تعود (الكلمة) لتستأنف صيرورة وانتظام الصدور، بإصرار مديرها الدكتور صبري حافظ وبإرادة محرريها وبالدعم اللامحدود لقراءها. ومعها نواصل الإطلالة على المشهد الثقافي والفني في المغرب، المشهد الذي حاولت الكلمة في أعدادها السابقة الإنصات الى حراكه وديناميته سواء من البحوث والدراسات والنصوص المنشورة لأسماء تمثل مختلف الأجيال والحساسيات في المغرب الثقافي. أو من خلال الملفات المحورية التي حاولت أن تلامس سمات عامة لهذا الحراك نذكر هنا ملف القصيدة المغربية الحديثة، القصة القصيرة في المغرب، الرواية المغربية. إن هذا الإنصات البليغ، هو ما جعل قراء الكلمة وكتابها يواصلون الالتفاف حول أفقها وهم الذين أبرقوا لنا برسائلهم أو من خلال اتصالاتهم الهاتفية.سائلين عن لحظة التوقف التي أعلنها الدكتور صبري حافظ على مضض، هو الذي حاول أن يحرس الكلمة بميثاق الشرف الذي أعلنه منذ البداية في افتتاحيته. إن المجلة وهي تواصل وبإصرار وعناد صيرورة انتظام الصدور فهي تستأنف أيضا رهانها الذي أعلنته منذ البداية..التعبير على نبض الثقافة العربية من عمق جغرافياتها محيطا الى الخليج.
وأيضا يستجيب استئناف الصدور الى تلك الروابط والوشائج الخاصة التي ربطت (الكلمة) بمثقفيها ومبدعيها وقراءها في فضاء رقمي مفتوح يحتاج منا اليوم وغدا الى تحصين هويتنا والتعبير عنها في اختلافها وتعددها، ومعها تواصل الكلمة رهانها أيضا داخل هذاالفضاء الرقمي بحكم أنها مجلة شهرية تصدر ألكترونيا مطلع كل شهر. صحيح أن مجلة (الكلمة) دفعت ضريبة استقلاليته االفكرية والأدبية والمالية، عندما انحازت الى خطها التحريري الذي أعلنته وأعادت التأكيد عليه أكثر من مرة. وصحيح أيضا أنها فقدت بذلك جزءا مهما من أرشيفها {وفيهالكثير من الإشراقات المغربية الخاصة التي تؤرخ للثقافة المغربية "أقلام،الثقافة الجديدة، جسور"} لكنها تعول على قراءها وكتابها ومثقفيها بإصرار وعناد فكري ومعرفي يؤهلها أن تفتح المستقبل، الذي يظل بوابة الأمل.
وبهذا الأمل نواصل معكم
كل الشكروالتقدير والمحبة..
الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي: «مجنون الأمل» وجائزة "غونكور" الفرنسية للشعر
"أنا مثقفم خضرم، وأحس بمتعة خاصة في الانتقال من اللغة العربية الى الفرنسية والعكس لاأستطيع أن أبقى طويلا في مكان معين، فأنا لا أتحمل الاستقرار" عبداللطيف اللعبي
منحت أكاديمية"غونكور" الفرنسية جائزتها للشعر 2009 للكاتب والشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي عن مجموع أعماله التي قدمها. وتمنح الأكاديمية سنويا جائزة غونكور للشعر والرواية والسيرة والرواية الأولى وهي تعتبر من أبرز الجوائز الأدبية الفرنسية. تتويج الشاعر عبداللطيف اللعبي بهذه الجائزة، هو تتويج لمسار حياة أدبية مستمرة بترياق التألق، في محبة الحياة. لشاعر ظل دوما مسكونا بالوجع الإنساني وبقيم أصيلة أمست اليوم "سلعة" غير مرغوب فيها. والجائزة أيضا، تتويج لمسار شاعر جرب حب الوطن ومعتقلاته، جرب الحرية والاعتقال. كما جرب ثقافته وثقافات الآخر، وتواصل معها بل وتعدد ألسن قصائده بتعدد الأجناس التي كتب فيها.
الشاعر عبد اللطيف اللعبي حين توج بجائزة الغونكور للشعر، {الثلاثاء فاتح دجنبر} الفرنسية لعام 2009. فهو معناه تتويج للقصيدة المغربية الحديثة، وللذين أسسوا أفقها منذ ستينات القرن الماضي. وهو أيضا تتويج لمسار شاعر ظل محافظا ومحصنا ذاته بقيم تنصت للإنسان ولقيم الحداثة والحرية والدمقرطة. الجائزة أيضا توجت الشاعر عبداللطيف اللعبي تقديرا أدبيا كبيراعن مجموع أعماله، هذه الجائزة التي تسلمها خلال حفل نظم يوم 12 يناير 2010 الماضيفي باريس، بحضور العديد من المثقفين الفرنسيين والمتوجين السابقين بجائزةالغونكور، وكان من بينهم الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، الحاصل على جائزةالغونكور في الرواية لعام 1987، الذي كان ضمن لجنة تحكيم الجائزة لهذا العام، إلى جانب كل من فرانسواز شاردينرناغور، وباتريك رامبو، وميشيل تورنيي، وإدموند شارلرو، وروبير ساباتيي، وخورخي سامبران، وفرانسواز مالي جوريس، وبرنار بيفو، وديدييدوكوان.
الشاعر عبد اللطيف اللعبي عبر فور تلقيه الخبر عن تأثره الكبير لمنحه هذه الجائزة الرفيعة. وقال إن الجائزة "تشكل التفاتة من لجنة تحكيم جائزة غونكور، وأنا أتلقاها بارتياح"، وأكد أنه لم يكن ينتظر الحصول على هذه الجائزة المرموقة. وأضاف اللعبي أن مشاريعه المستقبلية تشكل استمرارا طبيعيا لولعه بالكتابة، وأن حياته كلها مفعمة بهذهالحاجة إلى الكتابة، وأن المهم لديه هو الاستمرار على النهج نفسه، وخوض المغامرة إلىالنهاية. وأعلن الشاعر المغربي بهذه المناسبة، أنه سيصدر كتابا جديدا في ينايرالمقبل بعنوان "كتاب غير متوقع"، يستعيد فيه بعضا من مراحل حياته، وعملهككاتب. كما تحدث اللعبي عن مشروع طبع أعماله الكاملة، ونشر كتبه باللغة العربيةلدى إحدى دور النشر السورية. ويعد عبد اللطيف اللعبي من الكتاب المغاربة الذينرسخوا مفهوم "الأدب الملتزم" أو ما تطور اليوم بأدب المقاومة، ورغم انشغالاته الأدبية والإبداعية التي تنوعت بين الشعر والرواية والمسرح والترجمةوالسيرة. إلا أنه ظل حاضرا بمواقفه الشجاعة محاربا في خندق الأحرار، إذ لم يتوانعن التعبير عن رأيه الصريح في العديد من المحطات السياسية التي حدثت في المغرب أوفي العالم. الشاعر عبداللطيف اللعبي الذي أسس مجلة "أنفاس"عام 1966، الىجانب محمد خير الدين ومصطفى النيسابوري..تلك المجلة الثقافية الرائدة بالمغرب، والتيأسهمت في خلخلة العديد من القيم والكليشيهات الثقافية والأطروحات البالية، وأسهمتفي تشكيل وعي تحرري وأدب متجذر عقلاني. المجلة توقفت عن الصدور عام 1972، عقب تعرضعبد اللطيف اللعبي، ومجموعة من رفاقه في التنظيم اليساري حينها "إلىالأمام"، والذي كان ينتمي إليه، و"23 مارس"، للاعتقال في مارس منالسنة نفسها. ويحتفظ الشاعر اللعبي بذاك الرقم "18611"الذي يؤرخ لتلك المرحلة السوداء من تاريخ المغرب.
اعتقل في مارس 1972 لأزيدمن ثماني سنوات، وأطلق سراحه في 8 يوليوز من عام 1980، أقام في فرنسا منذ عام1985. وفي عام 2000عاد الى المغرب ليساهم في "حركة التغيير"، واستعادمكانته الطبيعية بين رفاقه في المشهد الثقافي. وتدين له الشعرية العربية بالكثير،إذ أسهم في ترجمة العديد من القصائد العربية الحديثة إلى اللغة الفرنسية، هذاإضافة إلى إعداده لأنطولوجيات شعرية منها: "أنطولوجيا شعر المقاومة الفلسطيني"،و"أنطولوجيا الشعر المغربي من 1956 إلى 2000". من أعماله الشعريةالصادرة عن دار "لاديفيرونس" الفرنسية: "أزهرت شجرة الحديد"1974، و"عهد البربرية" 1980، و"قصة مصلوبي الأمل السبعة"1980، و"خطاب فوق الهضبة العربية" 1985، و"جميع التمزقات"1990، و"الشمس تحتضر" 1993، التي جرى تحويلها إلى عمل مسرحي من طرف"مسرح اليوم"، و"شجون الدارالبيضاء" 1996، و"مقاطع منتكوين منسي" 1998، وديوان إيروتيكي بعنوان "فواكه الجسد". ومنأعماله الروائية: (تجاعيد الأسد)، و(قاع الخبية)، ومن أعماله المسرحية":"تمارين في التسامح"، و"رامبو وشهرزاد".، وأغلب أعماله ترجمتإلى اللغة العربية، من طرف كتاب مغاربة أو عرب.
في روايته (مجنونالأمل) يتحدث عبداللطيف اللعبي عن "صدمة الحرية" خصوصا بعد الخروج منالاعتقال. رواية مليئة بتفاصيل مستعادة، ومن خلال اللقاء الأولي بالعالم الذي ناضلمن أجله الراوي كي يتغير. صدر أيضا للعبي روايتان نذكر هنا، (الشمس تحتضر) و(احتضانالعالم). و بالاضافة الى نصوصه الإبداعية في الشعر والروايةوالمسرح، قام عبداللطيف اللعبي، بدور ابداعي آخر كبير، وهو نقل أهم الأعمال الإبداعيةالفلسطينية للغة الفرنسية، واستطاع من خلال ترجماته المميزة للشعراء الفلسطينيينوأدب الأطفال الخاص بالقضية الفلسطينية، أن يعرف القارئ بقيمة هذه الجغرافيةالإبداعية المتميزة. يقول عبداللطيفاللعبي:" بدأت بترجمة الشعر الفلسطيني مبكرا، أذكر أننيبدأت بترجمة أول انثولوجيا للشعر الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية عام 1970، وهيمختارات لشعراء كان لهم حضورهم في تلك الفترة، بعد ذلك قمت بترجمة أعمال محموددرويش وسميح القاسم، ثم وضعت انثولوجيا أخرى جديدة عام 1990. فيها مختارات منأعمال سبعة وثلاثين شاعرا فلسطينيا، كما ترجمت أعمال الشعراء العرب الآخرين مثلعبدالوهاب البياتي، ومحمد الماغوط، كما ترجمت رواية (الشمس في يوم غائم) لحنامينة،وبعض قصص الأطفال التي كتبها مؤلفون فلسطينيون ونشرتها باللغتين العربية والفرنسيةوأنا أعتقد أن هذه الترجمات جزء من إبداعي الخاص، لقد أعطيتها من الجهد والحب أكثرمن إبداعاتي الخاصة."
يعتبر الشاعرعبداللطيف اللعبي أن الشعر بدأ يتخلص من أدران سمات خاصة ألصقت به عمدا، لقد أمسىالشعر "في السنوات العشرين الماضية قد بدأ يتحرر من هذه القيود، ويتحملمسؤوليته انطلاقا من خصوصية المهنة، فالشاعر بالنسبة لي على الأقل ليس ذلك الضميرالذي يعبر عما هو متفق عليه في المجتمع، وإنما ذلك الضمير الذي ينطلق من قناعاتتمليها عليه تجربته الخاصة، وليس من أوامر تأتي من سلطة رسمية، أو معنوية بالنسبةلي وظيفة الشعر مرتبطة بتطرف شديد في التشبث بالحرية، وهذا هو الذي يعطي الشعروظيفة مستقبلية خصوصا في مجتمعاتنا التي ترفض النقد، وتطفى عليها النزعة الأحاديةبالتعددية، كثيرا ما نتحدث عن التجربة الشعرية، ولكننا نكتفي بعموميات حول هذهالتجربة، لكنني أظن أنه من المفيد جدا، أن ندخل الى الأشياء الحميمة للشاعر أوالمبدع، لأن هذا الذي سيزيل القناع عن الشاعر ويجعل الآخرين واعين للجانب الانسانيفيه، بكل ما فيه من عفوية وانسانية، وهشاشة أو لاعطاء قسط من حياته للقنا عاتوالأفكار والقيم التي تشبث بها وما يزال ويجب على المساها أن يعرف أبعاد هذهالصورة، حتى على حقيقتها لا بصورتها المتخيلة."
ويعترف الشاعرعبداللطيف اللعبي بتأثره البالغ بأعمال ديستويفسكي، كما يقدم بورتريها خاصا لحضورالمرأة لا كشعار سياسي، بل كرؤية. يقول عنها فيما يشبه البورتريه:"المرأةقارة شاسعة وقد علمتني تجربة السجن اكتشاف هذه القارة، لقد اكتشفت ما يمكن أن أطلقعليه اسم العمل الخفي، أي كيف ينظف الإنسان حاجياته، ويهيىء طعامه، ويخيط ملابسه،كل هذه الأعمال جعلتني اكتشف حالة الاضطهاد التي تواجهها المرأة. وأنا أعتقد أنالخطابات السياسية والأيديولوجية حول الديمقراطية والتغير الاجتماعي، لن تفلح في إحداثهذا التغيير دون إحداث تغيير جذري في وضع المرأة وتغيير جذري في ذهني كرجل.."
يعتبر الشاعرعبداللطيف اللعبي نفسه مثقفا مخضرما، إذ يشعر بمتعة خاصة في الانتقال بين لسانينالعربية والفرنسية. ويعترف أن أوروبا أمدته بآفاق ثقافية رحبة مختلفة. واليوم يفكرعاليا بأنه أمسى كاتبا للأسئلة الراهنة المقلقة، وليس كاتب سيرة للاعتقال. نشير أنالشاعر عبد اللطيف اللعبي ولد بمدينة فاسسنة 1942 من بين أعماله:
- العين و الليل"رواية"،
- عهد البربرية "شعر"
- قصة مغربية "شعر"
- أزهرت شجرة الحديد "شعر"
- قصائد تحت الكمامة "شعر"
- مجنون الأمل "رواية"
- "قاع الخابية" "رواية"
- يوميات قلعة المنفى "رسائل سجن"
- الرهان الثقافي "دراسات نظرية ومقابلات".
إشارة: صدر منمجلة أنفاس 22 عدد باللغة الفرنسية، و8 أعداد باللغة العربية.
وفور الإعلان عن تتويج الشاعر عبداللطيف اللعبي بالجائزةأصدر بيت الشعر في المغرب بيانا عبر فيه من خلاله على ما يلي:
«بابتهاج شعري خاصّ، تلقىبيت الشعر في المغرب فوز الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، عضو الهيئة الشرفيةللبيت، بجائزة الغونكور- صنف الشعر. وهو ثاني مغربي يحظى بهذا التكريم الرفيع بعدالكاتب الطاهر بن جلون، الذي سبق أن فازبها في صنف الرواية. يُعدّ هذا الفوز الشعري تتويجا لمسار كتابي، كان عبد اللطيفاللعبي اكتوى بجمرته منذ النصف الثاني لعقد الستينيات. مسارٌ موشومٌ، في مُنطلقه،بوعي شعري يُدمج الكلام العالي في الصراع الاجتماعي وقضايا التغيير. لذلك لم ينفص لهذا الوعي ، ابتداءً من بذرته الأولى عن الواجهة السياسية والثقافية بوجه عامّ،ممّا أمّن امتداده الحالم، الذي جعل منه مواجهة تمَسّ الاجتماعي والوطني والكوني.وقد كان هذا الرهان بمسالكه العديدة واضحا منذ إشراف اللعبي على إدارة مجلة أنفاس،التي أسّسها سنة 1966. وعرفت البذرة ، التي استنبتها اللعبي في بداية كتابتهالشعرية، نماءً معرفيا بعد أن خبر كيف يعْبرُ بها إلى جهات خصيبة ، غير أنها لمتتخل، في مختلف أطوار المسار الشعري، عن انخراطها في صراع يمنع اللغة من أن تنشغلبذاتها في انفصال عن القضايا الوطنية والإنسانية. ثمة دوما في شعر اللعبي انشغالبألم متعدّد الوجوه، لا يأخذ صفة الشخصي إلا لينفذ منها إلى ما يتجاوز الشخصي.ألمٌ يُنصت إلى هذا التعدد بثقة شعرية في المستقبل. وثمة، أيضا، في هذا الشعراحتفاءٌ بيِّنٌ بالجسد، وترسيخٌ عنيد لقيم نبيلة، وحفرٌ فكري في هُوية متمسكة بانفتاحها وتجدّدها. لا يندرج الإنجاز الشعري لعبد اللطيف اللعبي في رهان التغيير وحسب، بلينضوي أيضا ضمن سؤال الأدب بمختلف تشعباته. ذلك ما تُعضّده كتابته السرديةوالمسرحية. الانتقال بين الشعر والسرد والمسرح يُضمر انشغالا بسؤال الأدب الذييخترق الممارسة النصية وهي تسْعَدُ بتحققها في أكثر من جنس.»
في ضيافة البهلوان الأخير
الدكتور سعيدالناجي في تقديمه ل "البهلوان الأخير" : "لا نريد أن تنتهي حياتناونحن بؤساء مسرحيا.."
الباحث سالماكويندي: "المسرح ضرورة بمثابة الحاجة لتقعيد إنسانية الإنسان"
استضافت فرقة همزة وصل للإبداع بآسفي بتنسيق مع المقهى الأدبي، وتحتإشراف المندوبية الاقليمية لوزارة الثقافة بالمدينة. الباحث المسرحي سعيد الناجيوكتابه "البهلوان الأخير: أي مسرح لعالم اليوم؟" اللقاءالذي تفتتح به سلسلة "لقاءات المسرح" وهي المبادرة الثقافية والفنيةالتي يسعى من خلالها المنظمون أن تتحول لفضاء للحوار والتواصل. اللقاء عرف حضورالافتا لوجوه فنية. وقام بتأطيره الأستاذ محمد الوافي، وعرف مشاركة فاعلة للأستاذمحمد الخراز مندوب وزارة الثقافة بآسفي، والأستاذ عزالدين كارا المندوب الجهويلوزارة الثقافة بالجهة.
أولى لقاءات المسرح افتتح بمداخلة قيمة للباحث المسرحي الأستاذ سالم اكويندي.الذي قدم ورقة اعترف في مستهلها أنها تقديم وشد على يد الباحث الدكتور سعيدالناجي، أكثر منها قراءة. في كتاب ينزاحللسياق العام الذي عرف عن الباحث سعيد الناجي، دراسات في موضوع المسرح محكومةبعنصر "القلق" والذي لا يعني الرفض بقدر ما يسهم في عنصر الاستفزازلواقع مسرحي عربي. استفزاز يثيره طموح الأكاديمي والممارس للمسرح في مواقع كثيرةفي المسرح المغربي. سعيد الناجي الذي دخل الممارسة المسرحية مع طلبته في أعماليقدمها ويقوم بإخراجها، آخرها، "تحفة النظار في رحلة ابن بطوطة". هو ليسأستاذ يبحث بشكل مكتبي بقدر ما يترجم قلقه. خصوصا أن موضوع المسرح، في مجتمع يشهدالعديد من التحولات، يدفعنا الى استجلاء أسئلة كي يجيب على مقولة دفيليون"المسرح يزرع اللحمة في المجتمع"، فالمسرح ليس تلقي فقط بل هو سبرلأغوار النفس. لذلك يمثل عنصر القلق عنصرا أساسيا لفهم رؤية كتاب الباحث سعيدالناجي "البهلوان الأخير". كما أن الكتاب ينفتح على آفاق جديدة، آفاقتسهم في حمله "على العاتق" لأنه قدرنا، يؤكد الباحث سالم اكويندي. فيعنوان فرعي يطرح الباحث سعيد الناجي سؤالا مركزيا ثانيا يتعلق ب"أي مسرحلعالم اليوم؟"، وهو ما يعمق من رؤية الناجي الجوهرية التي تجعل المسرح رديفالسؤال أنطولوجي أعمق. وهو ما يستدعي مرجعيات راديكالية تبحث في مجتمع الاستهلاك/مجتمع الفرجة. ليس تلك الفرجة التي تعيدنا الى أصولنا أو الإنسان الذي نجد بقايامنه.
يتحدث الباحث سالم اكويندي عن عنصر الساكن "البدائي الذي نحييه، الأصلالذي هو الإنسان". والبحث في مسرح اليوم في عالم اليوم الذي يتميز بإيقاعخاص، إعادة إحياء هذا الإنسان. والمسرح هنا يظل هو الطقس وليس صناعة التي تلبستهامجتمعات استهلاكية ويقدم الباحث نموذج سينمائي هو فيلم "أفاتار" الذيخلق العديد من ردود الفعل. ينطلق الباحث اكويندي في مقاربته لأهم أسئلة كتابالباحث سعيد الناجي، الى فصل يخص التنظيرات الكبرى، والتي ترتبط لدى الباحثبالممارسة، إذ ينتقد الناجي التنظيرات التي تصدر عن عدم، تنظير فوقي كأنه وصاياوتعليمات. فالمفاهيم بتعبير الباحث اكويندي، يجب أن تتركز على ظاهرة وتقدم رؤيةللعالم. ويعرج الباحث اكويندي على ما يمكن أن نسمه، بسياسات الدولة في المسرح؟ منخلال كرونولوجيا لأهم المحطات التاريخية والتي قدم فيها خلاصات أساسية لعل أهمهاهو ارتباط المسرح في المغرب بالمدرسة، وإلغاء الحرفية والمهنية عن المسرح المغربيةالى حدود لحظة الاعتراف السياسي وما شابه هو أيضا من تعثر. وتنتهي ورقة الباحثسالم اكويندي عند خلاصة أساسية: المسرح ضرورة وليس جماليات، وهي ضرورة بمثابةالحاجة لذلك تدخل في حياتنا اليومية.
الباحث الدكتور سعيد الناجي صاحب "البهلوان الأخير" قدم مداخلة منمنظور آخر، إذ اعترف في البداية أن المكان، مدينة آسفي تعطيه انطباعا أسطوريا،ولعل السؤال الذي ظل يؤرقه، ولا علاقة له بالمسرح، هو هذه التحولات المتسارعة التييشهدها عالم اليوم بإيقاع لا نستطيع استيعابه. فالتطور الذي حدث بدخول الوسائطالتكنولوجية قد أسهم في حدوث ثورة عميقة وأحدثت إشكالات مجتمعية. لذلك يتساءلالباحث كيف نستطيع نحن كمغاربة أن نبني مستقبلا في تحولات تتجاوزنا. فحتىالتكنولوجيا تتطور بشكل يتجاوز البحث العلمي. ويتوقف الباحث سعيد الناجي عندالكاتب غي ديبور الذي قدم بحثا عميقا حول "مجتمع الفرجة" وانتحر، إذلاحظ أن استهلاك الإنسان للصور. حيث أصبحت الفرجة "تحتكر المظاهر".إذ غدت نفيا مرئيا للحياة. يؤكد الباحث الناجي أن النظريات الكبرى انتهت،تلك التي كانت تحلم بتغيير العالم من خلال المسرح. الطموحات والأحلام الكبرىانمحت، وحتى الأزمة المالية الأخيرة قد كشفت عن هشاشة كبرى. وبعلاقة بالمسرح، أشارالباحث المسرحي سعيد الناجي أنه عكس المسرح في الغرب الذي يمتلك تقاليد، فالمسرحالمغربي لم يحقق شيئا. بل على العكس، أمسى يعيش وضعا مأساويا. فالحاجة اليوم، هيلمسرح مستمر.
ورغم الرؤية السوداوية التي وسمت مداخلة الباحث سعيد الناجي إلا أنها لامستبتوصيف دقيق جغرافية المسرح المغربي بشكل يجعلنا نتمثل راهنه وماضيه كي نفكر فيالمستقبل. لقد اختار الباحث في النهاية، أن ينضم لطلبته وينشغل معهم بمسرح يتحققدون شعارات كبرى. ورغم خطاب اليأس فالباحث سعيد الناجي لا يحبذ خطابات النهايات،لكنه يؤكد أن هناك هجمة شرسة على المدن، مدن تتعرض لهجمة تزييف لمعالمها، وينتهيالباحث المسرحي الدكتور سعيد الناجي بالتأكيد على أن انشغاله اليوم، يروم إعادةمساءلة ممارستنا المسرحية في ظل أسئلة التحولات التي يشهدها عالم اليوم، أن نكون"البهلوان الأخير" الذي يفتح رؤى المستقبل.
في الأخير، بلور النقاش الذي انفتح في فضاء المقهى الأدبي صيغا للتفكير فيالمسرح، والمدينة التي أغلقت آخر دور للسينما أبوابها. ليتساءل الحضور، ماذا تعني مدينة بدون قاعة المسرح؟