ذئاب الأدب
أنتم تعرفون القصة المشهورة عن جحا. قيل له: "عد غنمك يا جحا"، فقال: "واحدة واقفة وواحدة نايمة (يريد أن يقول: على الأرض راقدة)". ومن حسن الحظ أن لى أكثر من غنمتين، وأن غنماتى ـ أعنى مقالاتى ـ ليست واقفة ولا راقدة؛ بل هى فى حركة دائبة تسبح فى مراعى الله الفسيحة، فتتقاذفها الصحف والأقمار الصناعية وتتلقفها شبكة الإنترنت. ولكن الجانب السلبى من هذا الثراء هو أنها بدلا من أن تجلب لى الشهرة تثير طمع الذئاب. صوتان لكن دعونى أبدأ بقصة ترجع إلى الماضى البعيد قبل ظهور الإنترنت والسرقات الإلكترونية. كنت أقرأ ذات ليلة (منذ ربع قرن تقريبا) كتابا عنوانه "المذاهب اليونانية الفلسفية فى العالم الإسلامي" الذى ألفه دافيد سانتلانا وحققه الدكتور محمد جلال شرف. ودافيد سانتلانا هو المستشرق الإيطالى الذى حاضر فى الفلسفة فى الجامعة المصرية (فى بداية نشأتها كجامعة أهلية)؛ وكان من بين طلابه طه حسين ومصطفى عبد الرازق وعلى عبد الرازق وغيرهم من النابهين. ويضم الكتاب نص المحاضرات التى ألقاها سانتلانا على طلابه المصريين كما جمع نصوصها الأستاذ المحقق ـ مع قدر من الحذف. وظلت مخطوطة الكتاب لفترة طويلة محفوظة فى جامعة القاهرة، وتمنى عدد من الباحثين تحقيقها حتى جاء الدكتور محمد جلال فسبق الجميع إلى تحقيق ذلك الحلم ـ على نحو ما. ولاحظت عند قراءة الكتاب المطبوع كثرة الحواشى والتعليقات التى أضافها المحقق؛ وخيل إلى أنه أسهب فى ذلك وأفاض على نحو لا تقتضيه الضرورة. ولكن ما استرعى انتباهى بصفة خاصة هو وجود تباين واضح بين أسلوبين فى الكتابة أو لنقل صوتين. فتارة يرتفع صوت الرجل وتشتد لهجته وتحتد، فكأنه خطيب واعظ (من الطبقة الدنيا) ينذر العصاة بالويل والثبور وعظائم الأمور. يحدث هذا على وجه التحديد عندما ينبرى لمهاجمة أصحاب المذهب الحسي أو المذهب المادى. خذ مثلا قوله (الحاشية 2، ص 38): "لقد رفض أصحاب الحس والمحسوس كل ما يستند على غير المشاهد والمحسوس، وطبقا لهذا التصور نفذوا من تلك الثغرة إلى إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى لأنه لا يلمس أو يرى، ولكن! لقد تهاوت حجتهم وتهافت دليلهم المادى، فالحس قاصر وعاجز... أما العقل، فإن نطاقه يتسع ليشمل كل المدركات..."، أو قوله في نفس الموضع: "وعاد أنصار النظريات المادية بعد شعورهم بالضياع الكامل يتلفتون حولهم بحثا عن العقل! أجل العقل الذين (كذا!) لم يحفلوا به منذ البداية وأصروا على معاندته، فكان أن فقدوه وهيهات أن يستعيدوه." من حق الرجل بطبيعة الحال أن يهاجم ما شاء من المذاهب، ولكن هجومه على بعض المذاهب بذلك الأسلوب الركيك وبتلك اللهجة لا يليق بأستاذ للفلسفة، ولا مكان له على أى حال فى عمل من أعمال التحقيق. فمهمة المحقق هى أن يقدم عمل المؤلف فى أحسن صورة ممكنة، وأن يفسح له المجال ولا يزاحمه، وهى تقتضى إذن قدرا من إنكار الذات والتضحية. وليس للمحقق أن يرفع صوته بحيث يصرف الأنظار والأفهام عن النص الذى يحققه. يصدق هذا بصفة خاصة فى الحالة التى نحن بصددها. فأقوال المحقق زائدة عن الحاجة على أى حال لأن المؤلف انتقد المذهبين الحسى والمادى بما فيه الكفاية وأدى الواجب ـ إذا كان ذلك واجبا. أما الصوت الثانى، فيسمعه القارئ فى الحواشى التى أوردها المحقق للتعريف بأعلام الفلسفة. فهذه الحواشى رغم كثرتها والإفراط فيها مكتوبة بلغة واضحة هادئة رصينة لا تحيد عن الوقائع المعروفة للتاريخ. خذ مثلا قوله فى التعريف بالمذهب الذري: "كان لوقيبوس هو أول من قرر النظرية الذرية فى طبيعة العالم. وجاء زميله ديموقريطس فأحكم صياغتها في القرن الخامس ق. م. ثم أعاد تقريرها أبيقور في صورة لم يدخل فيها إلا تعديلا طفيفا. وأوفى عرض قديم ما زال فى حوزتنا لهذه النظرية هو شرح: لوكريتيوس لها فى قصيدته: طبائع الأشياء التى اتخذ مادتها من فلسفة أبيقور. ويتألف العالم في رأي الذريين مما هو موجود أي: الملاء أو الذرات. ومما هو غير موجود أي: الخلاء أو الفراغ على حد سواء." (الحاشية 1، ص 34). أو قوله فى التعريف ببروتاجوراس: "ولد في أبديرا، وهو السفسطائي الإغريقي الذي ازدهر في حوالي 450/440 ق. م. اشتهر بأنه معلم الخطابة، أى أنه معلم التفوق في الشؤون العملية أو المهارة السياسية والبيانية.وله كتب فى المنطق والأصول الثقافية والسلوك البشري. وقد هاجم بروتاجوراس الجمود فى كل من الديانة والفلسفة السائدة فى عصره" (الحاشية 1، ص 40). فكيف يمكن تفسير هذا التباين؟ كيف استطاع الديماجوج الركيك أن يكتب بلغة العالم المؤرخ؟ كأنما حقق ذلك الكتاب شخصان مختلفان. أرق على أرق أرقنى ذلك اللغز. واشتد أرقى عندما بدا لى أن الأسلوب الثانى مألوف لدى. وخطر لى أن الأقوال التى وردت فى تلك المقتطفات مرت بى من قبل، وأننى سمعت ذلك الصوت وتلك النبرة. وأشعلت النور بعد أن أطفأته. فأين قرأت تلك الأقوال عن الذرية وبروتاجوراس؟ وعدت إلى فتح الكتاب، ونظرت فى ثبت المراجع التى استعان بها الأستاذ المحقق، فوجدت من بينها مرجعا خيل إلى أنه بداية الفرج، وهو "الموسوعة الفلسفية المختصرة" فى نصها الانجليزى. قلت لنفسى: لا بد أن المحقق أفاد منها فى تعريفاته بالأعلام. ورجعت إلى عدد من المواد ذات الصلة فى الموسوعة، فوجدت أن المحقق قد نقل عنها مقتطفاته بالفعل. ولكن ذلك لم يزل حيرتى تماما. فاللغة العربية التى كتبت بها هذه المقتطفات ما زالت تلح على بألفتها. فأتيت بالموسوعة فى نسختها العربية: كما ترجمها فؤاد كامل وجلال العشرى وعبد الرشيد الصادق وكما راجعها الدكتور زكى نجيب محمود (مشروع الألف كتاب، 1961). وعندئذ انكشف السر وانحل اللغز، فالشخص الذى ترجم تلك المقتطفات لم يكن سوى المدعو عبد الرشيد. ذلك إذن هو الصوت، وتلك هى النبرة. وقد أراد الأستاذ المحقق عندما اكتفى بالإحالة إلى الموسوعة فى نصها الانجليزى وأغفل الإشارة إلى ترجمتها العربية أن يوهم القراء بأنه يحسن القراءة بالانجليزية والترجمة عنها. وحقيقة الأمر أنه لم يفعل شيئا سوى نقل تعريفاته بالفلاسفة كلمة كلمة عن النصوص العربية كما صغتها وصاغها شريكاى فى الترجمة. وعلى هذا الضوء يمكننا أن نفهم السر الكامن وراء غزارة المعلومات المقدمة عن الأعلام غزارة لا ضرورة لها. فما كان على المحقق ـ فى هذا الجانب من عمله ـ إلا أن يغترف من الموسوعة المترجمة، ويقتطف كما شاء عن طريق النقل الحرفى ودون اجتهاد يذكر. أستغفر الله. هذه زلة لسان. فللمحقق اجتهاد واحد ينبغى ألا ينسى، وهو أنه عبث بعلامات الترقيم فى النصوص العربية التى نقلها. وكان ذلك هو كل إسهامه. وذلك إذن هو الرجل الذى يندد بالسفلة من الحسيين والماديين. ولم يغمض لى جفن حتى الفجر. زالت عنى الحيرة، ولكن أسعدنى على نحو منبه ومثير للضحك أننى اهتديت إلى كاتب تلك السطور. اللص الصفيق غير أننى تميزت غيظا وكشرت عن أنيابى أمام حادثة أخرى خلت من الطرافة. فقد رأيت منذ بضع سنوات كاتبا فى "الهلال" يدعى الدكتور فلان (لا أذكر اسمه الآن ولا أريد أن أبذل أى جهد فى البحث عنه) ـ وقيل لى إنه أخصائي في طب المسالك البولية ـ يغير على ترجمتى لبعض مقالات طه حسين الفرنسية (انظر طه حسين، من الشاطئ الآخر. كتابات طه حسين الفرنسية، دار الهلال، 1979). وأعنى بذلك أن الرجل كان يعيد كتابة النص الذى نشرته فينقل بعض العبارات أحيانا، أو يلخصها أو يتظاهر بأنه يشرحها أو يحللها، وهو فى كل ذلك يحرفها ويشوهها. وهالتنى جسارة الرجل. لقد أراد أن يوهم الناس بأنه اكتشف كتابات مجهولة لطه حسين، وأنه يحسن القراءة بالفرنسية. كيف استطاع أن يقدم على ذلك؟ الكتاب صادر عن دار الهلال، وهو معروف فى الأوساط الأدبية فى مصر والعالم؛ وما كان للرجل أن يطلع على الأصول الفرنسية لكتابات طه حسين إذ يصعب الحصول عليها أو يستحيل فى بعض الحالات. والأغرب من ذلك أنه عندما انكشف أمره وأوقف رئيس تحرير الهلال سلسلة "مقالاته" عن كتابات طه حسين الفرنسية، انتقل إلى "أخبار الأدب" ليستأنف فيها عرض مهزلته. ولولا أن انفضح أمره مرة أخرى، وامتنعت "أخبار الأدب" عن نشر بقية السلسلة، لأتى على الكتاب كله. لم تخل القصة السابقة من بعض الطرافة. والسرقة فيها أهون من عملية السطو التى أدارها طبيب المسالك البولية على نحو منظم وبصفاقة منقطعة النظير. لص بغداد فكرت غير مرة أن أكتب فى الموضوع، ولكنى كنت أكظم غيظى إلى أن وقعت ثالثة الأثافى. كنت أتزلج على أمواج الإنترنت ذات يوم فوقعت بالمصادفة على مقالة عنوانها "مجال البحر المتوسط وتأكيد الذات ومحاكاة الآخر" فى مجلة "النبأ" العراقية (تشرين الثاني/أكتوبر 2005). وأصابنى ما يشبه الصدمة والذهول عندما رأيت هذه المقالة التى أنا كاتبها منسوبة إلى شخص تصفه المجلة ـ أو يصف نفسه ـ بأنه كاتب وباحث، ويدعى وليد خالد أحمد حسن. ولم يكن لهذا الكاتب الباحث من إسهام إلا تغيير العنوان الذى وضعته للمقالة (حتى يخفى جريمته) وإسقاط حاشية واحدة من بين ثلاث عشرة حاشية (أشرت فيها إلى أن المقالة فى الأصل ورقة بحثية ألقيتها فى مهرجان أقيم بجامعة القاهرة، 1988، احتفالا بالذكرى المئوية لمولد طه حسين). وقارئ المقالة فى صورتها العراقية يخيل إليه أن ذلك "الوليد" قرأ طه حسين ("مستقبل الثقافة المصرية")، ومحمود محمد شاكر ("رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا") وابن رشد ("تفسير ما بعد الطبيعة") واطلع على كتب أرسطو المنطقية وعرف أقواله فى صدق القضايا وكذبها، وفهم ابن خلدون ("المقدمة" والسؤال الرئيسى فيها) ودرس علاقة ابن خلدون بأرسطو، وأنه قادر على تحليل آراء أؤلئك المفكرين والمقارنة بينها والخروج من النقاش برأى أصيل يخصه وحده فى علاقة الثقافة العربية بالحضارة الأوروبية، وذلك بالإضافة إلى إتقان مهارات أخرى من بينها مراعاة الوضوح والاتساق والرجوع إلى المصادر الأصلية وكتابة الحواشى وفقا لقواعد الكتابة الأكاديمية. كتبت المقالة فى الأصل فى الثمانينيات من القرن الماضى، وألقيتها ـ كما ذكرت ـ كورقة بحثية فى الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد طه حسين. وكان يجلس إلى جانبى على المنصة الدكتور محمود حجازى، وبهاء طاهر وسامى خشبة. ولكن كيف وصل كاتب "النبأ" البغدادية إلى المقالة؟ هذا سؤال ما زال يحيرنى حتى اليوم. فمن المؤكد أن "باحث" بغداد لم يصل إلى ذلك النص الأصلى. غير أن المقالة نشرت فى صورة مختصرة باسمى تحت عنوان "الثقافة العربية فى مواجهة الغرب" فى "الهلال" (مارس 2005، الصفحات 8-15)؛ أى قبل نشر المقالة البغدادية بثمانية أشهر. وإذا أراد أحد أن يطلع على تلك الصفحات فى ذلك العدد من "الهلال"، فسيرى بسهولة أن هذه الصفحات مستنسخة كلمة كلمة فى مقالة "النبأ". وفى هذا ما يكفى لإثبات ملكيتى للمقالة. ومع ذلك فإن "الكاتب الباحث" لم ينقل عن النسخة التى نشرت فى "الهلال" فهى نسخة اختصرتها ـ حت يسهل نشرها ـ فحذفت منها خمس فقرات (حوالي صفحة من بين ثمانى صفحات) (عن الإهمال الذى لقيه ابن خلدون من محمود محمد شاكر، وعن علاقة ابن خلدون وأرسطو)، وجردتها من الحواشي. وبقى النص الكامل ـ بما فيه الفقرات والحواشى المحذوفة ـ فى حوزتى مسجلا فى الكمبيوتر منذ إنشائه عليه (فى 13 يونيو 2004). فكيف استطاع لص بغداد أن يصل إلى هذا النص المطول الأصلى؟ أنا لا أذكر أنه نشر. أم أننى أرسلته للنشر ونسيت ونشر دون علمى؟ أم أن اللص المذكور تمكن من اقتحام جهاز الكمبوتر فى بيتى واطلع على محتوياته وسحب منه المقالة. إذا صح ذلك فباستطاعة هذا المقتحم أن يستولى على كل ما أملك من كنوز (شعرا ونثرا ومسودات ومشروعات). أفكار تطرد النوم عن العينين وتثير الكوابيس. ثم تذكرت بعد لأى أننى كنت قد أرسلت المقالة فى نصها الكامل (؟) إلى مكتب "الحياة" بالقاهرة لكى تنشر فى بيروت. كان ذلك فى سنة 2004. وترقبت صدور المقالة لفترة من الزمن. فلما لم تظهر يئست من الانتظار وصرفت النظر عن الموضوع. فهل نشرتها "الحياة" دون أن أدرى، أي بعد انصرافى عنها؟ ربما. ولكنى أرجح احتمالا آخر. فقد تذكرت أيضا أننى كنت قد أعطيت أحد أصدقائى نسخة إلكترونية من المقالة الكاملة، ويبدو أنها تسربت ـ عن طريق هذا الصديق الذى لا أريد أن أذكر اسمه ـ إلى ناسخها بحذافيرها فى "النبأ". وهناك فى الموضوع ثغرة ما ستسدها الأيام فيما أرجو. ولكن النص الذى نشر فى "الهلال" يكفى ـ كما قلت ـ للتدليل على أننى مؤلف المقالة، فهو يحتوى على معظمها. ولمن أراد أن يزداد اقتناعا بما أقول أن يقرأ عددا آخر من "الهلال" ليرى مقالة آخرى لى بعنوان "ساحة التشابك والنزاع" (أبريل 2005، الصفحات 98 - 107). وسوف يلاحظ أن هذه المقالة تكمل وتطور مقالة مارس فى نفس المجلة. وسيدرك القارئ لهذه المقالة (التى نشرت قبل بدورها قبل صدور المقالة البغدادية بعدة شهور) أنها تكون مع شقيقتها السابقة سلسلة أو خطا فكريا متصلا خاصا بى دون غيرى. فأنا أستهل مقالة إبريل بإشارة صريحة إلى المقالة السابقة ("الثقافة العربية فى مواجهة الغرب")، فأقول: "أود فى هذه المقالة أن أستأنف حديثا بدأته فى الثمانينيات من القرن الماضى عن الثقافة العربية فى مواجهة الغرب." وأستأنف فى بقية المقالة ما جرى من حديث فألخص آرائي السابقة فى نقد طه حسين وشاكر فى موضوع العلاقة بين الثقافة العربية والحضارة الغربية، وأخلص إلى نفس النتيجة التى انتهيت إليها من قبل وهى أن هذه العلاقة أكثر تعقيدا مما يتصوره الأول (النموذج الوفاقى) ويتصوره الثانى (النموذج الصراعى)، وأن هذه العلاقة قوامها تشابك ونزاع فى آن واحد. وبعد هذا التلخيص أطور البحث وأستخلص النتائج التى تترتب على هذه العلاقة المعقدة. ومن سوء حظ كاتب "النبأ" أنه لم يقرأ مقالة "الهلال" فى مارس ولا مقالة "الهلال" فى أبريل. فلو أنه فعل لأدرك أن المقالة التى تسربت إليه قد نشرت فى معظمها وأن لها على أى حال أخت تحميها، ولتردد فى الإقدام على فعلته. فهل كان يحجم عنها؟ ولكن هل يستحى لصوص النصوص فى أيامنا هذه؟ هيهات! لقد أصبحنا نسمع عن الرسائل الجامعية التى تنقل عن مراجع أخرى مصرية وأجنبية، وتنال تقديرا بمرتبة الشرف الأولى. وأصبحنا نرى بعض هؤلاء اللصوص يدافعون دون حياء عن جرائمهم. يشجعهم على ذلك ويغريهم به تغلغل السرقة والغش والفساد فى حياتنا بأسرها. مواهب اللصوص ولكن لا بد من الاعتراف بأن لصوص النصوص يتمتعون ببعض المواهب التى تثير الدهشة، وتبعث على الرضى بمعنى من المعانى. فهم يتمتعون بحاسة مرهفة تصرفهم عما هو غث فينفرون منه، وتدلهم على السمين فينقضون عليه. واهتمامهم بمقالاتى وتهافتهم عليها يؤكدان لى على نحو غير مباشر أن غنماتى حسنة المرعى والتربية. ولا بد من الاعتراف أيضا بأن مواهب هؤلاء فى مجال القدرة على التذوق ورهافة الحس وحسن التمييز مزايا يحسدهم عليها بعض النقاد والكتاب. أقول ذلك وفى ذهنى ما حدث مؤخرا عندما نشرت الترجمة العربية لرواية وجيه غالى "بيرة فى نادى البلياردو". ما إن ظهرت هذه الترجمة حتى أسالت لعاب المعلقين على نحو مذهل. فقد كانت تلك مناسبة رائعة للوك الأخبار الشهية والشائعات اللذيذة وأنصاف الحقائق. فها هو كاتب مصرى منسى ألف رواية ناجحة بالانجليزية، وزار إسرائيل بعد الهزيمة مباشرة وانتحر. قصة تحتوى على كل البهارات والتوابل اللازمة لتحريك رحى الإعلام المتلهفة على القصص المثيرة. وأصبح الكل بين يوم وليلة يكتب عن وجيه غالى؛ وأصبح الرجل فجأة نجما ساطعا فى سماء الأدب؛ وصار بقدرة قادر اكتشافا أدبيا مذهلا و "بطلا غامضا"، وترددت الأصداء فى "ورشات العمل" ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وفى مدونات الإنترنت. وشمر المعلقون عن ساعد الجد لتبديد ذلك الغموض أو ـ إذا شئنا الدقة ـ لإيهام الناس بذلك. ولكن كيف السبيل إلى الرؤية الواضحة، وكل الطرق التى يمكن أن تؤدى إلى البطل مسدودة ـ كما قال أحد المعلقين؟ وصف إيهاب الحضرى حمى النشاط التى اجتاحت المثقفين فى القاهرة فى مقالة عنوانها "مثقفون (كذا) القاهرة يبحثون عن الرجل الغامض... وجيه غالى" (الشرق الأوسط ، 18 يوليو 2007)، فقال "ظهر وجيه غالى فجأة كبطل غامض قادم من زمن ملتبس، لا توجد له صورة فوتوغرافية نعرفها، لا أحد يذكره " ولكن هذا "اللغو" الإعلامي (أو لنقل هذه "اللغوصة" الإعلامية) يدل (تدل) على أن الالتباس واقع هنا فى أيامنا هذه. فقد روى الأستاذ إيهاب قصصا كثيرة من بينها أن الشاعر شعبان يوسف لا يكل عن البحث [عن الرجل الغامض]. ومن بين هذه الجهود التى لا تعرف الكلل أن الأستاذ شعبان يوسف بحث عن اسم وجيه غالى بين الهامشيين الذين قبض عليهم فى اعتقالات الشيوعيين فلم يجد له أثرا، وأنه اتجه إلى قيادات اليساريين الباقين على قيد الحياة، فلم يجد لديهم إجابات. وهلم جرا. فما هى النتائج التى تمخضت عنها كل تلك الجهود؟ لا شيء إلا مزيدا من الغموض والبلبلة. فقد تكهن البعض بأن اسم وجيه غالى اسم مستعار. وكتب الأستاذ شعبان يوسف مقالة (الحياة، 12/6/2007) عاد فيها بذاكرته إلى الوراء ـ إلى سنة 1975 ـ وما كتبه الفقيد غالى شكرى (انظر "الأرشيف السرى للثقافة المصرية"، ص 25) عن الرواية ومؤلفها. وكان من بين ما كتبه أن وجيه غالى انتحر ندما على زيارته لإسرائيل. وهو ادعاء لم يدعم بأى دليل، وباطل فى نهاية المطاف. ولكن الأستاذ شعبان يوسف ينقل هذا القول على علاته ودون تمحيص. وكيف يمكن التمحيص دون الرجوع إلى مزيد من الوثائق والمراجع؟ النشاط المحموم والعيون الساهرة غير أن البحث عن الحقيقة لا يعنى هؤلاء السادة. ومصدر الالتباس إذن هو أن الذين انتابتهم الحمى لا يريدون حقا إزالة الغموض بل يريدون نشره وتكثيفه. فمصادر المعلومات الحقيقية متوافرة ـ بعضها يمكن الوصول إليه إذا توافرت الرغبة والقدرة، وبعضها الأخر قريب فى متناول اليد ـ ولكن هؤلاء السادة لا يريدون البحث عنها أو الاقتراب منها. لم يحاول أحد من هؤلاء أن يقرأ ـ مثلا ـ ما كتبته أهداف سويف عن وجيه غالى. وهم يشيرون إلى ديانا آتهيل ـ الكاتبة الانجليزية التى أوت وجيه وألفت عنه كتابا كاملا بعد انتحاره فى بيتها ـ دون أن يحاول أحد منهم أن يقرا الكتاب. وقد نما إلى علمهم أن وجيه كتب مقالات فى التايمز، ولكنهم راغبون عن البحث عنها وقراءتها. (أم أنهم لا يستطيعون قراءتها حتى لو أتيحت لهم؟). بل ليس منهم من قرأ رواية وجيه غالى فى ترجمتها العربية بقدر من العناية والتروى. ولو أنهم فعلوا لتمهلوا قليلا حتى يحصلوا على كثير من المعلومات التى يتشوقون إليها. وقد فات هؤلاء السادة الذين شرق بهم خيالهم وغرب أن ينظروا فى مصدر قريب وفى متناول أيديهم. وأعنى بذلك أربع مقالات نشرتها فى "القاهرة" (بين 17 مايو و8 يونيو 2005) وحللت فيها الرواية وشخصية مؤلفها ورويت ما هو معروف عن حياته، كما حللت آراءه السياسية ودوافعه لزيارة إسرائيل، وعرضت مقالاته التى نشرت فى "التايمز"، ورويت قصة انتحاره معتمدا على ما سجل فى يومياته ليلة الحادثة. وباختصار أقول: لقد اعتمدت على كل المصادر المتاحة أو التى يمكن الوصول إليها، بما فى ذلك مقابلة أجريتها مع ديانا آتهيل، ودعمت المقالات بصور فوتوغرافية لبعض الوثائق الأصلية، ولديانا آتهيل ووجيه نفسه ـ ذلك البطل التى لا تتوافر له ـ فيما قيل ـ صور فوتوغرافية. ولهذه الأسباب كانت تلك المقالات التى لم تكتب بالانجليزية ولا بالسريانية هى أوفى ما كتب عن وجيه غالى فى أى لغة حتى يومنا هذا. ولو أن أؤلئك السادة قرأوا هذه المقالات لأراحوا واستراحوا. ولكن من الواضح أن التمهل والدراسة ليسا من مصلحتهم فى شيء؛ فمن شأنهما أن يفسدا عليهم الأمر كله، ويقضيا على فرص الخطف واللهف واللت والعجن إلى ما لا نهاية. أرجو أن يعذرنى هؤلاء السادة إذا كنت أزعجهم وأفرض هذه المقالات على انتباهم. فلست مهموما بتبديد أوهامهم اللذيذة بقدر اهتمامى بحماية مقالاتى من لصوص النصوص. فأخشى ما أخشاه أن يستغل هؤلاء غفلة النشطاء المحمومين وما يثيرونه من غبار وضباب، فيتنبهوا ـ وهم اليقظون المرهفون نافذو البصيرة ـ إلى محاسن تلك الأعمال. إلى كل من هب ودب ولكنى لن أختتم هذه المقالة دون أن أستثنى من كتاباتى عملا أبيحه للصوص ولكل من هب ودب على ظهر الأرض. أجل أتمنى أن يظهر فى يوم من الأيام من يختطف منى ذلك العمل. حدث ذات يوم أن نشرت لى "الأهرام" قصة عنوانها "مواسم" (انظر الأهرام، 17/9/1980 ). ويبدو أن المشرف على الصفحة المعنية قرر أن "يشلفط" اسمى، فنسب إلقصة إلى من يدعى عبد الرشيد محمدى العقاد. كان ذلك عملا متعمدا. إذ يصعب على أن أصدق أن هذا التحريف الجسيم كان من قبيل الخطأ المطبعى أو ناتجا عن السهو. فماذا أراد الرجل ـ لأنه كان رجلا ـ عندما تصرف على ذلك النحو؟ هل استكثر على المجد الذى يمكن أن يؤول إلى بفضل تلك القصة فقرر أن يحرمنى من شرف كتابتها؟ إذا كان ذلك ما أراد، فإنى أعلن الآن على رؤوس الأشهاد أنى غفرت له ـ لأن القصة كانت رديئة ولذلك لم أحاول إعادة نشرها فى مجموعة ـ وأشكر له أنه أزاح تلك المصيبة عن صدرى ـ إلى حين. ولو أن رجلا ظهر بينكم الآن ـ لأنه لا بد أن يكون رجلا ـ وكان يدعى عبد الرشيد محمدى العقاد ونازعنى فى ملكية تلك القصة، لتنازلت له عنها ـ عن طيب خاطر.
أنتم تعرفون القصة المشهورة عن جحا. قيل له: "عد غنمك يا جحا"، فقال: "واحدة واقفة وواحدة نايمة (يريد أن يقول: على الأرض راقدة)". ومن حسن الحظ أن لى أكثر من غنمتين، وأن غنماتى ـ أعنى مقالاتى ـ ليست واقفة ولا راقدة؛ بل هى فى حركة دائبة تسبح فى مراعى الله الفسيحة، فتتقاذفها الصحف والأقمار الصناعية وتتلقفها شبكة الإنترنت. ولكن الجانب السلبى من هذا الثراء هو أنها بدلا من أن تجلب لى الشهرة تثير طمع الذئاب.
صوتان لكن دعونى أبدأ بقصة ترجع إلى الماضى البعيد قبل ظهور الإنترنت والسرقات الإلكترونية. كنت أقرأ ذات ليلة (منذ ربع قرن تقريبا) كتابا عنوانه "المذاهب اليونانية الفلسفية فى العالم الإسلامي" الذى ألفه دافيد سانتلانا وحققه الدكتور محمد جلال شرف. ودافيد سانتلانا هو المستشرق الإيطالى الذى حاضر فى الفلسفة فى الجامعة المصرية (فى بداية نشأتها كجامعة أهلية)؛ وكان من بين طلابه طه حسين ومصطفى عبد الرازق وعلى عبد الرازق وغيرهم من النابهين. ويضم الكتاب نص المحاضرات التى ألقاها سانتلانا على طلابه المصريين كما جمع نصوصها الأستاذ المحقق ـ مع قدر من الحذف. وظلت مخطوطة الكتاب لفترة طويلة محفوظة فى جامعة القاهرة، وتمنى عدد من الباحثين تحقيقها حتى جاء الدكتور محمد جلال فسبق الجميع إلى تحقيق ذلك الحلم ـ على نحو ما.
ولاحظت عند قراءة الكتاب المطبوع كثرة الحواشى والتعليقات التى أضافها المحقق؛ وخيل إلى أنه أسهب فى ذلك وأفاض على نحو لا تقتضيه الضرورة. ولكن ما استرعى انتباهى بصفة خاصة هو وجود تباين واضح بين أسلوبين فى الكتابة أو لنقل صوتين. فتارة يرتفع صوت الرجل وتشتد لهجته وتحتد، فكأنه خطيب واعظ (من الطبقة الدنيا) ينذر العصاة بالويل والثبور وعظائم الأمور. يحدث هذا على وجه التحديد عندما ينبرى لمهاجمة أصحاب المذهب الحسي أو المذهب المادى. خذ مثلا قوله (الحاشية 2، ص 38): "لقد رفض أصحاب الحس والمحسوس كل ما يستند على غير المشاهد والمحسوس، وطبقا لهذا التصور نفذوا من تلك الثغرة إلى إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى لأنه لا يلمس أو يرى، ولكن! لقد تهاوت حجتهم وتهافت دليلهم المادى، فالحس قاصر وعاجز... أما العقل، فإن نطاقه يتسع ليشمل كل المدركات..."، أو قوله في نفس الموضع: "وعاد أنصار النظريات المادية بعد شعورهم بالضياع الكامل يتلفتون حولهم بحثا عن العقل! أجل العقل الذين (كذا!) لم يحفلوا به منذ البداية وأصروا على معاندته، فكان أن فقدوه وهيهات أن يستعيدوه."
من حق الرجل بطبيعة الحال أن يهاجم ما شاء من المذاهب، ولكن هجومه على بعض المذاهب بذلك الأسلوب الركيك وبتلك اللهجة لا يليق بأستاذ للفلسفة، ولا مكان له على أى حال فى عمل من أعمال التحقيق. فمهمة المحقق هى أن يقدم عمل المؤلف فى أحسن صورة ممكنة، وأن يفسح له المجال ولا يزاحمه، وهى تقتضى إذن قدرا من إنكار الذات والتضحية. وليس للمحقق أن يرفع صوته بحيث يصرف الأنظار والأفهام عن النص الذى يحققه. يصدق هذا بصفة خاصة فى الحالة التى نحن بصددها. فأقوال المحقق زائدة عن الحاجة على أى حال لأن المؤلف انتقد المذهبين الحسى والمادى بما فيه الكفاية وأدى الواجب ـ إذا كان ذلك واجبا.
أما الصوت الثانى، فيسمعه القارئ فى الحواشى التى أوردها المحقق للتعريف بأعلام الفلسفة. فهذه الحواشى رغم كثرتها والإفراط فيها مكتوبة بلغة واضحة هادئة رصينة لا تحيد عن الوقائع المعروفة للتاريخ. خذ مثلا قوله فى التعريف بالمذهب الذري: "كان لوقيبوس هو أول من قرر النظرية الذرية فى طبيعة العالم. وجاء زميله ديموقريطس فأحكم صياغتها في القرن الخامس ق. م. ثم أعاد تقريرها أبيقور في صورة لم يدخل فيها إلا تعديلا طفيفا. وأوفى عرض قديم ما زال فى حوزتنا لهذه النظرية هو شرح: لوكريتيوس لها فى قصيدته: طبائع الأشياء التى اتخذ مادتها من فلسفة أبيقور. ويتألف العالم في رأي الذريين مما هو موجود أي: الملاء أو الذرات. ومما هو غير موجود أي: الخلاء أو الفراغ على حد سواء." (الحاشية 1، ص 34). أو قوله فى التعريف ببروتاجوراس: "ولد في أبديرا، وهو السفسطائي الإغريقي الذي ازدهر في حوالي 450/440 ق. م. اشتهر بأنه معلم الخطابة، أى أنه معلم التفوق في الشؤون العملية أو المهارة السياسية والبيانية.وله كتب فى المنطق والأصول الثقافية والسلوك البشري. وقد هاجم بروتاجوراس الجمود فى كل من الديانة والفلسفة السائدة فى عصره" (الحاشية 1، ص 40).
فكيف يمكن تفسير هذا التباين؟ كيف استطاع الديماجوج الركيك أن يكتب بلغة العالم المؤرخ؟ كأنما حقق ذلك الكتاب شخصان مختلفان.
أرق على أرق أرقنى ذلك اللغز. واشتد أرقى عندما بدا لى أن الأسلوب الثانى مألوف لدى. وخطر لى أن الأقوال التى وردت فى تلك المقتطفات مرت بى من قبل، وأننى سمعت ذلك الصوت وتلك النبرة. وأشعلت النور بعد أن أطفأته. فأين قرأت تلك الأقوال عن الذرية وبروتاجوراس؟ وعدت إلى فتح الكتاب، ونظرت فى ثبت المراجع التى استعان بها الأستاذ المحقق، فوجدت من بينها مرجعا خيل إلى أنه بداية الفرج، وهو "الموسوعة الفلسفية المختصرة" فى نصها الانجليزى. قلت لنفسى: لا بد أن المحقق أفاد منها فى تعريفاته بالأعلام. ورجعت إلى عدد من المواد ذات الصلة فى الموسوعة، فوجدت أن المحقق قد نقل عنها مقتطفاته بالفعل. ولكن ذلك لم يزل حيرتى تماما. فاللغة العربية التى كتبت بها هذه المقتطفات ما زالت تلح على بألفتها. فأتيت بالموسوعة فى نسختها العربية: كما ترجمها فؤاد كامل وجلال العشرى وعبد الرشيد الصادق وكما راجعها الدكتور زكى نجيب محمود (مشروع الألف كتاب، 1961). وعندئذ انكشف السر وانحل اللغز، فالشخص الذى ترجم تلك المقتطفات لم يكن سوى المدعو عبد الرشيد. ذلك إذن هو الصوت، وتلك هى النبرة.
وقد أراد الأستاذ المحقق عندما اكتفى بالإحالة إلى الموسوعة فى نصها الانجليزى وأغفل الإشارة إلى ترجمتها العربية أن يوهم القراء بأنه يحسن القراءة بالانجليزية والترجمة عنها. وحقيقة الأمر أنه لم يفعل شيئا سوى نقل تعريفاته بالفلاسفة كلمة كلمة عن النصوص العربية كما صغتها وصاغها شريكاى فى الترجمة. وعلى هذا الضوء يمكننا أن نفهم السر الكامن وراء غزارة المعلومات المقدمة عن الأعلام غزارة لا ضرورة لها. فما كان على المحقق ـ فى هذا الجانب من عمله ـ إلا أن يغترف من الموسوعة المترجمة، ويقتطف كما شاء عن طريق النقل الحرفى ودون اجتهاد يذكر.
أستغفر الله. هذه زلة لسان. فللمحقق اجتهاد واحد ينبغى ألا ينسى، وهو أنه عبث بعلامات الترقيم فى النصوص العربية التى نقلها. وكان ذلك هو كل إسهامه. وذلك إذن هو الرجل الذى يندد بالسفلة من الحسيين والماديين.
ولم يغمض لى جفن حتى الفجر. زالت عنى الحيرة، ولكن أسعدنى على نحو منبه ومثير للضحك أننى اهتديت إلى كاتب تلك السطور.
اللص الصفيق غير أننى تميزت غيظا وكشرت عن أنيابى أمام حادثة أخرى خلت من الطرافة. فقد رأيت منذ بضع سنوات كاتبا فى "الهلال" يدعى الدكتور فلان (لا أذكر اسمه الآن ولا أريد أن أبذل أى جهد فى البحث عنه) ـ وقيل لى إنه أخصائي في طب المسالك البولية ـ يغير على ترجمتى لبعض مقالات طه حسين الفرنسية (انظر طه حسين، من الشاطئ الآخر. كتابات طه حسين الفرنسية، دار الهلال، 1979). وأعنى بذلك أن الرجل كان يعيد كتابة النص الذى نشرته فينقل بعض العبارات أحيانا، أو يلخصها أو يتظاهر بأنه يشرحها أو يحللها، وهو فى كل ذلك يحرفها ويشوهها. وهالتنى جسارة الرجل. لقد أراد أن يوهم الناس بأنه اكتشف كتابات مجهولة لطه حسين، وأنه يحسن القراءة بالفرنسية. كيف استطاع أن يقدم على ذلك؟ الكتاب صادر عن دار الهلال، وهو معروف فى الأوساط الأدبية فى مصر والعالم؛ وما كان للرجل أن يطلع على الأصول الفرنسية لكتابات طه حسين إذ يصعب الحصول عليها أو يستحيل فى بعض الحالات. والأغرب من ذلك أنه عندما انكشف أمره وأوقف رئيس تحرير الهلال سلسلة "مقالاته" عن كتابات طه حسين الفرنسية، انتقل إلى "أخبار الأدب" ليستأنف فيها عرض مهزلته. ولولا أن انفضح أمره مرة أخرى، وامتنعت "أخبار الأدب" عن نشر بقية السلسلة، لأتى على الكتاب كله.
لم تخل القصة السابقة من بعض الطرافة. والسرقة فيها أهون من عملية السطو التى أدارها طبيب المسالك البولية على نحو منظم وبصفاقة منقطعة النظير.
لص بغداد فكرت غير مرة أن أكتب فى الموضوع، ولكنى كنت أكظم غيظى إلى أن وقعت ثالثة الأثافى. كنت أتزلج على أمواج الإنترنت ذات يوم فوقعت بالمصادفة على مقالة عنوانها "مجال البحر المتوسط وتأكيد الذات ومحاكاة الآخر" فى مجلة "النبأ" العراقية (تشرين الثاني/أكتوبر 2005). وأصابنى ما يشبه الصدمة والذهول عندما رأيت هذه المقالة التى أنا كاتبها منسوبة إلى شخص تصفه المجلة ـ أو يصف نفسه ـ بأنه كاتب وباحث، ويدعى وليد خالد أحمد حسن. ولم يكن لهذا الكاتب الباحث من إسهام إلا تغيير العنوان الذى وضعته للمقالة (حتى يخفى جريمته) وإسقاط حاشية واحدة من بين ثلاث عشرة حاشية (أشرت فيها إلى أن المقالة فى الأصل ورقة بحثية ألقيتها فى مهرجان أقيم بجامعة القاهرة، 1988، احتفالا بالذكرى المئوية لمولد طه حسين). وقارئ المقالة فى صورتها العراقية يخيل إليه أن ذلك "الوليد" قرأ طه حسين ("مستقبل الثقافة المصرية")، ومحمود محمد شاكر ("رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا") وابن رشد ("تفسير ما بعد الطبيعة") واطلع على كتب أرسطو المنطقية وعرف أقواله فى صدق القضايا وكذبها، وفهم ابن خلدون ("المقدمة" والسؤال الرئيسى فيها) ودرس علاقة ابن خلدون بأرسطو، وأنه قادر على تحليل آراء أؤلئك المفكرين والمقارنة بينها والخروج من النقاش برأى أصيل يخصه وحده فى علاقة الثقافة العربية بالحضارة الأوروبية، وذلك بالإضافة إلى إتقان مهارات أخرى من بينها مراعاة الوضوح والاتساق والرجوع إلى المصادر الأصلية وكتابة الحواشى وفقا لقواعد الكتابة الأكاديمية.
كتبت المقالة فى الأصل فى الثمانينيات من القرن الماضى، وألقيتها ـ كما ذكرت ـ كورقة بحثية فى الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد طه حسين. وكان يجلس إلى جانبى على المنصة الدكتور محمود حجازى، وبهاء طاهر وسامى خشبة. ولكن كيف وصل كاتب "النبأ" البغدادية إلى المقالة؟ هذا سؤال ما زال يحيرنى حتى اليوم. فمن المؤكد أن "باحث" بغداد لم يصل إلى ذلك النص الأصلى. غير أن المقالة نشرت فى صورة مختصرة باسمى تحت عنوان "الثقافة العربية فى مواجهة الغرب" فى "الهلال" (مارس 2005، الصفحات 8-15)؛ أى قبل نشر المقالة البغدادية بثمانية أشهر. وإذا أراد أحد أن يطلع على تلك الصفحات فى ذلك العدد من "الهلال"، فسيرى بسهولة أن هذه الصفحات مستنسخة كلمة كلمة فى مقالة "النبأ". وفى هذا ما يكفى لإثبات ملكيتى للمقالة.
ومع ذلك فإن "الكاتب الباحث" لم ينقل عن النسخة التى نشرت فى "الهلال" فهى نسخة اختصرتها ـ حت يسهل نشرها ـ فحذفت منها خمس فقرات (حوالي صفحة من بين ثمانى صفحات) (عن الإهمال الذى لقيه ابن خلدون من محمود محمد شاكر، وعن علاقة ابن خلدون وأرسطو)، وجردتها من الحواشي. وبقى النص الكامل ـ بما فيه الفقرات والحواشى المحذوفة ـ فى حوزتى مسجلا فى الكمبيوتر منذ إنشائه عليه (فى 13 يونيو 2004). فكيف استطاع لص بغداد أن يصل إلى هذا النص المطول الأصلى؟ أنا لا أذكر أنه نشر. أم أننى أرسلته للنشر ونسيت ونشر دون علمى؟ أم أن اللص المذكور تمكن من اقتحام جهاز الكمبوتر فى بيتى واطلع على محتوياته وسحب منه المقالة. إذا صح ذلك فباستطاعة هذا المقتحم أن يستولى على كل ما أملك من كنوز (شعرا ونثرا ومسودات ومشروعات). أفكار تطرد النوم عن العينين وتثير الكوابيس.
ثم تذكرت بعد لأى أننى كنت قد أرسلت المقالة فى نصها الكامل (؟) إلى مكتب "الحياة" بالقاهرة لكى تنشر فى بيروت. كان ذلك فى سنة 2004. وترقبت صدور المقالة لفترة من الزمن. فلما لم تظهر يئست من الانتظار وصرفت النظر عن الموضوع. فهل نشرتها "الحياة" دون أن أدرى، أي بعد انصرافى عنها؟ ربما. ولكنى أرجح احتمالا آخر. فقد تذكرت أيضا أننى كنت قد أعطيت أحد أصدقائى نسخة إلكترونية من المقالة الكاملة، ويبدو أنها تسربت ـ عن طريق هذا الصديق الذى لا أريد أن أذكر اسمه ـ إلى ناسخها بحذافيرها فى "النبأ".
وهناك فى الموضوع ثغرة ما ستسدها الأيام فيما أرجو. ولكن النص الذى نشر فى "الهلال" يكفى ـ كما قلت ـ للتدليل على أننى مؤلف المقالة، فهو يحتوى على معظمها.
ولمن أراد أن يزداد اقتناعا بما أقول أن يقرأ عددا آخر من "الهلال" ليرى مقالة آخرى لى بعنوان "ساحة التشابك والنزاع" (أبريل 2005، الصفحات 98 - 107). وسوف يلاحظ أن هذه المقالة تكمل وتطور مقالة مارس فى نفس المجلة. وسيدرك القارئ لهذه المقالة (التى نشرت قبل بدورها قبل صدور المقالة البغدادية بعدة شهور) أنها تكون مع شقيقتها السابقة سلسلة أو خطا فكريا متصلا خاصا بى دون غيرى. فأنا أستهل مقالة إبريل بإشارة صريحة إلى المقالة السابقة ("الثقافة العربية فى مواجهة الغرب")، فأقول: "أود فى هذه المقالة أن أستأنف حديثا بدأته فى الثمانينيات من القرن الماضى عن الثقافة العربية فى مواجهة الغرب." وأستأنف فى بقية المقالة ما جرى من حديث فألخص آرائي السابقة فى نقد طه حسين وشاكر فى موضوع العلاقة بين الثقافة العربية والحضارة الغربية، وأخلص إلى نفس النتيجة التى انتهيت إليها من قبل وهى أن هذه العلاقة أكثر تعقيدا مما يتصوره الأول (النموذج الوفاقى) ويتصوره الثانى (النموذج الصراعى)، وأن هذه العلاقة قوامها تشابك ونزاع فى آن واحد. وبعد هذا التلخيص أطور البحث وأستخلص النتائج التى تترتب على هذه العلاقة المعقدة.
ومن سوء حظ كاتب "النبأ" أنه لم يقرأ مقالة "الهلال" فى مارس ولا مقالة "الهلال" فى أبريل. فلو أنه فعل لأدرك أن المقالة التى تسربت إليه قد نشرت فى معظمها وأن لها على أى حال أخت تحميها، ولتردد فى الإقدام على فعلته. فهل كان يحجم عنها؟ ولكن هل يستحى لصوص النصوص فى أيامنا هذه؟
هيهات! لقد أصبحنا نسمع عن الرسائل الجامعية التى تنقل عن مراجع أخرى مصرية وأجنبية، وتنال تقديرا بمرتبة الشرف الأولى. وأصبحنا نرى بعض هؤلاء اللصوص يدافعون دون حياء عن جرائمهم. يشجعهم على ذلك ويغريهم به تغلغل السرقة والغش والفساد فى حياتنا بأسرها.
مواهب اللصوص ولكن لا بد من الاعتراف بأن لصوص النصوص يتمتعون ببعض المواهب التى تثير الدهشة، وتبعث على الرضى بمعنى من المعانى. فهم يتمتعون بحاسة مرهفة تصرفهم عما هو غث فينفرون منه، وتدلهم على السمين فينقضون عليه. واهتمامهم بمقالاتى وتهافتهم عليها يؤكدان لى على نحو غير مباشر أن غنماتى حسنة المرعى والتربية.
ولا بد من الاعتراف أيضا بأن مواهب هؤلاء فى مجال القدرة على التذوق ورهافة الحس وحسن التمييز مزايا يحسدهم عليها بعض النقاد والكتاب. أقول ذلك وفى ذهنى ما حدث مؤخرا عندما نشرت الترجمة العربية لرواية وجيه غالى "بيرة فى نادى البلياردو". ما إن ظهرت هذه الترجمة حتى أسالت لعاب المعلقين على نحو مذهل. فقد كانت تلك مناسبة رائعة للوك الأخبار الشهية والشائعات اللذيذة وأنصاف الحقائق. فها هو كاتب مصرى منسى ألف رواية ناجحة بالانجليزية، وزار إسرائيل بعد الهزيمة مباشرة وانتحر. قصة تحتوى على كل البهارات والتوابل اللازمة لتحريك رحى الإعلام المتلهفة على القصص المثيرة. وأصبح الكل بين يوم وليلة يكتب عن وجيه غالى؛ وأصبح الرجل فجأة نجما ساطعا فى سماء الأدب؛ وصار بقدرة قادر اكتشافا أدبيا مذهلا و "بطلا غامضا"، وترددت الأصداء فى "ورشات العمل" ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وفى مدونات الإنترنت. وشمر المعلقون عن ساعد الجد لتبديد ذلك الغموض أو ـ إذا شئنا الدقة ـ لإيهام الناس بذلك.
ولكن كيف السبيل إلى الرؤية الواضحة، وكل الطرق التى يمكن أن تؤدى إلى البطل مسدودة ـ كما قال أحد المعلقين؟ وصف إيهاب الحضرى حمى النشاط التى اجتاحت المثقفين فى القاهرة فى مقالة عنوانها "مثقفون (كذا) القاهرة يبحثون عن الرجل الغامض... وجيه غالى" (الشرق الأوسط ، 18 يوليو 2007)، فقال "ظهر وجيه غالى فجأة كبطل غامض قادم من زمن ملتبس، لا توجد له صورة فوتوغرافية نعرفها، لا أحد يذكره " ولكن هذا "اللغو" الإعلامي (أو لنقل هذه "اللغوصة" الإعلامية) يدل (تدل) على أن الالتباس واقع هنا فى أيامنا هذه.
فقد روى الأستاذ إيهاب قصصا كثيرة من بينها أن الشاعر شعبان يوسف لا يكل عن البحث [عن الرجل الغامض]. ومن بين هذه الجهود التى لا تعرف الكلل أن الأستاذ شعبان يوسف بحث عن اسم وجيه غالى بين الهامشيين الذين قبض عليهم فى اعتقالات الشيوعيين فلم يجد له أثرا، وأنه اتجه إلى قيادات اليساريين الباقين على قيد الحياة، فلم يجد لديهم إجابات. وهلم جرا. فما هى النتائج التى تمخضت عنها كل تلك الجهود؟ لا شيء إلا مزيدا من الغموض والبلبلة. فقد تكهن البعض بأن اسم وجيه غالى اسم مستعار. وكتب الأستاذ شعبان يوسف مقالة (الحياة، 12/6/2007) عاد فيها بذاكرته إلى الوراء ـ إلى سنة 1975 ـ وما كتبه الفقيد غالى شكرى (انظر "الأرشيف السرى للثقافة المصرية"، ص 25) عن الرواية ومؤلفها. وكان من بين ما كتبه أن وجيه غالى انتحر ندما على زيارته لإسرائيل. وهو ادعاء لم يدعم بأى دليل، وباطل فى نهاية المطاف. ولكن الأستاذ شعبان يوسف ينقل هذا القول على علاته ودون تمحيص. وكيف يمكن التمحيص دون الرجوع إلى مزيد من الوثائق والمراجع؟
النشاط المحموم والعيون الساهرة غير أن البحث عن الحقيقة لا يعنى هؤلاء السادة. ومصدر الالتباس إذن هو أن الذين انتابتهم الحمى لا يريدون حقا إزالة الغموض بل يريدون نشره وتكثيفه. فمصادر المعلومات الحقيقية متوافرة ـ بعضها يمكن الوصول إليه إذا توافرت الرغبة والقدرة، وبعضها الأخر قريب فى متناول اليد ـ ولكن هؤلاء السادة لا يريدون البحث عنها أو الاقتراب منها. لم يحاول أحد من هؤلاء أن يقرأ ـ مثلا ـ ما كتبته أهداف سويف عن وجيه غالى. وهم يشيرون إلى ديانا آتهيل ـ الكاتبة الانجليزية التى أوت وجيه وألفت عنه كتابا كاملا بعد انتحاره فى بيتها ـ دون أن يحاول أحد منهم أن يقرا الكتاب. وقد نما إلى علمهم أن وجيه كتب مقالات فى التايمز، ولكنهم راغبون عن البحث عنها وقراءتها. (أم أنهم لا يستطيعون قراءتها حتى لو أتيحت لهم؟). بل ليس منهم من قرأ رواية وجيه غالى فى ترجمتها العربية بقدر من العناية والتروى. ولو أنهم فعلوا لتمهلوا قليلا حتى يحصلوا على كثير من المعلومات التى يتشوقون إليها.
وقد فات هؤلاء السادة الذين شرق بهم خيالهم وغرب أن ينظروا فى مصدر قريب وفى متناول أيديهم. وأعنى بذلك أربع مقالات نشرتها فى "القاهرة" (بين 17 مايو و8 يونيو 2005) وحللت فيها الرواية وشخصية مؤلفها ورويت ما هو معروف عن حياته، كما حللت آراءه السياسية ودوافعه لزيارة إسرائيل، وعرضت مقالاته التى نشرت فى "التايمز"، ورويت قصة انتحاره معتمدا على ما سجل فى يومياته ليلة الحادثة. وباختصار أقول: لقد اعتمدت على كل المصادر المتاحة أو التى يمكن الوصول إليها، بما فى ذلك مقابلة أجريتها مع ديانا آتهيل، ودعمت المقالات بصور فوتوغرافية لبعض الوثائق الأصلية، ولديانا آتهيل ووجيه نفسه ـ ذلك البطل التى لا تتوافر له ـ فيما قيل ـ صور فوتوغرافية. ولهذه الأسباب كانت تلك المقالات التى لم تكتب بالانجليزية ولا بالسريانية هى أوفى ما كتب عن وجيه غالى فى أى لغة حتى يومنا هذا.
ولو أن أؤلئك السادة قرأوا هذه المقالات لأراحوا واستراحوا. ولكن من الواضح أن التمهل والدراسة ليسا من مصلحتهم فى شيء؛ فمن شأنهما أن يفسدا عليهم الأمر كله، ويقضيا على فرص الخطف واللهف واللت والعجن إلى ما لا نهاية. أرجو أن يعذرنى هؤلاء السادة إذا كنت أزعجهم وأفرض هذه المقالات على انتباهم. فلست مهموما بتبديد أوهامهم اللذيذة بقدر اهتمامى بحماية مقالاتى من لصوص النصوص. فأخشى ما أخشاه أن يستغل هؤلاء غفلة النشطاء المحمومين وما يثيرونه من غبار وضباب، فيتنبهوا ـ وهم اليقظون المرهفون نافذو البصيرة ـ إلى محاسن تلك الأعمال.
إلى كل من هب ودب ولكنى لن أختتم هذه المقالة دون أن أستثنى من كتاباتى عملا أبيحه للصوص ولكل من هب ودب على ظهر الأرض. أجل أتمنى أن يظهر فى يوم من الأيام من يختطف منى ذلك العمل. حدث ذات يوم أن نشرت لى "الأهرام" قصة عنوانها "مواسم" (انظر الأهرام، 17/9/1980 ). ويبدو أن المشرف على الصفحة المعنية قرر أن "يشلفط" اسمى، فنسب إلقصة إلى من يدعى عبد الرشيد محمدى العقاد. كان ذلك عملا متعمدا. إذ يصعب على أن أصدق أن هذا التحريف الجسيم كان من قبيل الخطأ المطبعى أو ناتجا عن السهو. فماذا أراد الرجل ـ لأنه كان رجلا ـ عندما تصرف على ذلك النحو؟ هل استكثر على المجد الذى يمكن أن يؤول إلى بفضل تلك القصة فقرر أن يحرمنى من شرف كتابتها؟ إذا كان ذلك ما أراد، فإنى أعلن الآن على رؤوس الأشهاد أنى غفرت له ـ لأن القصة كانت رديئة ولذلك لم أحاول إعادة نشرها فى مجموعة ـ وأشكر له أنه أزاح تلك المصيبة عن صدرى ـ إلى حين. ولو أن رجلا ظهر بينكم الآن ـ لأنه لا بد أن يكون رجلا ـ وكان يدعى عبد الرشيد محمدى العقاد ونازعنى فى ملكية تلك القصة، لتنازلت له عنها ـ عن طيب خاطر.