مبارك ربيع يعود إلى درب سلطان

يوسف العباوي

احتضنت خزانة مرس السلطان الكائنة بشارع لامارتين يوم الجمعة رابع يوليوز 2008 ابتداء من الساعة السادسة مساء، لقاء حول ثلاثية درب السلطان للكاتب مبارك ربيع بمشاركة النقاد: شعيب حليفي، بوشعيب الساوري وعبد الطيف محفوظ، وذلك بحضور الكاتب مبارك ربيع ونخبة من المثقفين والمتتبعين.
وقد ترأس هذا اللقاء الإعلامي السدجاري الذي قدم للقاء بورقة تعريفية بالمبدع مبارك ربيع وإنتاجاته الروائية والقصصية والأكاديمية مبرزا مكانته الاعتبارية داخل الحقل الثقافي المغربي، ومركزا على أهمية الرواية المحتفى بها.
في البداية تدخل عبد اللطيف محفوظ بقراءة في الجزء الأول من الثلاثية المعنون بنور الطلبة، حيث ركز على خصوصية الكتابة عن الأمكنة المرجعية، التي تقر الموسوعة بوجودها الفعلي، مبينا أن أهمية هذا الإرث العائد إلى عهد المدرسة الطبيعية، تتجلى أهميته من جهة، في تسجيله لمجمل الأشكال المادية المجسدة في العمران، والسلوكية المجسدة في لأنساق التواصل الاجتماعي والتي غالبا ما تكون مهددة بالزوال نتيجة التحولات التي يفرضها التطور الذي يشرط إرغاماته، ومن جهة ثانية في تأريخه التخييلي لمسار حيوات في مكان حصري، يمكنه أن يصبح نصا تاريخيا موازيا يدعم أو يعارض ما يسجله المؤرخ الذي لا يهتم عادة بما هو خاص وجزئي..
ثم انتقل إلى تسجيل بعض الملاحظات حول إمكانات تأثير فعل التحبيك في المعطى السردي السطحي، حيث يمكنه المكر بالحكاية المرجعية الموجهة، وخلق دلالات تتجاوز وهم واقعيتها لتخلق دلالات أكثر عمقا وجمالية تصير بموجبها الأسطورة مرجعا بديلا لتمثل الدلالة، ومثل لذلك برموز النور والحية والبئر، في علاقتها بالألوان المنتقاة في الرواية بدقة محسوبة، وبمسارات الشخصيات في الأزقة والدروب،ملاحظا من خلال ذلك قدرة الرواية على تجاوز التعبير عن حياة ما في حقبة ما بحي ما إلى التعبير عن قضايا كلية وإنسانية.
وختم مداخلته بتقديم ملاحظات حول شكل السرد ونوعية السارد وشكل توظيف الزمن وسجلات اللغة، مقرا أن أهم سمات هذه الرواية هي المقروئية التي تساعد مختلف طبقات القراء من البسطاء إلى النقاد المتخصصين على التواصل نعها وفق قدراتهم التأويلية.
المداخلة الثانية قدمها شعيب حليفي وتركزت حول الجزء الثاني ظلال الأحباس،ممهدا بملاحظتين فنيتين حول مبارك ربيع و هوية الرواية المغربية قبل أن ينتقل للحديث عن الأبعاد الجمالية للثلاثية وعناصر التجديد التي أتت بها ليصل إلى تكثيف ما خلص إليه في دراسته للجزء الثاني .فَذَكَر البناء اللولبي الذي يرسم نصوصا تتوالد في خطوط ودوائر تتسع وتنمو كما تتجدد باستمرار . وهو ما يفضي إلى توالد حكايات متشدرة ضمن مشاهد تلملم الحكي ، وهو أسلوب مرتبط بتجديد الروائي للمرجع حيث يسوق الحكي إلى خلق مرجع جديد من مراجع شتى بجسور مع الواقعي والمحتمل ومع المتخيل والوهمي وذلك بصهر كل هذه المراجع ضمن تخييل خاص.
وختم شعيب حليفي ورقته بالحديث عن مستويات السرد والتقطيع وتشكيل الصور وكل العناصر التي ساهمت في تحقيق الجدة والمتعة .
أما المداخلة الثالثة فقد قدمها بوشعيب الساوري حول الجزء الثالث من الثلاثية نزهة البلدية مبرزا كيف تسلل مبارك ربيع إلى أهم معالم درب السلطان انطلاقا من شخصياته وما يطرأ عليها من تحولات، بخلق أجواء من الفرجة والحضور البارز للعب حيث يصير درب السلطان فضاء للفرجة ، مع إضفاء طابع سحري على فضاءاته. وتفاعله مع أحداث هامة تقع على مستوى الحي حتى صارت أياما في ذاكرته، من خلال عدة شخصيات،والتي ترتبط بوثاقة بالمكان ،و تقدم نماذج إنسانية مختلفة لسكانه.وبين الساوري أيضا أن سارد الرواية يقدم الشخصيات عبر مدخلين:الأول: ما تقوم به من أفعال سواء مباشرة أو ما تشير إليه شخصيات أخرى أو تقدم عليه من تصرفات غريبة. الثاني: من خلال تأملاتها، وما يدور في دواخلها من استيهامات واسترجاعات، ناتجة عن أزمة داخلية تعيشها. كما أنه يمكن التمييز بين نوعين من الشخصيات في الرواية، شخصيات منذورة لنفس الأفعال والمسارت اليومية تعترضها تحولات مثيرة. والثانية مسجلة لتلك التحولات ومتفاعلة معها. بحيث إن بناء الشخصية يخضع لبنية الخطأ والتوبة.
ثم بعد ذلك، أعطيت الكلمة للمحتفى به مبارك ربيع الذي شكر في البداية الجهات المنظمة للقاء، هذا اللقاء الذي أكد اعتزازه به، واعتبره أهم لقاء يقام في المغرب حول ثلاثية درب السلطان، نظرا لكون أغلب المشاركين فيه من أبرز نقاد الأعمال السردية المغربية والعربية. ثم انتقل إلى روايته الثلاثية ليؤكد أنهاكتبت في إطار الرغبة في إسداء الجميل لحي من أهم أحياء الدار البيضاء، والذي سبق له أن عاش فيه وخبر دروبه وفضاءاته وأناسه، وتحدث أيضا عن حيرته حين كان يفكر في وضع عنوان الرواية، حيث تزاحمت في ذهنه الأحياء الفرعية لدرب سلطان، ليقع الاختيار أخيرا، بناء على استراتيجية دلالية فرضتها السياقات السردية وما تحاول تجسيده من دلالات العناوين التالية المرتبطة بأحياء أساسية وتاريخية لدرب سلطان وهي: درب الطلبة ودرب البلدية والأحباس. وأنهى مداخلته بالتأكيد أنه من بين ما يدين به لدرب سلطان تعلمه فيه لفن الحكي بفضل السينما وساحات الحكي التقليدي بكراج علال.