وقبل أن يكمل وسوس إليه الشيطان: ـ "فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ". وكأن مبارزة لشد الحبل طفقت تظهر بينهما. فعقب في تحد واضح وبصوت عال: ـ "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ". ـ "نساؤكم حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ...". غير أن اللعين عاد للعبة بعد أن تبعه إلى الحجرة وهمس إليه: فهز رأسه في رفض معقباً ومستعيذاً: وأخذ بعدها يضحك وقد تذكر أبياتاً من الشعر راح يرددها في سره: فقام ليكمل وضوءه وهو يدعو الله أن يبعد عنه هوى النفس ووسوسة الشياطين ويتلو: ـ "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ...". قبل أن يجفف نفسه ضحك في انتصار منشداً في استهزاء: ـ وما الذي أتى بها تلك الساعة؟! ـ أنا غلطانة لك ومحقوقة انى عملت "كوارع"، قلت أكل الجامع مينفعش معاه، آه يا غلبانة يا انى. ـ في الجامع يا راجل؟! عيب عليك؟! ـ الصلاة يا شيخ؟ الفجر يا مولانا؟ ـ الفجر يا سيدنا؟ الصلاة حانت..!! ـ أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، ولا تدعوا فُرجةً للشيطان بينكم.
- أتوب إليك يا رحمن مما
جنيت فقد تكاثرت الذنوب
- فأما من هوى ليلى وحبّي
زيارتها فإنـي لا أتـوب
- فكيف وعندها قلبي رهيناً
أتوب إليك منها أو أُنـيب
وذكر نفسه بالآية الأولى من سورة العنكبوت:
إني بليت بأربع يرمينني
بالنبل عن قوس لها توتير
إبليس والدنيا ونفسي والهوى
يا رب أنت على الخلاص قدير
قالها لنفسه، ثم أجاب وهو يهز رأسه:
ـ جاءت بالسحور.
تتبع هذه القصة للقاص المصري في سردها العفوي الدقيق لحظة التوتر والغواية الحلال، وانتصارها على التزمت والتظاهر، وتكشف في الوقت نفسه أن المشايخ خطاؤون كغيرهم.
الأزهري