مساءلة النص الفلسفي المغربي المعاصر
طارق بوزكري
يسعى الكاتب المغربي يوسف بن عدي في نصه الجديد على كلامه عن منطقات المنهج ومداخل القراءة التي هي المنفذ الحقيقي لتقريب الخطاب الفلسفي العربي على وجه العموم، والفكر الفلسفي في المغرب على وجه الخصوص.يقول الكاتب: أننا لم نؤسس هذا الكتاب على أرضية إيديولوجية فجة أو على تشخيص أزمة من أزمات الخطاب المغربي المعاصر، سواء أكانت أزمة في البناء والاستدلال أو في الوظيفة والادلوجية، ولكننا أسسنا هذا النص على باعثين معرفي ونظري في منأى عن الاعتبارات الإيديولوجية{ص5}. وبهذا فان انشغال الكاتب يوسف بن عدي بهذه الرؤية المنهجية إنما تصدر عن اقتناعه أن قوة النصوص انما هي نابعة من قراءة خرائطها التصورية والنظرية أي الاليات بدلا من المضامين. يقول الباحث: وبناء على هذا الوضع وقع اختيارنا على زمن التحقيب الإشكالي كمقاربة لبعض النصوص الفلسفية المغربية الأساسية المعاصرة التي ساهمت في تحديد مسار التاريخ والسياسية والفكر على وجه الخصوص، أعني مقاربة الفكر المغربي من خلال نظام الإشكالية من حيث هي أداة وبؤرة تفكير المؤلف ووضعية التقبل {ص6}. لقد برر د.يوسف بن عدي اختياره لبعض النصوص بفعل الاقصاء المؤدلج والدعم السياسي الذي كان وراء اعلاء من شأن نصوص على حساب اخرى..اذ ان الموضوعية والالتزام يفرض علينا النظر في البناء الاستدلالي والمنطقي للنص. وان تناول الكاتب لخطوات المنهج والرؤية ،قد انسحب على المفكر العربي الجابري وبلقزيز وطه عبد الرحمن ومحمد المصباحي..ولقد جاء تصميم الكتاب على الشكل التالي: * مدخل عام: في المساءلة...وقراءة النص: هو مدخل منهجي يشرع من خلاله صاحبنا في تحديد مفاهيم: المساءلة التي هي النقد الايجابي والنقد المنصب على كشف التعدد المنهجي والتصوري لنصوص مغربية معاصرة وان هذه العملية إنما تنحصر في افق القراءة. والقراءة هي قراءة لفرد لحضارة أخرى كقراءة ابن رشدلأرسطو، وقراءة فيلسوف لثقافته وحضارته كقراءة ابن طفيل لابن سينا...الخ. والنص قد يكون أداة تغيير أو تزييف أو تشريع.. وأما القسم الأول: قراءات في التراث العربي الإسلامي: كيف نتعامل مع التراث؟ وهذا القسم يضمن عدة دراسات او مقاربات لنصوص : محمد المصباحي والجابري..والغاية التي يرومها د.يوسف بن عدي هي تعريف القارئ بالرؤية والمنهج المستثمرين في مشاريع هؤلاء الفكرية. اذ إن كلاهما يقرأ المتن الرشدي والأرسطي ـ الفلسفة الإسلامية القديم ـ بيد أنهما مختلفان أشد الاختلاف. فالجابري منهجه ثلاثي الاضلاع: البنيوي والتاريخي والطرح الإيديولوجي. وأما محمد المصباحي فمنهجه دلالي-إشكالي وقد وعد الكاتب يوسف بن عدي في مناسبات بأنه على مشارف نهاية كتاب جديد يتناول فيه مشروع المصباحي بالتفصيل. وأما القسم الثاني : قضايا الفكر العربي المعاصر: إشكالات النقد والتأسيس وهذا القسم ايضا يحتوي على مقالات في الحرية والمفارقة والإصلاح والايديولجيا.. وهو مقاربة لنصوص عبد الاله بقلزيز وعبد الله العروي وعلي امليل والجابري. وهذا القسم الثاني وهوايضا يسير في الاتجاه ذاته لرسم رؤى هؤلاء المفكرين المغاربة ولكن هذه المرة في مجال الاصلاحية العربية والخطاب النهضوي. *والقسم الثالث والاخير: في الفلسفة والتاريخ : البناء المعرفي ام الوظيفة الايديولوجية وهو قسم يضم نصوص حول طه عبد الرحمن وبعض الايبستيملوجيين المغاربة كالبوعزاتي وبن ميس...هؤلاء الذين تشهد كتاباتهم على الاطلاع الواسع في مجالات المنطق وتاريخ العلوم..وقد كان الباحث يوسف مصيبا في اختياراته لهذه النخبة العالمة للتعريف بهم تقديرا منه لهم على مجهوداتهم العلمية والابستيمولوجية وفي حقل فلسفة اللغة والمنطق. والملفت للنظر إن صاحبنا لم يضع خاتمة لكتابه هذا ، وهذا يفسر أن الكاتب لم يغلق الملف اغلاقا تاما ، بل لعله بدء التحقيق فيه وسبر أغوار الرؤية والمنهج في فكرنا العربي المعاصر.