تكشف هذه القصة عن بنية الفساد وقد تخللت النسيج العربي، وتسعى للتعرف على منطقة وهو يوشك أن يلتهم نفسه من الداخل، فما جاء به الفساد يلتهمه فساد أكبر.

فساد

محمد الشارخ

فريدة أول مرة رأيتها في حفل زواج فيصل بن ناجي. لم يكن أحد يعرفها في الحفل ولذا فالجميع خاصة الشباب والشابات أيضاً كانوا يسألون من تكون. عند دخولها لاحظنا وجود رجل طويل قوي البنية تبين فيما بعد أنه السائق الحارس بشارب عريض وعينين مركزتين. لم يكن الحفل باذخاً لا في الأعداد ولا في الإعداد. كنا نحن الشباب والشابات كل ينظر لمن يعرفه يقترب ويتهامس وتدور الأقاويل والنكات والشكوى المريرة المعتادة من الامتحانات وتهور بعض الأساتذة. دخلت هي تلبس ثوباً ذا أكتاف عالية وأكمام تغطي ساعديها لكن فتحة الصدر كانت واسعة وكان على صدرها قلادة قالت بعض البنات إنها ليست ألماساً أصيلاً. في الحفل عازف عود وDG للرقص الأوروبي وصبي نحيف أسمر يغني أغاني محمد عبد المطلب القديمة ومعهم ضارب طبل عجيب يركز على الطبل ولا يرفع عينه عن الأرض. لا يعرق ولا يضحك ولم نر عينيه أبداً وكان إيقاعه بديعاً حتى أن بعضنا أصر عليه أن يستمر بعد توقف المغني عن الغناء. وهي لم تكف عن الرقص ولم تأبه بأحد أبداً ولم تكن تعرف لا العروس ولا المعرس ولا أقاربهما. والحارس يركز العينين عليها. تلاقت عينانا أنا وأخي خالد وتغامزنا وحكى لي في نفس الليلة، متأخراً بعض الشيء، أي حوالي الثانية صباحاً وكنا نتقاسم غرفة النوم في بيتنا المطل على أرض الجولف التي استثمر في تطويرها عمي ماجد ومجموعة من أصدقائه ودرت عليهم أرباحاً عظيمة بسبب إقبال اليابانيين عليها إذ كانوا يأتونها بالطائرة خصيصاً يبقون يومين أو ثلاثة في الغرف الملحقة أو بالفندق التابع للجولف ثم يعودون بالطائرة لبلادهم. عمي ماجد يقول ذلك أرخص لهم من ممارسة هوايتهم في طوكيو ونواحيها. بلادنا صغيرة وجميلة ونحن طيبون لا نقترب من الأجانب ولا نخدشهم أو نؤذيهم. يصرفون عندنا مدخراتهم ونحن بما في ذلك الحكومة والتجار فرحون. وقد عملت الحكومة ـ جزاها الله خيراً ـ إعلاناً في تلفزيون الجزيرة تظهر به ملعب الجولف والبحر والصحراء، وكأننا في كوكب آخر، الإعلان يقول "بلادنا أجمل... وأرخص".

*   *   *

يبدو أنني أضعت موضوعي. وهذه عادة سيئة وقديمة وطبع حتى أن أستاذ التاريخ نبهني مراراً حين أسترسل في سؤال أن أركز ولا أخرج عن الموضوع. ما لنا نحن والجولف وعمي ماجد. أردت الحديث عن فريدة..

إنها فريدة. اسمها فريدة وهي فريدة. من يتخيل فتاة في العشرين تركب سيارة الشبح.. مرسيدس 500 SEL ذهبية بمفردها ومعها سائق حارس ذو شارب عريض وزندين ـ ما شاء الله ـ مثل أبطال كمال الأجسام!! بعد التقاء عينينا أنا وخالد تقدم هو نحوها ولم يحادثها. يرقص معها دون كلام أو اهتمام. وعند توقف الغناء انتحيا جانباً وأخذا يتحدثان وأشعلت فريدة سيكارة مما لفت الأنظار إليها أكثر، وإن لم يكن مستغرباً، غير أن الشباب اليوم والشابات حريصون على صحتهم وليسوا مثل أبائنا فهم لا يدخنون، يلعبون رياضة، وقلما يشربون خمراً. لكن أباها الذي لم يكن يدخن أو يشرب الخمر بسبب الفلوس والحسرة عليها قتل نفسه. قتله الطمع وقلة الحيلة. سكتة قلبية غير مفاجئة بعد أن امتلأ قلبه بخزي الظلم. هذا قدره أو ساعته. هكذا هي الحياة. أناس طيبون ومنا أيضاً الأشرار. كل ذلك بسبب هذه السيارة الشبح المرسيدس 500 SEL الذهبية. الأب كان أبوه يملك مصنعاً للثلج وكان ذلك في حينه حدثاً عظيماً حتى أن البعض منع أو حرم استعماله باعتباره من عمل الشيطان. وحين كبر تزوج وعمره ستة عشر عاماً وبعد ثلاثة أعوام التحق بالجيش وكان حظه أن يصحب تلك الكتيبة التي بعثتها الحكومة لتساعد في حرب 67 التي منينا فيها بهزيمة منكرة فعاد منكسر الروح مثل كل زملائه الذين لم يحاربوا وظلوا أياماً تائهين في صحراء سيناء والطائرات تقصف كل ما حولهم بلا رحمة حتى بعد إذلال الهزيمة وإعلانها. وبعد أن تدخلت الدولة بأعلى مستوياتها لدى أصدقائنا الأمريكان عادت الكتيبة للبلاد، وهو لم يعد مزهواً بنفسه وفحولته، وكان الأولاد في الشارع يبتعدون عنه ويسخرون منه. وطلق زوجته التي لم تر فيه رجلاً، رغم شرحه لها بأن السبب هو السياسة والساسة والأمريكان. أرغمته على هجرانها بالفراش وانتقمت منه ومن غطرسته وطول لسانه وتآمره عليها وطلبت الطلاق. طلقها وفي نفسه حسرة من يرى نفسه دون مهارة أو معنى أو وجود. وتحدى مصيره وصبر ومكر وظفر وانكسر. وذات يوم كان في طريقه من إحدى القواعد العسكرية وهو يقود سرية جنود تنتقل لقاعدة أخرى، مر بإحدى القرى وسمع أحد الجنود يشتكي من تقريع الأولاد للسخرية. فالجنود كانوا يمشون بخطى عسكرية مبرمجة، وبصوت يمتحن الأرض على صلابتها، فاشتعلت نفسه كبرياء وغضبا، وكأنما الهزيمة لم تكن كافية للإذلال، فهاهم حتى أولاد القرى الفقيرة يسخرون منه، عندئذ أوقف السرية وأمر برفع البنادق ونادى على كل الذكور في القرية ليأتوا للميدان، وألقى فيهم خطاباً نارياً قال فيه نحن حماة الوطن.. وحين همهم الناس توقف صارخاً وأعلن إذا لم تأتوني بمن أهان الجيش فلن تذهبوا لبيوتكم هذا النهار. تأخرت السرية عن وصولها للمكان المقرر فجاء عقيد يبحث عن السرية، وإذ وجده يحيط بأناس مكومين في دائرة مخفضي الرؤوس ومن أعمار مختلفة. تقدم نحوه بخطى عسكرية وسأله عن الموضوع فضرب السلام العسكري للعقيد وصفقت قدماه بحذاءيهما الأسودين اللامعين وقال للعقيد "لقد دافعت عن شرف العسكرية" صافحه العقيد وأمر السرية أن تترك الناس وبعد ذلك أتت له ترقية الجندي الشهم، فأصبح ملازماً وعاودته طبيعته الأصلية في الغطرسة وتزوج ثانية وبعد سنتين وُلدت فريدة.

المعذرة كان هدفي أن أتحدث عن فريدة لا عن أبيها المزعج السمج. وما جرى له كان يستحقه.

*   *   *

رأيت أبيها حين أخذني خالد لبيتها نركب الشبح Mercedes 500 SEL  وهي وخالد يجلسان بالخلف وأنا بالمقعد الأمامي مع الحارس ذي الشارب الأسود الكثيف وزنداه معضلان الذي كان يركز النظر على ما يدور بالمقاعد الخلفية من مرآة السيارة أمامه. لم يكن هناك ما يزعج، النظر فقط. يداهما ملتصقتان ببعض مرة ترتميان على فخذه ومرة على فخذها، وضحك بينهما وكلام أحاول أن أنصت إليه مثل الكلمات المتقاطعة تحتاج مرات للتفكير في ربطها بعضها ببعض. وبيدها سيكارة وخالد لا يدخن بل يكره رائحة السجائر، ويفتح الزجاج والهواء البارد يطرد الدخان أو يبتلعه، وهي تتكلم عن أبيها. عرفتنا على أبيها في شقته بالطابق الأعلى.. بالروف. في السطح مساحات واسعة وزرع. بقدونس وخضروات أخرى.. وبيت للدجاج. كان ينتظرنا. قال خالد لها بما أنني أدرس الحقوق فقد أساعد والدها. الوزارة تغيرت أول أمس ووزير الداخلية الذي عقد والدها الصفقة قبل أسبوع معه خرج من الوزارة. وجدت والدها في بدلة كحلية غامقة وقميص أصفر لم تكن ياقته بسعة رقبته فبقيت أزرارها مفتوحة ورباط عنق أحمر. ووجهه غليظ وزبد على شفتيه وهو يتكلم بشكوى مريرة. "والآن؟؟" كان يملك العمارة التي يسكن بها. تطل على البحر مباشرة. واحد وثلاثون طابقاً. وهو يسكن الطابق العلوي الذي به شقته فقط مع حديقة وكرسي خشبي طويل ينام عليه في الليل يحسب ويحاسب ويفكر ويمكر. والوزير كان أمكر. وفريدة تقتحم الأفراح والمطاعم الباذخة وتتمكيج وتتغنج تريد أن تستعيد مالها. حلال أبيها الذي خدعه الوزير، وغادر الوزارة بعد أسبوع من شراء الشقة. "والآن؟" كان يسألني، وفريدة لم تترك يدها يد خالد، وهي تؤكد لأبيها "لا يمكن السكوت.. هو ـ تعني خالداً ـ سيساعدنا" الملعون خالد قال لها الكلام الذي لا يُصدَّق عن إمكاناته ومعارفه، وهي الغبية صدقته. لهذا أخذني خالد عند والدها بصفتي أدرس الحقوق وأبوها فرح بنصيحة قانونية دون ثمن من أصدقائها. وهو لن يخسر شيئاً. سيتحدث ويستمع. فليستمع.

*   *   *

نستمع لرتل السيارات الذي يصحب الوزير في زيارته. نستمع لفرقعة أقدام الحارسين المدنيين اللذين قفزا من السيارة ما إن وصلت العمارة وفتحا الباب للوزير. نسمع ذهول بواب العمارة وإسراعه لإبلاغ مولاه بوجود ضيف كبير. الوزير يسير بتؤده وثقة ويزرر جاكتته بعد أن عدل ربطة العنق وفي الطابق الثاني دخل البواب دون استئذان على والدها الذي أساءه أن يدخل البواب دون استئذان أو حتى دون أن يدق باب مكتبه. كان قد خلص تواً من صلاة العصر لكن أكمام القميص مازالت مرفوعة حتى الكوعين ولم يلبس جواربه ولا الحذاء وقبل أن تنطلق شتيمة من فمه أو كلمة تعنيف للبواب رأى الدُرج الأوسط في المكتب مفتوحاً فأسرع منبطحاً على المكتب وعجيزته مثل خلفية السيارة الشعبية فولكس واجن القديمة، وطرف المكتب ضرب صدغه ضربة ظلت حمراء طوال اليوم والوزير يدخل مع الحارسين.

ـ "السلام عليكم
التفت والدها وهو لما يتفرغ لشتم البواب، منبطحاً على المكتب والألم في صدغه وقدماه بدون جوارب ومعلقتان في الهواء، رأى رجلاً مهاباً، هكذا رآه لأول وهلة، رجل نفوذ، كما يظهر من طريقته الهادئة الواثقة في عبارة "السلام عليكم" ومن جلوسه على كرسي مقابل المكتب الذي ما زال والدها منبطحاً عليه ومن دخوله المكتب دون استئذان ثم طلبه من الحارسين مساعدة "الحاج" على النزول إلى الأرض ولم يكن بد من أن يمسك أحد الحارسين بقدميه لينزل بهما للأرض وأن يشد الآخر "الحاج" من حزام البنطلون وهو منبطح على المكتب وقدماه السابحتان في الهواء مازالتا مبللتين بشيء من برودة ماء الوضوء يضع يده على صدغه الأيمن والألم في فكه وعيناه نحو هذا الضيف الذي ما استأذن ولا حدد موعداً مسبقاً لزيارته. يأتيه بغتة، والدرج الأوسط في المكتب مفتوح، ويأمر الوزير الرجلين اللذين يصحبانه بسحب الحاج من قدميه وبنطلونه وإيقافه معتدلاً. وقف على قدميه وأخذ يعدل أكمام قميصه وعيناه تدور في الغرفة والغرفة والأشخاص يدورون في ذاكرته. لم يتذكر أحداً منهم. والوزير قال له "البس حذاءك واجلس" ثم طلب من مساعديه أن يأتوه بالجرائد ليقرأها وقال له "أنا سأقرأ الجريدة.. خذ راحتك حتى تكمل لبس ملابسك وتجلس مرتاحاً" انصاع للأمر وهو يتذكر كل من عرفه سابقاً ولا أثر لهذا الوجه في ذاكرته. الوزير يقرأ الجريدة ولا ينظر إليه. وهو يلبس الجاكتة السوداء ويعدل وضع رباط العنق الأحمر ويشد خيوط حذائه والقلق يجثم عليه. كمين؟ لم يعمل غلطاً منذ سنوات. وكل شيء محسوب بدقة. ما هذه المفاجأة. جلس على الكرسي ينظر للرجل الذي يقرأ الجريدة ولا ينظر إليه والحارسان غادرا الغرفة. حين شعر الوزير بأنه ارتاح في كرسيه وشد رباط حذائه وعدل ربطة العنق وضع الجريدة جانباً.

ـ  الله يتقبل صلواتك
ـ  شكراً سيدي
ـ  لست سيدك.. أعوذ بالله. أنت سيد كل الناس. بهذه العمارة الجميلة.. أنا لا أغبطك.. أنا أهنيك..
ضحك والدها وقال
ـ  ربنا هو الرزاق
قال الوزير
ـ  ولا أحسدك
قال والدها
ـ ولماذا الحسد.. الأغنياء عندهم أكثر وأكثر... أنت ماذا تعمل؟
قال الوزير
ـ أنا وزير الداخلية.. ألا ترى صوري في التليفزيون والصحف والمجلات؟ ألا تقرأ شيئاً أبداً؟
قال والدها وهو يعدل ياقة القميص والعرق بدأ يسيل على وجهه العريض وصلعته اللامعة
ـ  لست ممن يقرءون.. أنا فقط في شغلي لا أتدخل في السياسة ولا أعرف عنها شيئاً.. زوجتي سيدي الوزير مريضة وابنتي تركت المدرسة من زمان وهي لا تقرأ الصحف ومثلي لا تتدخل في السياسة.
قال الوزير
ـ  الله يبارك لك.. لكن العمارة منذ أن بدأتَ  بناءها وأنا أنظر لها ولهذا الموقع الجميل.. سمعت أنك تسكن في الروف كما سمعت عن حبك للدجاج والبط وأنك لا تأكل إلا من مزرعتك في السطح.
قال والدها
ـ  الله يبعدنا عن الأكل الكيماوي.. كل المحلات تبيع دواجن مخلوطة بالكيماويات.. أنا أخاف الكيماويات
قاطعه الوزير
ـ  وأرخص...
هز والدها رأسه موافقاً
ـ  طبعاً أرخص.. لولا الحرص يا سيدي ما تمكنت من بناء هذه العمارة
قال الوزير
ـ  مبروك عليك.. وأنا كلما رأيتها تمنيت أن تنتهي من بنائها حتى أسكن عندك.
فرح أبوها ومد ذراعه مستبشراً
ـ  هذا شرف لي ولعمارتي أن يكون بين السكان شخصية محترمة مثلكم.. أنا سعيد بذلك...
قال الوزير
ـ  لقد زرت العمارة قبل أسبوع ألم يخبرك البواب بذلك. زرت عدة شقق. وأعجبتني الشقة 3015 المنظر منها جميل.. البحر أمامي والسماء ولا أرى وأنا في الصالة أو غرف النوم أي مبنى أو شارع أو ناس.. هدوء ونقاء الهواء لقد زرتها مرة ثانية أول أمس في الليل مع زوجتي وأبنائي وكلهم متلهفون للانتقال عندكم ألم يقل لك البواب ذلك. أنا قلت له أن تطلبني بالهاتف
قال أبوها
ـ  والله العظيم ابن الكلب لم يقل لي شيئاً عنك.. الكلب لم يقل لي شيئاً وإلا كنت سأتصل. كيف لي أن أحصل على شرف أكبر من سكناك عندنا.. الكلب هكذا يُقّدم ويؤخر ويفعل كل سوء وأنا لا أدري عنه.. بمن نثق سيدي.. الكل ينهش بطريقته تعتقد لو أتيت ببواب غيره سيكون أفضل.. لا أبداً كلهم محتالون لم يبق غير الله محل ثقة.. الله وحده
قال الوزير
ـ المهم.. كم سعرها
قال أبوها، وهو يبتسم ويمسح العرق من رأسه ورقبته.. هذه الشقة أربع غرف نوم وغرفة للخادم بها حمامها أكثر من 235 متراً مربعاً وغرفة طعام ومطبخ واسع وصالون يجلس فيه أكثر من عشرين شخصاً مرتاحين.. وعلى البحر مباشرة والمغرب، عند الغروب يقول الزوار تحتاج لرسام أو شاعر.. هؤلاء ليس عندهم فلوس المهم سيدي سعرها المكتوب في الدفتر هو 450 ألف دولار ولكن أنتم لكم سعر خاص طبعاً سأعطيها لك بتخفيض لا يحلم به بني آدم تقديراً لتشريفكم السكن معنا..
قاطعه الوزير
ـ  كم؟
قال فرحاً متأكداً من فرحة الوزير بعرضه.. لكم بنصف القيمة 250 ألف دولار
قال الوزير بنفس اللهجة البسيطة الواضحة والواثقة بدون لف ودوران أو تزييف مصطنع
ـ  أنا عندي 25 ألف دولار
قال والدها
ـ  أنا ما عندي تقسيط ولا أتعامل مع البنوك أنت تكلم مع بنك تعرفه ونقسط الباقي
قال الوزير
ـ  أنا لا أريد أقساطاً.. أنا لا أتعامل مع البنوك.. بنوك ربوية.. ولا أحب الديون عندي فقط 25 ألف دولار.
لم يصدق والدها ما يسمع وقد اعتراه إحباط وخوف قال
ـ  25 ألف فقط.. لهذه الشقة.. سيدي لا بد أن أكون معتوهاً في مستشفى المجانين أو في المشنقة حتى أقبل هذا السعر.
قام الوزير واضعاً الجريدة التي كانت في حجره على المقعد وقال
ـ  مع السلامة
واتجه الوزير نحو الباب والحاج يرى باب مكتبه يقفل بعد مغادرة الوزير. بعد ذلك بدقائق عديدة سحب نفساً وهو يمسح العرق من جبينه، ولم يتحرك قيد أنملة من كرسيه. سحب نفساً وتأوه وأخذت عيناه اللتان غطتهما غشاوة تدور في الحيطان والسقف والباب.

*   *   *

المهم فريدة جاءت يصحبها السائق الحارس واسمه بالمناسبة حسن وهي تلقبه "حسون" وأحياناً "حسو" وكان أبوها قد بحث بين المهندسين وهو يبني العمارة ووجد "حسو" فأمره أن يصحبها حيثما تشاء ليلاً ونهاراً ويكون عيناً راعية عليها مثل أخته وفريدة كانت قد أصرت على والدها أن يشتري لهم الشبح مرسيدس 500 SEL لأنها تريد أصدقاء لها ولوالدها ذوي نفع أي واصلين.. ولديهم سيارات مثلها وهي عندها سيارة مثلهم وصارت تذهب لنفس مصممات ومصممي الأزياء مثلهم وحتى الكوافير الفرنسي المختص بالمجتمع الراقي وصلت له يصفف لها الشعر ويعمل المانيكير والباديكير. وهي مثل القطة. لا معذرة مثل النمرة.. لا تمشي الهوينا.. بل تسرع في مشيتها وتتماوج وتركز عينيها بإسهاب مثل قطة أو نمرة. وفي عينيها فزع ولا تنصت لمن يحادثها. كانت تريد مني أن أساعد أباها أو أجد لها من يساعده. قال أبوها بعد أن دخلت مكتبه مع فريدة وأخي خالد، وكانت فريدة ماسكة بساعدي وهو واقف أمام الشباك ينظر للخارج. عريضاً أصلع وبدون شارب وشفتاه ترتجفان حين يتحدث ولا تكف أصابعه عن التشابك والانفراج. قالت فريدة "بابا.. هذا أخو خالد يدرس الحقوق.. يعني محامياً.. يعرف بالقانون.. نحن لا يمكن أن نستكين.. لو سكتنا ستذهب كل العمارة" ولم يكن أبوها منصتاً لما تقول. لكنه لاحظ وجودنا. فتح الشباك وبصق على الشارع مرتين ثم نظر إلي وسألها "هذا محامي؟ جينز وقميص نصف كم؟ يا ابنتي هؤلاء يضحكون عليك" ردت عليه بصوت شبه آمر "بابا.. نحن لن نخسر شيئاً قل له الموضوع واسمع ما سيقول". تأهبت للاستماع والاستعداد للرأي والنصيحة وأخي خالد يضع يده بيدها.. جلس أبوها ينظر نحونا بعينين تائهتين وقال "أنت قولي لهما ما حدث... لا أريد السياسة ولا السياسيين أبداً أبداً".

فريدة استدارت نحوي وتكلمت بحنق وغضب وكبرياء ورغبة شديدة في الانتقام. "نحن هنا في غابة أم بلد قانون. لم نجد السيارة في اليوم التالي لزيارة الوزير. كانت في جراج العمارة والحارس يقسم أنه لم ير أحداً يأخذها. وباب الجراج مفتوح ليلاً ونهاراً فسكان العمارة لا يمكن أن نحدد لهم وقت الدخول والخروج. في الصباح لم نجد السيارة. أنا وأبي وحسو معنا ذهبنا للبوليس من مركز شرطة لآخر نفيدهم بنفس الكلمات وهم يحيلوننا من مكان لآخر أخيراً بعد الظهر وصلنا لقسم الحوادث وحين رآنا الضابط المختص أدخلنا مكتبه واستمع لما نقول وقال "إذن أنتم أصحاب الشبح الذهبي.. نحن وجدناها بالشارع ولم يكن بها أي وثائق ولم نعرف بمن نتصل أرسلناها فوراً لقسم التفكيك وهم الآن يفكونها ليبيعونها قطع غيار. سألها خالد "وبعد ذلك؟" وأنا وخالد متلهفان لنسمع الباقي.. كانت حدقتا عينيها قد ارتفعتا فوق.. للجانب الأعلى من العينين وشفتاها حادتين مكورتين وهي تكرر "أنحن في غابة"  سألناها أنا وخالد "طيب ما الذي حدث بعد ذلك هاهي السيارة معك" قالت بنبرة عالية "المهم ليس السيارة.. أبي حين سمع الضابط يفكك السيارة لبيعها قطع غيار أبي الذي اشترى الشبح من أجلي وبسبب إصراري وعنادي وقناعته بما أقول.. اشتراها منذ شهر.. شهر ونصف.. أبي استغرق في ضحكة عالية مستمرة "قطع غيار!!" وهو يحدق في وجه الضابط.. قطع غيار!! يضحك غضباً وجسمه كله يهتز كرقاص ساعة طويلة حتى سقط من الكرسي وأغمي عليه". رششناه بالماء ودلكناه وأخذناه أنا وحسو للبيت وأمي تنظر له وهي لا تتحرك في سريرها وقالت "من الأول قلت لكم لا داعي لهذه السيارة الغالية".

تقول فريدة "جلست قرب أبي وحسو بجانبي وأمي لا تحرك رجليها اللتين منذ سنتين توقفتا عن الحركة ولم يعرف الأطباء لذلك سبباً وأخذ وزنها يزيد ويزيد وخادمتان يجلسانها على الكرسي للذهاب للاغتسال. أبي في الثامنة مساءً فتح عينيه ونظر لي وفي وجهه ابتسامة وقلت له "ما عليك... سأدبر الأمور" تنفس نفساً طويلاً وصدرت منه آهة حارة وطويلة وأشاح بوجهه عني قلت له "سجل العمارة باسمي.. يا أبي أنت مريض وأمي مريضة وأنا وحيدتك لماذا يذهب قسم من ورثك لإخوانك وأخواتك وأبنائهم وهم لم يسألوا عنك ولا وقفوا معك في شدتك تذكر يا أبي حين فصلوك من الجيش والفلوس التي أودعتها باسم أخيك. لم يعد لك منها أكثر من نصفها"

هز رأسه موافقاً وعيناه جاحظتان. وضعت يدي بين يديه قلت "اسمع كلامي" وأمي رفعت صوتها وهي في الفراش "اسمع كلامها من أحسن منها يحفظ ذكرك" مسح جبهته بيده أعطيته منديلاً مسح رقبته وأشاح بوجهه عني مرة ثانية. أنا قمت وجلست مع حسو نحسب بدقة السيارة أم نبيع الشقة بهذا الثمن البخس. كنت تائهة وحسو حبيبي أحاطني بذراعيه وأخذت أنتحب على صدره قال "انسي السيارة" لكني أبعدته بيدي بعيداً ورحت أنظر إليه وداخلني شك في قصده ورأيت من الأفضل أن يسكن الوزير عندنا وتعود السيارة لنا.. سيارتي الذهبية.. ألفت مقعدها وتعديل الماكياج في مرآتها الأمامية وعرفت أرقام المحطات التي أحبها في الراديو.. أحبها" أسرعت لغرفة أبي وهو ينظر لي من فراشه وأمي كذلك. قلت "بابا.. أقترح عليك أن تبيع الشقة بالثمن الذي طلبه الوزير.. ويسكن عندنا وسيكون للعمارة أسعار أفضل" قال بسرعة "يا بنتي والسيارة" قلت له "ستعود.. هل تصدق أنهم بهذه السرعة فككوا السيارة قطع غيار.. الشبح يفككونها وهي جديدة إنها عندهم في مكان ما"  في صباح الغد أخذ أبي التلفون وتكلم مع الضابط المسئول في إدارة الحوادث.. الضابط الذي زرناه بالأمس. لم يكن الحديث طويلاً

ـ  "صباح الخير.. قل لمعالي الوزير يأتي يوقع العقد.. بالمبلغ الذي يريد. هذا شرف لنا وتعيدون السيارة.. السيارة تعود"  قال الضابط

ـ  "السيارة تعود لكن الوزير لن يأتي لك ثانية.. أنت تبعث لي العقد بــ 25 ألف دولار موقعاً منك وأنا أقترح على الوزير أن يوقع بعد ذلك"  أخذت عقداً وقعه أبي بيد مرتجفة وأخذته مع حسو للضابط. قال لي

ـ  "اذهبي لبيتكم وسأتصل فيما بعد. بعد الغداء ونحن ننتظر بعد أن فرطنا بالشقة والسيارة اتصل الضابط "سآتيكم حالاً" قلت للبواب أن ينتظره وجاءنا بعد عشر دقائق البواب راكضاً بيده مفتاح السيارة والعقد موقع من الوزير. نظرت من الشباك ورأيت السيارة طار قلبي من الفرح وركضت نحو حسو ورميت نفسي على صدره وأنا أبكي فرحاً.

*   *   *

القصة لا تنتهي هنا.. لابد أن نعرف كيف تمكن أبوها من عمل هذه الثروة. لكن فريدة منذ ذاك اليوم رأت أن من الأفضل أن تصادق الناس الذين ينفعون.. ليس حسو وأصدقاؤه فقط. ومع الأسف لم يكن لأبيها أصدقاء أو أقارب يوثقون.. ولم يكن أبوها ليسمح لأي من أقارب أمها في الاقتراب من عائلته وثروتها.. هكذا بدأت فريدة بالتعرف علينا.. أي حفلة تدخلها ممكيجة تلبس أغلى الثياب والساعات والأقراط وأخي خالد مازال معجباً بها.. ربما يحبها.. لا أظن ذلك.. ربما كان طامعاً بمالها وربما كان عاطفاً عليها خاصة بعد استقالة الوزارة وخروج الوزير من مهامه الحكومية ـ بعد أسبوع من بيع الشقة له.. ودخولها على أثر ذلك مع أبيها في أزمة نفسية لم يفد معها لا شيوخ الدين ولا السحرة ولا الأطباء. أصبحت فقط تعض أصابعها وتقرض أظافرها وهي ممكيجة وفي أغلى ثياب. في الليل وأنا أستمع لخالد كان فعلاً عاطفاً عليها. حزيناً. يذهب لها كل يوم في الخامسة مساءً ويجلس في الصالون وهي في حضن حسو تكرر شكرها لخالد وزيارته لها وتحكي عن مصابها.. هي تشعر أنها المسئولة عن بيع الشقة ليس لها أصدقاء واصلين يخبرونها أن الوزارة ستتغير قريباً. لم يكن لها معارف واصلون. أنام وخالد يسهب في الحديث عن فريدة. قلت له "حين رأيتها أول أمس في مطعم الأريكة الخضراء.. رأيتها.. القوام والرقبة الطويلة والخصر وتدويرة الوسط الحلوة.. رأيتها بصراحة كالتماثيل الفرعونية جمال التقاسيم ودقة التفاصيل لكن بلا روح".

ما علينا من فريدة جمالها وقرض أظافرها.. المهم كيف عمل أبوها ثروته، وكيف مات.

*   *   *

فصلوه من الجيش لأنه طمع وتخابث حين تغير الضابط الذي يشرف عليه ويتقاسم معه الإتاوة التي يتقاضونها عن كل طائرة تهبط في الليل في الصحراء مرتين في الأسبوع وأحياناً ثلاث مرات وهي محملة بالويسكي أساساً لكن بعد ذلك قيل إنها أيضاً تهرب مخدرات ومتفجرات. والشائعات عندنا أكثر من الوقائع والناس ينقلونها ويصدقونها لأن كل شيء محتمل. الإتاوة خمسون ألف دولار له عشرون ألف دولار عن كل طائرة ورئيسه ثلاثون ألف دولار. رئيسه اغتنى واشترى أرضاً وبنى عمارة الورد على اسم ابنته وردة. كان رئيسه قد بدأ الاتفاق مع وكيل الطائرة قبل التحاق أبيها في هذه البقعة البعيدة عن المدينة والتي تشبه الإقصاء. فبعد أن رقوه إلى رتبة ملازم بعد انتفاضته للشرف العسكري وجرأته بتأديب سكان القرية الفقيرة دون إذن من أحد ارتأى بعض قادته أنه أحمق فأبعدوه للحدود الشمالية عند تلال الراشدية التي لا تخلو من شجيرات غالباً عجفاء يابسة وإن كانت في الربيع تخضر وتتشعب. وقد قضى هناك أشهراً ينام في النهار وفي الليل يأخذ السيارة بمفرده الجيب يتجول في الصحراء ورأى ذات ليلة نور ينزل على الأرض. لم يصدق عينيه.. اقترب بسيارته نحو ذاك المجهول وإذ أصبحت الرؤية واضحة رأى طائرة وسيارات متنوعة تقف إلى جانبها وأشخاصاً يسرعون بإنزال صناديق من الطائرة للسيارات فاندفع كالمجنون مسرعاً بسيارته نحو الطائرة ونزل يهز مسدسه بيده والأشخاص توقفوا عن العمل وهو صرخ بهم "مكانكم"

كان مستعداً لإطلاق النار على من يتحرك من مكانه وهبطت كف على كتفه وسمع صوتاً يناديه "أنزل المسدس" والتفت كان رئيسه الذي احتضنه وتفاهما بعد ذلك على القسمة بينهما. في البداية كان خائفاً وأودع المبالغ لستة أشهر باسم أخيه. وبعد أكثر من سنة نُقل رئيسه واستلم مكانه ضابط آخر منع عنه الإتاوة بل منعه من الخروج ليلاً. وحصلت محاولات ومكاشفات بينهما حتى اضطر رئيسه الذي رآه لا يستحق هذه المبالغ بالاتفاق مع رؤسائه أن يعطوه ترقية على حسن خدمته وينقلوه لمكان آخر. ولم ينفع احتجاجه ولا رغبته بل إصراره على البقاء في نفس المكان الذي يقول تعودت عليه فقد كانت الترقية والنقل قد وصلا مكتب وكيل الوزارة الذي وافق على النقل دون الترقية. أصابه الإحباط فقدم استقالته وقبلت في نفس اليوم. وبقي أشهراً في المدينة يفكر ماذا يعمل وكيف يحمي ثروته من بطش الأنذال.

تزوج أم فريدة التي أنجبت بعملية قيصرية ابنتها الوحيدة بعد ثلاث سنوات من الزواج وكان مهموماً بالحفاظ على ثروته خاصة بعد أن خانه أخوه ورفض أن يعيد له أكثر من نصف المبالغ المودعة باسمه. يجلس في المقهى يستمع من الأصدقاء شكاوى ضعف المعيشة وبؤسها ولا يبين عليه أنه يملك ثروة. يستمع ويستمع وأخيراً تعرف على سمسار للأراضي عرفه على مدير البلدية الذي نصحه بشراء أرض من الدولة على شارعين ولا يفصلها عن البحر سوى شارع عرضه ستة أمتار سيبنى بعد سنة تقريباً. وحين تأكد من المعلومة اشترى الأرض ودفع للسمسار ومدير البلدية نصف المبلغ المتفق عليه معهما. وأخذ يتجول في مدن عديدة يدخل عمارات مسكونة وأخرى تحت الإنشاء ويستفسر عن المقاولين ويقرأ إعلانات مكاتب الهندسة وفهم أصول البناء واختار مهندساً معمارياً مغموراً وقال له "أريد عمارة مثل عمارة الورد وأعلى منها بعشرة طوابق" يذهب معه مرة أو مرتين في الأسبوع للعمارة التي كانت توشك على الانتهاء.. في الظهيرة أو في الليل أو في أي وقت يراه مناسباً ويتحدث ويسأل حتى تفقه في البناء وحيله وكيف تبنى العمارات بأرخص ما يمكن وكيف تباع الشقق وتؤجر بأخبث العقود. وانتهت أعمال البناء والتشطيب وقد دخل بخلاف مع كل المقاولين الذين شتموه وأقسموا أن لا يعملوا معه مرة ثانية. بنى واحداً وثلاثين طابقاً. سرداب من طابقين جراج لمئة سيارة والدور الأرضي لمتاجر والدور الوسيط (الميزانين) أجره لمطعم وكوافير رجالي/ نسائي ومكتب هندسي إلكتروني لتركيب وتصليح التلفزيونات وتوصيلات الفضائيات وما شابه ذلك، و88 شقة من مختلف الأحجام أكبرها التي اختارها وزير الداخلية السابق. وفي الطابق الثاني اختار مكتباً للتأجير والبيع والتأثيث والقيام بإنهاء كافة مستلزمات القيد العقاري.

كان يداوم فيه مع صبي حضرمي وفراش فلبيني لإعداد القهوة أو الشاي للزائرين من الثامنة صباحاً حتى ما بعد التاسعة مساءً. وحتى الغداء كان يطلع لشقته بالروف وخلال نصف ساعة يصلي الظهر ويأكل لقمة ويعود لعمله. ولم تنجب له زوجته التي قلما تخرج من الشقة سوى فريدة وهو على كل حال لم يكن راغباً في الإنجاب. فريدة تكبر بين عينيه هي والعمارة. يقبلها ويحتضنها وتنام على كتفه ويفكر ويكرر "كل هذا من أجلك يا حبيبتي" وحين شب نهداها في الثانية عشرة صار العمال والمهندسون في العمارة يحيطونها بأعينهم ومنهم حسو الذي كان مشرفاً على الأعمال الكهربية ووجه نصائح مخلصة عديدة لأبيها وطلب منه الأب مرات ومرات أن يصحب فريدة للتسوق وهي تكبر أمام عينيه وصار اسمه في البيت مثل اسم الأخ حتى حين كبرت وبلغت الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين. عينه عليها دائماً ليلاً ونهاراً حتى أنه في ليال عديدة ينام على كنبة في الصالة حين تتأخر في إحدى السهرات.

*   *   *

فريدة تقضم أظافرها.. وفيم يفيد قضم الأظافر! بعد أسبوع واحد من تعيين الوزارة الجديدة دخل العمارة القادم الجديد، الوزير الجديد، الذي فرح بما سمع عن الشقة والشبح، بين ما سمع من معلومات سارة من معاونيه ومساعديه، ولم يتأخر في الصعود للطابق الثاني على الدرج مسرعاً كالغزال دون أن ينتظر المصعد ودخل المكتب دون استئذان وما أن شاهده أبوها دون أن يسأل عن شخصه أو اسمه بعد، وكأنما الوزراء يتشابهون في سيماهم أو هيبتهم أو طريقة تحدثهم مع الآخرين. ما أن رآه والدها وهو يجلس على المقعد بثقة ويفتح الجريدة حتى قام من مكتبه وفتح الشباك كمن يريد أن يتنفس وألقى من الطابق الواحد والثلاثين بصقتين في الهواء الطلق.  


القاهرة 1/1/2008