يرصدون يومهم بنوع من الدعابة الحادة، فإن جيلا جديدا من الكتّاب، بصدد تسلم المشعل تحت أنظار الروائي علاء الأسواني. علاء الأسواني الكاتب الجماهيري، أورد تشبيها لطيفا، حينما قارن هؤلاء، الشباب، بـ ' ألف وردة تتفتح وسط الحديقة الكبرى للأدب المصري'. لكن العقول المكتئبة التي تتقاضى أجورا من صحف القاهرة، تشتكي باستمرار عبر صفحات الجرائد من ' انعدام الأسلوب' في كتابات الشباب ثم ' تحليلاتهم المبتذلة' وكذا الوازع التجاري فقط لناشريهم. في كل مكان، يرسم غالبا الحسد وقصر النظر إغواءات الكاتب المحبط، بالتالي هو أعمى، لأن شيئا مختلفا وجذريا في طور التبلور على مستوى السوق المحدودة للكتاب المصري، ذلك أن جيلا جديدا من الّكتّاب الشباب أخذوا يتموضعون في المقدمة.
مرت أربع سنوات على وفاة الأديب الكبير نجيب محفوظ المتوج بنوبل، الذي لم يُقرأ كفاية تحت شمس مصر. وبعد ثلاثين سنة على أزمة ' الإبداع' التي ابتدأت حسب الأسواني 'مطلع سنوات الثمانينات'، يلاحظ، أن سوق الكتاب انتعشت ثانية. المَعَارض الخاصة، حفلات التوقيع في مكتبات وجامعات القاهرة، استعادت مرة أخرى حيويتها وأصبحت شائعة. يستضيف التلفزيون، الكتّاب الجدد وتتحدث عنهم الجرائد. داخل بلد يبلغ تعداد سكانه 80 مليوناً، ونسبة أمية تناهز %55، تضاعف عدد المقاهي الأدبية في العاصمة القاهرة، التي تقدم لروادها قهوة سوداء، عصير برتقال، موسيقى هادئة، رفوف كتب وكذا زوايا للقراءة. 'إذا وضعنا في الاعتبار هيمنة الجانب الديني المحافظ على مجتمعنا، فإن الأمر بالتأكيد مذهل !' يتحدث بانشراح حمدي أبو غليل، واحد من الكتاب الناجحين وصاحب عمل ' كلب بلا ذيل'، يحكي من خلاله بلغة ساخرة تاريخا سير ـ ذاتيا تقريبا، يهم بدويا فقيرا جاء من القرية، فاندهش للمدينة الكبيرة وما تعج به من أوبئة كان يجهلها، خاصة المخدرات والبغاء. بيعت، أكثر من 35000 نسخة في بلد لم يتعرف إلا منذ عهد قريب على وضعية أن يكون الكتاب سلعة رائجة.
أما غادة عبد العال، فقد أضحت نجمة حقيقية انطلاقا من خمس المليم، حين أصدرت سنة 2008 عملا تهكميا تحت عنوانه: «عايزة أتجوز»، عالجت بين صفحاته بنوع من الاستهزاء الجامح عادة شائعة في المجتمع المصري، تتعلق بالزواج الذي ترتبه الأسر، تقول: 'هذا بدأ سنة 1999 حين بلغت سن العشرين. أولا أمي ثم خالاتي، كن يرشحنني سبعاً إلى ثماني مرات ـ تتحسر ـ في السنة الواحدة. حاوِلوا، إذن القيام بعملية حسابية'. تجلس غادة عبد العال، بتعقل في المقهى الأدبي المتواجد في الطابق الأول من عمارة 'إصدارات الشروق' بحي المهندسين الراقي، غير أنها لا تتوقف عن الضحك وهي تضيف: ' حين بدأت الكتابة عبر مدونتي الإليكترونية سنة 2006، تساءل قرائي إن كنت قبيحة أو حمقاء جدا، كي أخفق في العثور على زوج' وبسرعة، سيكتشفون العكس، فغادة جميلة جدا، لكن رأسها وقد غطته جيدا بثوب حجاب مزركش بالألوان ليتطابق مع الموضة أكثر من كونه رمزا دينيا، يفكر بطريقة ناضجة تماما: ' قال عني أبي دائما، بأني أتسبب في هرب الرجال، وبأن نظرتي للمصري العادي يحكمها كثير من السخرية والنقد اللاذع'. إن الأوصاف المرعبة كما تتقاطر في مدونتها وكذا الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، بخصوص ذكور يظهرون تفاهات بقدر ما يثيرون الشفقة، أوصاف لم تخلق أي شعور بالندم لدى غادة: 'الآن وقد توفيت أمي، فإن خالاتي يحاولن عقد قراني مع كل من له رجلين ويرتدي سروالا'، ثم ستتحدث عن أحد 'المترشحين' الأكثر وقاحة مقارنة مع كل السابقين ؟' هذا الصنف الذي قدم عندنا بلباس رسمي وربطة عنق، تبادل معي ثلاث كلمات، وفجأة تناول أداة وشرع في تغيير القنوات التلفزية، مؤكدا بأن فريقه المُفضل سيلعب مقابلة الكأس هاته الظهيرة وبالتالي لا يمكنه لأي سبب من الأسباب أن يخلف موعد مشاهدة المقابلة. لكنه سيغادر المنزل بعد نهاية الشوط الأول، حين أخبرته بأنني أساند بالأحرى الفريق الخصم'. تنفجر من الضحك.
متعجرف آخر، التقته في الأوتوبيس. هذا النموذج، أعجبت به صراحة، وسيم، أنيق ويبدو ذكيا. هكذا يندمج الاثنان في ثرثرة، ويقهقهان بمرح. في المحطة التالية، سيغادر دون أن يترك عنوانه. خمس دقائق بعد ذلك، ستكتشف غادة بأنه قد نشل حقيبتها: ' لم يكن إذن إلا لصا محترفا! بالنسبة لي،لا يهم'، ثم تضحك.
في فترة الأشهر الستة المقبلة، ستصدر ترجمات عملها: «عايزة أتجوز» إلى اللغة الإيطالية، الألمانية فالهولندية ثم الإنكليزية. تنحدر غادة من المدينة العمالية 'المحلة الكبرى' على دلتا النيل، بالتالي فهي من فصيلة الملائكة. خلال شهر آب (اغسطس) الذي تزامن مع حلول رمضان، يُفترض أن ملايين المشاهدين المصريين، قد تسلوا بمتابعة أطوار مغامراتها مع الرجال. فالكاتبة الشابة، التي هي دائما من دون زوج وسعيدة بوضعيتها، ألفت ثلاثين حلقة، تستغرق المدة الزمانية لكل واحدة أربعين دقيقة، وجسدت دورها على شاشة التلفزة الزرقاء، الجميلة هند صبري النجمة التونسية في السينما المصرية، صاحبة إحدى أهم الأدوار النسائية في الفيلم الناجح ' عمارة يعقوبيان' المقتبس من رواية علاء الأسواني، كاتب القاهرة الكبير، والذي يشكل مثالا أعلى لغادة، حيث تقول عنه: 'لقد مهد لنا أبواب دور النشر، نتيجة نجاحاته وانفتاح فكره'.
اسم آخر، إنها غادة محمد محمود، بدورها، مدونة شابة، تحولت إلى كاتبة، تتذكر الرسالة التي وردت إلى بريدها الإليكتروني سنة 2008، من قبل منشورات الشروق: 'كدت أسقط من فوق الكرسي! كنت منزوية أكتب مدونتي الصغيرة، فلدي قارئات، لكن طبعا حينما أثنى علي رجل مهني ووضع أمامي المال كي يصدر عملا لي، فقد تمنيت لو قبّلت يديه إذا أمكنني الأمر. كنت سأقبل ذلك، ولو مجانا، لكن لا تخبروه!'. هكذا فإن مؤلف غادة محمد، المعنون بـ ' أما هذه فرقصتي أنا'، بيعت منه عشرة آلاف نسخة في ظرف ثماني عشر شهرا، وهو رقم قياسي بالنسبة لنص تطرق إلى مشاهد مسرحية مقتضبة، لمسار فتاة تبلغ أربعاً وعشرين سنة، تقطن العاصمة، وبالتالي تصوير لمختلف طموحاتها، إهاناتها ثم لقاءاتها الجميلة وكذا إخفاقاتها. التحرش الجنسي الذي يمس يوميا ما يقارب %80 من المصريات حسب إحصاء ورد سنة 2008، سيمثل موضوع ومحور فصول عديدة، تعود بنا واحدة منها إلى ما وقع في الأوتوبيس: ' رجل ضخم متكرش، يقف خلفي ثم يقترب رويدا، رويدا. كي أتحاشاه، جلست القرفصاء مثل أرنب، ثم أحاطتني يد يسرى لفتاة لا أعرفها، هكذا بقينا منطويين طيلة المسافة دون أن ننطق بأية كلمة'.
إن 'الأدب الكبير يصنع غالبا في دوامة اليومي'، يشير الأسواني، الذي يحيط جميع ' تلك الورود الفتية بالاحترام والاهتمام والتحفيز' موازيا بين مهنته والتزامه السياسي، فهو من الشخصيات الفاعلة في محيط محمد البرادعي، المتنافس الشعبي غير المعترف به على خلافة الرئيس حسني مبارك، ذلك أن الروائي الشهير وطبيب الأسنان يكرس ليلة أسبوعية للقاء هؤلاء الشباب البراعم، ومن بين آخر اكتشافاته نعثر على فتاة تدعى نسرين البخشونجي وهي في سن الرابعة والعشرين، إنتاجها الأول الذي أصدرت منه عشرة آلاف نسخة على نفقتها الخاصة، اختارت له كعنوان: ' بعد إجباري'. يؤمن ' عرّابها' الأدبي، بأن ' موهبتها كبيرة، وستثير صخبا'. هناك شعار عربي يقول، القاهرة تؤلف الكتب، وبيروت تصدرها ثم تقرأ في بغداد: ' الأمر ليس صحيحا، يبتسم علاء الأسواني، الآن نقوم بكل شيء هنا'.
ترجمة: سعيد بوخليط
ـ Le monde : Vendredi 9 Avril 2010.
boukhlet10@gmail.com