حينما بعث الكاتب العراقي بآخر نصوصه للنشر في (الكلمة) لم أكن أعرف أن هذه الكوميديا السوداء المترعة بالعبث والمرارة ستكون آخر ما نتلقاه منه قبل الرحيل.

المقابلة

(مونودرام) في العراق المعاصر

فؤاد التكرلي

 

(هو ـ بمفرده ـ إنه شخص يبدو عاديا ولكنه يتغير حالما يبدأ بالكلام. صوت خشن ذو طبقات مختلفة يرتفع وينخفض دون توقع. اشارات بالأذرع والرأس والجسم لتأكيد الكلام. توقف مفاجئ بين الجمل. عادات آلية. يحك رأسه او يمسح على وجهه او فمه.

هو في غرفة متوسطة الحجم، لا أثاث فيها غير مائدة صغيرة وراءها كرسي. الباب المغلق على يمينه وعلى يساره صورة كبيرة معلقة على الجدار. وراءه نافذتان ضيقتان تعكسان ضؤا ساطعا.

هو يقف وراء المائدة وأمامه الكرسي. يتحرك أثناء الحديث دون ان يتوقف عن الكلام. إنه رجل يقترب من الأربعين، حسن الهندام وذو لحية نابتة قليلا.

يرفع الستار وهو واقف وراء المائدة وممسك بأعلى حافة الكرسي)

هوـ صامتا عدة ثوان بعد رفع الستار. ينظر الى اليسار ثم الى اليمين ويواجه الجمهور بوجه جامد

ـ يفترض بي او يجب علي ان اتقدم إليكم اولا بمقولة "السلام عليكم" فهذه هي الافتتاحية المعتادة التي تشن بعدها الحروب.

السلام عليكم اذن ايها السيدات والسادة، سواء كنتم حاضرين هنا أمامي ام اسعدتكم الظروف فغبتم، ففي هذه الأيام صار غياب الأصدقاء والأهل حاضرا أكثر فأكثر. وهكذا ترونني أتكلم بكل صراحة في هذا الجو المربك من أجل ان اكون شخصا مفهوما رغم ان كلامي لن يكون مفهوما تماما.

لقد اضطررت قبل دقائق الى دخول هذه الغرفة التي لا يمكن وصفها بالمشرقة والى الوقوف أمامكم هكذا  محاطا بكل الحيرة والحرج الممكنين في العالم؛ فقد وقفوا على رأسي وطلبوا مني ان ادخل هذا المكان وان القي كلمة لا ادري عن اي شيء ثم.. هل يمكنكم ان تتصوروا؟.. دفعوني الى الداخل واغلقوا الباب خلفي هاتفين بي.. افرغ جعبتك هناك ثم اخرج.

ـ  لحظات صمت ـ

حسنا، اسمحوا لي ان اسميكم اصدقائي. يا اصدقائي.. كيف يمكن لي ان أفرغ جعبتي، وانا لا املك جعبة في الأساس؟ لم تكن لدي جعبة منذ البداية، منذ خلقت؛ فمن أين آتي الآن بجعبة مليئة لأقوم بافراغها أمامكم.. يا أصدقائي؟ هذا هو السبب فيما يظهر لكم من ارتباكي وعدم اتزاني؛ فأرجو المعذرة، ارجو المعذرة.

ـ  ينحني قليلا ويصمت لحظات ـ

رغم ذلك كله فقد لمعت في ذهني فكرة طارئة اثناء ما كانوا يدفعون بي نحو هذا الباب ويحاولون حشري بين ضلفتيه وهم يحثوني على إفراغ تلك الجعبة الموهومة، اقول خطر لي، وقلت في نفسي التي أحدثها كثيرا، قلت سأصر على التحدث عن مقابلتي الشهيرة مع والدي، وليحدث بعد ذلك ما يحدث. لكم أو لي.

ـ يشير بذراعه نحو الصورة ـ

إنه حاضر هنا.. معلق كما ترون فوق رأسي، على الحائط.

ـ يجلس لحظات ويخفي وجهه بيديه. لحظات ثم يرفع رأسه ـ

يصيبني صداع كلما جاء ذكر والدي. أليس هذا عقوقا من نوع خاص؟

أمس، اتصل بي هاتفيا ليطلب مني القدوم الى بيته والتحدث اليه. انا لا أعيش معه في ذلك البيت.. ذلك القصر. كنت اشتغل موظفا في ادارة محترمة واسكن في غرفة بجهة من بغداد حينما جاء نقلي المفاجئ الى "مكتب متابعة حقوق الانسان الضائعة في العراق".

حدث ذلك بعد الدخول اللامبارك لمن يدعون افراد القوات المتعددة الجنسيات. كان وصولهم امارة شؤم علي، ام لعلها بادرة تفاؤل أجهل طبيعته؟

منحوني في مقر عملي الجديد، غرفة واسعة يدخلها ضوء الشمس من كل الاتجاهات ولا يزعجك فيها مراجع او متابع لحقوق الانسان الضائعة. كانت خالية من الأثاث إلا من منضدة كبيرة وكرسي غير مريح. فوق المنضدة، على الجانب الأيمن من الجالس المفترض على الكرسي، كانت آلة الهاتف موضوعة باحكام لتشهد بأن لي صلة بالعالم الخارجي. هذه الآلة ذاتها هي التي حدثني والدي بواسطتها. لم يتسن لي الوقت لكي اسأله كيف اهتدى الى رقمها اللعين. كنت، بعد سماع صوته، مضطربا، ومنزعجا ومصدوما ومنذهلا، وفوق ذلك كله هاجمني الصداع المعهود. أراد، لاستغرابي، أن ازورهم. تكلم بصيغة الجمع المرذولة. لعله أراد ان يحشر والدتي في الموضوع.

اعتذرت له بأن المنطقة التي يسكنون فيها تعتبر من المناطق الساخنة، وأنا لا احب سخونة من هذا النوع؛ فسألني عن محل سكناي فقلت له إني في منطقة دافئة فتعالت قهقهاته وكرر علي إلحاحه بوجوب المجيء لرؤيتهم. 

لم أرد أن أذهب لرؤيته. كرهت نفسي لأني وافقت أن أزوره. أتصرف هكذا في أحيان كثيرة. أعمل ضد ارادتي، أعمل ضد نفسي، أعمل ضد كرامتي كإنسان محترم. من أنا إذن وما العمل؟

لبثت، في ذلك النهار المنحوس بعد المكالمة، جالسا في مكتبي تحيط بي الكآبة من كل جانب، حينما رأيت باب غرفتي يتحرك كأن هنالك شخصا يدفعه ويروم الدخول. قلت في نفسي.. حسنا، ها أنذا أتوهم أمورا لا وجود لها. إلا أن الباب انفرج بعد ثوان وبدا لي ذلك الشيخ الغريب واقفا منحني الظهر في اطار الباب الموارب. وبتلقائية لم أعهدها في نفسي، ربما بسبب عدم مراجعة أحد لغرفتي منذ زمن بعيد، أشرت له بذراعي اشارة عريضة أدعوه فيها للدخول.

ـ يشير بذراعه ـ

دخل. نعم، دخل غرفتي.

ـ  يبتعد ويقف جوار المكتب ـ

أي مخلوق كان يا إله السموات!

شيخ جاوز السبعين أو الثمانين، منطوي القامة، يتقاوى على السير بعصا ملتوية قصيرة، يلبس دشداشة رثة حائلة، ممزقة من عدة جهات،  ويضع يشماغا وغترة لا لون لهما. في وجهه الشديد السمرة المليء بالغضون ذي اللحية البيضاء الطويلة، تلتمع عينان صغيرتان رماديتان.

يا الهي! كم أحب ان استرجع صورته الفذة وان ابقى اصفه واصفه. شعرت بمودة طاغية تجاهه. كان مرتجف اليدين، لا يكاد يقوى على الوقوف. سألته عما يريد ومن الذي أرسله الي، فطفق يحدثني بلهجة بدوية.

ـ  يقلد لهجة الشيخ بشكل من الأشكال

"لم يرسلني أحد يا ابن أخي. جئت اليك هكذا بهداية من الرب، اشكو اليك شنيشل. انه ابن اختي وانا خاله، وهو الذي اعتاد، ان يجلب لي معاش التقاعد، لكنه انقطع عن المجيء منذ ثلاثة شهور. أنا متقاعد، خدمت في حراسة كراجات أمانة العاصمة قبل خمسين سنة، وشنيشل يجلب لي تقاعدي يرضى الله عنه منذ سنوات. لكنه انقطع عن ذلك منذ اشهر. لم يعد يأتي الى الحي. قالوا  إنه قتل، قتله الأمريكان. وقالوا، كلا لقد صار أميرا، ولا وقت لديه ليجلب لي نقودي. قل لي كيف أعيش يا ابن أخي؟" قمت من مكاني وأمسكت بيده ثم اجلسته على الكرسي الوحيد في الغرفة، بعد أن زاد ارتجافه عن الحد المعقول، وخشيت ان يتهاوى أرضا. ثم وقفت أتطلع اليه. كان غائصا في جلسته، يرفع الي بصرا يحوي كل انواع التوسل والاستضغاف وطلب الغوث. لم تواتني الكلمات للاجابة على ندائه الانساني الصامت. كان أخي الذي لا يريد الموت جوعا. وبدون ضجة ولا تطويل في حديث فارغ أخرجت ما أحمل من نقود، فوجدت أنها خمسة آلاف دينار. قدمت له ألفين منها وسألته ان يزورني كل شهر لأنه هنا نتابع حقوق الإنسان الضائعة في العراق. سخرت من نفسي بعد انصرافه، وسخرت من عملي؛ لا ادري لماذا. ومع أني كنت امام صورة مرعبة لحالنا الحاضرة، إلا ان ذهني كان فارغا. هذا الفراغ الفجائي في العقل يهاجمني حينما اكون بأشد الحاجة للتفكير في مشكلة عويصة. لقد باغتني مرارا، في مناسبات مصيرية ماضية وبسببه اتخذت حياتي وجهة خاطئة. يا للتعاسة! إنه ليس فراغا فحسب، بل هو توقف وشلل لكافة العمليات العقلية. لعلي أبالغ.. لعلي أبالغ. نعم، من المستحسن ان اعتبر هذا مبالغة مني؟ ففي ذلك، على الأقل، مخرج أخير  للطوارئ.

(يعود للجلوس على الكرسي بهدوء. يلتفت باتجاه الباب المغلق للحظات)

هل يمكنني ان اسألكم.. متى تعتقدون انهم سيدقون هذا الباب كي اخرج؟ قالوا لي انهم سيطرقون خمس طرقات متلاحقة تتبعها طرقتان. انا انتظر هذه الطرقات المباركة دون ان افكر بها؛ وهذا شيء حسن جدا، خاصة حين تكون مشلولا تماما في ذهنك.

وإذ مكثت على تلك الحالة ساعة وبعض الساعة بعد انصراف ذلك الشبح البائس، وجدت ان من المناسب الا اتحاشى طويلا مرارة لقاء الوالد؛ فما دام هذا اللقاء محتما ولا مفر منه فإن مرارته ستخف بالتأكيد وبصورة منطقية. إلا أنها لم تخف لسوء الحظ؛ فحين وصلت الدار سالما ووقفت امام الباب الخشبي الفخم الذي عهدته وكرهته طوال حياتي، شعرت بالمرارة تنضح من جسمي كله وادركت كم كنت سعيدا خلال الأعوام القليلة الماضية، عندما كنت بعيدا عن هذ االمدخل القبيح وعندما كنت غير مجبر على مواجهته كما أفعل الآن. ليس الأمر اني اكره هذه القطعة القديمة من الخشب، لكنها كانت لي علامة مشؤومة على  ما يختفي وراءها. وانا، اصارحكم القول، لدي في حياتي علامات مشؤومة كثيرة استطعت بحزم ان اتجاوزها، إلا هذه العلامة الكبرى التي تشير الى والدي. إنها العلامة اللعينة الوحيدة التي وصمتني واستطاعت ان تدمر حياتي المعيشة تدميرا كاملا. ولكن، أرجوكم، دعونا نبقى في الحاضر، هذا الحاضر المميت، ما دام هو الشيء الأخير الذي مازال في متناول قدراتنا.

طرقت الباب المنحوس اذن بكل الحقد المدفون في أعماقي، فلم يفتح. تذكرت، لغيرسبب، ذلك البيت الشعري السقيم.. طرقت الباب حتى كل متني، فاستولت علي نوبة من الضحك المنفلت؛ سيطرت علي واسالت دموعي وآلمت خاصرتي. حتى اذا خطر لي بعد لحظات، ان حالتي الشاذة هذه قد تثير انتباه احد المسؤولين عن الخطف والتقتيل في الحي، فيجد في شخصي لقطة ثمينة سهلة ويبدأ بالقيام بعمله، توقفت ساكنا في الحال.

حالما توقفت عن الضحك، فتحت والدتي الباب، وأطلت برأسها تسأل عن هوية الطارق. نصحتها، بعد ان دخلت وانتهينا من الاحتضان والقبل، ألا تفعل فعلتها هذه بفتح الباب لكل من يطرقه. "لا تخف يا بني" قالت " نحن ندفع آلاف الدولارات شهريا لكل المفسدين الذين يحكمون البلد بالنار. لا تخف" وفي الحقيقة ودون ان استطيع مجاملتها، اعترفت لها بأني لم اعد اخاف.

(يقوم من وراء المكتب ويتقدم نحو الصورة على اليسار،

ولكنه لا يوجهها. يتكلم دون ان يلتفت الى الصورة)

أخيرا واجهته؛ رأيته بعد سنوات من لقاء مفجع لئيم. دخلت غرفته فوجدته كالعادة مضطجعا على الفراش. هو هكذا منذ الأبد. وقفت أمامه.

(يستدير مواجها الصورة)

ماذا تريد مني؟ قل لي ما تريد باختصار ودعني انصرف. "لا تكن سخيفا كعادتك" قال "إجلس وخلنا نتحدث كعقلاء" لم أجلس؛ فضلت ان ابقى واقفا، متشبثا بوهم التحدي. "ما بالك تركت البيت هكذا كل هذا الوقت ورحت تعيش في مباءة لا تليق بك ولا بنا؟" الى أي مباءة تشير؟ وما معنى هذه الكلمة على كل حال. لم افهمها وهي بالتالي لا تعني لي شيئا. انا اعيش مرتاحا ولا استطيع ان اشكو. من قال لك إني اشكو؟ لقد فارقتكم بارادتي من اجل ان تصفو حياتي، هذا هو كل شيء. ماذا تريد مني؟" لا أريد شيئا معينا منك يا ولدي. عد الينا فقط فقد كبرت وشخت وضعفت واريدك ان تساعدني على ادارة اموالي فهي اموالك آخر الأمر." لا علاقة لي باموالك يا سيدي الوالد؛ فأنا املك مشروعا آخر مختلفا لحياتي. الم احدثك عنه؟" كلا. لم تحدثني يا لذاكرتك كم هي قاصرة! انت جئت، كما اتذكر، قبل وقت طويل لتطلب مني المشوورة بشأن.. "أرجوك، لا تعد علي تلك الذكرى السوداء. ارجوك يا سيدي الوالد." ولكنها هي السبب كما يبدو "سبب لأي شيء، سألته. قل لي.

(يشير بذراعه محتدا)

"لا تحتد هكذا يا بني، فأنا شيه مريض هذه الأيام؛ أدفع من جيبي آلاف الدولارات لؤلئك القتلة، فيجعلني ذلك شبه مريض. سينضب ما عندي عن قريب. "ضحكت؛ كان بمقدوري ان اضحك وانا امامه. هذه هي الطريقة المثلى لقتلك إذن. "هل يضحك هذا الأمر المحزن؟" كلا، ولكنه ضحك الشماتة بك، لأنك وضعت حياتك في مكان آخر غير ذاتك. انت يا سيدي الوالد كيس نقود مثقوب لا غير. "قل لي يا بني، أرجوك، ماذا عملت بك حقيقة لتحمل لي مثل هذه الكراهية؟".

(يغطي عينيه فجأة بكفه ويترنح قليلا إلا انه يتماسك بعد لأي.

ينزل يده ويقف بجمود متكلما بصوت متهدج مختلف)

أنت.. أنت السبب الأول في غرقي. انت يا سيدي الوالد كنت اول من ضربني الضربة الأولى. انت المعول الذي هدم مشروع حياتي. تسألني عما عملت بي؟ انت ضغطت على الزر فحسب وقمت انا بتفجير نفسي. هل تتذكر؟ ام إنك تنسى كل شيء لا يخص أموالك؟ نعم، جئتك للمشورة ذلك اليوم المشؤوم. كانت مشورة ولم تكن وحيا من السماء؛ ومان علي الا اطيعك لأنك كنت شريرا. عرضت عليك حالتي. قلت لك بوضوح إنها الفتاة الوحيدة، الوحيدة حقا، التي استطيع ان أعيش معها حياة انسانية سعيدة.

(يرفع صوته)

قلت لك ذلك، قلت لك ذلك فلا تنكر؛ وأجبتني بكلمات معدودة مسمومة. كأني لست من صلبك. كأني لست ابنك الوحيد. "ولكنها، الا تعلم" قلت "من تلك الطائفة الأخرى ولا يمكن لك ان تتزوجها. لا يمكن"

(شبه صراخ)

أكان قوله ذاك وحيا من السماء، كي أطيعه مغمض العينين وأسعى الى هلاكي؟

(يوجه كلامه الى الصورة)

من تكن انت.. قل لي من تكن؟ لست خالقي، أفهمت؟ انا حر امامك وامام غيرك. ماذا حصل لي حينذاك فاعتبرت كلامك امرا علويا لا يرد.. وذهبت هي وحياتي ادراج الريح؟ وها انذا مثل ذلك الشيخ الغريب، ابحث عما اذا كان لدي حقوق انسانية ام لا.

(يلتفت بعيدا عن الصورة، ويحدث المشاهدين)

لم ازل لا اعلم لماذا ارسل والدي في طلبي. كان هادئا جدا امام ثورتي عليه، فأثار هدوءه الريبة في ولبثت واقفا لا اريد الانصراف. آنذاك رماني بآخر سهم مسموم لديه. "كنت كما تقول حرا يا  بني" قال "صحيح اني هددتك بحرمانك من الميراث، لكنك كنت حرا في ان ترفض نصيحتي وتمضي في خطتك الى آخر الشوط.. تتزوج وتعتمد على نفسك وقد تسعد في حياتك تلك. من يدري. اما وقد رضخت لمشورتي، فقد كان عليك ان تفيد من ذلك وتتمتع بحظوتك لدي. انت سلكت كل الطرق التي تؤدي الى نهاية مغلقة. هكذا انت يا ولدي على الدوام، وستبقى هكذا كما يبدو" كان يتكلم ببطء وبكل الهدوء الموجود في الدنيا، فانغلق عقلي وصرت مثل حيوان اعجم.

(يعود للجلوس على الكرسي بحذاء المائدة، وعليه معالم السهوم والغياب عن العالم)

خرجت من غرفته مهزوما مرة اخرى. كان المنطق ضدي بشكل قتال. لم اجبه. كنت عاجزا تماما عن الجواب. خرجت فقط ولم اعلم بالضبط ما اراده مني. اكتفيت بضربة المنطق هذه التي نزلت على رأسي.

الآن، ماذا يمكن ان انتظر؟ لقد كان على صواب حين اشار الى اختياري النهايات المغلقة. تلك هي البلوى التي لا سبيل الخلاص منها. اذن، لم يعد لدي غير انتظار الطرقات التي احدس انها لن تتأخر.

(طرقات خمس على الباب ثم اثنتان. يقوم بتثاقل ويسير نحو الباب).

ها هيذي، الم اقل لكم.

(يفتح الباب فتمتد أذرع للإمساك به. يقاوم ويبقى لحظات في مكانه).

دعني سيدي الطبيب قليلا. أرجوك، دعني اكلم الجمع المحترم واودعهم. اتركني دقيقة فحسب.

(يلتفت الى المشاهدين)

ليحفظكم الإله والسلام عليكم مرة أخرى. ها انتم ترون ان هذه هي الافتتاحية التي تسبق الحرب، وانا سأخوضها بكل قواي كما وعدتكم. وداعا.

(يترك نفسه يسحب من الأذرع الممتدة من خارج الباب)

ستار 


عمان ـ  آب 2007