رسالة الأردن

القدس عاصمة الثقافة العربية.. بداية الاخفاق!!

طارق حمدان

شهد ايار الماضي الاعلان الرسمي عن البرنامج الاردني «القدس عاصمة الثقافة العربية 2009».. المشروع "الورطة" كما سماه البعض، جاء بناء على طلب وزير حكومة حماس عندما رفع اصبعه في اجتماع لوزراء الثقافة العرب، ليطلب بأن تكون القدس «عاصمة للثقافة العربية»، بعد ان اعتذرت بغداد بسبب ظروفها الامنية.اتخذ وزراء العرب وقتها قرارا بأن تكون القدس "عاصمة للثقافة العربية"، ليتبع ذاك القرار مرسوم رئاسي فلسطيني وآخر أردني يقضي بتشكل لجنة فلسطينية وأخرى اردنية للتحضير لتلك التظاهرة. القرار الذي جاء صادما ومحبطا للكثير من المثقفين والفنانين العرب، كونه جاء ارتجاليا يعوزه التفكير والتنظيم، زاد من احباطهم حين تم الاعلان عن اللجنة الفلسطينية التي ضمت اكثرية من سياسيي اوسلو وانسحب منها اسماء مثقفين بارزين منهم، يحيى يخلف، محمود درويش، غسان زقطان.. الخ، أما اللجنة الاردنية فضمت ممثلين عن وزارة الاوقاف ووزارة التربية والتعليم ومجلس الكنائس.. الخ!، وتسائل الجميع وقتها عن سبب غياب المثقف والفنان عن تلك اللجان، التي من المفترض ان تحضر لتظاهرة استثنائية وليس أن تكون نسخة باهتة من نسخ عواصم الثقافة العربية التي شهدها الجميع.

برنامج «القدس عاصمة الثقافة العربية 2009» تم لاعلان عنه رسميا عندما اجتمعت وزيرة الثقافة الاردنية مع بعض الشخصيات الرسمية لتتلو على مسامع بعض الصحفيين فعاليات البرنامج الذي تم اعتماده، البرنامج الذي وبحسب راي القائمين عليه جاء "متكاملا شاملا" وصفه البعض "بالعجبة" حين تم الاعلان عن الفعاليات التي ستضم " ملتقى الاردن وفلسطين"/ دور الهاشميين ودور الجيش العربي الاردني في الدفاع عن القدس ـ بالمناسبة معظم المؤرخين يحملون الجيوش العربية والجيش الاردني تحديدا بقيادة كلوب باشا مسؤولية خسارة فلسطين ـ/ دور الاردن في حماية المقدسات الاسلامية/ دور الاردن في حماية المقدسات المسيحية ـ وجهاء الطائفة الارثوذوكسية في الاردن وفي العالم العربي يحملون حاليا الحكومة الاردنية مسؤولية ضياع املاك الكنيسة الارثوذوكسية لعدم تعاملها بشكل حازم وجاد مع صفقات بيع املاك الكنيسة من قبل رجال دين يونانيين يحملون الجنسية الاردنية ويسيطرون على الكنيسة الارثوذوكسية في القدس، كان قد ابرموا صفقات بيع الكثير من العقارات لمستثمرين يهود، كان آخر تلك الصفقات هو عقد اجار بين الكنيسة والحكومة الصهيونية لمدة 150 عاما مقابل ملايين الدولارات،لأراض وعقارات من ضمنها الارض المقامة عليها منزل رئيس الوزراء والارض المقامة عليها "الكنيست الاسرائيلي".

كما وتم الاعلان عن محاضرات وندوات تاريخية وطباعة منشورات وانشاء موقع الكتروني.. وغيرها من الامور التقليدية والفلوكلورية التي ملّها الجميع، وعلكت كثيرا لدرجة ان الاعلان عن اي محاضرة او ندوة بهذا الشأن، بات شيئا منفرا ولا يحضره الا نفر قليل من اصدقاء المحاضرنفسه، كون النتيجة معروفة وتتلخص في خطب فارغة و شعارات مملة يعرفها الجميع. كما واعلنت وزيرة الثقافة الاردنية بكل ثقة! عن الميزانية التي تم رصدها "لانجاح القدس عاصمة الثقافة العربية" والتي تتراوح مابين خمسمائة الف وسبعمائة الف دينار اردني!!، وهي بالمناسبة ميزانية لا تكفي لانجاز فيلم هزلي من الدرجة العاشرة في استوديوهات هوليوود.

بعض المثقفين ذهب للقول ان هذه الاحتفالية ستكون "كارثية" على مدينة القدس وستزيد جرحها جرحا، في وقت نشرت فيه صحيفة معاريف الاسرائيلية تقريرا مطولا عن الاحتفالية التي تنوي (اسرائيل) القيام بها في نفس العام بمناسبة "توحيد اورشليم"، ويبين التقرير انه تم رصد مايقارب ال250 نشاط فني وفكري، سيتوزع على مدار سنة كاملة، بالاضافة الى دعوة مايقارب الالف شخصية فنية وفكرية وسياسية، من جميع انحاء العالم للمشاركة في تلك الاحتفالات، بينما لم يخرج العرب سواء بالاردن او بفلسطين، الا بندوات ومحاضرات ورقصات شعبية ياهتة.. هل هكذا يحتفل بمدينة لها رمزيتها ومكانتها؟ وهل هكذا تبرز المكانة الثقافية والروحية في عصر يتحدث بالصورة والموسيقى والفكر والاعلام؟

مايفصلنا الان عن العام 2009 ستة اشهر فقط، والكثير من الفنانين والمثقفين بتسائلون: هل بالامكان تدارك العام وانقاذه من هذا السقوط المدوي والذي سيكون له بالغ الاثر السلبي على مكانة المدينة وتاريخها الانساني والعربي، وإلى اي مدى سيكشف هذا (الاحتفال) مقدار الضعف العربي،الضعف الذي أعطى ولا يزال يعطي الضوء الاخضر لضياع الحقوق العربية حتى آخر قطرة.

اسئلة كثيرة تقفز الى بال اي متابع ابرزها: لماذا يتم استثناء وتهميش الفنان والمبدع والمثقف الحقيقي عن اللجنة الاردنية والفلسطينية؟ ولماذا يتم استثناء مؤسسات المجتمع المدني؟ لماذا يتم استبدال الخيال الواسع والعمل الحقيقي بالخطابة والفلكلور؟ هل المقصود من الرسميين العرب هو قتل المدينة كما ذهب احد المثقفين في تحليله؟.

وفي هذه الاجواء السلبية المخيمة، يبدو أن المخرج الوحيد من إخفاق "القدس عاصمة الثقافة العربية 2009" هو تأجيل تلك الفعالية، والتفكير بشكل اعمق، وطرح رؤية ثقافية منفتحة على العالم اجمع، وعقد اجتماع آخر من قبل الجامعة العربية لايحضره الوزراء فقط بل يحضره مثقفو العالم العربي وفنانوه، فمن الصعب انجاح تظاهرة ثقافية ينظمها ويحضر لها السياسي والموظف ورجل الدين، دون مشاركة رئيسية وفاعلة من المثقف الحقيقي والفنان.  

اصوات تسمع الان تقول بأن فشل هذه الفعالية يعني بالدرجة الاولى تكريس اسرلة المدينة وتهويدها، فشل هذه الفعالية بمثابة طعن في الظهر واستخفاف بكل رمزية المدينة ومكانتها العربية والعالمية، فشل هذه الفعالية يعني هدية ثمينة ستقدمها السلطة الفلسطينية والحكومة الاردنية للاحتلال الذي يستفيد ويوظف كل فشلنا لحسابه. فشل تلك الفعالية سيضيف الكثير من علامات الاستفهام على اجساد الحكومات العربية التي تساعد بوعي او بدون وعي على ضياع النفس العربي، ليس عن القدس فقط بل عن كل العالم العربي وغير العربي.

tarikil@yahoo.com