النقد الأدبي ومهمة إنجاز نص إبداعي ثان

أعمال نقدير لثلاثة نقاد مغاربة

سعيد الراقي

في إطار أنشطتها الثقافية والاجتماعية من أجل تقريب الكتاب المغربي والمؤلفين المغاربة إلى أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية، ووعيا منها بأهمية الإسهام في خلق مجتمع قارئ، نظمت الجمعية البيضاوية للكتبيين في اطار معرضها الأول للكتاب "القديم والمستعمل". تحت شعار: «الكتاب في خدمة التنمية» بقاعة حسين حوري بساحة السراغنة، يوم السبت 12 أبريل 2008 ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال التأم لقاء نقدي حول ثلاثة أعمال نقدية لكل من عبد الفتاح الحجمري وعبد اللطيف محفوظ وبوشعيب الساوري، بتقديم وتنسيق شعيب حليفي، وبحضور عدد من المثقفين والجمهور.

في البداية أعطى شعيب حليفي الكلمة ليوسف بورة رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين الذي أشار إلى أهمية هذا المعرض شاكرا كل المتعاونين على إنجازه، كتبيين ومثقفين. وبعد ذلك قدم شعيب حليفي ورقة تقديمية خاصة بالنقاد المحتفى بهم، معرفا بهم وبأعمالهم وبخصوصياتها المنهجية ومرتكزاتها النظرية ومكانتها داخل النقد المغربي. ثم أفسح المجال لهم لكي يقدموا شهادات عن أعمالهم. متحدثا إن من مهام النقد الأدبي انجاز نص إبداعي ثان، قادر على تفكيك الظاهر والمستتر في الخطاب بمراجعه وصلاته،وتشييد تأويلات تنتج معان من ثراء تلك النصوص، ومعارف تبني نسقا واضحا.ولعل الكتابة النقدية ذات البعد العلمي الأكاديمي من جهة، والفني من جهة ثانية، تكمن في دفع القارئ إلى ممارسة التفكير وقبول مناقشة رؤى أخرى للنصوص. وهو الامر الذي يسري على ثلاثة مؤلفات حديثة الصدور، تعبر عن قدراتها التنظيرية عند الحجمري ومحفوظ، والتحليلية عند الساوري. 

أنا والأيقونة
بعد ذلك تناول الكلمة عبد اللطيف محفوظ حول كتابه آليات الإنتاج الروائي الصادر عن منشورات القلم المغربي، حيث انطلق من سرد تاريخ لتحولات وعيه بحدود الدراسة الأدبية والدراسة النقدية، مشيرا إلى أنه منذ كتابه الأول (وظيفة الوصف في الرواية) الذي أنتجه سنة 1983 ونشره سنة 1989 قرر ألا يكون ناقدا بدءا، بل باحثا يهتم إما بالقضايا النظرية أو بأشكال تشكل المعاني في النصوص الأدبية وغيرها. وبعد إنتاجه للكتاب الأول الذي وصفه بكونه تمظهرا لنزوعه نحو التنظير والبحث عن المعاني المنسجمة للنصوص، جاءت مرحلة ثانية مقيدة وموجهة علميا تمثلت في رسالته حول جبرا أبراهيم جبرا والتي عمل فيها على تمثل سيميائيات السرد وجعلها خلفية لكشف شكل المعنى. ولكنه، يقول، وهو ينجز الرسالة كان الشك يتبادر إلى ذهنه في مدى قدرات سيميائيات السرد في التلاؤم مع النصوص الإبداعية، وفي مدى قدرتها على الإجابة عن كل أسئلة القراءة كما أنه لاحظ أنها تغفل بالضرورة جوانب هامة من مكونات أدبية النصوص وخاصة ما يتصل بالصيغة والصوت، كما أنها تضيق كثيرا نوافد الإطلالة على علاقة النصوص بالعالم والتاريخ، إضافة إلى تجريدية الاختزال الذي تقترحه والذي يقود إلى ما تسميه بالبنية الأولية لدلالة النصوص، وغير ذلك من مواطن الشك في قدراتها مثل تحويلها للنصوص إلى خطاطات مجردة تصلح لأن تكون خطاطات لنصوص أخرى لا متناهية.

وقد قاده ذلك إلى البحث عن آفاق جديدة لنظرية عامة للأدلة باختلاف أنواعها، يحاول من خلالها نحث تصور يراعي عمليات تشكل النص. وهكذا وجهته قراءاته الفلسفية إلى أهمية سيميائيات بورس التي أثرت فيه كثيرا. ومن ثمة شكلت خلفية نظرية له حكمت رؤيته للظواهر كلها بما فيها الظاهرة الأدبية، وقد تجسدت في "كتابه". وأيضا في كتابه الثالث الصادر حديثا بلبنان والجزائر تحت عنوان "المعنى وفرضيات الإنتاج". وبعد ذالك انتقل بإسهاب لتوضيح كيفية تكييفه لتلك النظرية مع موضوع مخصوص هو الرواية وقد كتنت هذه المحاولة في اقتراح تصور متماسك للمراحل المختلفة لتشكل النص بدءا من تشكله في الذهن بوصفه فكرة تختزل العالم وتبث فيه في لحظة محددة وموسومة بخصوصيات مختلفة ذاتية واجتماعية وسياسية وصولا إلى تدثر هذه الفكرة بالأشكال التي تفرضها الأجناس وانتهاء بتمثيلها في أدلة لغوية مادية معطاة للقراءة. مشيرا إلى أن هذه المحاولة قد جعلت الكتاب ينحو نحو التفكير النظري، ولعل ذلك ما يجعل كل الذين كتبوا عنه لحد الآن هم من أساتذة الفلسفة من أمثال موليم العروسي وعبد العالي معزوز وأحمد الصادقي.. وأنهى كلمته بتوضيحات نظرية للأهم المفاهيم المستعملة وواعدا القراء بأن الكتاب سيبدو بسيطا بعد قراءة الكتاب التطبيقي الذي صدر أخيرا. 

لـ عبد اللطيف محفوظ المؤلفات النقدية التالية:

1 وظيفة الوصف في الرواية. الدار البيضاء. دار اليسر. ط1. 1989. (64 صفحة ).
2 آليات إنتاج النص الروائي. الدار البيضاء. منشورات القلم المغربي. ط. 1.2006 (212صفحة).
3 المعنى وفرضيات الإنتاج: مقاربة سيميائية في روايات نجيب محفوظ. بيروت. الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت منشورات الاختلاف الجزائر. ط. عربية ( 191 صفحة).  

الرواية بين السياق والنسق
وكشف بوشعيب الساوري في كلمته عن خبايا كتابه رهانات روائية مؤكدا أنها قراءات تحاول الابتعاد عن النمطية والنظرة السائدة التي ترى بأن الرواية المغربية أسيرة السيرة الذاتية. وتمنح النص الروائي مساحة أكبر في التحليل النقدي وتعطيه قيمته وتجعله هو الذي يسمح باستحضار المفاهيم والنظريات النقدية، باعتبار كل نص روائي يقدم تصورا أو رهانا لكتابته. فالقراءات كما أشار الباحث، هي رافد نظري وتصور لمفهوم الكاتب. وقد اعتبر كتابه بمثابة ذاكرة يسترجع من خلالها علاقته بنصوص قرأها وعشقها وتفاعل معها، وكتب عنها. والكتاب يقول الساوري عبارة عن قراءات في ثلاثة عشر رواية مغربية تمثل أجيال وحساسيات متعددة كان قد نشر بعضها ما بين سنة 2000 و2006، ببعض الجرائد الوطنية وجريدة القدس العربي اللندنية. وبعد أن أعاد قراءتها وقف على النتائج التالية: سؤال كتابة الرواية لا زال حاضرا عند هؤلاء الروائيين وقد تعددت الإجابات عنه بتعدد الروايات والتجارب الروائية، فهذه الروايات تقدم لنا إجابات متعددة تغني المشهد الروائي المغربي، الكتابة بالحكاية، الكتابة بالموروث، الكتابة بالتقنيات السنمائية، بالتشظي والسخرية، العجائبي.

تظهر الخصوصية المغربية في هذه الروايات، نظرا لكونها تعكس الخصوصية المحلية بمختلف تجلياتها سواء على المستوى الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي من خلال طرق الكتابة وكذلك المتخيل. وهو ما يجعلها تحقق قدرا كبيرا من المتعة الفنية لقارئها. من خلال تنويع العوالم المتخيلة التي تم استدعاؤها من مخيلة المرجع سواء الذاتي، الواقعي، الإيهامي، الشعبي، الأسطوري، التاريخي.

يحاول هذا الإنتاج الروائي الجديد أن يعيش على إيقاع أحداث المغرب المعاصر من نظريات فكرية وقيم أدبية، وتحولات سياسية وحقوقية، وفي تفاعل معها. بتوظيف مختلف أشكال التعبير السردية حداثية وتراثية، روائية وغير روائية، كما ينفتح على خطابات فنية أخرى كالسينما. 

لبوشعيب الساوري المؤلفات النقدية التالية:

1 الرحلة والنسق: دراسة إنتاج النص الرحلي، ابن فضلان نموذجا.الدار البيضاء. دار الثقافة ط1. 2007 (264 صفحة).
2 رهانات روائية. قراءات في الرواية المغربية. الرباط.جذور للنشر.ط1. 2007. (146صفحة).
3 النص والسياق: ابن شهيد بين لرغبة الذاتية واكراهات السياق الثقافي، دراسة لرسالة التوابع والزوابع.القنيطرة. دار الحرف. ط1. 007 (94صفحة). 

الجملة على المجهر
وفي الأخير أخذ الكلمة شعيب حليفي معتذرا عن عدم حضور عبد الفتاح الحجمري لطارئ منعه في آخر لحظة ليتحدث عن كتاب الكحل والمرود: الوصف في الرواية، مؤكدا على الأفق التفكيكي، بمرجعياته وخطواته وأدواته عند الحجمري والتي التي تحاور النص والمفهوم كما في مؤلفاته السابقة، (عتبات النص، البنية والدلالة) و(تخيل الحكاية، بحث في الأنساق الخطابية لرواية إبراهيم أصلان مالك الحزين) (التخييل وبناء الخطاب في الرواية العربية: التركيب السردي) ثم مؤلفه الجديد الكحل والمرود.

والمتتبع لمسيرة عبد الفتاح الحجمري النقدية، سواء من خلال مؤلفاته أو دراساته التي تواكب المتن الروائي المغربي والعربي يقول شعيب حليفي سيلاحظ توجهه العلمي المتنامي في مقارباته للنص انطلاقا من مرجعيات في تحليل الخطاب والسرديات والسيميائيات، فمن العتبة ودلالاتها لفهم وظيفية العناوين والخطابات المتعددة في النصوص إلى بنيات الحكاية والنسق الخطابي، مرورا بالتركيب السردي وكيفيات انبناء الخطاب انطلاقا من الجملة السردية تركيبا ودلالة، وصولا إلى الوصف.

وتأسيسا على هذا فإن عبد الفتاح الحجمري يقترح تصورا وخلفية نظرية لمعالجة الوصف في الرواية العربية انطلاقا من مقدمة ومدخل وفصلين. وقد سعى الحجمري في كتابه الاقتراب من الاشتغال الوصفي في الرواية. مؤكدا أن الوصف هو أحد أنماط تركيب المحكي وتحققه الحكائي في ارتباط بالمعجم والصورة. ولقد راهن الباحث في كتابه على الاشتغال بالوصف في السرد، وذلك من منظور الكلمة الوصفية وإحالاتها على صعيد الجملة المتتالية وكذا روابطها وأدوارها النصية والحكائية. منظور الجملة الوصفية وممكنات توزيعها وانتشارها السردي. ومنظور الصيغة الوصفية المرسلة، والخاص بتحليل الفقرة والوحدة الوصفية.

تقود مجموع الاعتبارات الخاصة بتحليل الوصف إلى استخلاص ثلاث بنيات وصفية كبرى: البنية الوصفية النووية، البنية الوصفية المشتقة، وأخيرا البنية الوصفية المعمّمة. مما يجعل هذه الدراسة تقترب من فهم أبرز القضايا الخاصة بتركيب واشتغال الوصف في الرواية.. 

لعبد الفتاح الحجمري، المؤلفات النقدية التالية:

1 التخييل وبناء الخطاب في الرواية العربية، التركيب السردي، البيضاء، مكتبة المدارس، ط1.2002، (256 صفحة).
2 عتبات النص: البنية والدلالة، الدار البيضاء، منشورات الرابطة، 1 1996، (97 صفحة)
3 تخيل الحكاية، بحث في الأنساق الخطابية، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط.1 1998، (182 صفحة).
4 الكحل والمرود: الوصف في الرواية العربية.القنيطرة دار الحرف. ط1 2007.(136 صفحة). 

وفي ختام هذا اللقاء أعطيت الكلمة للحضور الذي ساهم بنقاش مفتوح حول المداخلات الثلاث على نحو يفتح أفق النقد الروائي المغربي على أسئلة جديدة.