رسالة المغرب
معرض تونس، واليوم العالمي للشعر، ومحنة الصحافة بالمغرب
1 ـ الدورة السادسة والعشرون لمعرض تونس للكتاب: تشهد تونس عقد الدورة السادسة والعشرون لمعرضها الدولي للكتاب، الدورة التي اختارت محور "الترجمة وحوار الثقافات" كشعار مركزي لفعالياتها وتزامنا مع الاحتفاء ب"السنة الوطنية للترجمة". معرض تونس الدولي للكتاب الذي يقام سنويا في أواخر شهر ابريل/ نسيان، يهدف "إلى الإسهام في النهوض بقطاع نشر الكتاب ودعم دوره في إشاعة المعرفة ومواكبة مستجدات الإنتاج الفكري والعلمي والفني المنشور وطنيا وعالميا وتنشيط الحوار حوله والعمل على إشاعة تقاليد المطالعة على نطاق واسع، كما يهدف إلى تنشيط حركة التأليف والنشر والتوزيع وتيسير الاتصالات والشراكة بيت المهنيين...".
يتم افتتاح فعاليات المعرض رسميا يوم 25 أبريل بقصر المعارض بالكرم وتتواصل إلى غاية 4 ماي الجاري. وككل دورة يحتفي المعرض بثلة من المبدعين، التونسيون والعرب والأجانب. وفى هذا الإطار ستكرم الدورة الحالية الشاعر المصري سيد حجاب، أحد رموز الشعر الشعبي في البلاد العربية. الى جانب تكريم عدد من أبرز الأدباء والشعراء العرب والغربيين أبرزهم الشاعر البحريني قاسم حداد والروائي الفرنسي المولود بمصر جيلبار سينويه والكاتب الفرنسي ايريك امانويل سميث. كما يحتفي المعرض بالكاتب التونسي السويدى يونس حسن خميري، الحاصل على جائزة "البوراس تايدنينغ" لأحسن عمل روائي في السويد. ويستضيف المعرض أيضا الروائي المصري بهاء طاهر الحاصل على جائزة بوكر العربية مؤخرا. وتقام على هامش المعرض ندوات فكرية وأمسيات لشعراء من تونس والعالم العربي. وتتمحور أبرز الندوات الدولية الفكرية حول الترجمة بعنوان «من ترجمة الكلمات الى حوار الثقافات» يشارك فيها مفكرون من عدة بلدان عربية وغربية.
وتشارك عديد دور العرض التونسية والأجنبية في هذه الدورة حيث بلغت 1027 مؤسسة دار نشر، تمثّل 32 دولة من العالم العربي وأوروبا وأسيا، و5 منظمات دولية مختصة، إضافة إلى 319 عارض. كما تشارك تونس ب11 ناشرا، و76 من دول عربية و340 من دول أجنبية. وتحتل دور النشر الفرنسية ـ التي احتفى بتجربتها، معرض الدارالبيضاء، هذه السنة ـ المرتبة الأولى ب408 ناشرا فرنسيا. المعرض لن ينحصر على الكتاب الورقي بل سيخصص مساحة للوسائط الالكترونية.
وتكريما لروح الأديب التونسي مصطفى الفارسي سينظم المعرض أمسية أدبية تضم عددا من المداخلات والشهادات الهامة حول تراثه الأدبي. والى جانب الندوات المحورية ينظم يوم دراسي حول "مهن الكتاب"، وندوة "تصدير الكتاب التونسي الواقع والآفاق" ولقاء بخصوص موضوع "الجوائز الأدبية" ودورها فى التشجيع على الكتابة. انطلق معرض تونس سنة 1982، وأمسى منذ سنة 1989 معرض دوليا للكتاب.
2 ـ بيت الشعر في المغرب: الشعر نافذة الأبدية الأشد خفا في بلاغ نشر بالدارالبيضاء في 6 دجنبر 1999، أعلن بيت الشعر في المغرب البيان التالي: «يسعدنا أن نخبر الرأي العام الثقافي، المغربي والعربي، أن الاقتراح الذي كان بيت الشعر في المغرب قد تقدم به الى المدير السابق لمنظمة اليونسكو، السيد فيديريكو مايور، في تاريخ 29 يونيو 1998، بشأن إقرار يوم عالمي للشعر، قد وافق عليه بصفة رسمية وأقره الجمع العام لليونيسكو المنعقد في دورته الثلاثين، بتاريخ 15 نوفمبر 1999، وأعلن يوم 21 مارس يوما عالميا للشعر». لقد اعتبر حينها أن إقرار يوم عالمي للشعر، من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، قرار تاريخي، في وقت أصبح من السهل إقرار حرب استباقية. لذلك اعتبر الإقرار البلاغي رسالة مشفرة عن مكانة الشعر الآنية والمستقبلية، كما شكل اعترافا لترجمة الإنصات للشعر والشعراء، في وقت أمسى العالم يحتاج لكثير من الشعر. الشعر بوصفه "غناء الإنسانية، والتعبير الأقدم والأحدث باللغة"، الشعر كصيانة وجدار واقي للإنساني فينا.
«بيت الشعر في المغرب» جمعية تم الإعلان عن فكرة إنشائها في 8 أبريل 1996، من طرف الشعراء، محمد بنطلحة، محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي. وفي فلاش باك شعري، أعاد الشاعر حسن نجمي تخطيط ملامح التأسيس عندما أشار "في أبريل 1996، عندما أسسنا بيت الشعر في المغرب بالدار البيضاء، كان اليوم ماطرا حتى إن عددا من الشعراء ونقاد الشعر ترجلوا في برك المياه الموحلة حتى سيقانهم كي يصلوا الى قاعة الاجتماع التأسيسي، وكانت فكرة ومقترح إقرار يوم عالمي للشعر ضمن أولى الأفكار والمقترحات. بل وتحولت الفكرة الى سلسلة من المراسلات والاتصالات المباشرة مع منظمة اليونيسكو. ودعم فكرتنا الجنينية الوزير الأول السابق الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ووزير الثقافة الشاعر محمد الأشعري، وتابع المشروع سفير المغرب بباريس آنذاك. ذلك أن اليونسكو نبهتنا الى أن المقترح ينبغي أن يتبناه المغرب الرسمي ليجد طريقه الى اللجنة التنفيذية والمجلس العمومي للمنظمة. وأجرت اليونسكو استشارات إضافية مع بعض المؤسسات ذات الصلة بالشعر في اليونان، البرازيل، كولومبيا ومقدونيا، إن لم تخنّي الذاكرة. وقُبل المقترح المغربي في النهاية. وكنا اقترحنا يوم 8 أبريل كيوم عالمي، اليوم الذي أعلنا فيه رسميا عن تأسيس بيت الشعر في المغرب، لكن اليونيسكو كان لها اقتراحها البديل: 21 مارس (آذار)، وكان لها مبررها المعقول والمقنع والأكثر رمزية. فقد كان هذا اليوم في الماضي يوما عالميا لمناهضة الأبارتايد (الميز العنصري)، وأن يتم تحويله الى يوم للاحتفاء بالشعر والشعراء، معناه أن الإنسانية تهيأت لتوديع هذا القرف المقيت الضاري، حيث كان الإنسان يفاضل بينه وبين أخيه الانسان على أساس اللون أو العرق أو الدين، وعليها ان تتهيأ لتحتفي بالجمال والإبداع والمحبة والصداقة والسلم وبكل القيم الجميلة الرائعة التي يظل الشعر اللغة الاكثر جدارة لترميزها وتمثيلها والتعبير عنها.."
هكذا وُلدت فكرة يوم عالمي للشعر، كانت فكرة مغربية، ومقترحا مغربيا. لكن المهم هو قدرة الشعراء أنفسهم على استيلاد الفكرة متأبطين منجزهم الشعري وأسئلته. يوم رمزي يعيد الشعر الى مكانه الطبيعي، في أن يتحول لنشيد يومي للإنسانية جمعاء. تأكيد مجازي إضافي على ضرورة الانتصار للشعر. في وقت يعيش فيه العالم على حروب ضارية تنتعش فيها، الإمبراطوريات الاقتصادية الاستعمارية الجديدة، حيث إيقاع القيم في بورصة القيم. وحيث تنمحي الإنسانية في عولمة جديدة للقيم بكل أخطبوطها المتوحش.
وكعادة كل مارس، أمسى الشهر، شهر الشعر بامتياز. في معاهد التعليم وفي الجمعيات والمؤسسات. أنشطة متعددة شعرية، تربوية ودراسية وإعلامية. يلتئم التشكيلي مع الشاعر، مع المسرحي مع الروائي مع الناقد مع الإعلامي، تحت خيمة واحدة عنوانها الشعر. وتتوزع الأنشطة على: {معارض الكتب، ندوات، أنشطة شعرية في ثانويات بمشاركة فعلية للتلاميذ وحضور الشعراء، إقامة ورشات في الكتابة، أمسيات شعرية تحتضنها العديد من الفضاءات، أمسيات شعرية وتكريم للشعراء إضافة لتنظيم مسابقات وجوائز خاصة بالشعراء الشباب...}.
يغيب الدرس النقدي قليلا ويتوارى الى الخلف فاتحا نوافذ مشرعة للإلقاء الشعري، ولحضور حساسيات شعرية تؤثث المشهد الشعري في المغرب. لكن ما يلفت الانتباه خصوصا السنوات الأخيرة، هو انخراط المؤسسات التربوي في تنظيم لقاءات وورشات للكتابة الشعرية بانتظام. مما يساهم في بلورة ميثاق جمالي للشعر. ولتوسيع قاعدة قراء الشعر أيضا. لكن، ما كشفته هذه اللقاءات هو أفق الشعر المغربي في انخراط المؤسسات التعليمية في توسيع التداول الشعري.
لقد سبق أن اعتبر كواشيرو ماتسورا، في رسالة موجهة لبيت الشعر أن "العالم في تحول دائم،... بفضل الشعر من المؤكد أننا نتكلم لغات مختلفة، كما أن طريقة تركيبنا للكلمات والتعابير والجمل التي نستعملها تختلف من لغة لأخرى، وكذلك هو الشأن بالنسبة للمعمار أو لتفعيلة قصائدنا. لكن الشعر، بفضل تنوع أشكاله وإيقاعاته، يعيدنا إلى جدلية التغيير والثبات التي نلاحظها في الحياة نفسها..". إن الشعر هو أبهى أداة نمتلكها لنسمي العالم وخصائصه الدائمة وتحولاته بطريقة أخاذة تجذب الروح الإنسانية "فعلى هذا اليوم العالمي، للاحتفاء بالشعر وبالشعراء، أن يذكرنا بأن الشعر بمختلف أشكاله يمتلك بامتياز سلطة سحرية". ليست علينا فقط، ولا على الآخر. بل هي ممتدة في متخيل مفتوح لا نستطيع أحيانا أن نؤطره بمناهج ونظريات وتقعيدات ومفاهيم. هو بين ذا وذاك، هو المابين.
هذه السنة، حطت خيمة بيت الشعر في المغرب، في بني ملال. في بداية مسؤولية الشاعر حسن نجمي كربان جديد لسفينة البيت التي صدئت، وتآكلت السنوات الأخيرة. وبدأ ذلك الألق المعهود يختفي. بني ملال احتفت بالشعر وبحضور شعراء مغاربة ومن تونس. وقدمت هدية جائزة الديوان الأول للشاعر سعيد الباز. تذكير واحتفاء متأخر بشاعر ينخرط في أسئلة المشهد الشعري منذ الثمانينات وبداية التسعينات، في حروب الشعر الجمالية. الشاعر سعيد الباز الذي سبق له أن قاد بمجلة "بحور الآلف"، ظل ينشر طيلة سنوات، انتظر هذه السنة كي يستفيد ديوانه من سلسلة الطبع "الكتاب الأول" التي تشرف عليها وزارة الثقافة.
الشاعر سعيد الباز، هو إضافة لمنجزه الشعري الحديث، وانخراطه في مشروع قصيدة النثر. هو مترجم للشعر. لكن، ما يعطي خصوصية لتجربته، هو تفردها على مستوى الرؤية، ومستوى البناء. مع الاحتفاء باليومي كأحد تمظهرات وتجليات الكتابة الشعرية اليوم في المغرب
3 ـ محنة الصحافة في المغرب: تضامنا مع مصطفى حرمة الله، ويومية "المساء" في محنتها: لا زال الصحفي مصطفى حرمة الله من جريدة "الوطن الآن"، حبيس زنزانته. ولا زالت جريدة المساء، اليومية المغربية بمعية مديرها الشاعر رشيد نيني. تحت رحمة حكم قضائي هلامي، يقضي بتسديد غرامة مالية خيالية. ستودي بالجريدة للغاية "المرجوة" أساسا، وهي التوقيف. يومية المساء، أمست اليوم الجريدة المغربية الأولى من حيث المبيعات، وقد ارتفع رقم مبيعاتها، وبالتالي ارتفع حجم طبع نسخها الى أرقام قلما شهدها الجسد الصحفي المغربي. إضافة الى أنها جريدة يقودها طاقم صحفي شاب، والأبهى أن بعضهم شعراء. إذ يكفي الإشارة للشاعر رشيد نيني رئيس التحرير. والشاعر حكيم عنكر المسؤول عن الصفحة الثقافية، والى المبدعة فدوى مساط مراسلة الجريدة من واشنطن. وهكذا يلتئم الشعر والشعراء في محنة الصحافة المستقلة.
هذه الصحافة التي اتسعت قاعدتها وعناوينها في المغرب بشكل غير مسبوق، واستطاعت أن توسع قاعدة قرائها من خلال خرقها لطابوهات المشهد السياسي في المغرب، ولطبيعة المواضيع التي تقترحها أحيانا والتي تكون دائما مآلها حجرات المحاكم. ساهمت في توسيع قاعدة أساسية في المغرب، هي قاعدة الرأي العام، خصوصا في تنويع هامش تداول المعلومات، وفي نقاش أسئلة تخص المواطن أينما كان. وفي إقرار الحق في الوصول الى المعلومات. يجب الاعتراف أيضا، أننا لسنا أمام صحافة طهرانية ومثالية. كما أننا نعي، أن فاعلية الحس المهني وترسيخه لا زالت واقع مأمول، إنها وليدة واقع وراهن سياسي ينخرط فيه المغرب منذ سنوات التسعينات، والذي ساهم في توسيع قاعدة النقاش السياسي، وفي فتح ملفات الماضي الحقوقي، وفي متابعة ملفات الفساد الإداري.
لكن المشهد الصحفي في المغرب، يظل أيضا مرآة نطل عبرها على هذا المغرب السياسي، وعلى المغرب الثقافي والمجتمعي والاقتصادي، وعبر توسيع هذا الهامش. يمكننا أن نجزم انخراطنا الأكيد في مجتمع الحداثة والديمقراطية. لا بتحيين قواعد تكميم "الأفواه" بأسلوب حداثي، ولكن عبر قاعدة انخراط الجميع وبكل مسؤولية في مجتمع المعرفة الذي لا تقيده أحاجي "السلطة" وسلطة السلطة". لقد عبر المجتمع المدني سواء في ملف الصحفي مصطفى حرمة الله، أو مع جريدة المساء عن التضامن المطلق والعلني والمتابعة، وعلى حس هذا الانخراط الذي يرغب من خلاله توسيع هامش استقلالية التعبير عن الرأي كحق، وكمسؤولية أيضا، يعي الجسم الصحفي المغربي اليوم هرموناتها الضرورية.
لذلك، حين نعلن تضامننا المطلق واللامشروط مع الزميل مصطفى حرمة الله ومع المساء، فإننا نعلن تضامننا مع هذا المغرب الممكن، مغرب الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. المغرب الذي ناضل شهداؤه، ومناضلوه وقدماء محاربيه من أجل أن يكون أفقهم الممكن.