زمن الرواية القصيرة
الدكتور عبد اللطيف محفوظ
في ندوة بالمغرب، احتفت بمحمد زفزاف ويحيى الطاهر عبد الله زمن الرواية القصيرة الكلمة المغرب لايمكن للسرد العربي أن يخطو خطواته الواثقة نحو التجديد وإهمال المكرور وتجاوز الإبداع غير القادر على رسم مجرى المتخيل بكل تنويعاته الجمالية والمعرفية دون استحضار من أسسوا للمجرى السردي الهادر بإبداعية مازالت، حتى الآن، تحفز وتغري..وما زالت سرودهم تنتج، على الدوام، رحابة الآفاق. في هذا السياق الذي لا نهاية له يصبح الحديث عن الرواية القصيرة في أدبنا العربي ملمحا أساسيا يحتاج منا أن نفتح لأجله الأبواب والنوافذ ، ولعل فضاء ساحة السراغنة،بتنظيم من، أكد على قيمة الحوار الثقافي في المغرب، وتحديدا بالدار البيضاء،وقدرته على الاستقطاب والإنصات والتفاعل في مدينة ستة ملايين من المواطنين الذين يعتبرون ساحة السراغنة محجا في كل المناسبات وبدونها. بموازاة عرض الكتب القديمة، مغربية وعربية ومن كل القارات وبكل اللغات وفي جميع الأجناس، كان لابد من طرح الأفكار الجديدة، وساحة السراغنة تعي أنها لن تخسر شيئا من أجل تقريب الكتاب إلى أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية ووعيا منها بأهمية الإسهام في خلق مجتمع قارئ، لأن امتلاك المعرفة اليوم هو السبيل الوحيد نحو تأهيل الرأسمال البشري. ومن أجل التذكر العلني لكاتبين كبيرين، محمد زفزاف من المغرب ويحيى الطاهر عبد الله من مصر باعتبارهما من رواد الرواية القصيرة والمحكي الجميل الذي أمتع القارئ العربي من المحيط الى الخليج..يلتقي نقاد ومبدعون للحديث عنهما وعن الرواية القصيرة وعن آفاقها في الأدب العربي ، وذلك يوم الاثنين 28 أبريل 2008 بساحة السراغنة، في الساعة السادسة مساء بمشاركة: شعيب حليفي، نور الدين صدوق، محمد صوف، لحسن حمامة، عبد اللطيف محفوظ. وينسق أشغال هذا اللقاء الشريشي لمعاشي (رئيس نادي القلم المغربي). نظمت جمعية الجمعية البيضاوية للكتبيين وبتنسيق مع مختبر السرديات ونادي القلم المغربي بساحة السراغنة الدار البيضاء، ووسط فضاء طلق وحافل بالحضور المتعدد، ندوة حول أسئلة الرواية القصيرة في أعمال محمد زفزاف ويحيى الطاهر عبد الله، وقد أدارها المعاشي الشريشي، رئيس نادي القلم المغربي، وشارك فيها من النقاد شعيب حليفي ونور الدين صدوق وعبد اللطيف محفوظ. في بداية اللقاء تحدث المعاشي عن أهمية اللقاء من جهة كونه يطرح أسئلة الرواية القصيرة التي تعد أسئلة جديدة على النقد السردي، الذي اعتاد دمجها ضمن الرواية بإطلاق، ومن جهة كونه يهتم بكاتبين كبيرين، امتازا بالرصانة الفنية والدقة في التقاط العالم المشخص، مع القدرة الفائقة على تكثيفه وإظهاره في أعمال روائية عميقة وقصيرة توفر المتعتين الفكرية والجمالية. بعد ذلك أعطى الكلمة لرئيس جمعية الكتبيين السيد يوسف بورة الذي أشاد بتعاون الكتاب والمثقفين مع الجمعية ومساعدتها على تحويل فضاء ساحة السراغنة إلى فضاء للمعرفة والنقاش الفعال بين الكتاب والجمهور العريض. وكان أول المتدخلين هو شعيب حليفي (رئيس مختبر السرديات)، الذي لاحظ أن الرواية القصيرة أضحت نوعا متميزا يكتسح الساحة الإبداعية بقوة، ويفرز نصوصا قوية تحقق المتعة وتستوعب هموم الذات والعالم بسلاسة مصبوغة بلغة الحياة القريبة من المتلقين. مشيرا إلى أن هذا التوجه في الكتابة قد ظهر جليا في الرواية المغربية خصوصا مع زفزاف الذي أخلص له في كل إنتاجاته. موضحا خصوصيات تلك التجربة جماليا ومعرفيا، ثم انتقل إلى أعمال يحيى الطاهر عبد الله، فوضعها في سياق تطور هذا النوع في المشرق، رابطا بين قصصه الطويلة ورواياته القصيرة، ليخلص إلى التنبيه إلى مجموعة من الحقائق الثاوية خلف تشكل هذا التوجه في الكتابة السردية، وحصرها في ثلاثة، هي أن هذا النمط قد تشكل ثم أخذ في الهيمنة لأنه يستجيب لشروط واقعية تهم حساسية التلقي وأسئلة الكاتب الإيديولوجية والجمالية، ملمحا إلى أن هذا النمط الروائي هو شكل يتضمن معرفة ووعيا بأشكال التواصل الموضوعية الشارطة للتلقي، مثلما يتضمن تحولا ما في تشكيل الفكرة الإديولوجية من خلال شرط الحياة الجديدة، ولهذا فقد ركز كثيرا على ضرورة وعي النقد الأدبي بهذه التحولات وضرورة شروعه في فعل التأمل من أجل استخلاص محددات هذا الجنس الحاضر بقوة إبداعيا والمهمل نقديا. وأنهى مداخلته النظرية بالإشارة إلى أن أعمال زفزاف ويحيى الطاهر قمينان بقيادة النقد المتمعن إلى استجلاء الخصائص وبناء الأنساق الوصفية، المناسبة.خصوصا وأن التأمل في كتابات زفزاف على وجه التجديد، بالنظر إلى تماثل إيقاعها وتناظر بنائها، يفيد إمكانية حملها لسماد التنظير للرواية القصيرة، واعتبر اننا نحيا زمن الرواية القصيرة. ثم بعد ذلك تدخل نور الدين صدوق مشيرا إلى أن الرواية القصيرة موجودة في مجمل الآداب العالمية، وأنها ليست ظاهرة ثقافية، وعدد مجموعة من النصوص العالمية الشهيرة من الأدب الغربي والأمريكي، لينتهي إلى خصوصياتها في الأدب المغربي والعربي، مؤكدا أن هذا النوع قد أفرز نصوصا جيدة جدا، رغم أنها غالبا ما تعالج قضايا جزئية. ثم انتقل إلى تجربة محمد زفزاف، مبينا العلاقة بين القصة القصيرة عنده والرواية القصيرة ملاحظا أنه في الغالب قد حول ما كان قصة إلى رواية قصيرة، الشيء الذي جعل رواياته مكثفة وحافلة بالحالات الإنسانية، وقبل أن ينتقل إلى تجربة يحيى الطاهر التي اعتبرها تجربة متفردة تشتغل على التراث وتوظف الرمزية العصية والقريبة من الحياة واستعاراتها، أشار إلى أن كتاب آخرين مرموقين قد كتبوا وفق نفس النفس السردي أمثال غالب هلسا وإلياس خوري.. أما المتدخل الأخير في مجال النقد عبد اللطيف محفوظ، فقد انطلق من طرح عدة أسئلة نظرية تخص إمكانية وضع حدود واضحة تكون بمثابة قوانين لجنس الرواية القصيرة، تميزها عن القصة الطويلة والرواية بإطلاق، ملاحظا أن هذه المحاولة التي لها حق الوجود كما أكد شعيب حليفي، لا بد أن تكون عصية في البداية خاصة وأن التفكير الفلسفي في الأشكال السردية لا يفيدنا كثيرا لأنه هو نفسه لم يتنبه لوجودها، وهكذا نظر إلى الصعوبة والحيرة التي يحسها وهو يحاول التفكير في مشكلة الزمن والإلهام المؤثرة على موضعتها في سياق مجاوراتها المتمثلة في القصة القصيرة التي يرى أنها تعبر عن الأنا المعقول وتكثف لحظات مقتطعة من الزمن الذاتي الذي يصير موضوعا للسرد، والرواية التي هي تعبير عن الأنا الممتدة والتي تحايث الحياة وتنافس أنماطا معلومة من الكتابة التاريخية. وتحفل بالزمن المنساب من النبع إلى المصب، والذي تعيشه الشخصيات بعمق وحرقة، منتهيا إلى ملاحظة أن أغلب الروايات القصيرة الكبيرة مثل روايات قصة حب مجوسية لمنيف والمرأة والوردة لزفزاف وحكاية على لسان كلب للطاهر ومجازفات البيزنطي لحليفي وغيرها، لا تكثف اللحظات ولا تحتفي بموقف كما هو الحال مع القصة رغم أنها تجسد موضوعات معقولة، وأيضا لا تهتم بالحياة الممتدة كما هو الحال مع الرواية، رغم أنها تجذر الإحساس بثقل الزمن. لينتهي إلى القول إن التفكير بهذا النوع الذي يبدو سائرا نحو الهيمنة، يقتضي البحث أيضا عن إجابات مناسبة لأسئلته في المدونة الفلسفية وخاصة في علاقة الإلهام العصية بالزمن. وبعد المداخلات النقدية أعطيت الكلمة للمسرحي عمر تاري الذي اشتغل على أعمال يحيى الطاهر عبد الله،وتحديدا روايته الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة، والتي حولها الى عمل مسرحي بباريس، فأشار إلى خصوصيات الكتابة عند الطاهر الذي يقدم أسلوبا جديدا في السرد الروائي القريب من السرد الشفهي والذي يحفل بالمعاناة والسخرية ويتوسل في التشخيص حكي اليوميات من خلال اختلاق شخصيات بسيطة ولكن عبر تفعيل طاقة لغوية شاعرية وصور سوريالية وعبثية دالة. وأخير استمع الجمهور والمشاركون إلى نصين قصصين لكل من محمد زفزاف قرأه الكاتب عبد الحميد الغرباوي وكان بعنوان لماذا تأخر العشاء. ويحيى الطاهر عبد الله قرأه القاص أنيس الرافعي وكان بعنوان أنا وهي وزهور العالم. انتهت الندوة بعدما كان الظلام قد عم المكان، دون أن يستطيع فرض سلطته أمام قوة كلمات زفزاف ويحيى الطاهر وقد أضاءا الفضاء بسحر ما زال قادرا على إثارة الحب والدهشة.
في ندوة بالمغرب، احتفت بمحمد زفزاف ويحيى الطاهر عبد الله زمن الرواية القصيرة
في ندوة بالمغرب، احتفت بمحمد زفزاف ويحيى الطاهر عبد الله
الكلمة المغرب
لايمكن للسرد العربي أن يخطو خطواته الواثقة نحو التجديد وإهمال المكرور وتجاوز الإبداع غير القادر على رسم مجرى المتخيل بكل تنويعاته الجمالية والمعرفية دون استحضار من أسسوا للمجرى السردي الهادر بإبداعية مازالت، حتى الآن، تحفز وتغري..وما زالت سرودهم تنتج، على الدوام، رحابة الآفاق.
في هذا السياق الذي لا نهاية له يصبح الحديث عن الرواية القصيرة في أدبنا العربي ملمحا أساسيا يحتاج منا أن نفتح لأجله الأبواب والنوافذ ، ولعل فضاء ساحة السراغنة،بتنظيم من، أكد على قيمة الحوار الثقافي في المغرب، وتحديدا بالدار البيضاء،وقدرته على الاستقطاب والإنصات والتفاعل في مدينة ستة ملايين من المواطنين الذين يعتبرون ساحة السراغنة محجا في كل المناسبات وبدونها.
بموازاة عرض الكتب القديمة، مغربية وعربية ومن كل القارات وبكل اللغات وفي جميع الأجناس، كان لابد من طرح الأفكار الجديدة، وساحة السراغنة تعي أنها لن تخسر شيئا من أجل تقريب الكتاب إلى أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية ووعيا منها بأهمية الإسهام في خلق مجتمع قارئ، لأن امتلاك المعرفة اليوم هو السبيل الوحيد نحو تأهيل الرأسمال البشري.
ومن أجل التذكر العلني لكاتبين كبيرين، محمد زفزاف من المغرب ويحيى الطاهر عبد الله من مصر باعتبارهما من رواد الرواية القصيرة والمحكي الجميل الذي أمتع القارئ العربي من المحيط الى الخليج..يلتقي نقاد ومبدعون للحديث عنهما وعن الرواية القصيرة وعن آفاقها في الأدب العربي ، وذلك يوم الاثنين 28 أبريل 2008 بساحة السراغنة، في الساعة السادسة مساء بمشاركة: شعيب حليفي، نور الدين صدوق، محمد صوف، لحسن حمامة، عبد اللطيف محفوظ. وينسق أشغال هذا اللقاء الشريشي لمعاشي (رئيس نادي القلم المغربي).
نظمت جمعية الجمعية البيضاوية للكتبيين وبتنسيق مع مختبر السرديات ونادي القلم المغربي بساحة السراغنة الدار البيضاء، ووسط فضاء طلق وحافل بالحضور المتعدد، ندوة حول أسئلة الرواية القصيرة في أعمال محمد زفزاف ويحيى الطاهر عبد الله، وقد أدارها المعاشي الشريشي، رئيس نادي القلم المغربي، وشارك فيها من النقاد شعيب حليفي ونور الدين صدوق وعبد اللطيف محفوظ.
في بداية اللقاء تحدث المعاشي عن أهمية اللقاء من جهة كونه يطرح أسئلة الرواية القصيرة التي تعد أسئلة جديدة على النقد السردي، الذي اعتاد دمجها ضمن الرواية بإطلاق، ومن جهة كونه يهتم بكاتبين كبيرين، امتازا بالرصانة الفنية والدقة في التقاط العالم المشخص، مع القدرة الفائقة على تكثيفه وإظهاره في أعمال روائية عميقة وقصيرة توفر المتعتين الفكرية والجمالية.
بعد ذلك أعطى الكلمة لرئيس جمعية الكتبيين السيد يوسف بورة الذي أشاد بتعاون الكتاب والمثقفين مع الجمعية ومساعدتها على تحويل فضاء ساحة السراغنة إلى فضاء للمعرفة والنقاش الفعال بين الكتاب والجمهور العريض.
وكان أول المتدخلين هو شعيب حليفي (رئيس مختبر السرديات)، الذي لاحظ أن الرواية القصيرة أضحت نوعا متميزا يكتسح الساحة الإبداعية بقوة، ويفرز نصوصا قوية تحقق المتعة وتستوعب هموم الذات والعالم بسلاسة مصبوغة بلغة الحياة القريبة من المتلقين. مشيرا إلى أن هذا التوجه في الكتابة قد ظهر جليا في الرواية المغربية خصوصا مع زفزاف الذي أخلص له في كل إنتاجاته. موضحا خصوصيات تلك التجربة جماليا ومعرفيا، ثم انتقل إلى أعمال يحيى الطاهر عبد الله، فوضعها في سياق تطور هذا النوع في المشرق، رابطا بين قصصه الطويلة ورواياته القصيرة، ليخلص إلى التنبيه إلى مجموعة من الحقائق الثاوية خلف تشكل هذا التوجه في الكتابة السردية، وحصرها في ثلاثة، هي أن هذا النمط قد تشكل ثم أخذ في الهيمنة لأنه يستجيب لشروط واقعية تهم حساسية التلقي وأسئلة الكاتب الإيديولوجية والجمالية، ملمحا إلى أن هذا النمط الروائي هو شكل يتضمن معرفة ووعيا بأشكال التواصل الموضوعية الشارطة للتلقي، مثلما يتضمن تحولا ما في تشكيل الفكرة الإديولوجية من خلال شرط الحياة الجديدة، ولهذا فقد ركز كثيرا على ضرورة وعي النقد الأدبي بهذه التحولات وضرورة شروعه في فعل التأمل من أجل استخلاص محددات هذا الجنس الحاضر بقوة إبداعيا والمهمل نقديا. وأنهى مداخلته النظرية بالإشارة إلى أن أعمال زفزاف ويحيى الطاهر قمينان بقيادة النقد المتمعن إلى استجلاء الخصائص وبناء الأنساق الوصفية، المناسبة.خصوصا وأن التأمل في كتابات زفزاف على وجه التجديد، بالنظر إلى تماثل إيقاعها وتناظر بنائها، يفيد إمكانية حملها لسماد التنظير للرواية القصيرة، واعتبر اننا نحيا زمن الرواية القصيرة.
ثم بعد ذلك تدخل نور الدين صدوق مشيرا إلى أن الرواية القصيرة موجودة في مجمل الآداب العالمية، وأنها ليست ظاهرة ثقافية، وعدد مجموعة من النصوص العالمية الشهيرة من الأدب الغربي والأمريكي، لينتهي إلى خصوصياتها في الأدب المغربي والعربي، مؤكدا أن هذا النوع قد أفرز نصوصا جيدة جدا، رغم أنها غالبا ما تعالج قضايا جزئية.
ثم انتقل إلى تجربة محمد زفزاف، مبينا العلاقة بين القصة القصيرة عنده والرواية القصيرة ملاحظا أنه في الغالب قد حول ما كان قصة إلى رواية قصيرة، الشيء الذي جعل رواياته مكثفة وحافلة بالحالات الإنسانية، وقبل أن ينتقل إلى تجربة يحيى الطاهر التي اعتبرها تجربة متفردة تشتغل على التراث وتوظف الرمزية العصية والقريبة من الحياة واستعاراتها، أشار إلى أن كتاب آخرين مرموقين قد كتبوا وفق نفس النفس السردي أمثال غالب هلسا وإلياس خوري..
أما المتدخل الأخير في مجال النقد عبد اللطيف محفوظ، فقد انطلق من طرح عدة أسئلة نظرية تخص إمكانية وضع حدود واضحة تكون بمثابة قوانين لجنس الرواية القصيرة، تميزها عن القصة الطويلة والرواية بإطلاق، ملاحظا أن هذه المحاولة التي لها حق الوجود كما أكد شعيب حليفي، لا بد أن تكون عصية في البداية خاصة وأن التفكير الفلسفي في الأشكال السردية لا يفيدنا كثيرا لأنه هو نفسه لم يتنبه لوجودها، وهكذا نظر إلى الصعوبة والحيرة التي يحسها وهو يحاول التفكير في مشكلة الزمن والإلهام المؤثرة على موضعتها في سياق مجاوراتها المتمثلة في القصة القصيرة التي يرى أنها تعبر عن الأنا المعقول وتكثف لحظات مقتطعة من الزمن الذاتي الذي يصير موضوعا للسرد، والرواية التي هي تعبير عن الأنا الممتدة والتي تحايث الحياة وتنافس أنماطا معلومة من الكتابة التاريخية. وتحفل بالزمن المنساب من النبع إلى المصب، والذي تعيشه الشخصيات بعمق وحرقة، منتهيا إلى ملاحظة أن أغلب الروايات القصيرة الكبيرة مثل روايات قصة حب مجوسية لمنيف والمرأة والوردة لزفزاف وحكاية على لسان كلب للطاهر ومجازفات البيزنطي لحليفي وغيرها، لا تكثف اللحظات ولا تحتفي بموقف كما هو الحال مع القصة رغم أنها تجسد موضوعات معقولة، وأيضا لا تهتم بالحياة الممتدة كما هو الحال مع الرواية، رغم أنها تجذر الإحساس بثقل الزمن. لينتهي إلى القول إن التفكير بهذا النوع الذي يبدو سائرا نحو الهيمنة، يقتضي البحث أيضا عن إجابات مناسبة لأسئلته في المدونة الفلسفية وخاصة في علاقة الإلهام العصية بالزمن.
وبعد المداخلات النقدية أعطيت الكلمة للمسرحي عمر تاري الذي اشتغل على أعمال يحيى الطاهر عبد الله،وتحديدا روايته الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة، والتي حولها الى عمل مسرحي بباريس، فأشار إلى خصوصيات الكتابة عند الطاهر الذي يقدم أسلوبا جديدا في السرد الروائي القريب من السرد الشفهي والذي يحفل بالمعاناة والسخرية ويتوسل في التشخيص حكي اليوميات من خلال اختلاق شخصيات بسيطة ولكن عبر تفعيل طاقة لغوية شاعرية وصور سوريالية وعبثية دالة.
وأخير استمع الجمهور والمشاركون إلى نصين قصصين لكل من محمد زفزاف قرأه الكاتب عبد الحميد الغرباوي وكان بعنوان لماذا تأخر العشاء. ويحيى الطاهر عبد الله قرأه القاص أنيس الرافعي وكان بعنوان أنا وهي وزهور العالم.
انتهت الندوة بعدما كان الظلام قد عم المكان، دون أن يستطيع فرض سلطته أمام قوة كلمات زفزاف ويحيى الطاهر وقد أضاءا الفضاء بسحر ما زال قادرا على إثارة الحب والدهشة.