يحاول الباحث المصري هنا متابعة تحولات النص الرقمي وتطوراته في العقود الثلاثة الأخيرة، وتولي الدراسة محاولات التنظير والتطبيق العربية اهتماما خاصا، ساردة بعض ردود الفعل عليها.

النص الرقمي وأجناسه

قراءة في واقع منتج النص الرقمي في العالم العربي

السيد نجم

تقدمة
عرف مصطلح النص الرقمي منذ فترة قريبة، بعد بدايات النشر الالكتروني، خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي (أول نشر الكتروني تم عام 1986م). وقد دخل المبدعون ساحة النشر الالكتروني، ببعض النصوص الورقية أولا ونشرها على الشاشة الزرقاء كما النشر الورقي). ثم جاء من أضاف فكرة توظيف إمكانيات التقنية الجديدة إلى بناء ومضمون النص المنشور، وتتابعت بمساهمة المتلقي إيجابا، سواء في إبداء الرأي أو في البناء الأصيل في النص الرقمي. 

ما هو النص الرقمي؟
لعل رواج التقنية الرقمية، وبشائر شيوع النشر الالكتروني، من مواقع ومنتديات ومدونات ومجلات رقمية، مع توظيف البريد الالكتروني والأقراص المبرمجة وغيرها. أعطى الزخم والدافعية للبعض في العالم العربي، على مواصلة التفاعل والعطاء في العديد من المجالات، كما في الإبداع وصور الكتابة الشعرية والنثرية، فكانت بعض الانجازات. وقد قدم البعض تعريفا للنص الرقمي، منها:

ـ تعريف "جوليا كريستينا": "النص الرقمي هو جهاز عبر لساني، يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق رابطة بالكلام، بهدف الإخبار المباشر".
ـ تعريف "رشيد بنحدو": "النص الرقمي هو ما نقرأ فيه الكتابة، وتنكتب فيه القراءة".

إذن ربما النص الرقمي هو: "كل نص ينشر نشرا إلكترونيا سواء كان على شبكة الإنترنت، أو على أقراص مدمجة، أو في كتاب إلكتروني، أو البريد الالكتروني، وغيره.. متشكلا على نظرية "الاتصال" في تحليله، وعلى فكرة "التشعب" في بنيانه." ومن المتفق عليه أن هذا النص (الرقمي) نوعان:

النوع الأول: النص الرقمي ذو النسق السلبي: وهو النص المغلق الذي لا يستفيد من تقنيات الثورة الرقمية التي وفرتها التقنيات الرقمية المختلفة، مثل تقنية النص المتفرع الهايبرتكست، أو المالتي ميديا المختلفة من مؤثرات صوتية وبصرية وغيرها، من المؤثرات المستخدمة. أي هو النص الذي قد ينشر في كتاب ورقي عادي، دون أدنى احساس بضرورة أو أهمية توظيف تقنيات الحاسوب المعروفة. فقط اكتسب النص صفة الرقمية لأنه نشر نشرا إلكترونيا، مثل: "الموسوعات العلمية، وحتى الصيغ القانونية لقانون ما".. (د.فاطمة البريكى/ مدخل إلى الأدب التفاعلي/ شبكة الانترنت).

النوع الثاني: النص الرقمي ذو النسق الايجابي: وهو ذلك النص الذي ينشر نشرا رقميا، ويستخدم التقنيات التي أتاحتها الثورة المعلوماتية والرقمية من استخدام النص المتفرع الهايبرتكست، والمؤثرات السمعية والبصرية الأخرى، وفن الأنيميشنز والجرافيك وغيرها من المؤثرات التي أتاحتها الثورة الرقمية. (د. حسام الخطيب، الأدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع، المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر، دمشق، ط1، 1996). 

ما هو الإبداع الرقمي؟
انه ذلك "المنتج" الالكتروني لمبدع ما، في سعيه لإنتاج "نصا رقميا" على الشاشة الزرقاء، "مستعينا" بمفهوم جنس أدبي ما (شعر ـ رواية ـ قصة ـ مسرحية)، "متوسلا" بالتقنية الرقمية ومنجزاتها (التي أحالت الكاتب إلى ضرورة تعلم فنون تركيب وتحريك الصورة، والصوت، وفن الجرافيك والأنيميشن.. أحالته إلى التعرف على قدرات الإخراج الفني الدرامي). النص الترابطي: وهو إما ما يعرف باسم الـ hypertext وهو ذلك النص الذي يستخدم النص المتفرع، والمؤثرات الرقمية الأخرى، ولكن يقوم بكتابتها شخص واحد ويتحكم في مساراتها، أي لا يشاركه في عملية الكتابة أحد غيره، فهو نص يكتبه مؤلفه فقط، ويطلق عليها بعض النقاد "تفاعلي" لأنه يحتوي على أكثر من مسار داخل النص وتسمح للقاري بالاختيار بين المسارات السردية المختلفة التي تحتويها.

أما النوع الثاني: وهو ما يعرف باسم إل interactive وهو النص الذي يستخدم "التشعب" أو "التفرع"، مع بقية المؤثرات الرقمية الأخرى مثلها في ذلك مثل النوع الأول، ولكنه يختلف في أن الكاتب أكثر من واحد، أي يشترك في النص عدة مؤلفين، وقد يكون النص مفتوحا لمشاركة القراء في الكتابة.. (د.محمد سناجلة)أما المنتج الابداعى الرقمي (التفاعلي أو غير التفاعلي)، فقد توزعت بين العديد من أجناس الأدب المختلفة.  

أولا: الرواية الرقمية
وهى تحمل ما استقر عليه التعريف السابق، في النص الترابطي والتشعبى من ملامح، وتصنف يهما، إما رواية ترابطية أو تشعبيه. وفى اجتهاد خاص للروائي "محمد سناجلة"، قدم لجنس الرواية الرقمية، مصطلحا قد ينطبق على بعض ما يمكن كتابته في الرواية الرقمية، وهو اصطلاح نقدي، يمكن اختباره مع شيوع إنتاج الرواية الرقمية، والبحث عن أنماط لها.. وهو "رواية الواقعية الرقمية". وهي: "تلك الرواية التي تستخدم الأشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي، وبالذات تقنية النص المترابط (هايبرتكست) ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صورة وصوت وحركة وفن الجرافيك والأنيميشنز المختلفة، وتدخلها ضمن البنية السردية نفسها، لتعبر عن العصر الرقمي والمجتمع الذي أنتجه هذا العصر، وإنسان هذا العصر، الإنسان الرقمي الافتراضي الذي يعيش ضمن المجتمع الرقمي الافتراضي. ورواية الواقعية الرقمية هي أيضا تلك الرواية التي تعبر عن التحولات التي ترافق الإنسان بانتقاله من كينونته الأولى كإنسان واقعي إلى كينونته الجديد كإنسان رقمي افتراضي. نحن هنا أمام رواية شكل ومضمون، رواية تستخدم التقنيات الرقمية المختلفة، وتتحدث عن المجتمع الرقمي وإنسان هذا المجتمع، الإنسان الافتراضي، وهذا هو اختلافها عن الرواية التفاعلية أو الرواية الترابطية، فتلك روايات شكل غير محدد موضوعها، وهذه رواية شكل وموضوع". (رواية الواقعية الرقمية، محمد سناجلة، دار الدراسات العربية، بيروت،2001) (نشير هنا إلى جهد الأديب "محمد سناجلة" في إنتاج ثلاثة نصوص رقمية: "ظلال الواحد"، "شات"، "صقيع") ونشير إلى أن أول تفاعلية كانت لمايكل جويس الأمريكي عام 1986 وهي رواية،story afternoon، وقد كانت رواية ترابطية.. (فاطمة البريكى ـ الرواية التفاعلية ورواية الواقعية الرقمية/مبدل ايست اون لاين/
http://www.middle-east-online.com/?id=31231l). 

ثانيا: المسرحية الرقمية
وهو شكل آخر اقتحمه الإبداع الرقمي، ولعله يعد اقتحاما مدهشا، نظرا لما هو معروف وراسخ من كون المسرح هو "الكلمة/ الحوار" حسب القواعد الأرسطية. إلا أن محاولة "د. محمد حبيب" وأصدقائه في بلجيكا من العرب والبلجيك، أعطى للتجربة أهمية مضافة.. فلم تكن المسرحية على إطارها الشكلي المألوف من خشبة مسرح وجمهور، بل كانت مقهى في بلجيكا وأخرى في بغداد وعدد من الأجهزة (كمبيوتر ـ أجهزة إضاءة ـ ساحة المقهى هنا وهناك) ثم فريق هنا للمشاركة والمتابعة، وفريق هناك كذلك. قدمت المسرحية بالفعل في 20 آذار 2006م. وقد أتاحت المسرحية الرقمية (من خلال التجربة الوحيدة/ عربيا) عدد من الخصائص:

توفير مناخ المشهدية الواقعية في العمل، سواء بإجراء مشاهد رقص وغناء، توظيف "الإضاءة" لتحقيق ما يرجوه المخرج (رؤيته)، محاولة إتاحة الفرصة لتوظيف "مكان" التلقي في تجسيد فكرة المسرحية (أو الديكور)، المزج بين الآلية (جهاز/ أجهزة الحاسوب) والعنصر البشرى (الممثل/ الممثلون). سوف نضيف في جزء تال نصا توضيحيا لمسرحية عرضت في بغداد وبلجيكا بالتكامل في بناء النص والعرض نفسه.. بمناسبة العام الثالث لاحتلال بغداد من القوات الأمريكية.. في جزء تال. 

ثالثا: المقال الرقمي
يعد جنس المقالة من الأجناس المحببة إلى المتلقي لأسباب كثيرة، ربما أهمها هنا نتيجة التفاعل النفسي معها، لسهولتها وموضوع تناولها الذي غالبا ما يهتم بالهموم المباشرة للفرد العادي. ومع رواج التقنية الرقمية بعد عشرات السنين من المرحلة الورقية، زاد المتلقي تفاعلا، للأسباب السابقة ومعها أسباب أضافتها التقنية الرقمية. ففي المرحلة الورقية كان التفاعل يتم بإرسال الردود إلى الصحف والمجلات بمجرد قراءة المقالة، ليُنشر في الصحيفة ذاتها أو غيرها في اليوم التالي، أو بعده.ولعلّ هذا الشكل ـ وهو الوحيد المتاح خلال الطور الورقي ـ هو أقصى ما يمكن أن يمثل التفاعل القائم بين القراء والمقالة.. أما في المرحلة الرقمية فإن صور التفاعل يمكن أن تتخذ أشكالاً أخرى، مع سرعة الرد يمكن أن تصل إلى الدقيقة التالية مباشرة لنشر المقالة في أحد المواقع الإلكترونية. وترتبط المقالة الرقمية بفكرة النشر الإلكتروني، كما ظهرت المقالة التفاعلية بشكل جديد كليًا منذ سنوات، وذلك من خلال تحويل البرامج التي تبثها القنوات الفضائية المختلفة إلى نصوص مكتوبة، ليقرأها القراء الذين لم يتمكنوا من متابعة البرنامج عند بثّه على الفضائية، وليتمكنوا أيضًا من التعليق والمداخلة كتابيًا، وهذا شكل متطور جدا من الأشكال التي اتخذها فن المقالة، ويعكس قدرًا عاليًا من التفاعلية بين النص والقراء.

وتوظف المقالة التفاعلية النص (الكلمة) والصوت والصورة والجداول والرسوم الكاريكاتورية وتقنيات التجسيم، بخلاف المقالة التقليدية التي لا تتجاوز الكتابة النصية إلا إلى الصورة الثابتة فقط. والأهم من كل هذا هو إمكانية استخدام تقنية النص المتفرع ـ (Hypertext) في المقالة التفاعلية، وربطها بعدة مقالات أخرى، أو بمواقع مختلفة، أو وضع إحالات وهوامش ومرجعيات تعود إلى نصوص أخرى من خلال الرابط فقط، وهو أمر غير متحقق في المقالة الورقية التقليدية. إن توظيف هذه المعطيات التقنية في المقالة التفاعلية يعد جزءًا رئيسيًا من النص، وليس ملحقًا تكميليًا. وتجعل المتلقي ايجابيا ومتفاعلا مع النص.

وترى "د. عبير سلامة": "أن سلبيات المقالة التفاعلية إزالتها الحدود بين الكاتب والقارئ، وهذا أمر إيجابي من جهة، لأنه يفتح قنوات التواصل بين عناصر العملية الإبداعية وأركان الفعل الثقافي الفعّال في المجتمع. ولكنه قد يصبح سلبيًا من جهة أخرى، إذا لم يكن مقترنًا بوعي الأطراف جميعها بأدبيات الحوار والنقاش والتعليق والمداخلة، إذ يترتب على هذا إمكانية تطاول أحد الطرفين (الكاتب والقارئ) على الآخر، مستغلاً سهولة فعل ذلك من خلال الإمكانيات المتاحة في المقالة التفاعلية، التي تتجاوز قوانين النشر الورقي، وموظّفًا الحرية المتوافرة له عبر النشر الإلكتروني أسوأ توظيف". ومع ذلك يبقى للمقال التفاعلي ايجابياته، المتمثلة في تعزيز دور القارئ حيال ما يقرأ، وإعطاؤه انطباعًا بأن رأيه مهم ومرَحَّب به.. إتاحة الفرصة لعدد كبير مفعليًا. للمتابعة والمشاركة.. تُحَوَّل كثير من نصوص البرامج التلفزيونية إلى مقالات تفاعلية مطوّلة، تستحوذ على اهتمام عدد كبير من القراء، الذين يعوضون عدم حضورهم البرنامج أثناء إذاعته فعليًا.. إثارة نوع من التفاعل بين القراء والنص من جهة، وبين القراء أنفسهم من جهة أخرى. 

رابعا: الشعر الرقمي
قال "روبيرت كاندل" (عام1990م): وهو رائد الشعر التفاعلي، إنه عندما كان يقوم بنشر قصائده ورقيًا، في الصحف والمجلات، لم تكن تلقى إقبالاً يُذكر من الجمهور. وكان عدد الذين يتفاعلون مع نصوصه ويقدمون له تغذية راجعة من خلال تقديم قراءة نقدية، أو التعليق عليها في الصحف، أو الحديث معه مباشرة وتبادل الآراء حول إحدى قصائده لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ولكنه بعد أن بدأ ينشر نصوصه إلكترونيًا، أصبح يلاحظ تزايد عدد الجمهور المتفاعل مع نصوصه، وأخذ هذا العدد يتزايد بعد أن غيّر من أدواته الإبداعية، وأصبح يحسن توظيف الآلة التكنولوجية لإنتاج نصوص أدبية جديدة تمثل العناصر التكنولوجية جزءًا أساسيًا من أجزائها التي لا يمكن فصلها عنها دون أن تفقد هذه النصوص قدرًا من قيمتها ومعانيها. (النص المتشعب ومستقبل الرواية د.عبير سلامة). إن الإقبال الجماهيري على النصوص الشعرية المقدمة عبر الوسيط الإلكتروني، والتي بدأت التفاعلية مع بدايات التجربة فيها، مجرد رسائل وتعليقات، بصرف النظر عن المضمون.. أعتبر في حينه دافعا قويا لتطوير التجربة. ويبدو أن ريادة التجربة الشعرية، فيما بعد، سواء بإضافات كل المتاح من التقنيات الرقمية إلى العمل الابداعى/ القصيدة، هو نفسه ما حدي بكتاب الأجناس الأدبية الأخرى أن تستفيد منها وتطوير أشكالها وأدواتها. أي من خلال الأدوات التكنولوجية الموظفة فيها تستطيع استقطاب عدد أكبر من المتلقين، وأن إجراء مقارنة بينها وبين النصوص الورقية، أو النصوص الرقمية، أو حتى النصوص السمعية والبصرية، لن تكون نتائجه إلا في صالح النصوص التفاعلية.

واقع إنتاج النص الابداعى الرقمي في العالم العربي
ترى هل من المتاح حصر النصوص الإبداعية الرقمية، التفاعلي منها وغير التفاعلي، على مستوى الوطن العربي؟ بداية هناك عدد من الحقائق الهامة الواجب رصدها:

أولا.. نوافق على ما انتهت إليه الناقدة "د. فاطمة البريكى".. أننا إلى الآن لم نتمكن من إبداع نص أدبي تفاعلي حقيقي بالوطن العربي، لأنها لم تستطع أن تحقق أهم عنصر وهو عناصر (التفاعلية)، فإننا لن نستطيع أن نتكلم على فائدة هذا النمط من أنماط الكتابة الأدبية الإبداعية على متلقي الأدب العربي، ولكننا نستطيع أن نتوقف عند المستوى المتحقق فقط. ثانيا.. الحصر المتاح للنصوص الإبداعية الرقمية محدودة للغاية (سوف نتوقف أمامها فيما بعد، كنماذج رائدة). ثالثا.. هناك حقيقة مؤكدة، أن هناك بعض المحاولات من هنا ومن هناك في العالم العربي، ولم يكتب لها الذيوع، ولم يتعرف عليها المتلقي بشكل مناسب، ربما بسبب قصور في القائمين على النقد الرقمي. فالنقد الرقمي العربي مهتم أكثر بالجانب التنظيرى، وعذره النقص الشديد للمادة العلمية الضرورية لتأسيس إبداع رقمي. (أعرف منها محاولات بالمغرب، والعراق) (كما أشير إلى أن اتحاد كتاب الانترنت العرب نظم مسابقة في الإبداع الرقمي لم يتقدم سوى عمل وحيد). سنكتفي هنا بما شاع من الإبداع الرقمي، من رواية وقصة ثم مسرحية، ثم الشعر.

ربما تلزم الإشارة هنا إلى معلومة نقدية لم تحسم بعد، ألا وهى "إن كل نص يحتوى على روابط "هايبرتكست" هو نص رقمي تفاعلي أي "ترابطي/ تفاعلي/ تشعبي".  

أولا: في الرواية والقصة
ثلاثة أعمال للروائي "محمد سناجلة"
1 ـ
ظلال الواحد.. نشرت عام 2001م، وهى تحمل ما تحمله الأعمال الرائدة من ميزات وعيوب، وهو ما تناوله كاتبها بموضوعية، في حال رده على أحد النقاد. فالرواية عمل شاق من حيث الفكرة والتناول، ويبدو طموح الكاتب دفعه لأن يسجل التاريخ البشرى، منذ أن سكن الإنسان الكهوف وأعلى الأشجار حتى عرف الصراع والقتل، وصعد إلى القمر.. فكرة طموحة. وقد بذلة فيها الكاتب جهدا جادا. إلا أننا نحرص على الإشارة إلى كونها أول رواية عربية ضمن منتج "الرواية الرقمية". فقد تضمنت ثلاث روابط، وكل رابطه منحى في الرواية مختلف. وقد نشرها الكاتب ورقية، فيما بعد، بحيث قسمت الصفحة إلى نصفين أو ثلاثة أجزاء بحسب التناول الرابطى في النص الرقمي. ويلاحظ المتلقي أن الكاتب لم يوظف إمكانات التقنية الرقمية بما يجعلها على درجة لافتة (تقنيا) في مجال النص الرقمي. وهو ما تجاوزه في أعماله التالية.

2 ـ شات (صدرت في 2005).. وهو نص لافت، فيه من التقنية الرقمية الكثير، من حيث توظيف الصورة، الصوت، الألوان، الكلمة.. فضلا عن جهد الإخراج الفني. وقد وضح فيها خبرة التجريب والبحث طوال أربع سنوات، بعد نشر "ظلال الواحد". فهي معده للقراءة على شاشة جهاز الكمبيوتر وليس كالرواية التقليدية، وتعد متعة بصرية وسمعية وذهنية معا. استخدم الروائي، برنامج "فلاش ماكروميديا". يذكرنا الإخراج الفني لها بالإخراج الفني للأفلام السينمائية حيث تبدأ الرواية بغلاف رقمي بصري تتساقط فيه الأرقام من أعلى الشاشة إلى أسفلها ثم يظهر عنوان الرواية "شات" متوهجا في منتصف الشاشة.

"العدم الرملي" هو عنوان الفصل الأول، الذي يفتتح المشهد فيه بلقطة ليل حالك السواد ثم تتضح الرؤية قليلا مع بزوغ الشمس وأشعتها التي تتكسر على صحراء ممتدة مترامية الأطراف، وتتحرك الرمال والكثبان الرملية مع صوت ريح الصحراء لتعطي رؤية مشهديه بصرية كاملة لأجواء هذا الفصل الذي يصور حياة بطل الرواية في العالم الواقعي. وباستخدام التقنيات الرقمية المختلفة المستخدمة في بناء صفحات الويب وبالذات تقنية النصفيلمي American رتكست) ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صورة وصوت وحركة وفن الجرافيك والأنيميشنز المختلفة يقدم لنا "سناجلة" رواية رقمية بصرية. تدور أحداث الرواية في الواقعين الحقيقي والافتراضي وترصد لحظة تحول الإنسان الواقعي من كينونته الواقعية إلى كينونته الجديدة كإنسان رقمي افتراضي يعيش ضمن المجتمع الرقمي بتجلياته المختلفة (والكاتب يسعى هنا لإبراز التطبيق العملي لفكرته "الواقعية الرقمية"). وتبدأ أحداث الرواية في العالم الواقعي وفي صحراء سلطنة عمان تحديدا حيث يعمل بطل الرواية في إحدى الشركات متعددة الجنسيات وتصور الرواية جدب هذا الواقع وفقره ووحدة الإنسان المفزعة فيه ويعزز هذا الشعور حركة الرمال والكثبان الرملية التي تأتي كخلفية للإحداث مع صوت صفير ريح الصحراء وليلها المدقع، وكأنما يريد أن يقول إن هذا الواقع لا يمكن عيشه أو الاستمرار فيه، هو رعب الوجود الإنساني في العالم الواقعي.

تنتقل الأحداث إلى العالم الافتراضي بانتقال بطل الرواية من وجوده في العالم الواقعي إلى كينونته الرقمية، وولادة الإنسان الافتراضي الذي يعيش في المجتمع الرقمي. وتأتي الرؤية الخلفية البصرية للمشاهد باللوحات الجميلة والمصحوبة بالموسيقى التي يعلو صوتها تدريجيا.. للتعبير عن الوجود الافتراضي الجديد والجميل، الوجود البديل.. عن لحظة الانتقال هذه من الوجود الواقعي إلى الوجود الرقمي/ الافتراضي، فبدل الصحراء المجدبة وحركة كثبان الرمال وأنين الريح تأتي المشاهد كلوحات مبهجة مع صوت الموسيقى، وكأنما يريد أن يقول الروائي إن العالم الافتراضي هو الحقيقي الذي يجب أن يكون. كما ويتم استخدام مقاطع من أفلام سينمائية لتعميق الأفكار المطروحة حيث نشاهد مقاطع من فيلمي American Beauty & The Matrix واستخدام هذه المقاطع بذكاء في الرواية، وهو ما أضاف متعة جديدة على الرؤية البصرية الحركية للرواية الجديدة. ومن الواضح تماما أن الكاتب يستخدم في هذه الرواية لغة مختلفة تماما عن اللغة التي اعتدناها في الرواية العربية التقليدية وهو يطبق تماما ما قاله سابقا في كتابه ألتنظيري "رواية الواقعية الرقمية" من أن لغة الرواية الجديدة لن تستخدم الكلمات فقط: "في لغة رواية الواقعية الرقمية لن تكون الكلمة سوى جزء من كل، فبالإضافة إلى الكلمات يجب أنْ نكتب بالصورة والصوت والمشهد السينمائي والحركة"

3 ـ صقيع (عام2006م).. هي العمل الثالث الرقمي، وقد قدمها الكاتب على كونها "قصة قصيرة". و"سناجلة" بهذا العمل يؤكد تجربته، وتتفتح مواهبه في الإنتاج الرقمي. لعل هذا العمل "النص" تميز عن سابقيه بعدد من النقاط اللافتة:.. يتضمن النص بعض الأعمال الشعرية (ثلاث قصائد)، وهو بذلك يضع التدخل في الأجناس الأدبية، وتوظيفها، يضعها في مختبر نقدي! فالكاتب ليس شاعرا، من المعروف عنه من خلال إنتاجه، إلا أنه صاحب القصائد المتضمنة في النص! كما أنه انشغل في إنتاجها رقميا بجهد متميز، يتناسب مع المادة الشعرية التي يتناولها، فللقصائد روح إخراجية ومونتاج سينمائي أقرب إلى التوظيف السينمائي للمونتاج والإخراج الفني... النص أقصر زمنيا، إلا أن المشاهد متلاحقة، وأكثر عددا من مثيلتها في "شات" عن نفس الفترة الزمنية، وهو ما يشير إلى اكتساب الكاتب لمهارات خبرها مع التجربة التي بدأها عام 2001م. كما لعبت الموسيقى، وتوظيف الاضاة في الصورة، مع قلة الكلمات.. لعبت كلها إلى جانب إبراز حرفية إنتاج النص الرقمي (وان مازال غير تفاعلي). لعل توظيف الكاتب للبرامج الرقمية "فلاش ماكروميديا وفن الجرافيكس" مع برامج المونتاج السينمائي المختلفة.. أكسب النص درجة أعلى من سابقيه.

هل يمكن للكلمات تعرض النص الرقمي (صقيع)؟

تفتتح صقيع على مشهد سينمائي "زوم آوت" باستخدام التقنيات والبرامج الرقمية على الكمبيوتر، المشهد ليلة حالكة شديدة البرودة يتخللها تساقط الثلوج والمطر وعواء الرياح والضباع، ثم تذهب الكاميرا الرقمية بحركة "زوم إن" إلى رجل يجلس في غرفة ضيقة، ويحتسي الخمر لتبدأ بعد ذلك لعبة السرد واللعب بالكلمات والصور.. بينما تصفر الريح ويلمع برق ويهدر رعد وتنتاب المتلقي مشاعر الإحساس بالبرودة.. الجسدية والنفسية. يبدو مشهد الثلج ورعشة أفرع الأشجار مع ظلمة الليل الدامس، مشهدا تمهيديا لموضوع القصة، وإضافة للمعنى المباشر للكلمة/ العنوان. وتتوالى المشاهد، حيث الشخصية المحورية تعيش الوحدة، وحيدا داخل غرفه شبه مظلمة، يحتسى آلامه التي نتوقعها مع شراب الخمر، لعله الوجه المعبر عن الصقيع النفسي الذي يعيشه.. وتتوالى المشاهدة التي تبرز تلك الوحدة حتى مع زوجته التي ترفضه زوجا ورفيقا في الحياة. فهي (أي الزوجة) الوجه الآخر المعبر عن الصقيع النفسي/ قبل الصقيع المناخي الذي يلقى بظلاله على الشاشة والى عيني ونفس المشاهد.

ومن خلال استخدام تقنية النص المتفرع (الهايبر تكست) وبضغطة على (رابط)، ننتقل إلى مشهد آخر يصور حالة بطل (القصة) النفسية والجسدية ليتابع السرد والمشاهد. ومع رابط آخر ننتقل إلى القصيدة الرقمية الأولى داخل النص "احتاجك"، وتصدح موسيقى أغنية المطربة وردة الجزائرية "محتجالك"، وفي آخر القصيدة نستمع لمقاطع من الأغنية نفسها. ومن خلال رابط آخر داخل العمل نذهب للقصيدة الثانية "بقايا" مع عزف على أنغام عود شجي لتأخذنا مدارات القصيدة نحو عالم آخر من الشعر والصوت والصورة، ومع آخر القصيدة تتردد أغنية "ما بقالي قلب" للفنان "محمد عبده". كما تلاحظ أن بنية الجملة نفسها في "صقيع" هي بنية مشهديه، ترسم صورا متحركة في ذهن القارئ، أي أن فعل الكتابة نفسه يتحول لفعل مشهدي، وهو ما يتسق تماما مع العصر الرقمي ومفردات هذا العصر. يقول سناجلة في كتابه رواية الواقعية الرقمية: "الكلمات نفسها يجب أنْ ترسم مشاهد ذهنية ومادية متحركة، أي أنّ الكلمة يجب أنْ تعود لأصلها في أنْ ترسم وتصور، وبما أنّ الرواية أحداث تحدث في زمان ضمن مكان، وهذه الأحداث قد تكون مادية ملموسة أو ذهنية متخيلة فعلى الكلمات أنْ تُمشهد هذه الأحداث بشقيها".

هناك عشر وقفات (روابط أو(links يتم من خلالها الانتقال إلى صورة أو عدة صور، منها لقصائد شعرية.. واحدة بعنوان "بقايا"، يقول فيها(بتصرف):

"و...
تأخذني مدارات الخمر
لك
للوهم الساكن في قلبي
عطرك.. ووحدتي
دفئك ما أريد
قلبي صقيع
وقلبك مدفأة"
أما القصيدة الثانية "أحتاجك"، يقول فيها:
"كبقايا وردة اجتاحتها الريح
متعب.. كبقايا سؤال
معلق على أنهاره
غريبان نحن في خيمة واحدة
وبقايا عشق قديم"

هكذا شكل الشعر إضافة إلى نسيج القصة، فقد كانت الكلمات على خلفية من صورة معبرة على الحالة الشعورية التي ترسمها الكلمات وتضيف إليها شعور بالوحشة والغربة والاحتياج. كما شكلت بقية المشاهد/ الصور إضافة إلى النسيج اللغوي/ الكلمات. وعلى قصر العمل (نسبيا) تعددت الروابط، وشغلت "الصورة" نسبة أعلى من نسبتها في رواية "شات".. فضلا عن الاستخدام للعديد من المؤثرات الأخرى، وإخراج فني أكثر حيوية.. تمثل في الموسيقى التصويرية، وفى استخدام الألوان الصريحة والمعبرة، ثم الإيقاع السريع والحركة الخارجية والداخلية الواضحة والسريعة نسبيا. (ويقول سناجلة: "أنا سارد بالدرجة الأولى لكني أردت أن أقدم نموذجا فيها جزءا فقط من بنية القصيدة كنص" ويبدو أن العمل بكامله يبدو محاولة شعرية في موضوعه، وطريقة معالجته الفنية") سينما وموسيقى وأغنيات.. كانت من أدوات الكاتب أو محاولاته لأن ينتج نصا رقميا متميزا، هاهو مشهد "زوم أوت"، وآخر "زوم إن".. هاهي ذي الريح تصفر، والزمهرير ينتقل من الصورة إلى وجدان المشاهد.. وتلك هي تقنية "الهايبر تكست"، فنخلص إلى وجود الصورة في المقدمة وضمن النسيج الجامع للعمل الأدبي الافتراضي الجديد. ويمكن الإشارة الآن إلى حقيقة مولد لغة جديدة لأدب جديد.. الصورة قبل الكلمة، الحركة مع الصوت مشاركان أساسيان، اللون والخط مشاركان أساسيان.. وبها كلها تشكلت اللغة الجديدة (الرقمية في الأدب الرقمي/ الافتراضي).

إجمالا: تبدو أعمال "سناجلة" متجددة وطموحة، سعى فيها من خلال توظيف "الصورة" إضافة دلالات ومعطيات جديدة، ومع توظيف تقنيات الآلة التكنولوجية (الحاسوب) رسخ لمحاولته فكرة الطموح لانجاز أدب افتراضي، وان بقى قبل حدود النص التفاعلي. 

ثانيا: في المسرحية الرقمية
سوف اكتفى بالعرض الكتابي لصاحب أول تجربة مسرحية رقمية (العراقي د. محمد حبيب)، حيث الرصد المتابع للمسرحية هكذا.. مع توضيح أن العمل (المسرحية) تم تنفيذها في مقهى ببغداد، وآخر في بلجيكا. وقد أعدت كلا المكانين بنظم التنظيم والأجهزة، والاضاء، ومكان المشاهدين.. كله على نسق متماثل للآخر. (يقدم في بلجيكا يوم الاثنين القادم 20 آذار عمل مسرحي انترنتي (مقهى بغداد)، وهي طريقة عمل تجد طريقها للمرة الأولى إلى المشاهد العربي. العراق بعد ثلاث سنوات!! بلاد، أم جثة في طور التحلّل؟ كيف يبدو العراق للرائي؟ ماذا يخبرنا العراقيون عن عراقهم؟ ذهب حازم كمال الدين إلى جبال الألب فتعرف في حانة على رجل طاعن في السن قيل له أن حازم عراقي فاندهش وسأل بعفوية صادقة:

ـ هل ما زال في العراق أحياء؟

الفنان الهولندي يتر يرهايس مؤسس مشروع مسرح الحرب والفنان العراقي البلجيكي حازم كمال الدين مدير جماعة زهرة الصبار للمسرح اقترحا البحث عن فنانين عراقيين وأوربيين للمشاركة في العرض المسرحي مقهى بغداد. بدأت الحكاية كالتالي: في نية حازم كمال الدين تسليط الضوء المسرحي في بلجيكا على السنوات الثلاث التي ابتدأت عام 2003. وقد عثر عليه يتر يرهايس أو عثر كمال الدين على يرهايس، لا فرق، فأعاد يرهايس إلى الحياة فكرة مسرح الحرب. وهي فكرة عمرها حوالي ست سنوات قدمت عروضها في مختلف المناطق في العالم ومنها يوغوسلافيا وفلسطين. وسيكون عرض يوم 20 آذار مساء هدفه تسليط الأسئلة على العراق. سيهيئ مسرح الحرب وسائل تسمح بالتحاور، بالتفاعل، باللقاء، زادها تبادل التجارب والأفكار عن معايشة الإنسان للحرب على المستوى الشخصي. هذا التجربة تشمل كل العناصر والتجارب البشرية: الغضب، الرعب، الكراهية، الحزن، الحب وبالطبع، وبشكل خاص الكوميديا ومستوياتها العديدة. في هذا العرض سيتم التركيز على التجارب الفردية وتجنب الدعايات والمانيفستات الإيديولوجية، السياسية والدينية..

وصف خارجي..

طاولة كبيرة. مدير جلسة أو وسيط أو محرّض وزبائن.

خلف الطاولة توجد شاشة كبيرة نرى فيها صور حية من العراق حيث يجري الجزء الافتراضي من المقهى.

الجمهور يجلس في نصف قوس حول الطاولة بطريقة يستطيع أن يتابع من خلالها ما يجري في المقهى البلجيكية الملموسة وعلى الشاشة العراقية في وقت واحد. في الشاشة نرى تصميمات تشبه سينوغرافيا الطاولة البلجيكية. عن طريق أجهزة صوت ينشأ مشهد حواري بين جلاس الطاولة في العراق وفي بلجيكا. المحرض في بلجيكا يقود الحوار بين العراقيين والبلجيك. في أماكن شتى من المقهى البلجيكي ترى ثلاثة كتاب مسرحيين خلف الكومبيوترات يتبادلون الات مع فناني العراق. بواسطة شاشة ثانية ستعرض صور عن هذا الات بالتعاقب مع صور عن بغداد وفيديوهات عن مسرحيات عراقية وغير ذلك.

صورة ما قبل العرض..

تتكون مقهى بغداد من ثيمتين: المقهى الافتراضية واللايف ات: عن طريق ربط مقهى مونتي مع فضاءات افتراضية عراقية نجد أنفسنا في مقهى كبير بين العراق وبلجيكا. جلاس المقهى في بلجيكا وفي العراق يتناولون طعاما.. يشربون شايا.. يدخنون نرجيلة، يتناولون البيرة.. الخ. كل يفعل ما يريد. سيكون الفنانون زبائنا في مقهى بغداد. في هذا المقهى الافتراضي سيصنع الزبائن في بغداد والزبائن في بلجيكا مشاهد حية عبر التمثيل الحي (كونتاكت) بين البلدين.

1 ـ في بلجيكا يوجد فنانون عراقيون وبلجيك يقتسمون طاولة في المقهى، يعقبون على ما يحدث، يتدخلون بمجريات الأحداث يقودهم محرّض بلجيكي. وكأنهم في حالة عرض أثناء الروفات.

لقد أجرينا محاولات كثيرة للعثور على موقع آمن يقضي فيه الفنانون ليلة العرض في بغداد ولكن للأسف لم تنجح الجهود. رفض المركز الثقافي الفرنسي التعاون علما إن هذا النوع من العروض هو أول تجربة في تاريخ المسرح العربي وهو عرض ما زال طازجا حتى على المسرح الأوربي. لذلك تقرر أن تكون المقهى موزعة في البيوت البغدادية. في جانب آخر من المقهى يوجد لايف ات بين ثلاثة ممثلين من بلجيكا وثلاثة من بغداد تظهر على شاشة. سيكون الفنانون في حالة لايف ات. وهذا يحتم على الفنانين في العراق أن يكونوا متمكنين من استخدام الكومبيوتر والانترنت أيام الروفات بين 6 و 19 آذار، ويوم العرض (لايف ات) مساء يوم 20 آذار من الساعة الثامنة مساء وحتى العاشرة مساء. على شكل ديالوجات. ممثلون بلجيك سيحولون هذه الديالوجات إلى مشاهد يعرضوها مباشرة على الجمهور.

المحتويات

حديث مع فنانين من بغداد يقوده محرّض، أو حكواتي إذا صحت التسمية. شهادات فنانين عراقيين موجودين في بلجيكا حاليا. مونولوجات للات كتبها كل من ناهض، محمد وفاضل. مشهد من مسرحية صحراء الشلب إخراج طه. مشهدان من الات يلعبهما ممثلون بلجيك. صور ومشاهد مسرحية حديثة عن العراق. مسرح الحرب يدرك أن ثمة مشكلة في تهيئة متطلبات المشروع كما يدرك الصعوبات الأمنية التي تعترض إمكانية اشتراك الفنان العراقي. لهذا يلجأ الفنانون الهولنديون والبلجيك إلى اعتماد إستراتيجية الباك آ: ديالوجات مسجّلة مسبقا مع الفنانين تحفظ كمادة احتياطية. إستراتيجية الباك آ هذه تختبر الوسائل المتوفرة وصلاحياتها في (روفات) الاتات والكونرنسات عبر (الويب كام، المايكرفون، الكتابة، الداون لوود). تحفظ الاتات والكونرنسات والحوارات للاستخدامات الضرورية: إذا ما انقطع التيار الكهربائي في العراق أثناء العرض مثلا أو تعطّلت خطوط الانترنت في العراق.

هذه صورة ما قبل العرض.

ربما كانت من مشاكل العرض هي أن لغة العرض هي اللغة الانجليزية رغم أننا لاحظنا أن الفنان العراقي، بعد ثلاث سنوات على تواجد الأمريكان في العراق، لم تبدر منهم بادرة واحدة لتعلم اللغة الانجليزية؟

فكانت الحلول البديلة بأن تصبح الحوار ممكنا بين الفنان العراقي والعالم.. مترجمون من والى اللغة العربية وكذلك حلولا عديدة تسمح للترجمة إن لا تكون عائقا أمام حيوية العرض. في اللايف ات تكون الكتابة باللغة الانجليزية. أيضا كانت الحالة الأمنية (كما أوضحها "د. حبيب"، وصعوبات توفير المتطلبات التقنية وسياسة التجهيل التي مارسها صدام التي منعت تداول التكنولوجيا الحديثة (الانترنت) في عهده ولم تصبح هذه الوسيلة الفريدة شائعة إلا بعد سقوطه!!

مكان العرض الثابت: مركز الثقافات والفنون مونتي. يوم 20 آذار. اعتبارا من الساعة السابعة مساء بتوقيت بلجيكا (التاسعة بتوقيت العراق) يتوافد الزوار حتى الحادية عشرة مساء بتوقيت العراق.

انظر إلى الموقع التالي: http://www.monty.be/asp/home.asp

لمتابعة مقهى بغداد عبر الانترنت انظر إلى الموقع التالي: www.stack.nl/theatreofwar يوم 20 آذار 2006 من الساعة السابعة بتوقيت بلجيكا حتى العاشرة مساء.

ﭘ يتر ڤيرهايس Pieter Verhees
حازم كمال الدين Hazim Kamaledin
يشترك في العرض الفنانون التالية أسماءهم:

فاضل عباس (مونولوج وات)، سوسن السياب (حوار ديجيتال)، ظفار احمد (مشهد)، طه المشهداني (مشهد)، ناهض الرمضاني (مونولوج وات)، محمد حسين حبيب (مونولوج وات)، سرمد السرمدي (ات)، باسم الطيب (حوار حي)، حسن خيون (حوار حي)، أزل يحيى إدريس (حوار حي)، مخلد الجميلي (حوار حي)

روجيير سخيارس (ات)، رول ڤ رنيرس (ات)، يرون اولاي سليخرس (ات)، فرانك اولبريخت (محرّض حي)، يتر ڤ يرهايس (إخراج).

(أخيرا الراصد لتلك التجربة، ينتظر محاولات أخرى، رغم كل الصعاب.. ربما لتأكيد التجربة وشيوعها).

ثالثا: في الشعر الرقمي
يحتوي نصي "شات" و"صقيع" على قصائد رقمية يمكن اعتبارها أولى القصائد الرقمية في الأدب العربي، وتأتى ضمن البنية السردية للعمل نفسه وجزء عضوي منه، وهو ما يعد بُعدا إبداعيا ونفسيا للعمل، وإضافة جادة. ويقول سناجلة "أنا سارد بالدرجة الأولى لكني أردت أن أقدم نموذجا وأفقا آخر للكتابة الشعرية التي تغدو الكلمات فيها جزءا فقط من بنية القصيدة. " القصيدة الرقمية شيء أكثر غنى، إنها مشهديه الصورة الشعرية، وصقيع كنص يمكن اعتبارها كلها نصا شعريا سواء كان بلغته أو المشهدية العالية التي يحتويها. وكان سناجلة قد قدم سابقا خلال روايته "شات" ما يمكن اعتبارها أول قصيدة رقمية عربية من خلال القصيدة المعنونة بـ "وجود"، والتي تم إخراجها من خلال برنامج الفلاش ماكروميديا.

وقد أثير على شبكة الانترنت، موضوع الريادة في إنتاج القصيدة الرقمية، حيث كتب "د.حسان التميمي" يقول:

.. (أن الشعر العربي المعاصر يعرف فترة تردى تام على كافة المستويات. ورغم ظهور شعراء جدد خلال العقدين الأخيرين، فإن النادر منهم من استطاع أن يستقطب الأنظار.. أمام وضع كهذا هناك نوع من التواطؤ على الصمت في انتظار أن تحل الأزمة مع الزمان، أو في انتظار "الشاعر" الذي قد لا يأتي. لكن الانتظار لا يمكنه إلاّ أن يطول، ويرجع الأستاذ يقطين مسألة تردي الواقع الشعري إلى مشكلة التخلف التواصلي، وهذا يعود بشكل أو بآخر إلى وحدات التواصل بحسب "ياكوبسن" فالعملية التواصلية الإبداعية أو غيرها تقوم على أساس تلك الوحدات الثلاثة وهي: المرسل والنص والمتلقي. وإذا رجعنا إلى هذه الوحدات سنجد دون شك أن التفاوت حاصل وبخاصة وحدت التلقي، فالعالم ترقى تواصليا بعد أن تطورت منظومة الاتصال والمعلوماتية عبر الشبكة العنكبوتية/ الانترنت وغيرها من الوسائل الحديثة. في حين ما زال النص يرسل من منتجه بالطريقة التقليدية أي الورقية فدور النشر تعاني كثيرا من المنتوج الرقمي الإلكتروني بكل وسائله المخزّنة بالأقراص المدمجة أو المخزونة على النت، لأن أغلب المتلقين عزفوا عن التلقي التقليدي الورقي ومالوا بكشل كبير إلى المنتوج المنسجم مع التغير التقني المستهلك أو المنتج وأعني بالمنتوج المنسجم هنا منتوج التكنولوجيا وتقنيات المعلوماتية الحديثة.

ولا يختلف رصد المشكلة عند النقاد التفاعليين الآخرين فالدكتورة فاطمة البريكي تؤكد هذا الأمر أيضاً وبخاصة في الفصل الثالث الموسوم (الأدب التفاعلي والنظرية النقدية)، وكذلك يؤيد الأمر د محمد أسليم الذي كرّس كثيرا من كتاباته عن هذا الموضوع وبخاصة المنشورة في موقعه الخاص على الشبكة الرقمية.

.. وإذا علمنا أن أول رواية تفاعلية عربية صدرت على يد الروائي المبدع محمد سناجلة عام 2001 بعنوان (ظلال الواحد)، وأن أول قصيدة تفاعلية أو هي في الواقع مجموعة شعرية تفاعلية عربية نظمها الشاعر المبدع مشتاق عباس معن عام 2007 بعنوان (تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق) يعني أن نقطة الانطلاق العربية التفاعلية جاءت بعد عقد ونيف أي أنه سابقة غيّرت عصر التنافس المتأخر عصر متقدم.. فنتاج المبدعين المتألقين محمد سناجلة ومشتاق عباس معن يأتي فاتحة لبوابة عصر التنافس المتقدم ليغلقا عصر التنافس المتأخر مع الآخر)..

يبدو أن قضية "الريادة" من الموضوعات التي تغرى النقاد، فكما قيل حول ريادة الرواية العربية من قبل، يقال اليوم في ريادة القصيدة الرقمية. فواقع الحال يسجل أن "سناجلة" كتب القصيدة الرقمية في نصي "شات" و"صقيع".. كما أفاد الناقد "التميمي" أن الشاعر الشاب "مشتاق عباس معن" أول من كتب القصيدة الرقمية (أنتجها عام 2007م)! ويمكن التوقف أمام القضية على أساس إعمال ثلاث محكمات: الأولى.. بالنظر إلى تاريخ النشر؟ أما المحك الثاني.. بالنظر إلى صفة الكاتب (روائي أم شاعر)، ثم المحك الثالث.. بالنظر إلى القيمة الفنية وجودة الإنتاج الفني؟ ولا نسعى لإصدار الأحكام، فليست هناك كلمة أخيرة في النقد.. خصوصا أن "سناجلة" قال بكونه روائيا وليس شاعرا، ولكنه سجل عمليا إنتاج نصوص شعرية رقمية منذ عام2005م.. بالإضافة إلى أن قصيدة أو المجموعة الشعرية للشاعر "مشتاق عباس" لم تتح للجميع حتى الآن على الأقل. وفى حال تحققها وبعد الإعجاب بها (دون إصدار أحكام قيمة) ستبقى الكلمة النقدية على السنة وسن قلم النقاد..وستبقى الحقائق (السابقة) ماثلة أمام الجميع، ومع ذمة التاريخ.  

كلمة أخيرة:
يعتبر موضوع هذه القراءة في المنتج الابداعى الرقمي العربي اليوم (2007م)، من الأهمية بحيث سنرجع إليها عندما تزدان سماء الإبداع العربي بمزيد من المنتج الرقمي العربي: إن شعرا أو نثرا.. وحتى مع أهمية تسجيل رفض البعض للرواية الرقمية والمسرح الرقمي! وهو ما جاء بقلم كلا من "د. عزيز التميمي" و"سمر السرمدي". قال الدكتور "التميمي":  "كثر الحديث في السنتين الأخيرتين عن التقنية الرقمية ودورها في تأسيس أفق جديد ضمن آفاق الإبداع الأدبي الروائي تحديدا، ولا أريد أن أصادر مبادرات من كتب حول هذا الموضوع إلا أن الحقل المعرفي يتسع لكتابة المزيد،.. إن الإبداع الأدبي الروائي مثلما هو معروف مرتبط أساساً بكل من الفكرة (الثيمة والرؤية الفلسفية) التي تشكل المنظور الدلالي للمعالجة من خلال مجموعة أدوات فنية تطورت تباعاً مع تطور اللغة بكل مستوياتها الشكلانية والبنيوية والتفكيكية... وعلينا لإزالة اللبس أن نميز بين المنتج الأدبي وأدواته... وإذا افترضنا أن ما تقدمه (المالتميديا) أو الوسائط المتعددة هو شكل من أشكال الإبداع الروائي، فماذا يمكن أن نصف حالة هذا الإبداع إذا ما قامت شركة مايكروسوفت للبرمجيات وأنتجت بعد سنة أو سنتين أجيالاً جديدة ضمن تقنيات أكثر تطورا بحيث ترفض العمل مع هذه الوسائط التي أسهمت في تأسيس الوجه الجديد للإبداع الروائي؟!".

ويقول "السرمدي": "اللقاء الفني الذي يعتبره البعض مسرحا رقميا... لا وجود للمسرح الرقمي... أنه ضرب من ضروب التجريب المعهودة!.. مع اعتزازي بأستاذي الذي درسني فن المسرح لمدة أربعة سنوات في جامعة بابل كلية الفنون بالعراق.. الفاضل الدكتور محمد حسين.. بعد العرض لم أجد أي مسرح في المسألة... كان ببساطة لقاء اجتماع نقاش يعني مجرد محادثة صوتية مرئية يسمح بها "سكايبي" كالعديد من البرامج الأخرى.. المشكلة هي إغفال كون الجمهور ألمتابع كان حاضرا فعلا هنالك بنسبة اكبر من الجمهور الذي يعتقد انه تابع الحدث عبر سكايبي... بصراحة لم يكن الحدث يسمح تقنيا بدخول الجمهور كما يحدث في غرف المحادثة على سكايبي لأن هيئة الندوة الإدارية لا تضمن كون دلك تقنيا.

باختصار... لا يوجد نص... لا يوجد تمثيل... لا يوجد أخراج... لا يوجد جمهور مسرحي.
وأخيرا........ لا وجود للمسرح الرقمي... أنه ضرب من ضروب التجريب المعهودة!.

ملاحظة: أوردت تلك الآراء، ليس من قبيل الموافقة عليها، بل لرصد واقع الحال للآراء الرافضة في العالم العربي الآن، ترى هل ستتغير قريبا، نرجو ذلك!!. 

abnegm@gmail.com