رسالة لبنان
الحصاد الثقافي العربي في لبنان لعام 2007
سنة أخري تمرُّ علي التشجنّات السياسية والاضطرابات الأمنية في لبنان. تشنجات واضطرابات رمت بظلالها علي الأوضاع والأنشطة الثقافية. ربما كانت الثقافة تحتاج إلي ترف لكي تُمارس وتزدهر. صحيح أن أعمالاً أدبية أو سينمائية أو مسرحية صُنعت تحت وطأة الأحداث السياسية وانعكاساً لها، إلا أن أنشطة مهمة تمَّ إلغاؤها أو تأجيلها بفعل هذه الأوضاع. لهذا بدت التطورات السياسية والأمنية والعسكرية كما في حرب تموز (يوليو) 2006 ذات مفعولين، سلبي وإيجابي. كما أن التطورات السياسية في البلد وضعت لبنان في واجهة الاهتمام الدولي السياسي. وهو اهتمام رافقه رعاية للعديد من الأنشطة الثقافية سواء في دعم مهرجانات أم في تمويل أفلام ومسرحيات ومنشورات أم في ترجمة كتب أدبية إلي لغات عدة. فجأة بات الكاتب اللبناني والمسرحي اللبناني والسينمائي اللبناني محل دعم وترويج من جهات غربية رسمية وأهلية كما من وسائل إعلامية ومراكز وجمعيات ودور نشر وسوي ذلك. هذا الدعم وهذه الرعاية ساهما في تصريف أعمال تواجه الكساد أو في تشجيع مخرجين سينمائيين ومسرحيين علي تقديم أعمال تحاكي الواقع السياسي القائم أو في دفع روائيين وشعراء إلي تأليف كتب مستمدة من الظروف الراهنة. لقد استدرت الأوضاع في لبنان عطفاً دولياً وكذلك عربياً استفادت منه الثقافة وأهلها. استطراداً، فإن النتاج الثقافي في لبنان لا يقوم علي استتاب الأمن وقيام الدولة بشكل رئيسي، وإنما بفعل مبادرات فردية. هكذا هي الثقافة في لبنان، نتاج قطاع خاص وحراك اجتماعي وتفاعل أفراد. أحياناً تتأثر الأعمال الثقافية التي تحتاج إلي بنية تحتية ولا سيما الأعمال المسرحية والمهرجانات الدولية التي تقام سنوياً، لكن يظلُّ اللبناني موجداً مخارج تنسجم مع المستجدات السياسية والأمنية.
عودة الناشر إذا كانت قطاعات ثقافية تأثرت بفعل الأحداث في لبنان تأثراً متفاوت بلغ حدَّ العطب في بعضها، فإن قطاع النشر عاود الازدهار بعدما كان أصيب سنة 2007 إثر حرب تموز (يوليو) بخسائر فادحة. لقد أصاب القصف 35 داراً و10 مطابع دُمِّر معظمها كلياً. وهذه الدور التي تعني بالكتاب الديني في الدرجة الأولي تهتم أيضاً بالكتب السياسية والتراثية والتاريخية والأدبية مثل مؤسسة إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، مؤسسة جرير، مؤسسة فوزية فولادكار، دار ابن حزم، دار المحجّة البيضاء، دار الحداثة، دار الهادي، دار الحوراء، دار الأمير للثقافة والعلوم، دار البلاغ، مؤسسة الرسالة، دار الأعلمي، دار الهلال، دار البحار وغيرها. ولم تتوقف الخسائر عند دمار المكاتب والمستودعات والمطابع، بل شملت أيضاً مخطوطات تعود الي 400 سنة كالتي خسرها صاحب دار الأمير محمد حسن بزّي، بالإضافة الي عشرات الأقراص المدمّجة التي تحتوي علي مخطوطات كتب كانت في طريقها الي النشر. وبلغت الخسائر المباشرة والأولية لأصحاب هذه المؤسسات نحو 75 مليون دولار. لكن الخسارة لم تطل الضاحية الجنوبية فحسب، وإنما قطاع النشر كله في لبنان، ولا سيّما أنَّ العديد من دور النشر في بيروت يملك مستودعات في الضاحية أو يطبع كتبه في مطابع هذه المنطقة. ثم ضاعف الحصار الذي تلا الحرب غلاء أسعار الورق ما زاد مأساة النشر وقتها. لكن هذه الخسائر لم تؤثر في قطاع النشر الذي استعاد عام 2007 حيويته من خلال عودة دار رياض الريس للكتب والنشر إلي إصدار الكتب بكثافة. كما أصدرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر عشرات العناوين الشعرية والروائية والفكرية لكتّاب من مختلف الدول العربية، ولا سيما مشروعها في نشر الأعمال الشعرية الكاملة لأبرز شعراء الستينيات والسبعينيات ومن بينهم سليم بركات، أمجد ناصر، جودت فخر الدين، شوقي بزيع، محمد علي شمس الدين، عباس بيضون وسواهم. وهو مشروع كان بدأ من قبل ليُستكمل هذه السنة مع عدد آخر من الشعراء، علماً أن كل شاعر تستهلك أعماله الكاملة ما يوازي ما بين عشر إلي عشرين مجموعة شعرية.
كما كان لـ دار النهضة العربية دور في استقطاب شعراء عرب إلي لبنان لنشر مجموعاتهم ومن بينهم منصف الوهايبي، عائشة البصري، حسن نجمي، أكرم قطريب، إضافة إلي بعض الأسماء اللبنانية مثل عبده وازن ويحيي جابر وسواهما. طبعاً هناك دور أخري لديها استراتيجية ثابتة في النشر منها دار الآداب التي تنشط في نشر الرواية بشكل خاص، دار الساقي التي تنشط في نشر أعمال فكرية وسياسية وبعض الأعمال الروائية العربية، دار النهار التي تنفرد من حين إلي آخر بعناوين مثيرة غالباً ما تركز علي السياسة أو السير أو المذكرات، بالإضافة إلي دور الفارابي، المدي (المركز الرئيسي في دمشق)، المركز الثقافي العربي، الجمل (المركز الرئيسي في كولن ـ ألمانيا). وفي هذا السياق، تراجعت دور نشر أخري عن الواجهة بعدما كانت نشطت قبل سنوات ومنها الانتشار، المسار و مختارات التي كان لمديرها جورج فغالي جرأة المغامرة في مشروع نشر عدد كبير من الشعراء الشباب في سلسلة امتدت علي مدي أربع سنوات (وهي سلسلة حملت مشروعاً بسبب مغامرتها مع أسماء شبابية غير معروفة في السوق الشعرية العربية علي الأقل، ناهيك بأن عدداً من هؤلاء الشعراء نشر كتابه الأول ضمن هذه السلسة)، ليقرر هذه السنة التوقف عن النشر مؤقتاً.
المعرض ولو بعد حين بدأت سنة 2007 الثقافية بتأجيل معرض الكتاب العربي الدولي الخمسين، الذي كان من المقرر أن يحتفل بيوبيله الذهبي. وكان المعرض تأجل عن موعد إقامته بين 9 و24 كانون الأول (ديسمبر) إلي الفترة الممتدة بين 12 و24 نيسان (أبريل)، وقد افتتحه وقتها رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بكلمة نقلت متلفزة من السراي الحكومي. وقد افتتح السنيورة المعرض للسنة الثانية علي التوالي وايضاً حضر الرئيس الشهيد رفيق الحريري كعنوان للمعرض بعدما أهدي المعرض الفائت لروحه كتحية وفاء. لكنَّ السنيورة بخلاف العام الماضي، ألقي كلمته مباشرة علي الهواء موفداً ممثلاً عنه هو وزير الثقافة الدكتور طارق متري. غاب السنيورة جسدياً وحضرت كلمته مع مواكب المرافقة التي توزّعت الساحات والمداخل. كلمة جمعت إلي السياسة ونقد المعارضة وخيمها في ساحة الشهداء التعبئة الوطنية والتشديد علي الدور الثقافي الذي يلعبه اللبنانيون مختتماً بتحية إلي بيروت التي تشهد هذه الأيام حالاً من الترقب والقلق واليأس المرقع بالأمل.
وكان من الواضح أن حرب تموز(يوليو) 2006 تركت آثارها المدمرة علي نشاط معرض الكتاب. ثم جاءت الانقسامات السياسية التي سبقتها أو رافقتها أو نتجت عنها تفجيرات واضطرابات أمنية راح ضحيتها سياسيون وصحافيون ومواطنون، لتزيد هذه الآثار سوءاً. وقد انعكس هذا الأمر علي نسبة الدور المشاركة ولا سيما الدور العربية. فقد بلغ عدد الدور اللبنانية المشاركة نحو 155 داراً وثلاث وزارات (الثقافة، الإعلام والسياحة)، إضافة إلي 13 داراً عربية بينها خمس دور من سورية ومصر، يُضاف إليها 18 مؤسسة سعودية، 4 مؤسسات كويتية، دائرة الثقافة في الشارقة ومجمع أبو ظبي من الإمارات. وهذه المشاركات العربية ليس لها ثقل ثقافي علي مستوي الكتاب بل يقتصر حضورها علي الدعم المادي والمعنوي والرمزي إذا صحَّ التعبير. وعليه انخفضت عناوين الكتب إلي النصف هذا العام مقارنة بـ 2700 عنوان عام 2005 في لبنان وحده بالطبع.
وكان مهرجان الكتاب لمعرض بيروت تضمن عدداً من الأنشطة المتنوعة، إذ تم تكريم كل من محمد بركات، عبد الرحمن مرحبا والراحل د. أحمد عويدات. وفي الشعر جرت أمسيات علي انفراد لكل من شوقي بزيع، جودت فخر الدين، لامع الحر وقراءات من شعر جبران خليل جبران ألقاها الفنان رفيق علي أحمد. هذا بالإضافة إلي عدد من المحاضرات منها الدلالات العلمية لنشوء الكون بالانشطار وليس بالانفجار (د.هشام طالب)، ندوة حول كتاب من الحقيقة إلي العدالة للدكتور محمد قبيسي، ندوة عن الصحافي الراحل جوزيف سماحة تحدث فيها صاحب جريدة السفير ورئيس تحريرها طلال سلمان، محاضرة للدكتور ياكوف م. رابكن بعنوان المناهضة اليهودية للصهيونية، ندوة حول كتاب رفيق الحريري وقدر لبنان للدكتور مروان إسكندر، مئوية ابن خلدون، الذكري الثانية لرحيل المفكر هشام شرابي، كتاب في جريدة، عشر سنوات بعد، ندوة عن كتاب تاريخ بيروت للصحافي الشهيد سمير قصير، الدراما اللبنانية و المرأة الفلسطينية والذاكرة.
وكان الحدث الأبرز جماهيرياً أمسية محمود درويش التي ملأت قاعتين كاملتين، إضافة إلي محاضرة عن الشاعر الراحل محمد الماغوط وتكريم الأديبة والفنانة الراحلة والناشرة مي غصوب. وشهد معرض الكتاب في دورته تلك توقيع عدد من الكتب منها صراخ الأشجار و لا شيء من كل هذا لشوقي بزيع، ب ب ب لعباس بيضون، حكت الورود لياسر مروة، الأعمال الشعرية لرشيد الضعيف، إضافة إلي كتب مختلفة منها العروبة والأصولية الدينية لبشارة منسي، هويات كثيرة وحيرة واحدة لحسام عيتاني، شهادات لمقتلعين فلسطينيين لأديب قعوار، هل رأيتم وردة؟ لرجاء نعمة، لستُ لبنانياً لنصري الصايغ، يوميات بيروت المحاصرة لخولة مطر، الرجولة وتغير أحوال النساء لعزة شرارة بيضون، قهوجيات 3 لغازي قهوجي، صمت الفراشات لليلي العثمان.
في كل حال، فإن تأجيل معرض الكتاب العربي الدولي دفع بعض دور النشر إلي توقيع كتبها في مقهي سيتي كافيه في الحمراء كما فعلت دار نلسن للنشر التي أقامت حفل توقيع مشترك للكتب في محاولة مني للشاعرة صباح زوين نملة تنوء بحملها سماء تميد للشاعر العراقي حاكم مردان، العراق غزواً واحتلالاً للكاتب يوسف حميد عوض الذي عرض فيه شهادات شبه قانونية حول الاحتلال الأميركي للعراق وإعدام صدّام حسين، والتي كان نشر معظمها في صحيفة النهار ضمن صفحة قضايا، أحبك أميركا أنا لا أحبك للكاتب زياد كاج الذي تطرق الي موضوعي السياسة الأميركية المكروهة والثقافة الأميركية المحببة لديه، و هشام شرابي صحافياً للكاتب والصحفي جان دايه، وفيه تطرق الي المقالات الصحافية التي نشرها شرابي باسم مستعار. كما فعلت دار رياض الريس للكتب والنشر الأمر نفسه حين أقامت حفل توقيع في المقهي نفسه لكل من فوّاز طرابلسي، نصري صايغ، مي منسي، جودت فخر الدين وغيرهم.
الكتاب يشارك في الانقسام المعرض الآخر البارز في موسم 2007 كان افتتاح الحركة الثقافية- إنطلياس معرضها الذي تنظّمه سنوياً تحت اسم المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الـ 26 بمشاركة أكثر من ستين دارَ نشر عربية وأوروبية ومؤسسات ثقافية وجامعات. وكان المعرض الذي أقيم في دير مارالياس في آذار(مارس) أضيفت إليه ستة أيام بعدما درجت العادة علي تخصيص عشرة أيام لهذا النشاط. وقد طغت الأوضاع السياسية علي كلمات الافتتاح، ولا سيما كلمة الأمين العام للحركة الثقافية الدكتور عصام خليفة الذي قدّم كلمة اختلط فيها السياسي بالأخلاقي، التنموي بالديني، الثقافي بالاقتصادي، والمحلي بالعالمي. وتمَّ تكريم عدد من المثقفين بتسمية يوم من أيام المعرض باسم كلٍّ منهم وبإصدار كرّاس خاص تناول سيرتهم ونشاطاتهم المختلفة ونتاجاتهم الفكرية أو العلمية أو الأدبية أو الفنية تضمّن نماذج من خط أيديهم. ومن هؤلاء، المدير العام السابق لمنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، الفاو إدوار صوما، عالم الاجتماع الدكتور أحمد بيضون، أستاذ الفلسفة والمربي جوزف أبو رزق، الفنان جميل ملاعب، الرئيس السابق للمشروع الأخضر مالك بصبوص، طبيب العيون الشهير البروفسور وفيق سنو، الأب العلامة سمير خليل، الأم دانييلا حروق والدكتور هشام نشابة.
المعرض الثالث الرئيسي في لبنان هو المعرض الذي يقيمه حزب الله في الضاحية الجنوبية، وقد شهد هذه السنةإقبالاً شعبياً غير مسبوق بعدما كانت دور نشر عديدة في الضاحية الجنوبية أو مقرّبة من حزب الله قاطعت معرض الكتاب العربي الدولي علي خلفية سياسية، وتحديداً بسبب افتتاح الرئيس السنيورة المعرض ووضع صور للنائب سعد الحريري في المعرض. وقد شهد معرض الضاحية هذا الإقبال الشعبي مستفيداً من الحسومات الكبيرة علي الكتب، ومن مجانية العرض في المساحة التي خصصت لدور النشر، ما جعل هذه الأخيرة رابحة في أسوأ الحالات. وإذا كان لا بدَّ من تعليق علي هذه المعارض ولو كان تعليقاً مكروهاً فإنها تدل علي مدي الانقسام الذي وصل إليه البلد، إذ عبّرت المعارض الثلاثة عن ثلاث قوي سياسية وربما طائفية، وإن كان الأمر جري ضمناً. وهذه حال لم يسبق للبلد أن وصل إليها حتي في لحظات الحرب الأهلية السابقة.
الشعراء يحتلون السوق رغم أن سنة 2007 كانت أكثر السنوات شؤماً علي لبنان، فإن عدداً لا بأس به من الكتب صدرت في بيروت. بالطبع هناك كتب عربية عدة، لكن ضيق المجال يجعلنا نبرز بعض العناوين التي نشرها لبنانيون. في الشعر هناك ب ب ب و الأعمال الشعرية لعباس بيضون، كأنني امرأة مطلقة و للراشدين فقط ليحيي جابر، في محاولة مني لصباح زوين، مرايا العابرات في المنام لجمانة حداد، صراخ الأشجار و لا شيء من كل هذا لشوقي بزيع، الغيوم التي في الضواحي لمحمد علي شمس الدين، الأعمال الشعرية الكاملة لأنسي الحاج (صدرت في القاهرة)، إهدأ هاملت تنشق جنون أوفيليا و ورّاق يبيع كتب النجوم لأدونيس، مختارات شعرية بعنوان تلدني كلماتي لشربل داغر (صدرت في تونس)، جميع أسبابنا لعناية جابر (صدرت في القاهرة)، ليس بعد و الأعمال الشعرية لجودت فخر الدين، أرض معزولة بالنوم لناظم السيد، عنكبة لشادي علاء الدين، ملعب من الوقت النائم لزكي بيضون، قصائد ضاحكة لطارق ناصر الدين، رخام الماء لجوزيف حرب، هل جرحت خدك هل جرحت يدك لفادي طفيلي، رغم كل هذا لنور سلمان، ضوء بين حياتين لغسان جواد، وآخرين.
وفي الرواية هناك كأنها نائمة لإلياس خوري، ميكانيك الغرام لعلي سرور، عيد العشاق و السعادة لسامر أبو هوّاش، الإنطاكي لشكيب خوري، الصفحة الثانية لإلهام منصور، ثلاثية عبد الجليل غزال لأحمد الزين، وصية هابيل لشربل داغر، خطف كلب أميركي لروكز أسطفان، الكثافة لرلي الجردي. إلي الشعر والرواية ثمة كتب أدبية أخري تقع في باب الصحافة أو الترجمة وسوي ذلك منها الجانب الآخر للتاريخ لرياض نجيب الريس، محمود درويش ـ الغريب يقع علي نفسه لعبده وازن، صحبة لصوص النار و سيأتي الموت ويكون له عيناك لجمانة حداد، 1111 يوماً في بيروت و زهرة الصبّار لمحمد العبد الله، اللحظة التي تفتح فيها عينيك هي لحظة الفاجعة لبلال خبيز، أمل لا يغيب لسامي أيوب خوري، إبراهيم المصري ـ رائد القصة النفسية لسلمي مرشاق سليم، أبكي علي زمن خلا من شاعر مثل عمر لسعاد أبو ريشة، أنتعل الغبار وأمشي لمي منسّي. في مجال الكتب السياسية هناك لستُ لبنانياً و القاتل إن حكي لنصري الصايغ، تاريخ لبنان الحديث لفوّاز طرابلسي، ذاكرة الاستخبارات و لعنة القصر لغسان شربل. وفي الكتب التاريخية والفكرية والدينية الخسيس والنفيس ـ الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية لخالد زيادة، خطاب الرشوة لنادر سراج، الله، العروبة والزعيم ـ مراجعة في الدعوة القومية الاجتماعية ليوسف حميد معوّض، الإسلام هل هو الحل لزكريا أوزون، الدين والدهماء والدم ـ العرب واستعصاء الحداثة لصقر أبو فخر وغيرها من الإصدارات العديدة والمتنوعة.
علي صعيد يتعلق بحركة الكتب إبداعاً ونشراً وإعلاناً، نشطت في لبنان أخيراً حركة ترجمة من لغات أجنبية وبالعكس. وربما كانت الاغتيالات وحرب تموز (يوليو) سبباً إضافياً في وضع الكتّاب اللبنانيين تحت الضوء. هكذا نُقل شعراء وروائيون إلي لغات أجنبية بينهم عباس بيضون، جمانة حداد، صباح زوين، إلياس خوري، رشيد الضعيف، حسن داوود، في حين نشط آخرون في ترجمة كتب عن لغات أوروبية أمثال سامر أبو هوّاش الذي نقل عن الإنكليزية علي الطريق لجاك كرواك و حياة باي ليان مارتل، بينما نقل إسكندر حبش عن الفرنسية رواية حرير أليسندرو باريكو وكتابين لفرناندو بيسوا وكتاباً ليوجينيو دو أندراد وكتاباً آخر لياروسلاف سيفرت، بينما أعدّت جمانة حداد الأنطولوجيا سابقة الذكر عن لغات عدة بعنوان سيجيء الموت وسيكون له عيناك، في حين واظب بسّام حجار علي نقل عدد كبير من الروايات والقصص لكتّاب عالميين.
من جهة أخري صدر عدد من الأنطولوجيات تناولت الشعر اللبناني بشكل خاص وبعض الروائيين منها أنطولوجيا تلك الأشياء التي في الأفق التي أعدّتها صباح زوين وصدرت في الجزائر، وقد ضمّت الأنطولوجيا 48 شاعراً وشاعرة، وكذلك الملفان اللذان أعدتهما مجلتا بانيبال الصادرة باللغة الإنكليزية في لندن، و لسان الصادرة باللغة الألمانية في سويسرا. وضمَّ الملفان ما لا يقلُّ عن عشرين شاعرة وشاعراً وروائية وروائياً. وقد شكلا معاً نوعاً من الاحتفاء بالأدب اللبناني.
الواقع علي المسرح مرة أخري تركت الحرب والاغتيالات والانقسامات السياسية ظلالها علي الفنون. هكذا خرجت أعمال مسرحية وسينمائية توظف الواقع بطريقة مباشرة منها الأفلام تحت القصف لإيلي عرقتنجي الذي نال أخيراً الجائزة الذهبية في مهرجان دبي السينمائي، خلص لبرهان علوية، فلافل لميشال كمّون الذي حصد بدوره جوائز دولية، وكذلك سكر بنات الفيلم الروائي الأول لنادين لبكي الذي حظي بتكريم النقاد وإعجاب الجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لهذه السنة. وفي المسرح قدّم عدد من المسرحيين أعمالاً هي الأخري مستمدة من أجواء الواقع اللبناني الراهن كالمسرحيات بوابة فاطمة لروجيه عسّاف، جرصة لرفيق علي أحمد، شلاح الطربوش لإيلي كرم والتي تتناول تاريخ لبنان السياسي والطائفي منذ مطلع القرن العشرين حتي العام الجاري، وأيضاً حمّام عمومي لعايدة صبرا. وكان للمخرج العراقي جواد الأسدي جرأة أن يفتتح مسرحاً في شارع الحمراء رغم هذه الظروف أسماه مسرح بابل قدّم فيه عدداً من الأماسي والأعمال الفنية والمسرحية والاستعراضية كان آخرها مسرحية نساء الساكسو فون التي أعدّها عن مسرحية لوركا برنار دا ألبا، وقد أقام الفنان العراقي الذي يعيش في روما جبر علوان معرضاً تزامن مع عرض المسرحية واستمدَّ مناخاته من العمل نفسه.
كما نظم مسرح دوّار الشمس الذي يديره المخرج اللبناني المعروف روجيه عسّاف نشاطاً بعنوان أبواب مفتوحة. وهو نشاط يندرج ضمن المبادرة التي أطلقها المسرح بعنوان م م م: ملتقي، منتدي، محترف. وكما يشي العنوان، هدف نشاط أبواب مفتوحة إلي فتح باب المسرح أمام هواة وممثلين وفنانين ارتجلوا أعمالاً متعددة من رقص وإيمياء وارتجالات مسرحية ومعرض بعنوان بورتريهات لتوفيق خيرالله وموسيقي حرة لمازن كرباج. وسعي المسرح من خلال هذا النشاط إلي تحفيز الشباب علي تقديم مبادرات فردية وتحويل هذا المكان إلي مسرح دائم لهذا العنصر الذي طالما عوّل عليه روجيه عسّاف منذ كان يدير مسرح بيروت الذي أغلق قسراً قبل سنوات.
وفي سياق الحديث عن المسرح وشجونه، أصدر المخرج المسرحي ربيع مروة بياناً حول أسباب منع مسرحيته التي كان من المزمع عرضها في شهر آب (أغسطس) بعنوان لكم تمنت نانسي لو أن كل ما حدث لم يكن سوي كذبة نيسان. وتناولت المسرحية التي كتبها مروة مع الصحفي فادي توفيق الحرب الأهلية اللبنانية علي لسان أربعة مقاتلين وهميين ينتمون إلي أحزاب لبنانية مختلفة، يروون فصول الحرب من خلال المعارك التي شاركوا فيها. وعُرضت للمرة الأولي في مهرجان طوكيو الدولي للفنون في شهر آذار(مارس) 2007 ليعاد عرضها لاحقاً في عواصم عربية وعالمية عدة. وكان وزير الثقافة طارق متري ردَّ علي قرار منع عرض المسرحية ببيان استهجن فيه منع المسرحية بحجة تناولها الحرب معتبراً أن الحملات الإعلامية المنظمة التي يشهدها لبنان علي نحو غير مسبوق والتي تتوسل لغة التجريح وتشويه السمعة والإدانة والتخوين والتخويف تثير النعرات أكثر من عمل فني. في النهاية تدخل مجلس الوزراء في هذه القضية (وهي سابقة في تاريخ المنع في لبنان) وضغط علي الأمن العام الذي تراجع بدوره عن قرار المنع، فتمَّ عرض المسرحية ليوم واحد علي خشبة مسرح المدينة في شارع الحمراء وسط إجراءات أمنية مشددة.
أفلام ومهرجانات إلي ذلك أقيم في سنة 2007 عدد من المهرجانات السينمائية منها أسبوع السينما الإيرانية الذي يعرض أعمالاً جديرة بالمشاهدة بعدما أثبتت هذه السينما حضوراً علي الأقل في المهرجانات الدولية حيث حصدت الجوائز رغم ضعف الإمكانات المادية وغياب البنية التحتية واستعمال التقنيات البسيطة. وبعد تأجيله شهوراً بسبب الأوضاع الأمنية، انطلق أخيراً أسبوع آرتي السينمائي في صالة متروبوليس بالتعاون مع الجمعية الثقافية بيروت دي سي. وتضمن برنامج التظاهرة تسعة أفلام من إنتاج المحطة التلفزيونية الفرنسية الألمانية. وطغت علي العروض الأفلامُ الوثائقية التي أنتجت بين 2004 و2006 وبينها فيلم الافتتاح الجزائري الفرنسي بركات لجميلة صحراوي الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي وفيلم انتظار للفلسطيني رشيد مشهراوي و احتراق لفيليب تريبوا. كما عُرض ضمن الأفلام الوثائقية صدام حسين: قصة قضية معلنة للفرنسي جان بيار كرييف و غلين غولد ما بعد الزمن لبرونو مونسانجيون و العبور لإليزابيث ليوفري و تنين في مياه القوقاز الصافية لنينو كيرتادز و ثمن السلام لبول كوين و أوروبا القلعة لجيل دو ميستر. وكان المخرج الفرنسي جان بيار كرييف وممثلة آرتي ماريا لوداتو حضرا المهرجان. والجدير ذكره هنا أن محطة آرتي ساهمت في إنتاج عدد من الأفلام العربية التي حصدت جوائز عالمية وإقبالاً طيباً من جمهور المهرجانات منها يد إلهية للفلسطيني إيليا سليمان، صندوق الدنيا للسوري أسامة محمد و أرض مجهولة للبناني غسان سلهب.
ومن المهرجانات السينمائية الأساسية التي أقيمت في بيروت مهرجان السينما الأوروبية السنوي الذي استضافت سينما أمبير في مركز صوفيل، دورته الرابعة عشرة، وافتتح بفيلم مخرج حفلات الزفاف للإيطالي ماركو بلوكيو في حين افتتح العروضَ الجماهيرية فيلم بهجة بالوما للمخرج الجزائري الأصل نادير مكناش الذي حضر إلي بيروت برفقة بيونا، الممثلة الرئيسية في فيلمه الروائي الطويل الثالث هذا والمغنية الجزائرية المعروفة التي قدّمت حفلة غنائية واحدة في صالة ميوزيك هول. ومن الأفلام التي عُرضت أيضاً فيلم الحنين (أو المرأة المشتاقة إلي موطنها بحسب العنوان الإنكليزي) لإلني ألكسندراكيس. يسرد الفيلم بطريقة شاعرية قصة حب وحنين وعلاقات إنسانية وتفاصيل انفعالية جميلة: تريد آنا، المتزوجة برجل يكبرها بأعوام عديدة، العودة إلي جزيرة طفولتها وشبابها وأهلها. تريد أن تستعيد حريتها من دون أن تدرك الكم الهائل من المشاعر التي تنتاب زوجها إزاءها. وفي رحلة العودة الليلية برفقة صياد شاب، تسافر آنا إلي حكايات ظلت ضائعة بين الحقيقة والخيال الذي استفاد من سحر المكان ساحباً ظلاله الجمالية علي النص.
كذلك عُرضت أفلام عدة تفاوت حضور الجمهور الذي أتي لمشاهدتها مثلما تفاوتت آراء المشاهدين إزاها، وبينها فيلم الكتاب الأسود لبول فيرهوفن: في الحرب الثانية، بلغ الحقد النازي العنصري ذروته علي البشرية كلها ومن بينهم اليهود بالطبع. لكن راشيل التي تنتسب إلي المقاومة في المدينة الهولندية لاهاي، تتحول إلي كاشف مر وقاس لعالم الخديعة والخيانة. هناك أيضاً حيوات الآخرين لفلوريان هنكل دونرسمارك: استعادة سينمائية لواقع إنساني عاشه الألمان الشرقيون في ظل سلطة ديكتاتورية فرضت رقابة صارمة علي الجميع، خصوصاً المثقفين والمبدعين الذين تخافهم هذه السلطة. كذلك فيلم الفتاة المشطورة إلي نصفين للفرنسي كلود شابرول: تعاني شابة جميلة للغاية أزمة عاطفية لرغبتها الجامحة في تحقيق النجاح في حياتها، فإذا بها تغرم بكاتب مشهور لا تستطيع الاستمرار في علاقتها به، وتتزوج ثرياً مضطرباً عقلياً. هذا وضم برنامج مهرجان السينما الأوروبية الذي يُعدُّ أقدم المهرجانات السينمائية التي تقام في بيروت سنوياً من دون توقف، ضمَّ لهذه السنة 32 فيلماً أوروبياً حديثاً بعضها نال جوائز عالمية، إضافة إلي 18 فيلماً قصيراً لمخرجين لبنانيين من الجيل الشاب تخرجوا من ستة معاهد سينما في لبنان، وفيلمين متوسطيين حصلا علي دعم من برنامج الاتحاد الأوروبي أورميد للسمعي ـ البصري. والجدير ذكره أن المخرج الهولندي دوم كاروكوسي صاحب الجميلة والنذل الذي يُعرض ضمن فعاليات المهرجان حضر إلي جانب الجزائري نادير مكناش، واللذين نظما ورشة عمل مع تلامذة من مختلف المدارس اللبنانية للسينما. وقد تم تنظيم هذه الورشة بالتعاون ما بين البعثة والسفارات والمراكز الثقافية لدول الاتحاد الأوروبي برعاية وزير الثقافة طارق متري وبمساهمة تلفزيون الجديد ومؤسسة لبنان.