قصيدتان مختلفتان بنية ولغة وتشكيلا، يكشف فيهما الشاعر السوري عن خصائص الكتابة المشهدية الجديدة التي تتجاور فيها المشاهد وتتحاور كي يتخلق عبرها شعر اللحظات المتنافرة.

قصيدتان

جوان تتر

(1). في وجه الأفق لا ترفع حذاءك
1.
الحلم، المغارة الواسعة
فني كل شيء، دفعت بعمري الثاني إلى النار
رجوت السماء، كدرت نقائها
جعلت النجوم تعطس، وتفرك عينها السابحة في الدخان الأبيض،
«حقا.... لا تثقوا بي».

2.
تمدد الفجر البرتقالي على الرقعة الشرقية من السماء
قطة الصباح تتأمل اسراب الموتى,
رائحة السجن تطوف في الحجرة المعتمة
هكذا قالت والدتي.

3.
الجارة الأم..... (التي في الشمال)
ودَعت أوراق السجل المدني، سيهديها الموظف بيان وفاة يلصق ببابها
يشطبون لقبها بأحمرٍ قلمٍ من دفتر العائلة المهترئ
ابناؤها طردوا (الكلب الأشقر) الذي كان يجلب طوال أعوام لهاث نساء المدينة معلباً.

4.
المرايا المنتحرة،
صفوف الأشجار ترتطم بالهواء،
صديقي الشاعر، بيده يشير إلى ألق السلحفاة، يشتم المدينة الوادعة
دون فزعٍ تقطع الشارعَ، الحافلات الصفراء التي بدون آنية لرماد سجائرنا الوضيعة،
يرميها السائق للقطط،
(ولي رأي آخر في الأحذية الجلد ذات الأعناق الطويلة "النعامة") قالت صديقتنا الفاتنة،
(أشتاق لوالدي، اليوم، والكوخ، السطح الإسمنتي الفاره، القمح الطري، الشارع، الزوايا الحجرية، أوه وصديقي النشيط موتسارت، أشتاق للسماء)

5.
الليلة المطيرة
عبر نور الحافلة، يدع رذاذ المطر في ضربه الأرض فقاعات تماثل خطانا.

6.
"الفصاميُ
يرقص مع صورته في المرآة المتعبة
الشيطان مقيداً يرغمه
كيف لهذا الجمال أن يكون سجناً؟

7.
لا شيء يدفئني,
الشجرة عاريةً،
عنكبوتٌ، عجوزاً يتنزَه.

8.
عابسةً ودَعت سماءنا الغيوم
حزنت نتف الجليد المتهاوية من علٍ.

9.
هناك دائماً،
على ربوة أناسٌ طيبون.

10.
دون خوفٍ
أزاح التابوت جانباً،
سرق المارة الشاحبون، كل الضوء.

11.
شمالاً تولد القصص.
تمر الثواني على لهف الآذان ثقيلةً.

12.
الممرُ غبياً يستقيم،
ظِلُ الباب الموارب
طيف، صادفته في الدرب للموت.

13.
القمر يودِعُ الأسرار في غرفٍ واطئة.

14.
"هي... هي... هي..."
من يطرد العصافير أيتها الأشجار الغبيِة.

15.
والمقبرة موتٌ آخرٌ
"أعلم ُ ذلكَ".

(2). لا أحد سواك يرجُمُ البحرَ بتفّاحةٍ
1.
ـ الثالثةُ،
ضبابٌ كثٌ يرتدي أقنعةَ الرّاحلين، يسربِلُ البرجَ المثبتَ بظلِّ غيمةٍ،
قدمايَ على الشرفةِ، شيخانِ يجولان في الدخان النديّ،
شقيقتي (الحجرةُ الظلماءْ) تحيكُ السكينةَ غير مكترثةٍ لعيني المتخاصمةِ مع محيّايّ
في الزجاج الأملس.
وحينَ الظلامُ لصقَ السرير وادعاً كإلهٍ مقرفصٍ يتمعَّنُ (العجوز العارية)
متثاقلاً أجرُّ الخَدَرَ الشغوفَ بأطرافي، بلا خيفةٍ من داء إزدردتُ الذبابة الداكنة العرجاء.

2.
كما كلِّ حلمٍ، لم أجد ما يهمني غير حفيف أشجارٍ كوالدتي العجوز ومزاجيةُ الربّ، البشر المزدوجون والهاتف الصامت
وَكأني آخرٌ (أعني الإفتقاد) فَقْدُ أشخاصٍ أعرفهم تماماً، أرى كلماتهم، وَقْعُ تخاصم الجدران، رغم توتر أنامل عازف البيانو
أجلْ، تستمتع بالرّعد، بَيْدَ إني بخفّةٍ أواربُ في إسفنجٍ عَفِنْ
الجلوس تحت الطاولة مثلاً، أو لطم الذكريات، المشيُ عارياً هادئاً دونَ أقدام، ماذا تسمّي كلّ هذا، أليسَ حلماً؟
(الرؤوس الغائرةُ في الإسمنت، المقيّدُ، الرّجلُ الكفيفُ، المعلّقُ بالمشجب)
ماذا أصنع بهم؟

وتقول لي: لا تأبه الأرصفةُ بالعابرين، لمَ ياليلُ رميتني من النافذةِ على أشباهي الموتى.
«لستُ أنا من تخطّاكَ»؟

3.
يتناسل الشيطان في مدينتا،
سأم يتأرجحُ ككتلة ريحٍ تصفعُ عنيفةً ملامحَ من ترغب،
دونَ خجلٍ من نقائصها، تتباهى الحيوانات التّافهةُ بانمساخٍ، هِبَةٌ قذفها العجوز المنتشيُ خلف السحب القضبان.
لا بواعثَ لإنغماسٍ في الأنثى غير انتقامٍ من الفراغ،
حُبٌّ قوتٌ، حُبٌّ ضجرٌ،
كُلُّهنَّ: من باحةِ المدرسة إلى الجبل المستلقي على فراش الفجر، لا يُظهِرْنَ الرأفةَ بنا،
(ليكن،
فلنمضِ أيّتها الأرجل) صرختُ.

4.
ـ وَمَرَّةً أخرى، تشبّثتُ بريحٍ خجولةٍ!!!

5.
«كُنْ مُتَّزناً في عبورك»
هيَ لَنْ تُغلِق الباب، قَطْعَا،
سَتُخاصِمُ الخاسر فيك
(لا أحَدَ سِواكَ يَرْجِمُ البحرَ بتفّاحَةٍ)

سوريا