الشقاء. تتعقد الأمور عندما يبدأ صقر في التخلي تدريجيًا عن ارتباطه بحياته القديمة، ما يجعل تحية تدرك أنها قد تفقده إلى الأبد.
الفيلم يرصد علاقة الأخ والأخت من زاوية نفسية واجتماعية عميقة، حيث تمثل تحية نموذج الفتاة التي تعيش فقط من أجل الآخرين، في حين يسعى صقر إلى التحرر من قيود العائلة والواقع القاسي، مما يخلق صراعًا دراميًا يمزج بين الحب والخوف والتملك.
لا يعرض الفيلم الهجرة كمحور رئيسي للقصة، بل يتناولها كخلفية درامية تدفع الأحداث إلى الأمام. على عكس أفلام مثل البر التاني (2016) التي تصور رحلة الهجرة والمخاطر المرتبطة بها، يركز ورد مسموم على الصراعات العائلية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلى اتخاذ هذا القرار، مما يجعله فيلمًا مختلفًا في زاوية المعالجة السينمائية للهجرة غير النظامية.
- فيلم "فوي! فوي! فوي!" (2023) للمخرج عمر هلال
يستند فيلم فوي! فوي! فوي! إلى أحداث حقيقية ويسلط الضوء على قضية الهجرة غير النظامية بطرق غير تقليدية. تدور أحداثه حول حسن (الذي قام بدوره الفنان محمد فراج)، وهو شاب مصري فقير يعمل كحارس أمن، لكنه يحلم بالسفر إلى أوروبا بحثًا عن حياة أفضل. يكتشف حسن أن هناك فريقًا لكرة القدم للمكفوفين يُشارك في بطولة دولية في أوروبا، فيقرر التظاهر بأنه كفيف والانضمام إلى الفريق. يتدرب مع الفريق ويخوض المنافسات، ولكن أثناء رحلته تبدأ التحديات الحقيقية، حيث يواجه مواقف صعبة تكشف خدعته وتضعه أمام خيارات مصيرية.
يتناول فيلم فوي! فوي! فوي! عدة محاور رئيسية تتعلق بقضية الهجرة غير النظامية، حيث يعرض كيف يلجأ بعض الشباب إلى أساليب غير تقليدية ومخادعة لتحقيق حلم السفر إلى أوروبا، كما يُسلط الضوء على الوهم المرتبط بالحلم الأوروبي الذي يدفع البعض للمخاطرة بحياتهم من أجل مستقبل غير مضمون. يقدم الفيلم أيضًا صراعًا نفسيًا داخليًا للبطل الذي يجد نفسه ممزقًا بين تحقيق حلمه بأي وسيلة ممكنة وبين الشعور بالذنب والتورط في خدعة كبرى، ما يجعله يعيش حالة من التوتر والقلق الدائم.
يناقش الفيلم أيضاً تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية على القرارات المصيرية، حيث يُجبر الفقر والحاجة بعض الأشخاص إلى اللجوء لطرق غير شرعية للهروب من واقعهم، متجاهلين العواقب التي قد تواجههم لاحقًا. يمزج الفيلم بين الكوميديا السوداء والدراما ليقدم صورة إنسانية مؤثرة عن واقع شريحة كبيرة من الشباب الذين يحلمون بالسفر الخارج بأي وسيلة ممكنة.
- فيلم "الاسكندراني" (2024) للمخرج خالد يوسف
فيلم "الإسكندراني" هو آخر فيلم سينمائي مصري يتضمن الحديث عن الهجرة غير النظامية. يعد هذا الفيلم أول بطولة سينمائية للفنان أحمد العوضي. تدور أحداث الفيلم حول "بكر الإسكندراني"، شاب من مدينة الإسكندرية يواجه صراعات مع والده وابن عمه وحبيبته. نتيجة لهذه التحديات، يقرر السفر إلى الخارج بحثًا عن حياة جديدة. بعد تحقيق ذاته في الغربة، يعود إلى وطنه ليجد أن الصراعات القديمة ما زالت تلاحقه. الفيلم مأخوذ عن رواية "الإسكندراني" للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، ومن إخراج خالد يوسف. تم تصوير بعض مشاهده في إيطاليا، بالإضافة إلى مواقع في أحياء الأنفوشي وبحري بمدينة الإسكندرية. يُعتبر "الإسكندراني" تجربة سينمائية مميزة تجمع بين الدراما الاجتماعية وعناصر الحركة، مسلطًا الضوء على قضايا الهوية والصراعات الشخصية في سياق المجتمع المصري.
بالنسبة لرحلة الهجرة غير النظامية، يخوض بكر تجربة محفوفة بالمخاطر، حيث ينضم إلى مجموعة من الشباب الراغبين في الوصول إلى أوروبا عبر البحر. خلال الرحلة، يواجه ظروفًا صعبة، منها قسوة البحر، والخطر المستمر من الغرق أو القبض عليهم من قبل السلطات. هذه المشاهد تجسد بوضوح معاناة المهاجرين غير النظاميين الذين يحلمون بمستقبل أفضل لكنهم يواجهون واقعًا قاسيًا. بعد وصوله إلى إيطاليا، يجد بكر نفسه بلا أوراق رسمية أو فرص عمل شرعية، مما دفعه إلى الانخراط في أعمال غير قانونية، إذ ينضم إلى إحدى العصابات التي تستغل المهاجرين غير النظاميين في أعمال غير مشروعة، مثل تهريب البضائع والمخدرات. هنا، يختبر عالم الجريمة بكل قسوته، حيث يصبح العنف والخيانة جزءًا من حياته اليومية. رغم تحقيقه مكاسباً مادية مغرية، إلا أن بكر يدرك تدريجيًا أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، خاصة عندما يجد نفسه في مواجهة مع الشرطة وعصابات منافسة.
يبدأ بكر بالشعور بالندم والرغبة في الخروج من هذا العالم الإجرامي، لكنه يواجه صعوبات في الهروب من قبضة العصابات التي لا تسمح لمن يدخل عالمها بالخروج بسهولة. يقرر بكر العودة إلى مصر، حيث يواجه ماضيه من جديد. لكنه هذه المرة يعود بشخصية مختلفة، مدركًا أن الهجرة لم تكن الحل السحري الذي كان يتخيله، وأن الطريق الذي سلكه كان مليئًا بالخداع والخطر أكثر مما كان يتوقع. يقدم الفيلم رؤية عميقة لمأساة الشباب الذين يغامرون بحياتهم في الهجرة غير النظامية، معتقدين أنها بوابة للنجاح، لكنهم يواجهون واقعًا قاسيًا يجعلهم مجرد أدوات في أيدي العصابات الإجرامية. تجربة بكر تلخص رحلة الكثيرين الذين يكتشفون أن الغربة ليست دائمًا الحل، وأن الثمن الذي يُدفع قد يكون أغلى مما تصوروه.
4 الرسائل السينمائية والسياسات العامة والتصورات المجتمعية
تناولت السينما المصرية قضية الهجرة غير النظامية من زوايا متباينة، حيث سعت بعض الأفلام إلى رفع وعي الشباب بالمخاطر المحتملة، مثل الموت غرقًا أو الاستغلال في بلدان المهجر، بينما قدّمت أفلام أخرى الهجرة كـخيار حتمي للهروب من الظروف الاقتصادية القاسية، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ومن هنا يبرز التساؤل حول دور السينما: هل تساهم في تثبيط الهجرة غير النظامية عبر تقديمها كمأساة، أم أنها تُرسخها كــ "حلم لا بديل عنه"؟
يختلف التناول السينمائي للهجرة غير النظامية باختلاف نوع الأفلام. فبينما تركز الأفلام الروائية على الجوانب الإنسانية والعاطفية من خلال شخصيات وقصص درامية، تميل الأفلام الوثائقية إلى تقديم حقائق صادمة مدعومة بالأرقام والشهادات الواقعية، مما يجعلها أكثر تأثيرًا في التوعية المجتمعية.[4]
4.1 المعالجة السينمائية للهجرة غير النظامية
إجمالًا، يمكن تصنيف المعالجة السينمائية للهجرة غير النظامية ضمن ثلاثة توجهات رئيسية، تتقاطع أحيانًا داخل الفيلم الواحد:
-
- الهجرة غير النظامية كمغامرة يائسة
تصور بعض الأفلام المهاجر غير النظامي كشخص يائس، يدفعه الفقر والبطالة إلى خوض رحلة محفوفة بالمخاطر، أملًا في تحسين أوضاعه. يتجلى هذا بوضوح في فيلم "البر التاني" (2016)، الذي يسلط الضوء على المأساة الإنسانية للشباب المصريين الذين يعبرون البحر المتوسط في قوارب الموت، مع التركيز على حجم المخاطر التي يتعرضون لها.
-
- الهجرة غير النظامية كنتيجة لغياب العدالة الاجتماعية
تقدم بعض الأفلام الهجرة غير النظامية كنتيجة مباشرة للفساد والتفاوت الطبقي، حيث يفقد الشباب الأمل في تحقيق حياة كريمة داخل وطنهم. يظهر هذا التوجه في فيلم "المعدية" (2014)، الذي يعكس كيف تدفع الظروف الاقتصادية القاسية البعض إلى اللجوء لطرق غير شرعية، ومنها الهجرة غير النظامية.
-
- الهجرة غير النظامية كنافذة لكشف معاناة المهاجرين
في بعض الأعمال السينمائية، لا تقتصر القصة على قرار الهجرة، بل تتعمق في معاناة المهاجرين بعد وصولهم إلى وجهاتهم، حيث يواجهون واقعًا أشد قسوة مما تركوه خلفهم. في "البر التاني"، مثلًا، لا تقتصر المأساة على عبور البحر، بل تمتد إلى استغلال المهاجرين بعد وصولهم، سواء من قبل شبكات التهريب أو في ظروف العمل القاسية.
4 السينما والسياسات العامة: توافق أم انتقاد؟
تلعب السينما دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام تجاه قضايا الهجرة، سواء عبر دعم الخطاب الرسمي للدولة أو تقديم طرح ناقد لسياساتها.
- التماهي مع السياسات الرسمية: بعض الأفلام تتبنى خطاب الدولة في التحذير من عواقب الهجرة غير النظامية، مثل "البر التاني"، الذي يتوافق مع جهود الدولة المصرية في مكافحة شبكات التهريب وتقليل معدلات الهجرة غير النظامية.
- نقد السياسات الاقتصادية والاجتماعية: على الجانب الآخر، تطرح بعض الأفلام رؤية مغايرة، حيث تشير إلى أن انعدام الفرص داخل مصر هو الدافع الأساسي للهجرة غير النظامية. يُجسد فيلم "المعدية" هذا التوجه، حيث يعكس واقع الشباب الذين يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة، مما يدفعهم إلى المخاطرة بحياتهم.
تثير هذه الأعمال تساؤلات حول مدى قدرة السينما على التأثير في القرارات السياسية المتعلقة بالهجرة. فهل يمكن لفيلم قوي التأثير أن يدفع الحكومات إلى تعديل سياساتها أو تشديد الرقابة على عمليات التهريب؟ كما تُستخدم بعض الأفلام في الحملات الرسمية والمجتمعية لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة غير النظامية، أو لإبراز البدائل المتاحة داخل الوطن.
4.3 تصورات المجتمع للهجرة غير النظامية كما تعكسها السينما
تؤثر الأفلام بشكل كبير في كيفية إدراك المجتمع لقضية الهجرة غير النظامية، حيث تقدم صورًا متعددة للمهاجرين، قد تكون متعاطفة أو ناقدة.[5]
- المهاجر: ضحية أم مغامر؟
- بعض الأفلام تُقدّم المهاجر غير النظامي كضحية ظروف قاهرة، مما يولّد تعاطفًا مجتمعيًا مع محاولاته للهروب من الفقر.
- في المقابل، هناك أفلام أخرى ترسّخ صورة المهاجر غير النظامي كمغامر غير مسؤول، يسعى لتحقيق أحلامه دون تفكير في العواقب، مما قد يُنتج خطابًا مجتمعيًا رافضًا لهذه الظاهرة.
- الأثر على قرارات الشباب
- تسهم بعض الأفلام في إثارة الخوف لدى الشباب من اتخاذ قرار الهجرة غير النظامية من خلال تصوير المخاطر.
- على العكس، قد تعزز بعض الأفلام الإحساس بأن "المخاطرة تستحق العناء"، مما يجعلها محفزًا غير مباشر للهجرة.
- دور العائلة والمجتمع
- تُبرز بعض الأفلام كيف تلعب العائلات دورًا في دفع الشباب للهجرة، سواء عبر الضغوط الاقتصادية أو التوقعات العالية. في "البر التاني"، يشعر البطل بأنه مطالب بإثبات نجاحه بأي وسيلة، مما يدفعه إلى المجازفة بحياته عبر البحر.
5. خاتمة
يمكن للسينما أن تلعب دورًا محوريًا في تقديم معالجة أكثر شمولًا لمشكلة الهجرة غير النظامية، ليس فقط عبر إبراز المآسي والمخاطر، بل من خلال تناول جذور المشكلة وطرح بدائل واقعية. عندما تروي الأفلام قصص الشباب الذين يحلمون بالهجرة، يمكنها أن تتعمق في الأسباب الكامنة وراء القرار، مثل الفقر والتهميش وغياب الفرص، مما يفتح الباب لنقاش أوسع حول كيفية تحسين الأوضاع داخل الوطن بحيث لا تكون الهجرة هي الخيار الوحيد. بدلاً من تقديم الهجرة غير النظامية كـحلم وردي أو كابوس قاتم، يمكن للسينما أن تقدم سرديات متوازنة تُظهر التحديات التي يواجهها المهاجرون، سواء في بلدانهم الأصلية أو بعد وصولهم إلى وجهاتهم، مما يجعل المشاهد أكثر وعيًا بالواقع الحقيقي لهذا القرار. كما يمكن للأفلام أن تساهم في توعية الشباب بالخيارات البديلة، عبر عرض قصص نجاح تحققت داخل الوطن، وإبراز طرق الهجرة الآمنة والمشروعة مثل المنح الدراسية أو الفرص المهنية المنظمة، بدلاً من المخاطرة عبر قوارب الموت. عندما تركز السينما على دور الحكومات والمجتمع المدني في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا، فإنها تساهم في تشكيل وعي جديد يرى أن الحلول ليست فقط في الرحيل، بل في إحداث تغيير داخل المجتمعات نفسها. كذلك، يمكن للأفلام الوثائقية التي تسلط الضوء على تجارب ناجحة لشباب عادوا من الهجرة واستطاعوا بناء مستقبل مشرق أن تكون أداة قوية لتغيير التصورات السائدة. وهكذا، لا تقتصر السينما على رواية الحكايات، بل يمكنها أن تكون محركًا حقيقيًا للتفكير والتغيير تجاه قضية الهجرة غير النظامية.
المؤلف:
الدكتور أيمن زُهْرى باحث وخبير متخصص في السكان ودراسات الهجرة، حاصل على درجة الدكتوراة في دراسات الهجرة من جامعة ساسيكس بالمملكة المتحدة 2002. الدكتور زهري هو الرئيس المؤسس للجمعية المصرية لدراسات الهجرة (EGYMIG). عمل الدكتور أيمن زهري لأكثر من 35 في مجالات تخصصه بما في ذلك العمل في المركز الديموغرافي بالقاهرة، والجامعة الأمريكية في بيروت، والمعهد الدنماركي للدراسات الدولية، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة القاهرة. ترأس الدكتور زهري أول لجنة علمية حول الهجرة الدولية بالاتحاد الدولي للدراسة العلمية للسكان (IUSSP)، بين عامي 2011 و2014. تشمل اهتماماته البحثية الحالية ديموغرافية الهجرة، وإحصاءات الهجرة، والهجرة المناخية، وحقوق المهاجرين. الدكتور زهري عضو في هيئة تحرير دورية International Migration Review (IMR). في ديسمبر 2021، تم تعيين الدكتور زهري عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان (مصر).
[1] استخدم مصطلح "الهجرة غير الشرعية "كمرادف لمصطلح "الهجرة غير النظامية" في الإعلام المصري لفترة طويلة قبل التحول، جزئياً نحو استخدام مصطلح الهجرة غير النظامية.
[2] الشريك الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية.
[3] أيمن زهري (2016) ملف الهجرة في العلاقات المصرية الأوروبية، الملف المصري 22:16-22 ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة.
[4] Ross, M. (2019). Documentary film and the representation of migration. Routledge.
[5] Stam, R. (2000). Film theory: An introduction. Blackwell Publishing.