استكمالا للأنشطة الأدبية والثقافية التي ينظمها ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب ومختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء،جاءت ندوة حول (لغة البوح في الخطاب السردي الروائي المغربي) يوم الجمعة 30أبريل2010 بقاعة الاجتماعات، حول آخر النصوص للروائيين المغاربة :لطيفة حليم،عثمان أشقرا، رشيد الجلولي ،عبد الله خليل،إبراهيم ديب وعبد القادر خلدون.وبمشاركة الباحثين والباحثات: أسماء نافع، نادية شفيق، نعيمة أسوكا، مستحية قاسيمي، عبد العزيز إدراح وعبد الله قدوري. وقد انطلقت أشغال هذا اللقاء ، الذي نسق أشغاله عبد الرحمن غانمي ، بكلمة لرئيس مختبر السرديات شعيب حليفي حيث أكد على أهمية قراءة المتن السردي المغربي الجديد لجيل يحمل الكثير من الجدة والجرأة والرغبة في الخلق. جيل ـ شأن الأجيال السابقة في سياقات أخرى ـ يريد الانعتاق والتحرر من الخطابات القاتلة للحياة ومن القتل اليومي لكل عناصر الجمال والقيم .وأشار شعيب إلى ضرورة مواصلة قراءة الأصوات الجديدة هنا وفي المدن النائية والصغرى والتي توجد بها أصوات قادرة على الإدهاش.كما أكد على المزيد من إشراك الباحثين الذين هم نقاد الغد القريب .
بعد ذلك تدخلت الباحثة أسماء نافع بقراءة في رواية (دنياجات) للروائية لطيفة حليم تحت عنوان «منى التي تحلم بدنيا جديدة» استهلتها برؤية تأطيرية أبرزت فيها خصوصيات هذه الرواية، التي انشغلت بالإجابة عن أسئلة كثيرة تتصل بعالم المرأة،من خلال بطلة الرواية " منى" هذه الأخيرة التي تحاول الخروج من شرنقة الماضي لتُجسد نموذجا جديدا وعصريا للمرأة العربية، مغايرا لنموذج "المرأة الدمية"،غير أنها تصطدم بالعديد من القيم المجتمعية التي تعيقها و تقيد تفكيرها. كما أبرزت الباحثة الدور الذي لعبه الرجل من خلال الرواية في تحجيم دور المرأة. وأخيرا ترى الباحثة أن رواية (دنياجات) هي رواية المجتمع ورسالة له، ليعيد النظر في التعامل مع المرأة.
وحول رواية (الجثة المكوفرة) لعثمان أشقرا تدخلت الباحثة نادية شفيق ،التي عنونت قراءتها ب «مرآة التاريخ» مفتتحة مداخلتها بفرش نظري عن الملامح الكبرى التي تؤطر مشروع عثمان أشقرا المعرفي، من خلال اختياره لسوسيولوجيا الفكر كحقل ومبحث معرفي يميل الركون إليه. كما أشارت الباحثة إلى الجانب التاريخي باعتبار أن الرواية تؤرخ لفترة حساسة من تاريخ المغرب الذي سجله المؤلف في أواخر عهد السلطان المولى الحسن وتولي السلطان عبد العزيز مقاليد الحكم. هذا المعطى الذي يكشف عن عمق حمولته، وانفتاحه على عوالم وانساق مختلفة تحيلنا بشكل أو بآخر للمعطى التاريخي.أما خصوصية الرواية ـ حسب الباحثة ـ فتكمن في تماهي البعد السوسيولوجي و التاريخي للرواية بشكل عام، باعتباره شكلا أدبيا يقوم على تعدد الخطابات و الانفتاح على أجناس تعبيرية أخرى.
أما المداخلة التي قدمتها الباحثة نعيمة أسوكا فكانت قراءة في رواية (الخوف) لرشيد الجلولي تحت عنوان «الخوف بين الوهم و الواقع: أي تقاطعات»، عرضت فيها لأهم ما يعتري البشرية من انفعالات تجسدت في تيمة الخوف المجسدة في الرواية، و التي شكلت حقلا خصبا للاشتغال على مجموعة من الأساليب التقنية، كانت بمثابة الخيط الرابط بين ما هو إنساني محض وما هو تقني فني.
وحول رواية (خلط الأوراق) لعبد الله خليل ،ساهمت الباحثة مستحية قاسمي بورقة تحت عنوان "الرواية وتشريح التفاصيل المقلقة" تناولت فيها ،ثلاثة محاور كبرى ألمت بحيثيات المتن السردي ودوره في تأجيج عواطف الشخصيات وتعايشها مع المجتمع وتشكلاته العديدة، أو التمرد عليه ومواجهة المصير والقدر المكتوب بثنائية المستقبل والمجازفة .
أما الباحث عبد العزيز ادراح فقد تقدم بمداخلة عن رواية كسر الجليد لإبراهيم ديب انطلق فيها برصد مختلف القضايا التي تهم المجتمع السفلي المتسم بالغرابة،بحيث قدم السارد متنا روائيا كان الغرض منه تشريح الواقع الاجتماعي بغية الوقوف عند المفارقات التي يعيشها هذا المجتمع. وأشار الباحث إلى جملة من الخطابات التي أعطت النص دينامية وحركية، جعلته يقارب مواضيع من قبيل الذات والآخر واللغة، إضافة إلى توظيف المكان المحرك للأحداث في ازدواجية بين المدينة والقرية وبين البلد الأم والبلد الأجنبي،هادفا في النهاية إلى كسر الجليد عن طريق الانطلاق والتحرر.
في المداخلة الأخيرة للباحث عبد الله قدوري، «السوسيوتاريخي و النفسي في رواية (أوسمة من رماد) لعبد القادر خلدون» تطرق إلى ما تحفل به الرواية من الوقائع التاريخية والاجتماعية التي عرفها المغرب إبان الحماية الفرنسية، وما صاحبها من قيم فكرية وسلوكات اجتماعية و سياسية، لذلك يمكن اعتبارها وثيقة تاريخية تقدم معلومات و معطيات عن الواقع الاجتماعي و السياسي، كما يمكن اعتبارها من الروايات التي تحاول الكشف عن المسكوت عنه في مرحلة من مراحل تاريخ المغرب المعاصر.إن هذه الرواية هي بمثابة إدانة لذاكرة جماعية ولمرحلة من المراحل التاريخية ولمشهد من المشاهد المأساوية التي عاشها الإنسان المغربي في كنف الاستعمار الفرنسي. كما تحدث الباحث عن مجموعة من الخصائص و المقومات، و التي تتضمن أبعادا ودلالات لا تخلو من قيم اجتماعية و سياسية و تاريخية،فضلا عن محاولة تجسيدها لمجموعة من المواقف كالخيانة و الغدر و الظلم و الخوف و الحب و الكراهية و العزلة و الوحدة والاغتراب.
وبعد استيفاء المداخلات أفصح عبد الرحمان غانمي، أن طرائق البوح و التسريد تتغي الكشف و العثور على الذات و التاريخ والمجتمع....أما قراءات الباحثين، فقد جاءت وفق التنويعات الموجودة في النصوص، انطلاقا من مقاربة مجموعة من التيمات الموجودة داخل المجتمع. واختتم اللقاء بشهادات للروائيين الحاضرين ،وكانت أول متدخلة هي الكاتبة لطيفة حليم التي أكدت أن روايتها ليست أنثوية كما ذهب إلى ذلك بعض من قرأها، وهذا المدخل يغيب الاهتمام بكثير من الجوانب الفنية في الرواية. وأكدت أن هناك نقادا استطاعوا النفاذ إلى كثير من الأمور العميقة بالرواية. وأشارت إلى ضرورة مراعاة الظرف التاريخي والاجتماعي للكتابة والشخصيات الروائية. وأكدت في الأخير أنها تتمنى أن يحرجها النقاد في استبصار عمق الرواية.
الشهادة الثانية كانت للكاتب عبد القادر خلدون وقد قال أن الكتابة بالنسبة إليه لم تنطلق من فراغ، فعشق الكاتب للسفر جعله يشرك كل الأماكن التي زارها في روايته. وحول الالتباس الذي حصل للبعض بخصوص علاقة روايته بالفيلم السينمائي الأهالي، أشار الكاتب أن الرواية سبقت الفيلم بسنوات لكن طبعها تأخر.
الشهادة الأخيرة للكاتب عبد الله خليل، افتتحها هو أيضا بتشويش الجسد والمرأة على تلقي روايته، إذ أن الكل اهتم بالجسد منصرفا عن كثير من التيمات التي تحفل بها الرواية، إضافة إلى تعدد أمكنتها وشخوصها. وبخصوص طول الرواية أكد أنها كتبت بسذاجة المبتدئ، وأكد الكاتب انه اكتسب من خلالها الصنعة الروائية. ووعد في ختام مداخلته بجزء ثان في القريب.