ـ ماسة سوداء حيّة تسعى أمامي في الغرفة!. ـ الليلة سوف لن تكون كما خططت!. ـ إبراهيم أقدم لك تلميذي "صموئيل"!. ـ هو خجلان.. يترجى أن يشاركنا الجلسة!. ـ ليلة واحدة فقط!. سألته بصوت خافتٍ متخيلا قامته الطويلة مخذولة بين يدي الجلاد. ـ تخيل حرموني من تونس الخضراء!. قالها وسحب ذلك الشيء ليلسع ظهري المتأرجح بضربة موجعة آمراً شخصاً أخرَ: ـ لم أعد أفهم شيئاً!. قال له صموئيل شيئا بالفرنسية، فالتفت نحوي قائلا: ـ طلب مني الكف عن الأسئلة!. هجمتْ عليَّ نفسي قادمةً من عمقِ هذا السواد العظيم الماسك بيّ وكأنه سحر. صرخت بغتة: ـ مدد يا رب الكون.. مددددددددددددد.. حييييييييييييييييي!. (ما جمعنا هو الحزن ـ ما الذي يجري؟!. ما الذي يجري؟!. ـ سيجلب شريط كاسيت.. لحظة ويعود!. صب لي ـ جلال ـ كأسا أخر من الفودكا. عببته دفعة واحدة وحملقت فيه متوجسا وقلت: فرحنا نمارس فعل الطلق في الرقص. ننزل منحنين ندفع بذراعينا شيئا من وسطنا، كان يصرخ وكنت أصرخ معه: ـ أمه.. أمه.. أمه ـ يقول لي أنت تفهم لغتي فقط.. أما هو فيفهم روحي! (سوف تذهب بعيداً صرت أصرخ في أقصى الوجد بزاوية دافئة أقتنصها وحدي: يتحول الصراخ إلى نشيج خافت يتصاعد قليلا.. قليلا فيستحيل إلى نواح وهذيان وسط دهشة المارة على الرصيف: أتماسك بعد دقائق لأضيع في الشارع. فأدركت أن الساعة جاوزت منتصف الظهيرة. أجبته بخفوت: هدر بلغته السوقية البذيئة في شريط من الفشار المألوف لنا أولاد الأحياء الفقيرة: ـ ألف مرة لت لك خفف الشرب خاف توع وتموت!. ـ شوف تمشي بصعوبة.. والله العرق راح يكتلك. لما اختفى خلف ثنية السلم تذكرته: ـ يصير عبد سوادي متزوج زنجية وأحنه ما ندري؟!
ـ نعم واحدة فقط.. لكن رأيت الجحيم فيها!.
ـ ماذا فعلوا لك؟!.
ـ...!.
ـ ما الذي يجري؟!.
ـ...!.
ـ...
أنا وأنت نبحث عن
وطن ثالث
الذي هو الحزن
ليس لدينا سواه).
ـ هنكو.. هنكو.. هنكو..
وعندما تتذكرني
سوف تفقد جناحيك).
ـ...
يميط الكاتب العراقي المتميز هنا اللثام عن أوجاع الروح، وهو يبلور لغة عضوية جديدة للألم يتحقق من خلالها التواصل وتتخلق الأواصر بين الذين يعانون من القهر، بينما يغتربون عن أبناء لغتهم.
أخي الزنجي