رسالة فلسطين
ثقافة واحدة أم ثقافات.. عقل واحد أم عقول؟!
في مدينة رام الله، في مقر المركز الثقافي الألماني الفرنسي، وبتاريخ 16 نيسان 2008؛ التقت مجموعة من ممثلي بعض المؤسسات الثقافية في فلسطين، مع وفد من البرلمان الألماني/ شؤون الثقافة والإعلام، من خمس كتل برلمانية مختلفة: (الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحزب اليساري، وحزب الخضر، والحزب الليبرالي)؛ من أجل نقاش أسئلة "الثقافة والمجتمع"، في فلسطين. نوقشت العديد من القضايا: مفهومنا للثقافة؟ دور المؤسسات الثقافية الفلسطينية؟ تأثير الاحتلال الإسرائيلي على البنية الثقافية؟ العلاقة مع الثقافة الإسرائيلية؟ هل هي علاقة تعاون أم تطبيع أم تعرُّف؟ هدفنا من تنظيم الفعاليات الثقافية؟ لكن النقاش لم يمتدَّ؛ ليجيب عن بقية الأسئلة التي أثارها الوفد الضيف؛ الأمر الذي يدعوني إلى استكمال النقاش، مع المهتمات والمهتمين من شعبنا.
كيف نعرِّف الثقافة الفلسطينية؟ وهل هي ثقافة ممتزجة بالسياسة؟ وماذا تعني لنا العروض الثقافية؟ ما دور المؤسسات المانحة؟ هل تأتي إلينا بخطط جاهزة؟ وإذا كان ذلك صحيحاً: إلى أي مدى يعيق هذا التدخّل، العمل الثقافي؟ ما هي محرَّماتنا (Taboos)؟ وكيف نتعامل معها؟ ما هو دور عنصر الضحك في أعمالنا الفنية؟ هل هناك تأمين اجتماعي للفنانين والمثقفين الفلسطينيين؟
سوف أبدأ بالإجابة عن بعض الأسئلة المطروحة، وأترك للقراء الإجابة عن بعضها؛ أملاً في إرساء ثقافة الحوار المعمَّق، حول قضايانا الثقافية.
أبدأ بسؤال الثقافة المطروح على شعوب العالم دون تمييز؟ هل تكتفي الثقافة بذاتها؟ هل تنحصر الثقافة في شعوب معيَّنة متحضِّرة، وفي نخبة متعلِّمة من البشر؛ فتهيمن وتسيطر وتستعلي؟ أم يتّسع مفهوم الثقافة، ليعبِّر عن مجموع السمات الروحية، والمادية، والفكرية، والعاطفية، للمجتمعات كافَّة، فيشتمل على الفنون والآداب، وطرق الحياة، وحقوق الإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات؛ فيتحاور وينفتح ويرسِّخ مبدأ التعددية، وحقّ الاختلاف، وفهم الآخر؟ وماذا عن الثقافة الفلسطينية؟ هل هي منفتحة على الثقافات الأخرى؟ أم هي منكفئة على ذاتها؟ تأتي الإجابة؛ ليس من خلال تنظيم "مهرجان الرقص المعاصر"، في رام الله، فحسب؛ بل من خلال العروض المسرحية، والسينمائية، وعروض الفيديو، ومن خلال تنظيم المؤتمرات الأدبية، واللغوية، والندوات الثقافية، ومن خلال معارض الفن التشكيلي، والتَّصوير الفوتوغرافي، ومعارض الحرف اليدويَّة، في المدن والقرى والمخيَّمات الفلسطينية، في أرجاء الوطن، كافة. ما الذي تعنيه العروض الثقافية لنا؟ ما هي الوظيفة التي تؤديها في حياتنا؟ ولماذا ننظِّمها أساساً؟ أو نشارك فيها؟ أو نشاهدها؟ هل هي تجسيد للهوية الفلسطينية؟ هل هي تجسيد لوجهنا الحضاري والثقافي؟ هل هي تكامل لأشكال النضال؟ هل هي توفير لأسباب الصمود؟ تحقيق للمتعة الفنية؟ أم هي مجموع هذه العناصر؟
لنقرأ معنى تنظيم العرض الثقافي: "مهرجان رام الله للرقص المعاصر"، بأصوات بعض من تحاوروا، عبر الشبكة الإلكترونية: «نسعى للحياة ما استطعنا إليها سبيلاً؟! أيّ سعي هذا الذي يستدعي عمل مهرجان للرقص على دماء أطفال غزة؟! أية حياة هذه التي تستدعي الرقص مع راقصين دنماركيين، نحن في أشدّ مقاطعة تاريخية لهم قيادة وشعباً ومنتجاً، أيّة حياة هذه التي تستدعي الرقص، ونحن نغرق في شلال من الانقسامات؟» إيناس سلمي "الفنون بأشكالها، ومن ضمنها الرقص، جزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية. ان المهرجانات الثقافية والفنية تبث فينا الحياة من جديد، وتعطينا بارقة أمل لمستقبل أفضل وأجمل. إن ما يحصل في غزة مؤلم، لكلّ فلسطيني يعيش على هذه الأرض. لا يمكن لأحد أن يحتكر هذا الحزن، أو يدَّعي أنَّه حريص أكثر من غيره". لبنى غنايم «الرجاء الخوض في النقاش، بأسلوب حضاري عريق، يليق بشعب ينتج الثقافة، وينتج المقاومة كفعل ثقافيّ تاريخي متجذر. الرقص فن إنساني، لا يمكن النظر إليه بالغرائز، ولا الجدل حوله وكأنه هزّ خصر... لذا فليترك نقد الثقافة لمن ينتجونها، وليترك الحديث عن المقاومة، لمن يبتكر أساليب وصولها إلى أهدافها الحقيقية؛ وليس إلى هذا العبث المجنون بوجهيه: في رام الله وغزة". خالد الغول
"بأجساد برونزية صقيلة بالشمس والزيت، ورقص لبعل أو لديونيسيوس؛ كان قدماء هذه البقعة الجيوروحية، في مثل هذا الوقت من كل عام، يعبِّرون عن غبطتهم بالحياة، وهي تبعث في الأرض من جديد. والآن، وبما تبقّى من دفقة الحياة، نعبِّر نحن الناجين، وإن لم ننج تماماً، بالرقص، عن غبطتنا بما لم يَنلْ الاحتلال من ريش عنقاء روحنا. وبالرقص أيضاً، يشاركنا من العالم أصدقاء نثمِّن تلبيتهم دعوتنا، في الوقت الذي تعمل فيه الدعاية الصهيونية، على تغييب وجهنا الحضاري والثقافي؛ لتجد ما يبرِّر لها ما ترتكبه يومياً من جرائم بحقِّنا، ولتجعل دفاعنا عن حقِّنا يبدو عنفاً وإرهاباً". سرية رام الله الأولى
هل تتداخل الثقافة والسياسة أم تتخارج؟
ماذا يعني أن تلبي بعض الفرق الفنِّيَّة، من النرويج، وصربيا، وإيطاليا، وسويسرا، وفرنسا، والبرتغال، وبلجيكا، وفنلندا، وألمانيا، وإسبانيا، دعوة "سريِّة رام الله الأولى"، للمشاركة في نشاطات "مهرجان رام الله للرّقص المعاصر: 17/ 4 ـ 5 / 5 / 2008؟
وماذا يعني أن يشارك متضامنون أجانب، من النرويج، والسويد، وإيطاليا، وإسبانيا، وأميركا، وألمانيا، والبرتغال، أهالي قرية بلعين، مسيرتهم الأسبوعية ضدَّ جدار الفصل العنصري؟ وضدّ القمع، ومصادرة الأراضي، وضدّ الحواجز؟
ألا تتكامل الثقافة والسياسة بشكلٍ جليّ، عبر هذه المسيرات الشعبية، وعبر المشاركة في الفعاليات الثقافية؟ ألا يشكِّل تبادل الخبرات والتجارب، وتطوير القدرات والإمكانات؛ تضامناً ودعماً لصمود الشعب الفلسطيني؟
في كلِّ مرَّة يتعرَّض فيها الفكر التنويري إلى هجوم؛ نستشعر الخطر، ونبادر إلى التحرك؛ لكننا مطالبون: كتّاباً، ومثقفين، وفنانين، وديمقراطيين، بالتحرّك اليومي، لترسيخ ثقافة التنوير، وفتح النوافذ على الثقافات الأخرى، وتعميق الحوار، حول حقلين: الثقافة والسياسة، محذِّرين من نقل الواقع، الذي يعني التكرار، دون أن نضطَّرَّ للمجاملة والتبرير، أو تحميل المقاومة عبئاً أكبر من احتمالها.
هلاّ نعمل معاً للحفاظ على المكتسبات، التي أرستها الثورة الفلسطينية المعاصرة، في ميادين الحياة كافَّة: في السياسة والاجتماع والثقافة، وعلى رأسها: رسوخ دور المرأة الشريك، وسقوط زمن الوصاية الأبوية؟!
شعب واحد حكاية واحدة؟ أم شعب واحد وحكايا؟ «عزيزتي فيحاء، صباح الفل والياسمين، أنت دائماً على العهد، تطرحين الأمور بطريقتك المميزة، ولذلك، يكون التجاوب الجيد بينك وبين القراء. التجربة البحرينية حلوة جداً، وتعليق الباحثة علمي وموضوعي وإنساني بالدرجة الأولى، ليتك تبعثين المادة لموقع "حكايا" في عمان، لتعمم التجربة؛ لأنها حقيقة تجربة مميزة.
أنا أقوم بتدريب حوالي 20 شاباً وصبية، من عمر 19 وحتى 36، على فن سرد الحكايات والقصص، الشباب والصبايا من جنين، ونابلس، وطولكرم، وقلقيلية، والقدس، وبيت لحم، ورام الله، وأريحا. ببساطة، رائعون، متشوقون لخوض تجربة الحكي، وقد بدأت بتدريبهم من خلال مؤسسة "تامر"، وذلك بهدف ان يحكوا الحكايات في شهر أيار، شهر الحكايات في مؤسسة "تامر"، التي اتخذت شعارها السنة "شعب واحد حكاية واحدة"، المجموعة رائعة جداً، التواصل بيننا مستمر وأنا متفائلة جداً بأن المجموعة ستكون نواة لمشروع "مدرسة فن الحكي الأولى في فلسطين". أنا طلبت من الشباب والصبايا أن يكتبوا عن التجربة، وقد بعثت لي "سامية" من أريحا، بنص حلو أبعثه لك، ممكن أن يكون مادة جيدة للنشر. تحياتي ومحبتي الخالصة». دنيس أسعد/ حيفا
حكاية سامية تمثل الحكاية الشعبية، جانباً من الثقافة للشعب وحياتة الروحية، فضلاً عما تحمله من لمحات تاريخية، لها دلالاتها الخاصة، كما وتعبر عن حب الناس للعدل والحرية والسلام، فلكل منا حكاياته الخاصة، منها الصالح والمزيف، فالبعض يحتفظ بها والآخر يكررها ليكمل الناقص منها، فمن هنا أبدأ حكايتي وتجربتي. زمن مضى، وكأنني أعيش حالة جنون نادرة، أشعر بأن شخصيتي مؤقتة، لم أقرر حياتي بعد. ينتابني شعور شبه يومي ومرهق، يترك أثراً قوياً بداخلي، أني مازلت تحت التجربة بكل خطوط حياتي. أحاول دوماً البحث عن مجذاف أتمسك به، كي لا أغرق، وحين أقترب منه، أتأكد بأنني اخطأت الرؤيا، فأحاول تكرارها ثانية؛ لأني أعيش على الأمل، فهو شمس ثانية، فأقوم بتدوين حكاياتي اليومية على دفتري الخاص بي.
وبتاريخ 18 / 4 / 2008 كان نهار جميل مشرق، حين شاركت بورشة الحكايات الشعبية، التي عقدت في "مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي"، بمشاركة (23) شاباً وفتاة، من (9) محافظات (أريحا، والقدس، ورام الله، ونابلس، وجنين، وطولكرم، وقلقيلية، وبيت لحم، والخليل)، فقد جاءت مشاركتي، من خلال مكتبة بلدية أريحا العامة، فهي مكان عملي الدائم. فقد تعرفت على الحكاية الشعبية وأهميتها، من الحكواتية "دينس أسعد"، التي يعجبني بها اعتزازها بنفسها، وبما تحفظه من حكايات، فلم يكن سردها سراً، بل تلقيها إلقاء فنان. تبدأ حكايتها بصوت خاشع، ثم يرتفع صوتها، مستخدمة إشارات يديها، في مواقف النجدة والشجاعة، ويرقّ صوتها متلطفة في تعبيرها، في مواقف المروءة والحب، وحين الحديث عن فن الحكاية عند العرب، وتحديداً في المجتمع الفلسطيني، وحين تؤكد على أن فن الحكاية سبيلٌ للحفاظ على الهوية الوطنية والتراث، وربط للحاضر بالماضي، خاصة في الواقع الصعب الذي نعيشه.
دفعت بي ورشة الحكايات الشعبية، إلى التواصل مع من شاركوني ذلك اليوم، ومن خلال عدة لقاءات عقدت بعد اللقاء الاول، لنخرج بخطة لشهر الحكايات. اتفقنا بأن يكون عنوانه "شعب واحد حكاية واحدة"؛ لأننا نحمل نفس الجرح والمعاناة والحرمان، ولأننا شركاء بنفس العلم الذي يحمل بألوانه رائحة الأرض الخضراء الطاهرة، وقطرات الدم الزكي، وبياض السلام وصفائه، ولون الحداد على شهدائنا.
كم هو جميل أن نجود بما عندنا من الحب، والخير، والعزيمة، والطاقة الكامنة بداخلنا؛ لنكون شباب وشابات قادرين على إحياء روح الحكايات الشعبية من جديد، لنقف سوياً، حتى نمنع حكاياتنا الشعبية من الانقراض، فهي هويتنا وتراثنا وتراث أجدادنا. سنروي جميعا حكايات شعبنا على أرضنا في شهر الحكايات، ونطلق الطائرات الورقية، تطير في الهواء، حاملة بأجنحتها أسماء مدننا الفلسطينية؛ لتصل الى كل مكان، لتصل الى كل عربي خارج وطننا الغالي.
هذه حكايتنا وسنعيش على أمل الحرية والإستقلال".
عزيزتي دينيس، أيتها الفلسطينية المعجونة بالحكايات:
تبدأ "سامية" بسرد حكايتها، ثم تتوقف. يذوب صوتها خلف صوت الكثيرات والكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني. تذوب حكايتها، ولا يظهر منها سوى إعجابها بأدائك، وإيمانها بأهمية الحكاية والحكايات.
سامية: حين يحكي كل منا حكايته، بنكهته الخاصة؛ تتشكَّل حكاية شعب واحد، يختلف ويأتلف.
لا نريد صوتاً غير صوتك، وحكاية غير حكايتك، بلغتك الخاصة وبقناعاتك. لا تخافي الاختلاف، أو كسر السائد والمألوف، فحياتنا هي في التجديد، والتنوع، والإبداع، وكسر القوالب الجاهزة.
بانتظار طائرتك الورقية، أقصد حكايتك.
faihaab@gmail.com