رسالة سوريا

رحيل المؤرخ الدمشقي قتيبة الشهابي وندوة عن الاجتهاد

باسمة حامد

ارتبط اسم الدكتور قتيبة الشهابي دائما بدمشق القديمة و ياسمينها الأبيض و أبوابها السبعة و قلعتها الشامخة التي انطلق منها جيش صلاح الدين لتحرير بيت المقدس و حاراتها العتيقة و مساجدها و كنائسها وتاريخها النضالي في مقارعة الغزاة..و ها هو يرحل بهدوء بعد مسيرة حافلة بالعطاء و الإبداع و الإحساس الوطني مخلصا "وفيا" لمعشوقته الأولى دمشق.. فقد ظلت دمشق حاضرة في وجدانه وأبحاثة على مد مسيرته الثقافية. ففي كتابه معجم المصطلحات الأثرية في سورية يقول: "فمن أرض كنعان العرب سورية بدأت حضارة الإنسان وشعت عراقة التاريخ وترجمت ذاكرة الأجيال جذور الفكر والمعرفة، ومن كل ذرة تراب من أديمها حرف مضيء في سفر الإنسانية الخالدة، وسورية من أغنى بلاد الأرض. ينبوع الحضارات والآثار والأوابد فمن بادية الشام انطلق الإنسان الأول إلى المناطق الأخرى في أرجاء المعمورة وفيها تفجر التاريخ ينبوع إرث متنوع الثقافات"

و عن تاريخ دمشق الضارب في القدم يقول:"رقاقة فوق رقاقة كغلالات يشف من خلالها ماض بعيد لعشرة آلاف من السنين فيعكس الغابر إلى الحاضر بنقاء الطهر ومنها ركبت أليسار عباب الموج إلى تونس فكانت قرطاج، ومن قرطاج انتشر العرب الكنعانيون والقرطاجيون في حوض البحر المتوسط وأسسوا في بلدانه مدناً ومراكز حضارة". و بكلمات مفعمة بالصدق يصف دمشق لأصدقائه بالقول: "إن هذه المدينة الرائعة «دمشق» هي صديقتي الأثيرة التي أعطت لحياتي طعماً مختلفاً هو مزيج من العذوبة والإحساس الرهيف بالفن والأصالة وأنا مدين لدمشق بكل أيام الفرح والسعادة التي عشتها"... ويقول أيضا:" لقد اختصرت لي أبواب دمشق التاريخية حكاية صمودها ودفاع رجالها الميامين عن حياضها ورأيت بأم عيني ـ وكأني أقرأ في كتاب مفتوح خالد وأبو عبيدة ويزيد وشرحبيل وهم يدخلون دمشق تحت رايات التوحيد وكنت أتساءل بعجب: ‏"لماذا لم تنل هذه البوابات حقها من اهتمام المؤرخين ولماذا مروا عليها مر الكرام ولم يلحظوا أهمية دورها في حماية وجودهم، أيام الحملات والشدائد والغزوات؟!" 

قتيبة الشهابي.. السيرة والمسيرة
ينحدر الشهابي  من أسرة عريقة  وهو أحد أبناء الأمير أحمد الشهابي الذي كان رئيساً لمحكمة الثورة أو ما يسمى بمحكمة الاستقلال.. و هو من  من مواليد دمشق عام 1934  وقد شهد  مجزرة البرلمان عام 1945 أثناء العدوان الفرنسي على سورية، وكانت من الأحداث الهامة التي اختزنتها ذاكرته وظلت تؤرقه طوال حياته. ‏حصل الشهابي على درجة الدكتوراه  في جراحة الأسنان، بالإضافة لدبلوم دراسات عليا في طب الأسنان من بريطانية، كما درس الفنون الجميلة واحترف التصوير الضوئي، للبحث في التراث التاريخي والأثري لسورية ولمدينة دمشق..وفي بعض من ملامح سيرته الذاتية الزاخرة نقرأ أيضا أنه كان عضوا في العديد من الهيئات العلمية الهامة وهي:

ـ عضو الهيئة التعليمية في كلية طب الأسنان جامعة دمشق (1963 ـ 1994). ‏
ـ عضو نقابة الفنون الجميلة بدمشق. ‏
ـ عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب. ‏
ـ متخصص من لندن بالتصوير الضوئي. ‏
ـ أقام عدة معارض تشكيلية وضوئية علمية وفنية. ‏
ـ باحث في التراث التاريخي والأثري لمدينة دمشق وسورية والتاريخ العربي الإسلامي. ‏
ـ عضو لجنة تسميات الشوارع في مدينة دمشق. ‏
ـ شغل منصب مستشار وزير السياحة (2000 ـ 2007) ‏
ـ خبير ثقافي في وزارة السياحة، 2005 ‏
ـ عضو هيئة تحرير مجلة دليل السائح. ‏

أما مؤلفاته العلمية المنشورة فقد زادت عن الثلاثين عملا تعد من أهم المراجع التاريخية للباحثين والدارسين ومنها‏:

ـ معجم مصطلحات طب الأسنان( إنكليزي ـ عربي) ‏
ـ المعجم الطبي للجيب «إنكليزي ـ عربي». ‏
ـ أربعة كتب جامعية تُدرس في كلية طب الأسنان -جامعة دمشق.
ـ و من مؤلفاته التاريخية والأثرية والتراثية:‏
ـ دمشق تاريخ وصور. ‏
ـ هنا بدأت الحضارة..سورية تاريخ وصور
ـ أسواق دمشق القديمة ومشيداتها التاريخية. ‏
ـ مآذن دمشق: تاريخ وطراز..
ـ معجم ألقاب أرباب السلطان في الدول الإسلامية. ‏
ـ مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية. ‏
ـ معالم دمشق التاريخية. ‏
ـ أبواب دمشق وأحداثها التاريخية. ‏
ـ زخارف العمارة الإسلامية في دمشق. ‏
ـ النقوش الكتابية في أوابد دمشق. ‏
ـ دمشق الشام في نصوص الرحالين والجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين. ‏
ـ طريف النداء في دمشق الفيحاء. ‏
ـ صمود دمشق أمام الحملات الصليبية. ‏
ـ معجم دمشق التاريخي (ثلاثة أجزاء). ‏
ـ الطيران ورواده في التاريخ الإسلامي. ‏
ـ نقود الشام. ‏
ـ عباقرة وأباطرة من بلاد الشام. ‏
ـ أديرة وكنائس دمشق وريفها. ‏
ـ أضرحة آل البيت والمقامات الشريفة في سورية (بالعربية والفارسية). ‏
ـ معجم المواقع الأثرية في سورية.

و قريبا سيصدر كتابه الأخير "النقوش الكتابية على أوابد دمشق" حيث تعكف المطبعة على إنجازه.. 

الصورة.. تاريخ!
احترف الشهابي التصوير الضوئي وأحبه كهواية و كجزء أساسي في عمله. وبقي دائما يؤكد على أهمية المزاوجة بين الصورة و الكلمة في عملية التوثيق التاريخي.. فالمؤرخ من وجهة نظره:"يمكن أن يخطئ، وقد يكذب أو يكتب عكس قناعاته، وأحياناً، يفرض عليه أن يسلك هذا الاتجاه أو ذاك، أما الكاميرا فلا يمكن أن تكذب أو تخطئ، الصورة لها خصوصيتها إذ تجعل العمل أكثر مصداقية، ونحن اليوم في عصر الصورة، أو بالأحرى ثقافة الصورة، التي أصبحت تعبر وتتكلم ولها دوراً كبيراً في بيان الحقيقة، وأنا شخصياً أحترم الصورة أكثر من أي كتاب".. 

ملامح من المؤلفات:
في كتابه " دمشق تاريخ وصور" وضع الشهابي قرابة 500 صورة لمعالم دمشق بوجهها القديم و المعاصر  و أرفقها بعشرين خريطة توضح مواقعها فضلا عن 50 صورة لشخصيات وطنية وأجنبية ارتبط اسمها بدمشق،كما أن الكتاب يحوي على عدد آخر من الصورلأنشطة الحياة اليومية والاجتماعية القديمة،و يعد هذا الكتاب من أهم المراجع التاريخية عن المدينة باعتباره أشبه بـببلوغرافيا متكاملة. وفي هذا السياق  أصدر الشهابي كتابين هامين آخرين هما: "معالم دمشق التاريخية" و:"أسواق دمشق القديمة ومشيداتها التاريخية" حيث أعيدت طباعة هذه الكتب العديد من المرات..كما ترجم كتابه "أسواق دمشق" في الولايات المتحدة الأمريكية..ليعمل بعدها على إصدار كتابها الهام:" مآذن دمشق.. تاريخ وطراز" مركزا جهده على أربعة نقاط أساسية هي: التاريخ، الطراز، نسبة التسمية، الصورة..حيث أحصى الشهابي و بأسلوب علمي و فني و تقني بديع  19 طرازا عمرانيا للمآذن منذ العصر الأموي و حتى يومنا هذا شارحا أهميتها التاريخية و مسلطا الضوء على عناصرها المعمارية..

وواصل الشهابي عمله التوثيقي الهام فأصدر كتاب "مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية" عبر 678 صفحة من القطع الكبير لينفض الغبار عن كل حجر و زاوية في أقدم مدينة تاريخية ليظهر جمالها و حيويتها و حضارتها على مر التاريخ.. واشتمل الكتاب على صور ملونة لـ 160 تربة وضريحاً ومدرسة مشيدة إضافة إلى 17 تربة مجهولة، لم تتوفر لها المصادر والمعلومات وألحق ذلك بتسعة مخططات توضح مواقع هذه المشيدات في المدينة. 

المرض و الرحيل..
على مدى خمسين عاما ظل الشهابي يبحث و يؤرخ و يوثق لمعالم دمشق القديمة وكان عمله جبارا لا يقل روعة عن أي عمل تنتجه مؤسسة عملية متخصصة..و مع أنه عانى في سنواته الأخيرة من المرض إلا أنه تغلب على آلامه بصبر و أرادة و  ليتابع عمله بجد و مثابرة و اجتهاد.. ليرحل بعد سنوات من العطاء بهدوء  عن عمر يناهز 74 سنة عاشها في بيت مفعم بالأصالة و عشرات اللوحات التي رسمها بحب  لدمشق ومكتبة تضم مئات الكتب التاريخية والفنية النادرة. وأهمية هذا المؤرخ العظيم في المشهد الثقافي السوري جعلت الانتقادات تتوالى على وزارة الثقافة السورية لأنها غيبت اسمه في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 و لأنه لم يكن من بين الأسماء العديدة التي قامت الوزارة بتكريمها في الآونة الأخيرة. 

جائزة العقاد لفيلم (الهوية) في طهران
بمشاركة أكثر من ستين دولة من مختلف القارات في  مهرجان فجر السينمائي الدولي في طهران..حصد المخرج السوري غسان شميط جائزة المخرج الراحل مصطفى العقاد عن فيلمه الروائي الطويل "الهوية" الذي يرصد نضال الشعب العربي السوري في  الجولان المحتل و يسلط الضوء على أساليب القمع المختلفة الذي تمارسه إسرائيل ضد السوريين هناك للنيل من صمودهم و إرادتهم للحرية والحياة..

المخرج غسان شميط أهدى هذه الجائزة "لأهلنا الصامدين في الجولان العربي السوري" معرباً عن أمله بأن تسلط هذه الجائزة "مزيداً من الضوء على نضالهم ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي وحفاظهم على هويتهم العربية السورية"، ويؤكد الفيلم على "الروح المقاومة للشعب العربي في الأراضي المحتلة" وترابط النضال بين الشعب العربي في كل من فلسطين المحتلة والجولان من خلال قصة تؤكد التلاحم النضالي والمصير المشترك.‏

يذكر أن هذه الجائزة تمنح لفيلم يحمل رسالة إنسانية وتحمل قضية نضال شعب معين في مختلف دول العالم.‏ و كان الفيلم قد شارك  في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة،و هو من تأليف وفيق يوسف وإنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية و بطولة: عبد الرحمن أبو القاسم، سلمى المصري، مجد فضة، قيس الشيخ نجيب، سوسن أرشيد وغيرهم.. وتضم أسرة الفيلم أيضا: مهندس الديكور موفق قات, مدير الإنتاج: حسن رحال , ماكياج: ستيلا خليل , أزياء: ليديا يوشيشكو، موسيقا: عصام رافع
وقد صورت مشاهده  في قرى جبل الشيخ و إدلب والساحل.‏ 

الاجتهاد المعاصر: إشكاليات وتحديات
بالتعاون مع دار الإفتاء بحلب أقام المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بالمحافظة، حلقة نقاشية مُعمَّقة حول قضايا وإشكاليات وموضوعات: "الاجتهاد المعاصر: إشكاليات وتحديات" بحضور  سماحة مفتي حلب الدكتور الشيخ محمود عكام، والأستاذ جمال باروت مسئول المعهد الفرنسي، وعدد من الأساتذة في جامعة دمشق وحلب وتشرين، وعدد من المثقفين المهتمين بشؤون الشريعة والفكر الإسلامي..

وفي الندوة بدأ الأستاذ جمال باروت فعاليات اليوم بالشكر لدار الإفتاء، والترحيب بالحضور الكريم ثم رحّب الدكتور محمود عكام في بداية اللقاء بالحضور، وأضاف: "لم نعتد على تخصيص يومٍ علمي، بل نخصص يوماً كرنفالياً أو احتفالياً. أتيتُ وفيَّ شيء من الدهشة، هل سنبقيه علمياً، أم إنه سيُخترق بأخبار سياسية أو غير سياسية" مضيفا:"موضوعنا اليوم عن الاجتهاد، وما أظن أن ثمة مانعاً سياسياً أو دينياً في أن يبحث الإنسان في أي موضوع شاء..ربما ننكسر من الآخرين حين نبحث، لأننا نعتقد أن الآخرين سيأخذوا بحثنا ويردّوه عقائد، لذلك نبتعد عن جادة البحث العلمي".

بعد ذلك قدم الدكتور بلال صفي الدين من كلية الشريعة بحلب ورقة بعنوان: "الاجتهاد المعاصر: مشكلات وحلول" تحدث فيها عن: تعريف الاجتهاد وأنواعه، وتاريخ الاجتهاد الفقهي في الإسلام، وهل باب الاجتهاد اليوم مفتوح، وما آثار إعلان سد باب الاجتهاد.

الورقة الثانية قدمها الدكتور سامر رشواني من كلية الشريعة بدمشق و كانت بعنوان: "الاجتهاد المعاصر: إشكالات وتحديات" تحدث فيها عن: العلاقة بين الاجتهاد والتقليد وأنهما وجهان لعملة واحدة، وأن التقليد اجتهاد في التأويل والتقعيد، والتغيير الفقهي ودور المفتي والفقيه، وإشكاليات الاجتهاد المعاصر، والسبل التي قد تساعد في مواجهة هذه التحديات.

وبدوره قدم الدكتور إيريك شومون ـ وهو مكلف بالبحث في المركز الوطني للبحوث العلمية ـ ورقة بعنوان: "حول مسألة إصابة الاجتهاد وآنيته" تحدث فيها عن: نظرية العنبري: لكل مجتهد مصيب، ونظرية المعتزلة أن المجتهد سوف يسأل عن خطئه يوم القيامة. أما النظرية الثالثة فتقول: لكل مجتهد مصيب ويستحق الأجر في الآخرة، لكن ربما لا يكون محقاً في اجتهاده...

بعد ذلك  علّق الدكتور الشيخ محمود عكام على الورقات الثلاث، بالقول:"ما تكلم به السابقون عن الاجتهاد، أسأل الله أن يجزيهم خيراً، ولكن: ألا يمكن أن نضع مَسيلاً للقرآن غير ما صنعه السابقون. ونحن نريد أن ننشط ونمتحن عقلنا" و أضاف:"وعن إمكانية وجود المجتهد، قال: كأننا نريد أن نظهر للناس على أننا منفتحون، لكننا في نفس الوقت نمارس سلطةً على من يريد أن ينفتح..إذا كان الاجتهاد هو استخراج حكم من النص، فإننا يجب أن نحدد النص الذي هو القرآن الكريم، وصحيح السنة، ونخرج من النص الأحاديث الضعيفة والواهية".

وحول الاجتهاد المطلق والمقيد، تساءل الشيخ عكام:" "ما المقصود بالمطلق؟ هل هو العام، وبالتالي يستطيع أن يجتهد في أي قضية كانت، هل هو الأكثر تمكناً باللغة العربية، أم هو الذي لا يُجتهد على اجتهاده "؟!و تابع:" سد باب الاجتهاد: هذه الكلمة نضعها حجر عثرة لنظهر أننا منفتحون، مع أن المنفتح هو من ينتج لا من يَحتجّ "أرني إنتاجك، ولا تُرني احتجاجك".

وركز على شروط الاجتهاد فقال:" من شروط الاجتهاد أن يكون عالماً بالأصول والحديث، مع أن ما نقل لنا عن أبي حنيفة أنه لا يعرف إلا القليل من الأحاديث، فهل انتفت صفة الاجتهاد عن أبي حنيفة" متسائلا:"لم لا نضيف مقاصد أخرى غير التي درسناها، فنضيف العدل مثلاً، أو الحرية كمقصد في الاجتهاد؟"

و توقف عند كلمة: "الاجتهاد والتقليد، وجهان لعملة واحدة"، و قال:"هذا نوع من التلاعب بالألفاظ"..و عن عزل الفقه والاجتهاد عن الواقع، قال:" نحن مِن عزلهما عن الواقع، والمجتهد هو من انعزل".

ثم ختم الدكتور عكام تعليقه، فتحدث عن الاجتهاد الجماعي قائلأ:"هل الاجتهاد الجماعي هو إسكات لنا؟ هنالك عدة مجامع فقهية، وقد حضرتُ فيها أكثر من لقاء، فوجدتُه - الاجتهاد الجماعي - فيها لا يصل إلى شيء، لأن الاجتهاد الجماعي قوامه فرد ذو سلطة".