رسالة المغرب الثقافية

حوار الثقافات في ظل العولمة: هيمنة أم تضامن؟

عبدالحق ميفراني

نظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع مجلس جهة مكناس ـ تافيلالت، والمجلس البلدي والاقليمي لمدينة الحاجب ندوة.

"حوار الثقافات في ظل العولمة: هيمنة أم تضامن؟"
الندوة التي عرفت مشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين من المغرب والعراق، حاولت أن تتأمل طيلة يومين (7و8مارس 2008) بدار الثقافة بمدينة الحاجب، مساءلة وضعية ثقافات اليوم، في الوقت الدي تزداد فيه الفروقات اتساعا. وهكذا عرفت الندوة مشاركة الباحثين: عباس الجراري كمال عبداللطيف ليفي شمعون أنور المرتجي سعيد بنكراد ـ عبدالحميد عقارـ مصطفى بوهندي إدريس كثير ـ أحمد فرشوخ الميلودي شغموم وليد صالح الخليفة، عراقي مقيم في اسبانيا ـ حسن مخافي.

اختيار مدينة الحاجب، موطن "انشادن" وفضاء من المغرب العميق، لاحتضان موضوع محوري يحمل قيمة معرفية وفكرية بالشكل المطروح، يعبر عن إرادة واعية لفعل اللاتمركز في رؤية اقتراح اتحاد كتاب المغرب لبرنامجه الثقافي. مدينة تحفل برواد الثقافة الشفاهية، لكن النقاشات والتعقيبات عن المداخلات أفرزت جيلا شابا يعبر عن قلق الأسئلة، بشغب البحث وبقرب واعي من مضمرات راهن حوار الثقافات. ولا يمكن فهم طبيعة هذه الأسئلة دون فهم لطبيعة التشكلات السوسيوثقافية لمدينة مفتوحة على الثقافات ونموذج حي للمغرب المتعدد.

ندوة حوار الثقافات في ظل العولمة، غاية متعددة الأبعاد. فهي، بتأكيد الأستاذ عبدالحميد عقار (رئيس اتحاد كتاب المغرب)، مناسبة لمساءلة وضعية ثقافات اليوم، حيث تزداد الفروقات اتساعا ويغيب الاعتراف ببعض الجغرافيات الثقافية. كما أن الاكتساح الغير الطبيعي للعولمة حول العالم بأسره عبر سعيها لامتلاك التكنولوجيا كأداة للتفوق وهيمنة الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات يجعل الحاجة اليوم، ماسة لإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية، من خلال فتح هامش عريض لحوار حقيقي. كما أن الندوة تعيد التأكيد على أن المغرب يظل مختبر لغوي بامتياز ونموذجا للتنوع. ولقد كرس الباحثون المغاربة حياتهم لحوار الثقافات كأداة لخدمة القيم الإنسانية.

جلسة الافتتاح: عبدالحميد عقار: المغرب مختبر حقيقي لتعايش التيارات الحضارية المتعاقبة.
أكد رئيس اتحاد كتاب المغرب، الأستاذ عبدالحميد عقار باسم المكتب المركزي، على أن انعقاد الندوة يمثل فرصة مجازية لقرب الكاتب والمثقف من قرائه، وموضوع حوار الثقافات في ظل العولمة موضوع الراهن بامتياز، ولا يكتسي راهنيته فحسب، بل هو من صميم المغرب الحضاري العميق، مغرب الآفاق. وما يمكن أن يفرزه نقاش الندوة من أسئلة كفيل بخلق تصور يهم دور المغرب اتجاه محيطه وعلاقاته الدولية. باعتبار المغرب أهم مختبر حقيقي لتعايش التيارات الحضارية المتعاقبة والأراء والأفكار. كما أنه أمسى ضروري على المغرب اليوم، أن يعمق الحوار بين ضفتي البحر المتوسط، وبين الشرق والغرب، بين الجنوب والشمال، بين كل الثقافات التي تتعايش فيه.

وإثارة حوار الثقافات هو في الأصل إثارة لموضوع تكريس التعدد، الأفق الممكن للقضاء على الإقصاء. لكن إمكانية تحقق هذا الحوار يظل خاضعا لشروط قوامها الاعتراف المتبادل، والرغبة لدى الكل لإيجاد الحلول الممكنة لكل المعضلات إذا ما انتصرت قيم التعايش. في عالم يخضع اليوم لمنطق العولمة، والتي ليست ظاهرة للحاضر والمستقبل، إذ كانت تبرز امبراطوريات عبر التاريخ، تظهر تسود تم تنمحي.كما أنها ليست عولمة الماضي والتاريخ، فجانبها المتوحش نرفضه لأنه يمثل الرغبة الأحادية للسيطرة والتحكم. لقد سبق لأوروبا أن حملت شعار الاسثتناء الثقافي، الثقافة غير معنية بالعولمة ولا ضرورة فيها، إذ هي التعدد والمغرب بإمكانه أن تكون له الريادة من زاوية مقاومته للعولمة المتوحشة، بإثارته للسؤال: المشترك، المتعدد والتنوع. ولهذا اختارت اليونيسكو شعار "تنوعنا الخلاق"، إن الرهان الممنتظر من ندوة "حوار الثقافات في ظل العولمة"، يؤكد الأستاذ عبدالحميد عقار هو "تغدية أفق هذا التفكير".

الجلسة الأولى: يجب معرفة أحوالنا دون أرصدة قديمة، وحوار الثقافات ضرورة لمقاومة الخوف والتوثر
تنسيق: حسن مخافي، المداخلات: كمال عبداللطيف ليفي شمعون وليد صالح، باحث عراقي مقيم في اسبانيا.

أكد المفكر كمال عبداللطيف في بداية مداخلته، على أنه يفضل الحديث عن موضوع حوار الثقافات عوض حوار الحضارات والذي يعتبر موضوعا ملغوما. إذ لا بد في النهاية من أن حضارة واحدة تسود، ولابد حينها من تجاوزها. الندوة الدي شكلت له حلقات مترابطة ومتسلسلة للنقاش خلال سنتي 2001و2002. وقد استدعى المفكر كمال عبداللطيف لإثارة موضوعه حدث اللقاء الذي تم، بعد أن قام مجموعة من المثقفين الأمريكيين بتوجيه رسالة الى مثقفي العالم العربي بعد أحداث 11 سمبتبر. وقد بدأت ردود الفعل تتناسل الى أن تم استدعاء 20 مثقف عربي و20 مثقف أمريكي للمشاركة في ندوة أقيمت طيلة ثلاثة أيام، حينها كانوا يلتقون على امتداد 7 ساعات يوميا. كان موضوع الحوار متعددا ومتشعبا لكنه مدروس: القضية الفلسطينية، العلمانية، الحداثة، الجهاد، التطرف...

وكان من المنتظر أن يتم في اليوم الثالث إلقاء مشروع الخلاصات. لكن في النهاية يعترف المداخل، أن ذلك لم يتم فانتهى الحوار دون تقدم, وبمناسبة انعقاد هذا اللقاء يتساءل المفكر كمال عبداللطيف حول معيقات حوار الثقافات.

التفكير في عوائق الحوار: يدور الحوار في زمن صراع فعلي، فبعد أحداث 11 سبتمبر نشأ صراع بين ساسة متطرفون ضد متطرفون دينيون، هي لحظة اللاحوار، ولا تسمح به، لكن كيف يتم التخلص من التأثير المباشر؟. العائق الثاني يتمثل في حضور كثير من الدوغمائيات، والتفكير اليقيني، والفكر القطعي لاعتقاد أن منطق أصحابه هو الصواب.



ثمة أحكام لا علاقة بمفهوم المثاقفة، وبجدليتها. اليوم نعيش تحت وطأة عولمة الصورة، والتي تمارس على أدمغة ناشئتنا بقوة الفعل، يمكننا أن نتساءل معه، ماذا سيترسخ في دهنه بعد مرور 20 سنة. إن منطق الأحكام المسبقة لا يسمح بالمرة بحوار حقيقي وجدي، فالحوار يقتضي الندية في حين نحن مستهلكون.

الحضارة الأوروبية تصنع المشهد اليوم، نستطيع أن ننتقد أوروبا، لكن لابد من الاستفادة منها، من "المتاح" للبشرية جمعاء. نحن الدين عجزنا على تحقيق ما يسمح لنا أن نكون أندادا للآخرين فمآلنا موصول بعدم قدرتنا على التصالح بدواتنا ومع الآخرين,

مقترح تجاوز العوائق: بعد هذا الجرد المركز لعوائق الحوار، قدم المفكر كمال عبداللطيف، مجموعة من المقترحات لتجاوز هذه العوائق, فهو يعتبر أن من الضروري إعلاء مجموعة من القيم والمفاهيم من قبيل:

** التسامح ـ التعدد ـ أنسنة التوجه المتعولم.

** وقيم العقل ـ قيم العدل ـ قيم التوازن

يعتبر المداخل أن لا تواصل دون تسامح، لهذا يجب تبيئته في مجتمعنا، وبما أن العالم واحد، فإن مكاسب البشرية هي للبشرية جمعاء. كلنا معنيون بأسئلة العالم المعاصر، التعدد، والاعتراف المتبادل. بما فيه الاعتراف الجرئ بضعفنا لا الهروب باستدعاء قيم قديمة والركون للأوهام. يجب معرفة أحوالنا دون أرصدة قديمة. إدا كان التعولم صيرورة وتدفق معرفي وإعلامي، فيجب حمل قيم أنسنة التوجه المتعولم. فالمقاربة الثقافية تقتضي مرونة أكثر، "عندما تكون مقاربتي ثقافية، فإني بالتالي أتمتع بمرونة كافية". إن دينامية التعولم تدفعنا الى التفكير في تجاوز المطلقات والأحكام القطعية. ولإنعاش قيم التجاوز، والحوار الحقيقي المؤمن بقيم العقل والعدل والتوازن. لابد من التشبت بأحقية التعاقد والتآزر، معاركنا المشتركة داخل العالم هي التحديث، وقيم التنوير مازالت مطلوبة لتجاوز منطق العقائد المغلفة وفتح أبواب قيم التوازن. وإدا كان فقهائنا قد أدركوا زمنهم، فإن باب الاجتهاد اليوم يجب أن يظل مفتوحا لا الركون لإعادة إنتاج قيم قديمة، ثمة ضرورة أن نستوعب المتغيرات، بناء قيم الحداثة والتحديث باستيعاب ما هو متاح للبشرية جمعاء.

الجامعي العراقي وليد صالح الخليفة (مقيم في اسبانيا) تحدث في خمسة محاور محاولا الإجابة على سؤال حوار الثقافات، هل هو حوار ممكن. وقد استدعى الباحث هو أيضا، واقع الثقافة العربية والإسلامي في اسبانيا, تناول الباحث المؤسسات التي تهتم بالثقافة العربية والإسلامي في اسبانيا. سواء المعهد العربي الإسلامي للثقافة، والذي تحول الى الوكالة الدولية للتعاون، كان له دور كبير من حيث اهتمامه بالترجمة، المعهد المصري أحد صروح الثقافة العربية في مدريد اختص في إعطاء دروس في اللغة العربية، وتنظيم محاضرات. أما المركز الثقافي السعودي الى جانب المركز الثقافي السوري وجمعيات مدنية أخرى فقد ظلت حبيسة لمحدودية أنشطتها. فباستثناء الترجمة تظل طبيعة الأنشطة التي تقوم بها هذه الإطارات محدودة. حالة الترجمة تختلف بحكم أنها تصل للقراء، وهناك دور نشر مهمة تقوم بهدا الدور الطليعي. رغم أنها لا تسثتنى هي أيضا من عوائق داتية مرتبطة بسياقات مختلفة. ولعل المشاكل التي أثارتها ترجمة روايات الروائي نجيب محفوظ، دليل مضاف لهدا الاختلاط.

انتقل الباحث وليد صالح الى تأطير صورة الثقافة العربية الإسلامية في وسائل الإعلام المرئية المكتوبة والمسموعة، الى جانب النظام التربوي والتعليمي. فمادامت هده الوسائل في يد مصالح كبرى، فطبيعي أن لا تكون طريقة التناول والمعالجة إلا محكومة بمنطق معكوس، وأحيانا تحتاج بعض الأكاديب الى توضيحات، ويعترف المداخل أن الصورة قد تطورت مند 20 سنة، لكن هدا لا ينفي أن صورة الثقافة العربية الإسلامية في اسبانيا لازالت محدودة الأفق، وخاضعة لايديولوجيا معينة. وقد بلغت هده النظرة دروتها حين يتم الحديث عن الهجرة، هدا الموضوع الدي اتخدته بعض الأحزاب السياسية مركزا للضغط على حكومتها. بدعوى "الخطر القادم" خصوصا من طرف المهاجرين القادمين من العالم العربي والإسلامي. والدين لا يندمجون بسهولة، وهو التوصيف الجاهز لجعل الهجرة مرادفة للغزو، وللتخويف الرأي العام.كما زادت أحداث 11 مارس من قتامة الصورة. وزادت من تشويه صورة العرب والمسلمين في اسبانيا، غير أن هذه الأحداث دفعت من جانب آخر، الجامعات الى الانفتاح على الطلبة الدين بدوا يطالبون بمعرفة المزيد عن العرب والإسلام. يختتم الباحث العراقي وليد صالح الخليفة بحثه بالدعوة الى تحسين صورة العرب والمسلمين في اسبانيا وذلك من خلال دعوته لهم، على ضرورة أن يعتبروا أنفسهم مواطنين وليسوا عابري سبيل، وأنهم يعيشون في مجتمع علماني، يدعو للمشاركة السياسية. كما أنهم ملزمون على التعاطي بشكل مختلف مع طبيعة المجتمع الإسباني سياسيا واجتماعيا وثقافيا من خلال التخلي عن نغمة أبدية تدعى "المؤامرة"، لأنها لن تزيد الوضع إلا استفحالا.

الأستاذ شمعون ليفي اتخذ الثقافة الوطنية كموضوع للحوار، من خلال مداخلته "حوار ـ حرب أم تقدم؟" ومند البداية حدد المداخل نقطة مركزية بتأكيده على أن العولمة هي كائنة أساسا، وليست كما تراها الشعوب قادمة. فالعولمة قائمة مند أزيد من 200 سنة، عندما بدأت أوروبا تتوزع العالم سياسيا واقتصاديا. لدا فمضمون العمولة يرتبط بمفهوم الاستعمار. لقد استطاعت بعض الدول أن تتجاوز وضعية الانحسار، كالصين والهند وماليزيا. لكن العالم العربي والإسلامي ظل خاضعا لمنطق الاستغلال. وهو منطق الراهن اليوم، شمال وجنوب، مستغل ومستغل. التغيير الدي حدث هو انتقال هده الدول الاقتصادية الكبرى الى وضع يتجاوز إرسال المواد المصنوعة بصنعها لدينا. ويشير الأستاذ ليفي شمعون الى المحتوى الاقتصادي في مضمون العولمة، بل ويؤكد على هذا المضمون وهيمنته. بالتأكيد على أن هناك صراع اقتصادي في الواجهة. لدلك يتطلب الأمر العودة لدواتنا، ومحاربة التكلف الفكري، إذ أن هناك عولمة في اتجاه واحد اسمها الاستعمار. ولمعرفة أقانيم هذه المعادلة يجب أن نعرف دواتنا، كما يجب أن نعرف الآخر. ويمكننا أن نتساءل ماذا أضفنا للعالم اليوم؟

وعند الحديث عن البعد الثقافي يشير المداخل، أن فعل التحاور الثقافي يجب أن يخضع لمراجعة حقيقية، وذلك عبر برامج ثقافية وتعليمية تطابق ما يحدث في عالم اليوم، وبتعبير المداخل، يحتاج "المغاربة أن يعرفوا المغرب أولا!.."، عبر مراجعة تاريخ المغرب وإعادة كتابته. المدرسة اليوم لا تعلم قيم التسامح. والعالم اليوم، يخضع لثلاثية من التطرف: تطرف ديني (إسلامي)، تطرف ديني (يهودي)، وتطرف أمريكي. إن قيمة السلام ضرورة، حسب المداخل، وأفق وإلا ستندلع حربا نووية، حرب ضد الإنسان. كما أن حلم اليهود للسيطرة على الأمكان المقدسة، على أساس عودة المسيحية وسيادتها على العالم، في انتظار مجيء وعودة المسيح، يظل من أبرز صور هدا الصراع المفتوح. ويؤكد الباحث ليفي شمعون في النهاية على ضرورة تجاوز نقاش الأديان وتجاوزه للاتجاه الى العلوم، ولمنطق الأبحاث قصد تجاوز وضعية التخلف، ومن تم فتح حوار جدي بين الثقافات الوطنية والثقافات الأخرى.

الجلسة الثانية: كل ثقافة تعالج مشاكل الحياة المختلفة بطريقتها الخاصة، ولا يمكن منح الأفضلية لواحدة دون الأخرى.
تنسيق: الميلودي شغموم، مداخلات: عباس الجراري ـ إدريس كثير ـ سعيد بنكراد.

انطلق الباحث والأكاديمي عباس الجراري من سؤال حول "ماذا إن كان حوار الثقافات والعولمة؟" مقدما مداخلته من زاوية اقتصادية، وسياسية. إذ يرى "أستاد الأجيال" أن ما تعانيه الاقتصادات الوطنية، في عدم القدرة على التنافس، يجعلها تتخلف على إحدى أهم تمظهرات العولمة بحكم أنها تدفع صوب هذا الاتجاه. هذا الى جانب ما تمليه العولمة على السياسات الوطنية. لكن، ما يهم الموضوع المقترح في الندوة يظل رهينا بالحوار الثقافي، ومع دلك يتساءل الباحث هل تأثرت الثقافة بالعولمة؟ يلاحظ هجوم يواجه الثقافات الوطنية من خلال الانفجار التكنولوجي، وتعدد وسائل الاتصال وثورتها المعلوماتية. صحيح أيضا أن الثقافة أفكار ورؤى ومواقف، وكل التراكمات التراثية. فكيف تعيش العولمة وسط هده الثقافات الوطنية؟ لقد استطاعت أوروبا أن ترفض العولمة الثقافية، لأنها لها خصوصيتها الثقافية وكيانها، لدلك سعت أوروبا مند البداية الى تكييف العولمة مع ثقافتها. بالنسبة للعالم العربي الإسلامي وشعوب العالم الثالث، يظل السؤال المركزي هو كيف توجه العولمة التي تفرض قوانينها للحفاظ على كياناتها وهويتها وثقافتها.

ثمة ثلاثة خيارات تحكم هدا الموقف، إما خيار أن ترفض العولمة من جانب الثقافي بالانغلاق على أنفسنا، ووضع الحواجز. في النهاية، هو خيار ممكن لكنه مستحيل التحقق. الخيار الثاني مشروط بالانفتاح اللامشروط أي المطلق، لكنه يفتح المجال للأقليات أن تتحرك لأنها لن تقبل أن تضيع هويتها في هدا الزحام، الى جانب ما يمكن أن تشهده هده الكيانات من ميلاد حركات التطرف. الخيار الثالث الممكن، هو رهين بإمكانيات التوفيق بين الثقافات الوطنية والهويات والعولمة، هذا الخيار ممكن التحقق. لكن، يبقى السؤال هل نحن مستعدون لهدا الخيار وهده العملية التوفيقية؟ فمن أجلها لا بد من توفر بعض الشروط. لعل أبرزها الاقتناع بالتغييرأولا، والجواب على سؤال هل نعرف دواتنا حقيقة؟، وهل نعرف الآخر معرفة حقيقية؟؟. للحوار أيضا شروط في النهاية، فهل نحن مستعدون لهذه الغاية؟ وهل الآخر مستعد في المقابل؟.. إن الاعتراف بالآخر يعني الاحترام، احترام المقومات الروحية واللغوية لكيانه. لابد في الأخير من قبول متبادل وللطرفين، مع ضرورة الحفاظ والتسلح بمقوماتنا الثقافية..

السيميائي سعيد بنكراد تناول محور الندوة بطريقته المعتادة في طرح الاستشكال على الشكل التالي: ما هي العوائق الداتية للحوار مع الآخر؟، يكاد الباحث السيميائي يرتكز في مناقشته على باب واحد يمكننا من تجاوز هده المعيقات والمرتبط أساسا ومنهجيا في قدرتنا على الفصل بين المؤمن والمواطن، بما هو فصل كلي. وهو خطوة أولية لتوحيد المفاهيم. يحدد المداخل تدخله بمجموعة من الاسئلة المعرفية تتحدد في: من نحن؟ ما هي العوائق الحقيقية التي تقف أمام حوارنا مع الآخر؟.. وإدا كانت فكرة المصلحة واردة في التاريخ عامة، فإننا مسؤولون بشكل ما على عائق انتقال هذا الشرط لفعل حواري جاد. لقد داهمت المدينة الحديثة مجموعة من الشعوب دون أن تحدث ثوراتها..لسنا في منأى عن العولمة، فمن يحدد مصيرنا في النهاية، منطق نظام قيمي، أم شرط آخر؟؟، هناك تمييز بين الدين وبين معتنقيه، ننطلق من مسلمة أن هناك خير مطلق، وفكرة المردودية تشتغل كعائق حقيقي، الزمنية الإنسانية.. يجب أن نؤكد أن هناك إنسانية واحدة، بمعنى أن ليس هناك زمنية لنا وأخرى للآخر، لدلك "فيقينياتي تهمني أنا وليس الآخر"، وهكدا يمكننا الحديث عن كونيات أخلاقية عامة. الحوار في النهاية لن يقود الى المشترك، بل إن البحث على المختلف أهم بكثير من البحث عن المشترك الذي يجمعنا.

الأستاذ إدريس كثير أحد الفلاسفة الشباب الجدد اليوم في المغرب، والذين رسخوا أسئلة جديدة في الفكر الفلسفي اليوم في المغرب. وقد تناول الباحث في مداخلته الترجمة وحوار الثقافات. الترجمة كحوار هادئ بين الثقافات المتعددة، إذ أن الثقافة ثقافات، وليست ثقافة بالمفرد. ويستطيع المترجم أن يجري حوارا مع النص المترجم. لكن، هل يمكن الحديث عن ثقافة كونية؟؟يشير المداخل الى التباس المفهوم، على اعتبار أن التاريخ يقاس بمستويات التقدم والتخلف، ليبقى التساؤل عن أساس المفاضلة، المقارنة بين حضارتين ترتكز على حكم قيمة. مع ظهور علم الأنتروبولوجيا، تم الاعتراف بثقافات لا تنتمي بالضرورة للعالم الغربي، ثقافات خاضعة للنسبية الثقافية. بالتالي هل يمكن الحديث عن ثقافة كونية وأخرى محلية.؟؟ الترجمة شكل حواري بامتياز بين الثقافات، وعادة ما نعتبر الترجمة خيانة، وفي هذا الإطار قدم الباحث إدريس كثير تأطيرا نظريا ومعرفيا للترجمة كما سيقت وتمظهرت عبر تتبع لمفاهيم ودلالات إنتاج هذا الفعل. ينهي المفكر إدريس كثير مداخلته باستشكال أعمق، بتأكيده على أن الترجمة حوار كإمكانية في محور حوار الثقافات، علما أنها تجعل الحوار مستحيلا؟؟.

الجلسة الثالثة: كل العلوم هي نوع من الترجمة بما فيها الأنتربولوجيا
تنسيق: أحمد فرشوخ، مداخلات: أنور المرتجي ـ مصطفى بوهندي.

يشير الأكاديمي أنور المرتجي في مطلع مداخلته الى أن مدينة الحاجب تعتبر مخبر صغير لما يجري على المستوى الكوني، فهي ملتقى للثقافات المتعددة. ويستكمل الباحث مداخلته في نفس المحور الذي تناوله الباحث إدريس كثير، أي الترجمة كشكل من أشكال حوار الثقافات، لكن الباحث المرتجي يتناول الترجمة في مرحلة مابعد الكولونيانية. وهو موضوع يشخص محور الندوة بعمق. لكنه، يثير اشتغالات نقاد مابعد الكولونيانية والذين لا ينتمون لأي جغرافية سياسية وثقافية. بل إنهم يعرفون كنقاد مابعد الكولونيانية، والترجمة هنا ترجمة الثقافات في ظل حوار الثقافات. لقد استطاع هؤلاء النقاد أن يتشبعوا بثقافات آخرى، هم الذين عانوا من الاستعمار، والعولمة استعمار جديد بأشكال آخرى، قدر هؤلاء النقاد أن يتشبعوا بثقافات الآخر، لذلك وجناهم يدعون الى "الترجمة الثقافية". يعتبر المداخل أن الترجمة تأويلن وليست حيادية. ويعتبر إدوارد سعيد أن الاستعمار دخل عن طريق الترجمة عبر نصوص تتعلق بثقافة العالم العربي، من خلال خطاب هيأ للدخول الاستعماري، بقولبتهم صورة عن الآخر. يعتبر الباحث أنور المرتجي أن لغة الخرافة هي لغة غير عقلانية، وحين ينتقل الى المرحلة الثانية في رصده لخطابات منظري ما بعد الكولونيانية، يعتبر أن العلاقة بين الترجمة والتي هي بمثابة لقاء للثقافات، وهي علاقة حوارية غير متكافئة، إذ كيف تتشكل وتتمثل صورة عن الآخر دون أن تكون حقيقية، لكن مع ذلك يحق أن نعيد طرح السؤال مع هومي بابا هل يمكن للتابع أن يتكلم؟.. لقد تطور هذا النقاش حول الترجمة ليصل عند هذا الاتجاه الى أفق يتساءل لما ليس الترجمة ممكنة؟، فاللغة تعكس رؤية ثقافية للعالم، فعندما يختار الآخر ترجمة نصوص نجيب محفوظ عوض ترجمة نصوص سليم بركات، فلأنه ليس لقيمة النص الداخلية، بقدر ما يرغب هذا التوجه عكس الخطاب المؤول المراد تمريره للمتلقي الغربي. فنصوص نجيب محفوظ تستجيب لانتظارات هؤلاء القراء المفترضين.

إننا "كائنات مترجمة"، وفق هذا المنظور للترجمة الثقافية. يقدم الباحث أنور المرتجي في نهاية مداخلته نموذجا يربط أمريكا بثقافة الآخر، ففي لحظة تاريخية محددة، انكبت أمريكا على ترجمة نصوص أدب أمريكا اللاتينية والتي كانت فيه اتجاه الواقعية السحرية في أوجهه، في حين كانت الرواية الواقعية في أمريكا تصل الى سقف اللاعودة. مداخلة الباحث أنور المرتجي تناولت الترجمة من منظور ثقافي، وفق تحالف ما بين المعرفة والسلط. وفي نفس الآن ركزت على منظور المغرب المركب. فكل العلوم هي نوع من الترجمة بما فيها علم الأنتروبولوجيا.

الدكتور مصطفى بوهندي، كان آخر المتدخلين في الندوة من خلال فتح حوار جدلي جديد، وخطاب ظل غائبا من التفكير المعرفي، من تراكمات "علم الأديان المقارن"، انطلق الباحث من استشكال "اي قيمة يضيفها المسلم في حوار الثقافات؟". الحوار الثقافي في إطار العولمة، إمكانية مساهمتنا في هذه العلومة، من زاوية دينية واختيار مقترح القرآن في الحوار الثقافي/ هل يمكن أن نعيد قراءة النص الديني في سياق هذا الحوار. الحوار الثقافي قائم بالقوة، في اليومي، في المنزل وهو حوار من طبيعة ثانية يحوي العلامة. في ظل هذا الصراع نحتاج لقراءة الكتب المقدسة. العيش حق لكل الناس بغض النظر عن اتنتماءهم ونحتاج لقراءة هذا النص. لقد لازمت البشرية عقدة الذنب، آدم ارتكب ذنبا وجاء المسيح ليخلص الناس من الذنب... متواليات تحتاج لإعادة القراءة. نحتاج لقراءة هذه النصوص لفهم ذواتنا، نحتاج الى إعادة قراءة الكتاب القرآني وبالتالي جميع الكتب السماوية، وهي نصوص تحوي اقتراحات في مجال الحوار الثقافي، بالتالي يظل المطلوب إيجاد تأصيل ديني لحوار الثقافات. لقد عرض الباحث لما يسمه بالتقاطعات بين الأديان، وقد خلص الى أن التكامل هو ما يجمعها، وأن طبيعة الصراع الظاهر يقترن أساسا بين القراءات التي تخضع لنسق مختلف لا علاقة له بالدين. عموما شكلت مداخلة الدكتور مصطفى بوهندي قيمة مضافة للندوة بحكم خصوصية هذا الخطاب العقلاني من صلب الخطاب الفقهي العقائدي الديني، لكنه خطاب يعمق إشكالياته من خلال علم الأديان المقارن. فالدين تاريخ، ومسارات والمطلوب اليوم، الانفتاح على هذه الدراسات، إذ لا يكفي أصل الدين بقدر من تاريخنيته وإنسانيته.