رسالة المغرب

اليوم الوطني للمسرح واحتفاء بتجربة المسرحي سالم اكويندي

عبدالحق ميفراني

يكشف الباحث المسرحي حسن المنيعي أن "المسرح هو عالم اللاواقع ومرتع للإيهام السحري، لأنه فن يقوم على ثنائية الفكر والفرجة التي تعني المشاهدة والسماع، والكشف والتنوير" جزء من هذه المنظومة، يكشفه سؤال تحديث الفرجة المغربية، لأنها لا يمكن أن تتحقق في فعل الانغلاق واستنساخ لقوالب تراثية جاهزة. بل بإنتاج فعل دراماتورجي يستجيب لفعل التمسرح، وتفعيله على مستوى المتخيل. ضمن هذه الإشكاليات وغيرها، يحتفي المسرحيون هذه السنة بيومهم الوطني، على أسئلة تعاد، لكن، ما يثير هذه السنة هو ضمور فعل الاحتفاء. بل حتى الملفات المعتادة التي تحضر على المستوى الإعلامي توارت. ليظل الحس النقابي مهيمنا {التعاضدية الخاصة بالفنان}. والوضع الاجتماعي على بوابة المشهد المسرحي ككل. الاسثتناء خلقه تحول الاحتفاء الى فضاءات المغرب العميق، لتحتضن تزنيت هذه السنة فعالياته. عيد المسرح المغربي يظل معلقا الى حين تحول الظاهرة المسرحية الى صلب الحراك الثقافي وديدنه. حينها يمكن للمسرح المغربي بفرجاته التي تشكلت في وعيه الجمعي وبالصيغ الدراماتورجية التي سيقترحها، أن يتحول الى سلوك تعبيري وعتبة لتمظهرات هوية المسرح المغربي.

في خضم هذه الرهانات تأسست مؤخرا فرقة احترافية للمسرح، تحت اسم فرقة "همزة وصل للإبداع". فرقة تحاول إعادة توطين الممارسة المسرحية ضمن سياقها السوسيوثقافي. من خلال مقترحات نظرية تتمظهر عبر العروض المسرحية الاحترافية منها والتجريبية، أو من خلال الأنشطة الفعلية الداخلية كالمدرسة الخاصة بالتكوين ومركز البحث المسرحي للتكوين والتوثيق، أيضا من خلال العروض الفنية التي تبصم بلمسة فنية خاصة تعمق من اشتغال مسرحيي أعضاء الفرقة الى جانب إبراز أسلوب اشتغالها الفني والجمالي.

وقد شكل اللقاء الإعلامي الذي حضره ممثلو مختلف المنابر الاعلامية الوطنية، ونظم بعد التأسيس {تأسست الفرقة يوم 4أبريل2008}، مناسبة لاستعراض المحاور الأربعة التي يرتكز عليها برنامج عمل الفرقة ويتعلق أولها بتقديم عروض مسرحية للعموم وعروض تجريبية مع الانفتاح على التظاهرات المسرحية الوطنية والأجنبية فيما يعنى المحور الثاني بـ "ترميم ذاكرة المسرح بمدينة آسفي" من خلال خلق "مركز للتوثيق والبحث المسرحي" وجمع وتدوين البحوث المتعلقة بالفاعلين المسرحيين أما المحور الثالث فيهم "إنشاء مدرسة لتخريج المواهب في مختلف الحرف المسرحية" في حين يهتم المحور الرابع بـ "مسرح الطفل" من خلال تقديم عروض وتكاوين لهذه الشريحة العمرية.

وقد اختارت همزة وصل للإبداع يوم 14 ماي 2008، اليوم الوطني للمسرح. محطة للاحتفاء بتجربة المسرحي سالم كويندي عرفانا بمساره الحافل وعطاءاته المتميزة في مجال المسرح. وذلك من خلال تقديم "فرجة سالم اكويندي" الفرجة التي قدمت وفق تصور فني يراعي خصوصية المحتفى به، وتقعيد لأسلوب جديد في تقديم فرجة من ذاكرة البحث المسرحي، كفرجة ممتدة أيضا في الراهن. كما أن اختيار العرض المسرحي "نيجاتيف" لفرقة أبعاد للمسرح من الدارالبيضاء، اختيار نابع من تقاطع التجربتين معا. وقد شكل العرض المعد عن نص للمسرحي "اثول فوجارد" مناسبة أخرى للمسرحي عبدالمجيد شكير أن يرسخ لتجربته المسرحية والتي احتفت بها تونس مؤخرا. وكانت مناسبة لعبور تجارب مسرحية "موازية" تملك رؤيتها الجمالية الكفيلة بفتح آفاق جديدة للمسرح المغربي.

وتعد الالتفاتة للمسرحي سالم اكويندي، التفاتة اتجاه أحد الأسماء المسرحية الوطنية التي أسست لتجربة المسرح المدرسي بالمغرب تنظيرا وتأطيرا طيلة السنوات الأخيرة. كما تعد اعتراف بإسهامات الرجل في مجال البحث والنقد المسرحي، "فرجة سالم اكويندي" تحولت لفيض من عيد المسرح، عبر استدعاء ذاكرة خصبة متقدة. وقد شكل الحفل التكريمي، الذي نظم بفضاء قصر الباهية بالمتحف الوطني للخزف بآسفي، هذا الفضاء التاريخي الأسطوري، لحظة فنية وإنسانية نبيلة تكاملت فيها فرجة المسرح بطقوس فرجاته، بمؤتتاته وسينوغرافيته. والى جانب فعل الأداء، حضرت نخبة وازنة من المثقفين المغاربة الممثلون لإطارات ثقافية وطنية {اتحاد كتاب المغرب، الائتلاف الوطني للثقافة والفنون، النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، جمعية الشعلة}، أضافت بشهاداتها لحظة حضور تضاف لترسيخ ثقافة الاعتراف. وهكذا أكد الناقد الأستاذ عبدالحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب أن احتفاء فرقة همزة وصل للإبداع بواحد من رموز الإبداع الأدبي والمسرحي يعد تعبيرا "عن ثقافة الاعتراف والوفاء.. الاعتراف بمعنى الاحتفاء بالقيم والمعاني التي يجسدها سالم اكويندي من خلال عروضه وإبداعه وإسهاماته المتواصلة"، وأضاف رئيس اتحاد كتاب المغرب في شهادته إن سالم كويندي "مبدع مثقف موهوب طور موهبته وأغناها على امتداد الأربعين سنة الأخيرة من القرن العشرين، وها هو يواصل بعمق وجد ومثابرة.. في صمت ولكن بجرأة الكلمة والإبداع وبصدق الرأي وشجاعته دوما وأبدا" وأشار إلى أن المحتفى به يعد مبدعا مسرحيا بامتياز نصا ونقدا، ومبدعا ثقافيا للأجيال القادمة كونه من المختصين القلائل في مجال سوسيولوجيا التربية والتعليم. كما توقف الناقد عبدالحميد عقار عند الإسهام العميق للمحتفى به "في ثقافة السبعينيات والتمانينيات.. ثقافة النضال والالتزام ومواجهة كل الانهيارات وبناء القيم الجديدة"، مستحضرا في هذا الإطار عناوين من نصوصه المسرحية التي أغنت المكتبة النصية المسرحية الوطنية من ضمنها "الردة" (1978) و "عودة رأس الحسين" (1986) و "حديث ومغزل" و"خربوشة" فضلا عن مؤلفاته الاكاديمية العديدة ومنها "المتخيل المسرحي" و"عتبات المسرح" و"سلطة المسرح" أما القاص والكاتب عبد النبي داشين فقد قدم في شهادته ملامح من مسار سالم الكويندي الابداعي الذي انطبع بسمات شخصيته وخصاله، لكنه في نفس الآن رسم بورتريها إضافيا للكاتب سالم اكويندي والمسرحي والإنسان. حيث أبرز أن "سالم اكويندي عاش التقلبات وظل يحلم بمسرح يعانق الهموم ويكسر الجدارات لذلك استلهم بعشق تجربة مسرح بريخت التي مكنته من قولبة هواجسه الابداعية"، معتبرا أن هذا الاختيار كان اختيارا مبدئيا ككل الاختيارات التي تبناها بحس المثقف العضوي. وقد دعا المبدع عبدالنبي دشين الى العمل على تنظيم ملتقى تحمل جائزته اسم سالم كويندي. أما الباحث والناقد حسن بحراوي فتوقف عند ما اعتبرها مداخل/ مفاتيح لشخصية المحتفى به ولعطاءاته التي شملت حقولا إبداعية مختلفة ومنها على الخصوص مدخل الممارسة والبحث المسرحي، ومدخل القصة، والمدخل التربوي البيداغوجي، ومدخل النقد المسرحي، ومدخل الثقافة الشعبية. وأكد أن اكوندي ساهم في فتح أفق البحث في الفرجات الشعبية المسرحية من خلال تسليط الضوء على فرجات جديدة "فرجة كناوة المسرحية" كما عمل على توسيع هذا الأفق بمقارنته بين هذه الفرجات وفرجات مماثلة بإفريقيا والعالم. 

ملخص سيرة سالم اكويندي: 
الميلاد: 26 يوليوز 1948 بالدار البيضاء المملكة المغربية.
المهنة: مفتش اللغة العربية ممتاز (الدرجة الأولى)
الصفة: باحث مسرحي.

التداريب التأهيلية:
متدرب بالتدريب التكويني بالمعمورة 1967/ الدرجة الأولى.
متدرب تدريب تكويني بالمعمورة 1968/ الدرجة الثانية.
متدرب تدريب تكويني بالمعمورة 1969/ الدرجة الثالثة (دبلوم مؤطر).

التداريب المنظمة تحث إشراف:
مكلف بملف التأطير والتكوين (جمعية تنمية التعاون المدرسي) وزارة التربية الوطنية.
1979: تدريب وطني خاص بمسرح الهواة مراكش.
1980: تدريب وطني خاص بباب بودير تازة (جمعية اللواء ووزارة الشبيبة والرياضة).
1987: تدريب وطني خاص في المسرح المدرسي مراكش.
1988: تدريب وطني خاص في المسرح المدرسي مراكش.
1990: الإشراف على التداريب الجهوية والإقليمية للمسرح المدرسي بالمغرب (وزارة التربية الوطنية).

التمثيليات الثقافية والفنية:
1964 1966: الممارسة المسرحية كممثل بجمعية ليالي الشعب الدارالبيضاء.
1966 1972: الشعاع المسرحي الدارالبيضاء.
1972 1974: اللواء المسرحي الدارالبيضاء.
1974 1977: أستاذ بالمعهد البلدي للمسرح الدارالبيضاء.
1974 1981: الشعلة المسرحية الدارالبيضاء.
1977 1978: مجموعة 77 للمسرح الدارالبيضاء.
1983 1985: هواة المسرح اسفي.
1987 1988: البحث المسرحي اسفي.
1998 الآن: فرقة فضاء شوف للمسرح اسفي.
1975 1976: كاتب عام ومؤسس نادي العمل السينمائي بالدارالبيضاء.
1977 1982: كاتب عام ومؤسس لرابطة مسرح الهواة بالدارالبيضاء.
1978 1982: نائب رئيس الجامعة الوطنية لمسرح الهواة بالمغرب.
1976: عضو اتحاد كتاب المغرب.
1978 1985: عضو مكتب فرع اتحاد كتاب المغرب بالدارالبيضاء.
1999 2004: مؤسس وكاتب فرع اتحاد كتاب المغرب باسفي.
1991: عضو مؤسس للجنة الوطنية للمسرح المدرسي.
1991 الآن: منسق اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي بالمغرب.
عضو المكتب الوطني لجمعية تنمية التعاون المدرسي (نائب الرئيس) للمكاتب: منذ مؤتمر 13/98.
خبير وزارة التربية الوطنية للمسرح المدرسي. (التسمية بهذه الصفة رسميا سنة 1994)
عضو اللجنة الوطنية لمراجعة المناهج الدراسية.
مسؤول مكلف بملف التأطير والتكوين في المسرح المدرسي (وزارة التربية الوطنية).
عضو لجان التحكيم الخاصة بمهرجانات المسرح المدرسي للتعليم الثانوي.
عضو مؤسس للنقابة الوطنية للمسرح الاحترافي بالمغرب.
عضو المجلس الوطني بالنقابة الوطنية للمسرح الاحترافي.
عضو لجنة الانتقاء الخاصة بعروض المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي.
عضو مؤسس لمهرجان الوطني للمسرح المدرسي.
عضو لجنة المكونين للتربية على حقوق الإنسان (مجال المسرح).
          عضو تحرير مجلة الثقافة الجديدة منذ سنة 1974.
          رئيس تحرير مجلة المدينة 1978.
          مؤسس ورئيس تحرير مجلة المقدمة:1981 1984.
          مدير مسؤول مجلة خطوة:1985 1988.
          رئيس تحرير مجلة المسرح المدرسي، تصدرها وزارة التربية الوطنية (جمعية تنمية التعاون المدرسي).

المشاركات الثقافية والفنية:
1988: الندوة الدولية حول المسرح والتربية بكلية الآداب المحمدية وجامعة محمد الخامس.
1994: ندوة الطفل والإبداع كلية علوم التربية.
1996: الأيام المسرحية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط المركز الدولي للمسرح بمدريد والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط.
عضو لجن التحكيم بالمهرجانات الخاصة بالمسرح والحكاية جامعة ابن زهر بأكادير.
1999: ملتقى مسرح الطفولة العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قرطاج تونس.
2001: الندوة الدولية للتربية الإبداعية كلية علوم التربية الرباط.
2000 2003: المهرجانات الدولية لمسرح الطفل وزارة الثقافة/ طنجة.
2003: المهرجان السادس لمسرح الطفل العربي عمان الأردن/ كرئيس للوفد المغربي.

الإصدارات:
كتاب المسرح المدرسي ط1/1989، مطبعة الجديدة/ منشورات جمعية تنمية التعاون المدرسي.
كراسات المسرح المدرسي، مقرر، في 6 أجزاء/ 1996، منشورات دار الرشاد/ البيضاء.
كتاب المرجع في المسرح المدرسي:3 أجزاء، 1996 منشورات دار الرشاد/ البيضاء.
كتاب المتخيل المسرحي، ط1/1999، دار الأمنية الدارالبيضاء.
كتاب سلطة المسرح، ط1/2000، منشورات فضاء شوف، دار وليلي للنشر. مراكش.
كتاب ديداكتيك المسرح، ط1/2001، منشورات دار الثقافة، الدارالبيضاء.
نص درامي: خربوشة، ط1 2001، منشورات فضاء شوف، دار وليلي للنشر، مراكش.
كتاب الدليل المرجعي في المسرح المدرسي، ط1/2004، منشورات جمعية تنمية التعاون المدرسي/ وزارة التربية الوطنية (دار النشر المغربية)
كتاب الدليل العملي في المسرح المدرسي، ط1/2004، منشورات جمعية تنمية التعاون المدرسي/ وزارة التربية الوطنية (دار النشر المغربية)
"أصول التخييل المسرحي" ط1/2006، دار النشر المغربية، الدارالبيضاء، المغرب.
"معطف المسرح"

الكتب المشتركة:
1980: كتاب الثقافة المغربية والفكر المعاصر مترجم للإسبانية، وزارة الخارجية الإسبانية وجامعة محمد الخامس.
1988: كتاب المسرح والتربية: أعمال ندوة دولية كلية الآداب المحمدية وجامعة محمد الخامس.
2001: كتاب المسرح والأنتروبولوجيا (أعمال ندوة) كلية الآداب عبدالمالك السعدي، تطوان.
2002: كتاب المرتجلة في المسرح المغربي (أعمال ندوة) كلية الأداب عبدالمالك السعدي، تطوان.
2003: كتاب الثقافة والتنمية (أعمال ندوة) مركز الأبحات الثقافية والتنموية بشيشاوة.
2004: كتاب المسرح بين التنظير والمهنية (أعمال ندوة) كلية الآداب عبدالمالك السعدي، تطوان.

الإنتاجات المسرحية:
1974: نص درامي: مسرحية السماء ( جائزة أحسن نص).
1975: نص درامي: مسرحية المجذوب.
1976: نص درامي: مسرحية الردة.
1977: مسرحية شمشون ودليلة.
1978: مسرحية حديث ابن مسيك.
1979: مسرحية حكاية الرجل البسيط (جائزة أحسن نص).
1986: مسرحية عودة رأس الحسين.
1996: مسرحية حمرية للأطفال.
2000: مسرحية خربوشة.
2003/2004: سرحية خفة الرجل عن الأم شجاعة لبريشت.
2004/2005: مسرحية حديث ومغزل. 

حوار مع الباحث المسرحي المغربي سالم اكويندي: مفهوم المسرح لا ينضبط لنموذج معين.
كيف تبلورت الفرجة المسرحية العربية؟ ما هي الأسئلة الكبرى للخطاب المسرحي العربي اليوم؟ من خلال حوار كاشف مع الباحث المسرحي سالم اكويندي، نفتح ملف النقد المسرحي في العالم العربي، ووضع الفن المسرحي اليوم من خلال استجلاء للأسئلة التي جعلت المسرح أبا للفنون.. وما علاقة هذا الفن بالفرجات الشعبية؟

اقترح كمدخل لهذا الحوار مساءلة الخطاب العربي الذي تشكل حول المسرح والذي ظل حبيس اقانيم (النشأة، التأسيس...) كيف يمكن أن نبلور فعليا السمات العامة لهذا الخطاب؟

سالم اكويندي: إن الخطاب العربي الذي تبلور في إطاره أسئلة المسرح العربي هو خطاب نهضوي ومن هذا النعت ذي السمة العروبية جاءت أسئلة النشأة والتأسيس وكان الدافع هو إيجاد تاريخ لهذا المسرح بما هو تاريخ للثقافة العربية علما بان هذا التاريخ يتقاطع مع تواريخ أخرى وليس خطاب النهضة إلا أحدها والذي تبلور في فترة تاريخية معينة واستغرق وقتا ملء فيها الساحة حتى أصبح وكأنه التاريخ الأوحد بل السياق الذي أريد له أن ينتظم فيه النسق الثقافي العربي العام علما بان تواريخ تكون وبروز الثقافة العربية وفي مختلف تجلياتها لم تتوقف أو تنقطع بل لازالت تفتعل وما ترتب عن هيمنة الخطاب النهضوي العربي هو انه أصبح أفقا للانطلاق وهذا الأفق هو الذي أعطى الطابع السياسي للمعالجات الثقافية اللاحقة ورغم إقرارنا بالطابع السياسي للثقافة العربية وتبلورها على الأقل ومنذ القرن الرابع الهجري لا يخفي الأبعاد الأخرى لهذه الثقافة بما هي أبعاد أثنولوجية وأنتربولوجية وإلا أعدمنا هذا النسق في المجتمعات العربية وهنا نتحدث عن الخصوصية والمحلية دون الإدماج الجمعي في واقع المجتمعات العربية وهذا التحديد الخصوصي هو الذي يعطي تبلور بروز الممارسة المسرحية باعتبارها ممارسة لصيقة باللحمة الاجتماعية للناس وليست ممارسة رد فعل كما يوحي بذلك الخطاب النهضوي والذي جاء نتيجة لهذه الصدمة بالآخر، بل إن سؤال النشأة والتأسيس يعتمد كمرجع له هذا الخطاب النهضوي رغم أننا صرنا نتحدث الآن عن مفاهيم تنتمي لحقل الأنتروبولوجيا مادامت هذه المفاهيم ذاتها هي نتيجة لرد الفعل واكتشاف الأخر وهذا ما أعطى تضخما لأسئلة النشأة والتأسيس في المسرح العربي وكأننا بهذه الإزاحة وبهذا الاستدماج نريد أن نعلن عن اكتشاف الإنسان العربي وحياته والذي قد يفهم من الاستنتاج انه إنسان جديد في عالم جديد في حين انه امتداد واستمرار لتاريخ وجوده وتاريخ ثقافته والتي ليست إلا نظاما يحاول طمسه. 

ماذا يفتح التعاطي الانتربولوجي مع خطاب النشأة والتأسيس خصوصا في مقاربته الممارسة المسرحية العربية؟

سالم اكويندي: يمكن للانتربولوجيا أن تكشف لنا عما كأنه الإنسان وما يكونه وليس العكس أي الإعلان عن وجوده مادام هذا الوجود حاصل، كما أن التعاطي الانتربولوجي يعطينا مقاربة سؤال الكيف ومن هنا أحاول نقد خطاب التأسيس والنشأة وبالمثل انتقد خطاب الاكتشاف المبلور في سؤال الانتربولوجيا علما بان هذا السؤال تساسي ومركزي في مقاربة الممارسة المسرحية العربية ضمن نسقها الثقافي وليس العكس ويبقى البعد السياسي والذي استقدم في خطاب النهضة مرحلة فقط من مراحل هذا النسق بما في ذلك ما قام به الأخر عندما لجأ لهذا الاكتشاف في الفرجة المسرحية الشرقية والتي ليست إلا محطة نهائية للمسرح العربي إن لم نقل المسارح العربية باعتبار مفهوم الخصوصية ـ، كما أن البحث الانتربولوجي في هذا الاكتشاف لدى الآخر جاء من واقع الغرب وأزمته الفرجوية في حين أننا لم نعان نحن من هذه الأزمة بل جاءت معاناتنا من إلغائنا لهذه الفرجة المسرحية من ثقافتنا العربية واللجوء للفرجة الغربية من جراء الهيمنة الاستعمارية حيث نكون في هذا المقام أمام منحيين في معالجة الظاهرة المسرحية العربية باعتبارها ظاهرة اجتماعية وثقافية في نفس الآن، انطلاقا من الآخر وكأنه هو المرجعية الوحيدة والممكنة في حين أن تاريخ هذه الفرجة المسرحية العربية تعلن عن حضورها وتتقاطع مع تواريخ تشكل هذه المجتمعات وزيادة في التشويه وتهجين فرجتنا المسرحية نلجأ للتأويل الاستشراقي ولما لا الاستعمار في المعالجة الانتربولوجية الذي نريد أن نقوم بها. 

لكن يظل السؤال المركزي والجوهري في آن واحد، هو كيف تبلورت هذه الفرجات في ارتباط وثيق بالوجدان الشعبي؟

سالم اكويندي: تماما انه السؤال الذي يجب الإجابة عنه وهو كيف تبلورت الفرجة المسرحية في مجتمعاتها وظلت مرتبطة بالوجدان الشعبي للجماهير العربية أما لماذا لجأت النخبة العربية للفرجة الغربية وعملت على بلورتها بتعريب هذه الفرجات وجعلها منطلقا في ممارستها المسرحية مرة بدافع التحدي والإعلان الوجود أمام النموذج الغربي وتارة بداعي الفهم الأكاديمي للظاهرة المسرحية العربية فلم يسقطنا إلا في نسيان إن الفرجة المسرحية العربية هي ظاهرة اجتماعية تشكلت وفق نسق ثقافي عربي للإجابة عن الوجود العربي ونرجع في هذا لمجموعة من المفكرين اللذين حاولوا الإفصاح عن هذا المعنى من جاك بيرك وعبد الله العروي وعبد الله حمودي بل نجد إن أصحاب الشأن المسرحي يعلنون عن ذلك مثل ارثو غروتو فيسكي ولوجين ياربا الم يكن همهم هو الكشف عن كيفية تخييل الأصول انطلاقا من هذه الأصول وليس العكس. 

هذه السمات العامة هل ارتبطت بمرجع منهجي ساهم من جهة في زئبقية مفهوم المسرح ومن جهة ثانية عدم وضوح معالم نقد مسرحي عربي؟ ام الأمر يتجاوز هذين البعدين؟

سالم اكويندي: السمات العامة في نزوع التأسيس والنشأة جعلتنا نلتصق بسؤال الصيغة المسرحية العربية والبحث عنها في حين وكما أشرت في السؤال ابتعدنا عن الأصول وكيفية تخييلها أي كيف تم إنتاجها كفرجة مسرحية علما إن هذه الفرجة كإنتاج قد تم على ارض الواقع وبارتباط بالنسق الثقافي العام والمحاولة الوحيدة في هذا النزوع هي التوحيد أي إعطاء صيغة واحدة وعندما نتحدث عن أصول نتحدث عن تعدد وهذا التعدد يحيلنا على الخصوصية وهنا مكمن الفرجة المسرحية كإنتاج مسرحي وهنا يجب أن تتم المعالجة غير أن الابتعاد المنهجي في هذه المعالجة هو الذي جعل التيهان يحصل ويرتبط بالسياسي المنتج في خطاب النهضة العربي في حين إن الجانب المنهجي في هذه المعالجة يجب أن يرتبط بنفس الحقل أي المسرح والفرجة رغم تعالقهما بالايديولوجي لان المقاربة المنهجية تكون مرتبطة بل ويجب أن تكون مرتبطة بحقلها وهكذا نجد التيهان المنهجي جعل مسرحيينا يرتبطون بمنهجية الخطاب النهضوي ويغفلون الخطاب المسرحي وآلياته في إنتاج فرجته باعتبارها أساسا إنتاجا ثقافيا ومن ثمة تنخرط في الإنتاج السياسي العام، ونظرا لهذا الاعتبار نجد معالم النقد المسرحي العربي ذات نزوع سياسوي أي انه نقد يغلب الجانب السياسي ويركز على المضمون أكثر دون التفات لمرجعية الإنتاج الفرجوي أي النسق الثقافي العام الذي صدر منه وقد تجيبنا منهجية الحقل المسرحي أكثر وتقيدنا على جميع المستويات.  

إصداراتكم الأخيرة، هل هي جزء من هذا الصراع النظري أم جواب عنه؟

سالم اكويندي: هذه الإصدارات لا محالة لازالت تجيب عن سؤالها الذي طال لما يزيد عن العشر سنوات وهذا راجع كما أشرت إلى أن أسئلة النشأة والتأسيس استغرقت كثيرا وكأنها تحريف ويضاف إليها حاليا ما صرنا نسمعه عن أسئلة الأصول وبمقارنة مع ما قام به الغرب اتجاه الفرجة المسرحية في العالم العربي الشيء الذي يجعل سؤال النشأة والتأسيس يأخذ منحى آخر رغم أنه ظل هو مقاربة الفرجة المسرحية العربية في استقائها من الغرب وتحديدا ما قام به أرثو وغروتوفسكي وباربا في حين كان علينا أن نتلمس سؤال اللجوء الذي قام به هؤلاء المسرحيين والذي لم يكن إلا إجابة عن إنسانية الفرجة المسرحية ومحاولة اكتشافها والاستفادة من اكتشافهم هذا الخلق دفء الحميمية الإنسانية في الفرجة الغربية والتي هي نفسها فرجة ملقحة من الثقافة الإنسانية العامة فلماذا لا نعيد صياغة أسئلتنا ومن ذات الأصول التخييلية وكيفية الإفادة من إجابتها في تطوير هذه الفرجة وبذلك نتقدم خطوة في إنتاج هذه الفرجة حاليا "الآن وهنا" ولا نعيد إنتاجها كما أفاد منها الآخر وإلا سنكون أمام استلاب مضاعف نعيد إنتاج منتوجنا الفرجوي في المسرح وبالصيغة التي عالج بها الآخر فرجته وكأن بيننا وبين متخيلتا المسرحي موقع جمركي لم نقصه إلا نحن وتحث ترسانة الأكاديمي وهنا يصبح الأكاديمي حاجزا في حين كان يجب أن يكون معبرا فهل نطلب جواز مرور من الغرب ولا نجيز إلا ما أجازه الأكاديمي فهل احتاج ارثو لهذا عندما أعلن عن اكتشافه وهل فعله كل الآخرون معه إن ما قام به مفكرونا واضح وجلي فما على نقاد المسرح العربي إلا العودة لأصولهم التخييلية وفيها مكمن الجواب وهذا ما يمارسه الفنان الشعبي في جبال الأطلس المغربية والبوادي "فاتركونا أحرارا عندما يتعلق الأمر بالإبداع ولنحاول أن نكون تلامذة لأبي تمام في نسيان كل ما تعلمناه لنبدأ من حيث نقف هنا والآن وهذا ما يعمل على تطبيقه فناننا الكبير الطيب الصديقي واحمد الطيب العلج".

إذا كان التأكيد على تركيبة فن المسرح، فكيف يمكن بالتالي صياغة اشتغالات الاستقراء وسط موقع متخيل تنعتونه بنظام الأنظمة؟

سالم اكويندي: إن طبيعة تركيبة فن المسرح هي التي جعلتنا نتعاطى معه وفق حمولته ودون اعتماد مقاربة واحدة خاصة أننا رأينا في التعاطي المنهجي البعد الواحد والمرتكز على خطاب النهضة وهو خطاب أيديولوجي يحيل على البعد السياسي وحده في حين نجد هذا البعد حاضرا وضمن الطبيعة الفنية للمسرح من خلال تركيبته المتظافرة مع خطابات أخرى الشيء الذي يسعفنا معه المعطى الانتربولوجي باعتباره معطى يستحضر السوسيولوجي والاثنوغرافي الوصفي وبشكل بنيوي في تشكل وتكون تركيبة المسرح ناهيك عن البعد السيكولوجي الذي يحيل إليه مفهوم المتخيل حيث لا تأتى الفرجة المسرحية إلا بتدخل هذه العلوم ومعطياتها ووفق نظرة تاريخية تطورية وانبنائية وهذا الاشتغال يقتضي تناول الفرجة المسرحية كمنجز في الإنتاج المسرحي وباعتماد مجموعة من المقاربات وعندما نؤشر على مقاربة واحدة فإننا نكون أمام إجراء منهجي اصطناعي يرتكز على الاصطفاء والانتقاء لمقاربة أسئلة معينة وجد محددة مثلا عندما نكون بصدد سؤال النشأة والتأسيس فان المعطى النظري للانتربولوجيا يجيبنا بان الظاهرة متأصلة ومرتبطة بنسق ثقافي تكون في فترات تاريخية متباعدة والمتجلي الحالي هو النوع الذي سمحت به الظرفية التاريخية الحالية ولكنها لا تغير في شئ من المرجعية التاريخية للفرجة المسرحية العربية ووفق صيغتها تلك كما أن نفس الدلالة يمكن استنتاجها في الفرجة الغربية وتحولاتها التاريخية حتى تكون مفهوم المسرح أي مسرح تعبيرا عن جوهر عصري بمعنى أن الفرجة هي بنت اللحظة آلا نية لأي مجتمع. وقد تأتي تحت مواصفات متعددة مثلا المثاقفة أو النظرة الإستشراقية المرتكزة عن المركزية الغربية أو الحداثة وهنا لابد من حضور المتخيل باعتباره الموروث الثقافي الشعبي وألا لا معنى للتطور ولا معنى للتاريخ ونحن قد اشرنا لما يفيد بتقاطع التواريخ وهنا موقع المثاقفة والحداثة والاستشراق باعتبار تاريخية لمجتمعات ذاتها أي أنها مجتمعات غير منغلقة حتى في حدود انغلاقها هذا ما يؤشر على نوعية وطبيعة هذا المتخيل والذي لا ينقص في شيء من القيمة الفنية لتركيبة المسرح بل يعضده ويجعله يرقى فعلا لمعنى الفرجة هذا ما قام به فاجنر عندما تعامل مع المسرح والموسيقى في نفس ألان وبالمناسبة هو الذي أطلق العبارة المشهورة "المسرح أبو الفنون" أي انه نظام أنظمتها بمعنى الجامع والتناول التحليلي يقتضي تفكيك هذا التركيب لبلوغ كل فن على حدة ومن ثمة بلوغ ومقاربة إجابات الأسئلة المطروحة وهذا ما يسعفنا عليه النقد المسرحي باعتباره قراءة لا تتوخى مقاربة واحدة بل مقاربات متعددة ومختلفة مادامت الفرجة المسرحية تنتمي لفن إنساني يفترض مثل هذا التداخل وبالتالي فك ارتباطه كآراء منهجي. 

تؤكدون على أهمية التعامل مع المسرح كفعل حفري في الزمن العربي القديم، إما كأشكال أو صيغ مسرحية أو حين تصفون هذه الصيغ وسط ممارسة تنعتونها بالمسرح فقط على ما ينبني هذا الطرح؟

سالم اكويندي: ينبني هذا الطرح على مفهوم المسرح ذاته والذي أجده مفهوما انبنائيا أي يتماسس من لحظته وفي أتون العصر الذي يوجد فيه باعتباره آلا ممارسة سوسيو ثقافية وهو ما يجعل الرجوع للنسق الثقافي كنظام للمجتمع لمعرفة نوعية الفرجة التي ينتجها فن المسرح، بما يعني أن مفهوم المسرح لا ينضبط لنموذج معين مثلا النموذج الغربي الذي جاء متطورا في انبناء مفهومه من الطقوس الاحتفالية لدى الإغريق ثم في المدينة اليونانية إلى إن وصل في صيغتها الحالية لكن هذا النموذج جعلنا نندهش ونبحث عما يشابهه فلما لم نجده أصبحنا نعطي نعوتا لممارستنا المسرحية في حين أنها نموذج مسرحي مخالف وهذا ما صرنا نلاحظ الغرب يمتح منه ويعيده إلينا فاهتدينا لحقل الانتربولوجيا للإجابة عن اندهاشنا في حين إن الاشتغال الانتربولوجي لم يكن قصورا في لحظة الاكتشاف هاته بل كان حقلا يدعو للاشتغال إلا أن موانع وعوائق سياسية وإيديولوجية جعلتنا لا نتجه هذه الوجهة وهو ما صار متاحا حاليا ومن هنا كان طرحي يركز على أن كل الممارسات الفرجوية السابقة في الزمن إن لم نقل الأزمنة العربية تدل على وجود مسرح يمارس ولكن ليس وفق نموذج الغربي بل له نفس العناصر والأسس التي يبنى عليها فرجته وهذا ما أكدته مجموعة من الدراسات والبحوث الانتربولوجية من طرف باحثين غربيين مثل كلود ليفي ستراوس وجورج بلاندييه ومشيل غودولييه ناهيك عن الاقتباسات وعمليات الاستنبات التي قام بها غروتو فيسكي وياربا وبروك. 

مفهوم الدراما تورجيا كما تتناولونه إلا يخلق فعله تيمولوجية تشويشا خصوصا حين تتناولون المفهوم في شموليته وصولا للقراءة؟

سالم اكويندي: مفهوم الدراما تورجيا في "المتخيل المسرحي" هي اشمل من كونها بنية داخلية للنص الدرامي بمعنى أنها ليست اقتراحا دراماتولجيا يحمله النص الدرامي ويحتمله بل يتجاوز ذلك لتعبر عن كل الاشتغالات بصدد النص والعرض وبما في ذلك الدراسة والتحليل المشارين حولهما.

وبهذا المعنى المنفتح اطرح مسالة الدراماتولوجيا ولا احصرها في معنى تقني واحد يهتم بالكتابة الدرامية وكيفية إعادة صياغتها للإعداد الذي يخضع له هذا النص الانتقال به إلى العرض بل فيما تتناوله النظرية المسرحية والتاريخ المسرحي وتاتيرات التلقي المسرحي ونتائجه لدى الجمهور ومن هنا يأتي معناها التيمولوجي إذن ليس هناك استقلالية في البعدين بل هما مفهوم ومعناه أي دلالته أثناء التحقق والاتجار وبهذا الاعتبار تكون إجابتنا على كل الإشكالات التي تطرح في المسرح أو حوله والابتعاد عن المفاهيم التي لا تمت للاشتغال المسرحي بصلة مثل التنظير والبيانات وبلاغات التأسيس والنشأة بل إن جوهر هذه الاشكالات هو الاشتغال والممارسة المسرحيين وكيف تتم على ارض الواقع أي تحققها أي ما يحققها كمسرح وهنا تنفتح على معنى آخر وبشكل تيمولوجي وهو الخاصية المسرحية أي ما يجعل الإنجاز المسرحي يتحقق أو يصبح منجزا كعرض مسرحي او بما انعته كمتخيل وهنا يكمن معنى الدراماتولوجي وهذه مقصديته التيمولوجية مفهوم ومصطلح ولعل الالتباس متأت من القواميس المسرحية وليس من الممارسة المسرحية على كل حال. 

إذن ما المطلوب اليوم من الخطاب المسرحي العربي ونحن لازلنا نعيش مع بدايات هذا القرن اجترار نفس التنميط الفقهي في التعامل مع المسرح؟

سالم اكويندي: اعتقد أننا لا ننصت لبعضنا البعض كما أننا لا ننصت لنبضات الإبداع المسرحي وتحققا ته على ارض الواقع، وكل ما نقوم به أخص هنا النقاد هو محاولة تمحيص نظريات وبشكل أكاديمي دون أن نستوعب وقعها ونحاول بالتالي إعطاء تخريجات بالقياس الأكاديمي لهذه النظريات ونجد لها مواقع في تجربتنا المسرحية وهذا ما أشرت إلى إعادة إنتاجه في مفهومي النشأة والتأسيس وهذه المرة تحت مسوغ الانتربولوجيا والتي وان كانت في صفائها غير الاستعمار صارت تفتح لنا الآفاق على متخيلنا بما يعنيه هذا المتخيل كأوليات للإنتاج الرمزي وعلى ضوء الموروث الثقافي/ الرمزي العام أصبح أصبحت تلوي عنقها باتجاه سؤالي النشأة والتأسيس وقد يكفي إن الوعي الانتربولوجي بحد ذاته وعي بالأصول ووعي بإمكانياتها في التخييل وبالتالي اعتماده كأوليات في الإنتاج وليس إعادة الإنتاج وهذا ما نحن مطالبين به "وهنا أقول بضرورة استيقاظ نقادنا المسرحيين والخروج من كهنوت الاكاديموس ويستنشقوا عبير العروض المسرحية بما هي منجز هذا المتخيل" وإلا استغرقنا ربع قرن أخرى لنفيق على اكتشاف جديد بينما المكتشف يقع هنا في سوسيولوجية الفرجة المسرحية وكيفية إنتاجها وهذا ما نبهنا إليه الأستاذ عبد الله الحمودي عندما وقف على خطاطة "هرمة بوجلود" وقبله أثار الأستاذ عبدالله العروي هذه المسالة إلى حد اتهام المسرحيين بعدم الانتباه للتعبير الشعبي/ الفلكلور وكيف يتواصل إنتاجه الرمزي وهي نفس الدلالة التي أعطاها جاك بيرك بتركيزه على اليومي وهذا ما وجدت ترجمة له لدى نعيم زقطان المسرحي العراقي والذي مهد بحثه بالمسرحي والواقعي وفيه يبين كيف أننا نغفل هذه العلاقة وهي قائمة في ما نقوم به يوميا وقد استفاضت الدراسات السوسيولوجيا والانتربولوجيا في تمظهرات السلطة واحتفالاتها بما في ذلك الدينية لابراز كيفية مسرحتها وجعلها خطاطة لإعادة النفوذ السياسي لأنظمتها إذ لا يعني إلا إعادة اللحمة للنسق الثقافي واستمرار رموزه وهنا يتضح إن السياسي بما هو ترجمة يومية في الحياة وفي الواقع ترتكز على المسرح المستمر فينا لإعادة إنتاج قيمنا وسلوكنا "فأين نحن من سؤال النشأة والتأسيس ونحن انتربولوجيا للفرجة المسرحية مادامت الفرجة تنتج يوميا في حياتنا بل نحن من ينتجها العمل الأكاديمي لا يجيب إلا عن إجراءات المنهج في غياب الموضوع = المسرح الذي فينا وبه تتواصل حياتنا".