للعقد السابع بعد نكبة العام 1948، ولعقود خلت من الاستعمار، لم تتوقف الحرب على فلسطين، بشراً وأرضاً وحكايةً، وإن أخذ المحاربون استراحتهم الطويلة، وغرق الوطن الفلسطيني، بمن فيه ومن خارجه، في حمأة التجريب السياسي الذي لم يقرر مصيراً، ولم ينجز دولةً، ولم يحقق عودةً. غير إن بقاء فلسطين وجهةً موحِّدة وموحَّدة لبوصلة المحارب والسياسي، والمثقف محارباً كان أم سياسياً، فرض على الفلسطينيين سلوك قناطر عدة لبلوغ فلسطين، ولم يكن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين يوماً سوى واحدة منها. وعليه، فإن الأمانة العامة الجديدة الفائزة بقائمة وطنية موحدة في انتخابات العشرين من شباط للعام 2010، تعلن أن الاتحاد سيكون وسيلتها ـ القنطرة إلى غايتها ـ فلسطين، بكافة دلالاتها التاريخية والجغرافية والجمالية.
لا انفصام بين السياسيّ والثقافي إلا لمقتضيات الإمكان، ولا انفصام بين ما تقترحه الثقافة كأجندة للسياسة إلا لأغراض تحقق الممكن على مهله في زمن تصارع الإرادات والإدارات. أما الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، فلا ترضى بسماء سياسية واطئة لحلّ القضية الفلسطينية، سماء لا تمنح حلاً يصحح الخطأ التاريخي المتحوِّل إلى خطيئةٍ يوماً بعد يوم، الخطأ ـ الخطيئة الذي شرَّد اللاجئين وحال دون قيام الدولة. الحلّ السياسي المشتهى، وإن بدا خارج دائرة الإمكان في راهن الفلسطينيين غير الباعث على التفاؤل، هو الحل المستند إلى شرعية الحقّ والحقيقة الفلسطينية التي استطاعت تاريخياً ليَّ عنق الشرعية الدولية لترى مأساة الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية وخارجها. وعليه، فإن الأمانة العامة للاتحاد ستكرِّس كل طاقتها التمثيلية لدعم النضال من أجل استرجاع حق الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، وستجعل من قضايا القدس، والعودة، وتقرير المصير، وتحرير الأسرى، ومقاومة الاستيطان، وجدار الضمّ والفصل العنصري، وإعادة توحيد الوطن الفلسطيني، بشراً وأرضاً وحكايةً، بنوداً دائمة على جدول أعمالها.
الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين لا ترضى بأقل من كامل فلسطين الجمالية أرضاً لرسم ممكناتها الثقافية: إذ سيكون العمل على التوحيد التمثيلي للمشروع الثقافي الفلسطيني، وإن تعددت طرائق تعبيره واتجاهاتها، أجلّ مشاريعها. وسيكون إنفاذ الاتفاق مع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ومقرّه دمشق، أحد الركائز لإعادة اللحمة إلى الصف الوطني الثقافي: لتوحيد الجسد الثقافي الفلسطيني، والتواصل مع العمق القومي العربي، وتصحيح المسار السياسي للمشروع الوطني، وترويج ثقافة المقاومة، ومحاربة التطبيع، ودعم المقاطعة الثقافية والأكاديمية والاقتصادية لكيان الاستعمار الصهيوني وما ارتبط به، أو غطَّى على جرائمه، أو برر لفاشيته وعنصريته في العالم.
أما على الصعيد النقابي، فإن الأمانة لا تبشِّر بمولود ولا تعزِّي بمفقود، بل تتعهد بتدشين فلسفة نقابية تعيد الاعتبار للاتحاد وأعضائه في النسيج النقابي والاجتماعي الفلسطيني، إعادة تليق برمزية هذه القنطرة إلى فلسطين. وستعمل جاهدة، بين خيط الصواب وخيط الخطأ، على البدء الفوري بحصر العضوية، وإعادة النظر في القوائم الحالية، والباب مفتوح أمام أي أديب أو كاتب لم يتقدّم بعضويته للاتحاد، واعتماد معايير عضوية، استئناساً بالتجارب العربية والعالمية، بغية تشذيب جسم الاتحاد وإعادة تفعيله. كما ستعمل الأمانة العامة، وبعد لقاء وفدها الوشيك مع ممثلي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ومقرّه دمشق، على دراسة مسودة النظام الأساسي للاتحاد، وذلك تحضيراً لانتخابات عامة وموحدة للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين. هذا، بالإضافة إلى الأجندة النقابية الحاشدة للأمانة والتي يتصدرها العمل على صياغة أنظمة داخلية للتفرغ، والتأمين الصحي، والتقاعد، واستحداث الجوائز السنوية للاتحاد، وتأسيس دار نشر وطنية، وبرنامج نشر دوري، وبناء مقر عام.
إن الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، لتنأى بنفسها عن حفلات تهنئة الذات بما أنجزه كثير من أعضائها في فترات سبات الاتحاد التي تسببت فيها ظروف ذاتية وموضوعية، سواء على نحو فردي أو مؤسسي، وعن ما حققه أعضاؤها من خطوات هامة ستسهم في إنجاح البرامج السياسية والثقافية والنقابية للاتحاد. وإنه ليعز على الأمانة العامة أن ترى بعض اللغط والمناكفة، وأن تستمع إلى أصوات التشكيك، ولغة النهش، من مثقفين نحترمهم، على ما بيننا من اختلاف، وكنا نرجو أن يكونوا أرقاماً إضافية لا لقائمة "المتفرج الملتزم" ـ الذي قد نجد له العذر في "التزامه" بخلق المسافة مع ما يجري في ساحة الثقافة الفلسطينية بأكثر من "التزامه" بقضايا هذه الثقافة وإن أسنت ساحتها وخربت ذائقتها، بل في قائمة "المتفرج الملتزم" بالتأخر دوماً عن تقديم مداخلته الحالية، لا بعد أن تخرب مأرب. وعلى الرغم من انفتاح الأمانة العامة لكافة الانتقادات، التي وصلت حدَّ التشكيك وشق الصف الوطني وإتاحة المجال لصيغ بديلة، إلا أنها تحزن لإمكانية اندراج ذلك كله في شبهة الأجندات "الليبرالية الجديدة" التي تروج لها بيادق الاستعمار، قديمه وجديده، لتمييع كل مقولة وطنية في فلسطين، ولبنان، والعراق وغيرها من جغرافيات الوطن العربي الجريح. وعلى الرغم من توقيت هذه الانتقادات، ومنابرها، و"خطابها" البائس والمتناقض، في حمأة الهجمة على الشعب الفلسطيني، استيطاناً، وتهويداً، وحصاراً، واستهدافاً سياسياً وثقافياً وقانونياً، إلا إن الأمانة العامة تفتح أبواب التواصل، والحوار، والسجال، وحتى التناظر مع أصحاب هذه المقولات، ليس حول شرعية الاتحاد وأمانته العامة، بل حول المهمات التاريخية الملقاة على عاتقه في تكريس شرعية الوطن فوق كل الشرعيات.
وفي الختام نشكر إخوتنا وزملاءنا في الأمانة العامة السابقة على ما قدموه من وقت وجهد في ظروف صعبة من أجل الاتحاد وإعلاء مقولته ... ومعاً على قنطرة العبور إلى جغرافيا السحر المقدس: فلسطين، والقدس عاصمة.