رسالة سوريا

احتفالية دمشق عاصمة الثقافة 2008

باسمة حامد

شهدت ساحة الأمويين في الحادي عشر من شهر يناير فعاليات الافتتاح الكرنفالي الشعبي لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 تلاه الافتتاح الرسمي في التاسع عشر من الشهر بدار الأسد للثقافة والفنون.

فبحضور حشد من المهتمين و الإعلاميين افتتح الحفل الشعبي الذي أقيم على محوري ساحة الأمويين من جهة وجبل قاسيون من جهة أخرى بألعاب نارية و بهلوانية ومواكب احتفالية وصور لمدينة دمشق تطلق بالفراغ و قد نظم بالتعاون مع شركة ايطالية متخصصة على وقع  موسيقى دمشقية تناغمت مع المشهد البصري الذي بث على الهواء مباشرة على أكثر من قناة فضائية.

وأطلق الاحتفالية رسميا الرئيس السوري بشار الأسد بحضور كل من السيدة عقيلته والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر وعقيلته والرئيس التركي عبد الله غول والرئيس اللبناني السابق إميل لحود وعقيلته والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والأمين العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنجي بوسنينة وعدد من وزراء الثقافة العرب والمشاركين والمدعوين العرب والأجانب.. و كان الاحتفال قد بدأ بالنشيد العربي السوري.. ثم ألقى الرئيس الأسد كلمة بهذه المناسبة أكد من خلالها على أن لدمشق "معنى كبير حاضر في الوجدان العربي بوصفها مدينة الثراء الروحي" و أنها مدينة "ذات أسوار وأبواب لم تغلق نوافذها في وجه الريح يوماً".

من قاسيون إلى غرناطة
وكانت  الأمانة العامة لاحتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008" قد أعلنت في مؤتمرها الصحفي الذي عقد في القاعة الدمشقية بالمتحف الوطني بدمشق مؤخرا، برنامج الاحتفالية التفصيلي للأشهر الثلاثة القادمة كما قدمت  لمحة عن نشاطاتها وفعالياتها لباقي أشهر السنة. وأشارت الدكتورة نجوى قصاب حسن مديرة الاحتفالية إلى سعي الامانة لتحقيق التوازن بين الفعاليات المحلية والعربية والعالمية، والتنويع بين الفعاليات الزائرة وما له علاقة بالتنمية المستدامة كهدف أساسي وضعته الاحتفالية، وعلى الأخص التوثيق والتدريب والتأهيل، عبر ورشات عمل ستقام على هامش الاحتفالية، ونوهت قصاب حسن إلى إطلاق الاحتفالية أيضاً في مدينة غرناطة الإسبانية في حفل فني للمطربة السورية وعد بوحسون  بمشاركة إسبانية حيث ستقدم أشعاراً لولادة وابن زيدون بمصاحبة فرقة إسبانية ستغني أشعاراً لابن عربي وذلك بقاعة السفراء في قصر الحمراء في إشارة واضحة على البعد الأندلسي والأموي.. وهو حفل استثنائي تم التحضير له بمساعدة وزير الإعلام محسن بلال وسفيري سوريا وإسبانيا.

موسيقا و سينما
بعد غياب لأكثر من عشرين عاما ستكون دمشق في 28 الشهر الجاري على موعد مع فيروز لتقديم عروض مسرحية "صح النوم" على خشبة دار الأسد للثقافة على مدى ستة أيام متتالية. وخلال الأشهر الأولى من الاحتفالية سيقدم شباب سوريون وعرب وأجانب تجاربهم الموسيقية ضمن حفلة باسم "بساط الريح" بسينما الزهراء، إضافة لحفلة للفنان نوري اسكندر بتاريخ 7 شباط وعرض للمخرج الهنغاري "ألباتشي" بالمسرح الدائري بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأوبرا كارمن وهي عمل مشترك بين أوركسترا الوطنية مع المركز الثقافي الفرنسي بدار الأسد للثقافة. وسيقدم الفنان الياباني "شيكاي" المختص بالرسوم المتحركة محاضرة، بالإضافة إلى عرض بعض من أفلام الرسوم المتحركة. ‏وقد ارتأت الأمانة العامة أن تبرز أنواعاً لم يتح لجزء كبير من عشاق الموسيقى في سورية فرصة الاستماع إليها كالموسيقى الإفريقية واللاتينية والأندلسية والكلاسيكية وموسيقى عصر الباروك، وفسرت قصاب حسان سبب تغليب الفعاليات الموسيقية خلال الأشهر الأولى بالقول أن :"الموسيقى لغة عالمية".

ولأول مرة في سورية سيقدم مهرجان الأفلام التسجيلية «Dox Box» الذي  يستقطب عدداً كبيراً من صنّاع هذا النوع من السينما، بالإضافة إلى تظاهرات سينمائية أخرى كسينما الهواء الطلق، وورشات عمل للمهتمين
بالسينما من الشباب، وعروض لأفلام سورية روائية طويلة مقتبسة عن أعمال أدبية هامة تناولت مدينة دمشق والتحولات التاريخية البارزة التي مرت بها، وهي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما. ‏

شهر الربيع
سيخصص شهر آذار جزء من الفعاليات للمرأة  بمناسبة عيد المرأة العالمي و عيد الأم ،و سيقام  أسبوع المبدعات السينمائيات بين 13 ـ 18 آذار ضمن فعالية "بيت السينما" التي ستستمر على مدار العام. وسيقدم عرض مسرحي بعنوان "الخبز اليومي"  لمخرجة أردنية، وعرض لأوركسترا ماري للمرأة وفرقة العازفات التونسيات والعمانيات، فضلا عن عرض أوركسترا دمشق للحجرة بتاريخ 13 آذار، وعرض للراقص البريطاني من أصل باكستاني أكرم خان بمشاركة فرقة الباليه الصينية يقدم فكرة الحوار الثقافي بين الحضارات.

فعاليات متنوعة
ستضمن الاحتفالية ضمن فعالياتها يوم "القراءة الشهري"  للتشجيع على القراءة وخاصة  للأطفال يقوم خلاله مبدعون بقراءة نتاجهم الأدبي للأطفال، بالإضافة لفاعلية ثابتة بالمتحف الوطني يتم خلالها إخراج قطعة من موجودات المتحف والتعريف بها تترافق مع حفل موسيقي لتشجيع الشباب على الحضور. على مدار العام سيتم حضور شخصيات ثقافية و فنية عالمية للمشاركة في احتفالية دمشق و منهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش والفنان التونسي لطفي بوشناق والفنان السوري صباح فخري وغيرهم ، إضافة لمهرجانات الجاز وغيرها من الفعاليات. وسيكون "نادي الذاكرة" من الفعاليات الثابتة على مدار العام و هو عبارة عن  لقاءات حميمية تجمع بين المثقفين والفنانين يتحاورون  فيها بأحاديث الذاكرة عن دمشق في مختلف المجالات.

معارض تشكيلية
ستنظم الاحتفالية عددا من المعارض الفنية و ستشهد دمشق افتتاح المعرض الاستعادي في الثاني من شباط بالمتحف الوطني ويضم المعرض محتويات المتحف والتي تعرض للحركة التشكيلية السورية منذ عام 1899 وحتى فترة الستينات ونوهت قصاب حسن "لحفظ هذه اللوحات بشكل رقمي" ومعارض للفنانين السوريين المعاصرين في متحف دمر ومعارض للشباب ضمن تظاهرة "فنانون بالمدينة" وسيتم تنظيم المعارض بالتعاون مع مؤسسات وطنية وإقليمية ثقافية خارج سورية كمعهد العالم العربي  في باريس ومؤسسة أوبنهايم ببرلين، إلى جانب معارض حول الخط العربي والفنون التطبيقية والصناعات اليدوية  السورية.

إصدارات و مؤتمرات
ستصدر الأمانة سلسلة مختارة في مختلف حقول الإبداع، على أن تصدر شهرياً بطبعات شعبية وأنيقة وبأسعار رمزية، الأمر الذي يشكّل نواة لمكتبة  صغيرة في كل بيت. ‏وستصدر الأمانة ثلاثة كتب كل شهر تُعنى بالإبداع السوري الجديد، كما تسعى الأمانة لتوثيق الشعر السوري وذلك عبر إصدار أربعة أجزاء من أنطلوجيا تغطي تجارب أجيال مختلفة من الشعراء  السوريين. ‏وسيتم ترجمة عدد من الروايات السورية  لكتاب سوريين من أجيال مختلفة إلى اللغات الأجنبية.‏ كما ستسعى لإصدار سلسلة لأعمدة الأدب السوري والرواد منهم و سلسلة من المذكرات لشخصيات هامة إلى جانب عدد من الكتب التاريخية التي تُعنى بمدينة دمشق. ‏ولتشجيع الحراك الثقافي بين المثقفين السوريين والضيوف العرب والأجانب، سيعقد الكثير من المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية ومنها مؤتمر بعنوان "المثقف وقضية المصير العربي" ومؤتمر "المدينة والتراث العمراني" ومؤتمر آخر حول  "العلاقة بين المدينة والثقافة" ومؤتمر خاص بالآثار عن "مفهوم المدينة من ماري إلى دمشق"، وإلى جانب ذلك ستكون هناك ندوات ومحاضرات متعددة  تجمع بين المفكرين العرب والأجانب. ‏

ملتقى الحضارات والرسالات
بمشاركة علماء وباحثين ورجال دين من سورية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا واسبانيا  اختتم الملتقى الفكري "تعارف الحضارات والرسالات في ظل الأسرة الإنسانية الواحدة" الذي يقيمه معهد جمعية الفتح الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف بالتعاون مع جامعة هارتفورد سيمنري الأميركية في المركز الثقافي العربي بمنطقة كفر سوسة بدمشق. ناقش الملتقى على مدى يومين عددا من المحاور الهامة كالعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين والوحدة الوطنية/ سورية نموذجا/ صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي وصورة الغرب في الإعلام العربي والإسلامي وأثر ذلك في السلام العالمي ـ التعارف سبيلا إلى الحوار والتعاون والتآلف بين أبناء الأسرة الإنسانية الواحدة ـ مدلول التعارف في القران الكريم وكرامة الإنسان وحقوقه في الشرائع السماوية مقارنة بحقوق الإنسان في القوانين الدولية.

كما عقدت حلقة نقاشية باللغة الانكليزية حول الملتقى الذي استمر يومين و حضره حشد من الفعاليات الثقافية والعلمية والدينية الإسلامية والمسيحية وعدد من أعضاء مجلس الشعب والدبلوماسيين العرب والأجانب.

مفهوم الحوار
وزير الأوقاف الشيخ الدكتور محمد عبد الستار السيد كان قد أكد فى الافتتاح أن الحوار "قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساسا إلى مبادىء الدين الحنيف وتعاليمه السمحاء" وهو موقف فكرى وتعبير عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهو ينشد الحق والخير والعدل والتسامح وكل أشكال التفاهم البشرى والحيلولة دون الفساد في الأرض.  وأشار السيد  في كلمته إلى أن الحضارة الإسلامية قامت على أساس "التفاعل الحضاري والحوار والانفتاح على الآخر" حيث أخذت عن الحضارات السابقة واقتبست من ثقافات الأمم والشعوب التي احتكت بها وصهرت كل ذلك في "بوتقة الإسلام" فكانت حضارة إنسانية لها اثر كبير في نقل روح المدنية إلى جميع الشعوب التي تفاعلت معها. وأشاد السيد بالوحدة الوطنية الراسخة التي تنعم بها سورية و  يتجسد فيها الإخاء الديني بأبهى أشكاله من محبة وتسامح وتعاون وتحاور،منوها إلى أن الحوار مفهوم جديد نسبيا في الفكر الغربي السياسي و الثقافي قائلا: "إن مفهوم الحوار تطور خلال العقدين الأخيرين من الألفية المنصرمة من الحوار بين الأديان إلى الحوار بين الحضارات والثقافات"..

ولفت الوزير إلى البيانات التي صدرت عن المسلمين حول الحوار الحضاري والثقافي على المستويين الرسمي والشعبي ومنها إعلان طهران حول الحوار بين الحضارات وبيان برلين عام 2000 حول الحوار والتعايش بين الحضارات وبيان الرباط عام 2001. كما أشار السيد إلى القلق الذي يسود العالم نتيجة ما يجرى على الساحة الدولية وسياسة الهيمنة الأميركية وتعاملها مع المجتمع الإنساني وفقا لمصالحها ورؤيتها و أهدافها ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالآخرين وما تبع ذلك من أحداث دموية تمثلت في احتلال أفغانستان والعراق وتنصل إسرائيل من قرارات مجلس الأمن الدولي و إمعانها في تكريس الاحتلال وسفك الدماء وانتهاك المقدسات في القدس الشريف،و نتج عن كل ذلك أن دعاة السلام والعدل في العالم واستشعارا لخطورة الوضع العالمي وجدوا أن "التفاهم و الحوار الذي ينسجم مع الروح الجديدة و مبادئ الشرعية الدولية الذي هو الحل  لكل بؤر التوتر في العالم" مع الاحترام الكامل للقانون الدولي و للخصوصيات الدينية والثوابت الثقافية ومرتكزات الهوية القومية.

الأب فادي عبد الأحد ممثل البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك انطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم نوه في كلمته بالوحدة الوطنية الرائدة في سورية، مؤكدا أن هناك من يحاول "تشويه" صورة الإسلام وكذلك المسيحية وهم في ذات الوقت "أعداء الإسلام والمسيحية" لأن الأديان لا تدعو إلى الحروب والعنف بل إلى المحبة والتعايش والخير لأنها "لا تتصارع بل المصالح المادية وحدها هي التي تتنازع". ‏

الحضارة و الثقافات
 بدوره اعتبر مفتي سورية  الدكتور أحمد بدر الدين حسون أن الحضارة الإنسانية "واحدة ترفدها ثقافات متعددة" لأسرة واحدة لا اختلاف بينها،رافضا مصطلح "صراع الحضارات" وقال  أن هذا ما يفعله من يدعون الحضارة الذين "خربوا وسرقوا آثار العراق ودنسوا المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وارتكبوا المجازر بحق شعبها".  وتحدث حسون في كلمته عما تعنيه الحضارة من "تكريم للإنسان الذي جعله الله أقدس مخلوقاته" ودعا جميع الشرفاء في العالم إلى العمل على بناء الحضارة الإنسانية الواحدة و التحلي بالقيم الإنسانية والتآلف والحوار.

الدكتور حسام الدين فرفور نائب رئيس جمعية الفتح الإسلامي والدكتور مصطفى البغا  أكدا في كلمتيهما على أن التعارف "أوسع" من الحوار لأنه يشمل التعاون بين أبناء الأسرة الإنسانية الواحدة،كما لفتا أن مصطلح صدام الحضارات مصطلح "مرفوض" وبديله حوار الحضارات وتقاربها وتعاونها وتحالفها. بينما رأت البروفيسورة الأمريكية كولين كيس من جامعة هارتفورد سيمنرى أن هذا  الملتقى يشكل "فرصة مهمة" تجمع الأكاديميين من مختلف أرجاء العالم للحوار وتبادل الآراء،مؤكدة أنها ستنقل للشعب الأمريكي الذي لا يعرف الكثير عن المنطقة و قضاياها ـ حب السوريين "للسلام" و سعيهم الدائم من أجل الحوار والانفتاح على الآخر.  ومن جانبه أكد البرفيسور إبراهيم أبو ربيع رئيس مركز ماكدونالد للدراسات الإسلامية أن الملتقى يشكل محطة جيدة تجمع المثقفين ورجال الدين والعلماء للتعرف بشكل أكبر على حقيقة العيش المشترك في سورية و هي الصورة المختلفة تماما عما تحاول الصحافة الغربية و الأمريكية "ترويجه" آملا استمرار العلاقة مع الهيئات والمؤسسات السورية في المستقبل.

كما أعرب الأستاذ توم فيردى من جامعة هارتفورد سيمنري عن ثقته بأهمية الملتقى لكونه سيسهم في "تفهم الشعوب بعضها البعض ومعرفة حقائق الأمور على أرض الواقع"،و دعا على ترجمة المزيد من الأعمال الدينية والتاريخية والثقافية العربية  إلى اللغات الأخرى وتعزيز دور الإعلام والتعريف بمبادئ  الإسلام ورسالته. وبدوره عبر الباحث في الشؤون العربية والإسلامية  روجر فان زاونينبيرغ عن أهمية التواصل بين الشعوب في هذه المرحلة الخطيرة التي يشهدها العالم،مشيرا إلى أن هذا الملتقى يشكل "إحدى المساهمات في هذا الاتجاه".

الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية أكدت في كلمتها على أهمية نشر ثقافة الحوار بين الشعوب من أجل التعريف بالمفاهيم الحقيقية للشرائع السماوية التي ينبغي أن تربطنا و أن توحد بيننا "بدل أن تستخدم سببا لبث الانشقاقات والانقسامات"،و دعت العطار  ‏ إلى تكثيف الجهود المشتركة على مستوى الإعلام ‏ والتعليم لزيادة الوعي بين الناس حيال حقيقة الشرائع السماوية "لمواجهة أفكار العدوان وثقافة الصدام ومنطق القوة والعنف التي يروج لها البعض لأغراض سياسية بحتة" ما يشكل اعتداء على القيم الإنسانية الأساسية.